محمد بوبكري

عن جريدة الاتحاد الاشتراكي

الاربعاء 3 ابريل 2013

يقول دعاة الإسلام السياسي بالديمقراطية شفهيا، لكنهم ينسفونها عمليا لأنها تتعارض جذريا مع أيديولوجيتهم، وهم يستغلون جهل أغلبية الناس وأميتهم لجعلهم يقتنعون بأن الحرية والديمقراطية مجرد هرطقة كفر! وأن الإسلام لا يكون إلا باحتجاب النساء، وتقصير جلابيب الرجال وإحفاء شواربهم مع إعفاء لحاهم! فهم يعتقدون أن أسلافهم كانوا على تلك الهيئة وحدها وبتلك الملابس دون سواها! لكن الأمر كان، في الحقيقة، على عكس ما يعتقدون ويصورون!
من الأكيد أنه كانت هناك دوما مذاهب وفئات منغلقة ومتشددة تعتمد فهما شكلانيا ومسطحا لروح الدين الإسلامي، وتسعى جاهدة، وبشكل متواصل، إلى فرض فكرها على سائر المسلمين. لكن ما يجهله أو يتجاهله دعاة الإسلام السياسي هو أن تاريخ الحضارة الإسلامية قد عرف أيضا فئات أخرى مستنيرة من المسلمين، اعتمدت العقل، واستنتجت أن الإسلام أعظم وأكبر من أن يتم اختزاله في لباس معين، أو طريقة معينة في حلق الشوارب واللحى، أو في هيئة أو مظهر عام… فالقرآن هداية، ما يقتضي قراءته بصورة مُحيَّنة، أي بما يتلاءم مع الزمان والمكان. ولو كان ما يزعمه دعاة الإسلام السياسي صحيحا لما استطاع الشاعر المتنبي أن ينطق بلسان حالنا اليوم ويواجه أسلافهم قائلا:
أغايةُ الدّين أن تُحفوا شواربَكم!
يا أمةً ضحكتْ من جهلها الأممُ!
فلو كان سائر الناس في القرن الرابع الهجري على هيأة ما يدعيه هؤلاء الدعاة، لما كان لشاعر مثل المتنبي أن ينكرها! ولو كانت النساء جميعهن محتجبات ومحجبات لما كان لشاعر آخر أن يقول:
أقبلتْ غُولةُ الصبايا تَخطِر في مُعلَمِ النقابِ!
هكذا، فاختزال الدين في اللباس يدل على جهل هؤلاء الدعاة بتاريخ الحضارة الإسلامية، وبجوهر الدين الإسلامي في الآن ذاته.
وما لا يعرفه هؤلاء هو أن الفضيلة لا تتحقق أبدا بالمنع والحجب والقهر وإنما بالتربية والقدوة والإرادة.. فعندما نعتبر المرأة إنسانا له إرادة أخلاقية وكرامة وشخصية مستقلة، ونعترف لها بحقوقها، ونثق بها ونحترمها ونعطيها فرصها كاملة في التعليم والشغل.. عندئذ فقط ستتحقق الفضيلة.
يستنتج المتأمل في خطاب دعاة الإسلام السياسي أنهم يصورون الله في هيئة مخيفة، مع أنه الرحمان الرحيم، حيث نستهل قراءة القرآن «باسم الله الرحمان الرحيم»، كما ورد على لسان رسوله (ص) حديث يتوافق مع روح القرآن يقول: «الخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالُ الله وأَحَبُّهُمْ إلى الله أَنْفَعُهُمْ لعِياله». وبذا، فالله تعالى ينهى عن العنف، حيث يقول في القرآن الكريم: «ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم»، ما يعنى أن الله محبة ورحمة ومغفرة… تبعا لذلك، فإن كل من يحكم على هذا الإنسان بدخول جهنم، وعلىآخر بدخول الجنة، يسقط في الشرك بالله، لأنه يريد أن يحكم مع الله، مع أن «الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء من عباده».
يمنح دعاة الإسلام السياسي الله عز وجل وجها عقابيا، لكن يجب أن نحب الله ليحبنا، فهو سبحانه وتعالى يحب من أَحَبَّه ويغفر لمن يشاء من عباده رغم ادعاءات فقهاء عصر الظلمات. وهكذا فمن ينعت من يختلف معه في الرأي أو عنه في اللباس أو في الأكل… ويرميه بالردة والكفر، يسقط في الشرك لأنه يحكم عوض الله، لكن الله سبحانه قد خاطب النبي في كتابه المجيد قائلا له: «فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر». تبعا لذلك، كيف يأتي اليوم بشر مثلنا فيرغبون في إحكام السيطرة علينا، ويؤكدون بأن كلامهم البشري هو من عند الله؟! فالربُّ لم يقل بهذا، بل إنه لا يقبل أن يتقوَّل عليه أحد، حيث قال في حق نبيه: «وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيل لأخذنا مِنْهُ بِاليَمِين ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوَتِين».

هذا ما قاله سبحانه في حق الأنبياء. وإذا كان الله لا يسمح للنبي بأن يسيطر على الناس، فكيف يسمح دعاة الإسلام السياسي لأنفسهم بأن يسيطروا على غيرهم؟! يقول تعالى: «فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر إلا من تولى وكفر فيعذبه الله العذاب الأكبر إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم». ويعني ذلك أن الله يقول للنبي لا تتدخل، فالبشر سيؤولون إلي، وأنا وحدي سأحاسبهم. وهذا ما يستوجب العمل بكلام الله لا بكلام دعاة الإسلام السياسي، حيث يقول تعالى: «فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا». إن الإسلام دين الحرية، ومما جعله دين الحرية ما ورد في القرآن الكريم: «من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، كما نص على أنه «لا إكراه في الدين». فهذا قول الله، ومن لا يمتثل له فهو يخالف تعاليم القرآن. لذا يلزم ألا نشتم أحدا وألا نمارس عليه العدوان لكونه يختلف معنا أو عنا، بل ينبغي الوقوف عند حد المناقشة الفكرية السلمية الحضارية، وتبادل الآراء في نطاق الحرية لأن الإسلام أساسا حرية.
تبعا لذلك، فما يقوله دعاة الإسلام السياسي أمر وضعي يضع حاجزا بين الله والإنسان. والإسلام عبادات، حيث يقول سبحانه: «إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ»، كما أنه حب ورحمة ومغفرة…، والمسلم من سلم الناس من يده ولسانه… والإسلام هو كلام الله كما أنزله بدون زيادة أو نقصان، والله بليغ يتحدث بفصاحة لا يحتاج إلى وسيط بينه وبين الإنسان، ولا إلى تأويل من قِبَل فقهاء الظلمات الذين يستغلون دواما جهل الناس وأميتهم وفقرهم لِيُقَرفِصوا عليهم عبر فرض وصايتهم السياسية على الدّين وجعله تابعا لهم. وهذا ما يشكل تدنيسا له وتحايلا على البشر…
يمكن تفسير اهتمام «حكومات» جماعات الإسلام السياسي بطول اللحى وحجاب المرأة… بعدم قدرتها على حل المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة لمجتمعات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ما يكشف عن عدم امتلاكها لأية رؤية أو أي مشروع، وعن استعدادها لإغراق البلاد في براثن الديون، وما ينجم عن ذلك تدهور خطير في مستوى معيشة الشعوب وضرب للحريات العامة… وهذا ما يدل على عجزها التام لحد الآن عن تطوير أي مشروع مهيكل…، الأمر الذي يؤكد أن الأيادي الأجنبية التي فرضت زعامات الإسلام السياسي على رأس حكومات هذه المنطقة لا ترغب في أي إصلاح، وإنما تريد زرع الفتنة الطائفية، وما يمكن أن ينجم عنها من كوارث كبرى ومآسٍ جسيمة…

3/4/2013

‫شاهد أيضًا‬

عمر بن جلون: القضية الفلسطينية ومواقف أُطُرنا * ترجمة : سعيد بوخليط

فقط مع الحالة الفلسطينية،شَغَلَ الالتباس الإيديولوجي أهمية أولية،وترتَّبت عن ذلك نتائج في …