عن الموقع الالكتروني “حكمة”
ـ حاوره : نورالدين علوش
بداية من هو الفيلسوف فتحي المسكيني؟
عجيب أمر السؤال “من؟” كيف يختزلنا إلى هذا الحدّ. كأنّه يمكن فعلا لأيّ شخص أن يعرّف “نفسه” بهذا اليسر والصرامة أو الاطمئنان. أنا من مواليد سنة 1961 في مدينة جميلة تقع في الشمال الغربي من تونس، اسمها “بوسالم”. كما ترى أنا من مكان مسالم، والسؤال “من ؟” يتطلب أكثر من ذلك. يقول نيتشه إنّه نادرا ما يكون المرء شخصا. فما بالك بالذي يحمل تهمة أو وزر “الفيلسوف”. وهذه تهمة ثقيلة. أنا ناصفت القرن منذ سنة وصرت إذن من قدماء البشر. أحمل دكتوراه الدولة في الفلسفة، وأخجل من تصنيف الناس حسب شهائدهم. لأنّ من تمدرس في قلبه، وهذا شيء عرفناه بفضل الثورة، ربما كان أقرب من جميع الأستاذين إلى محبة الحقيقة وحمايتها بجسمه الكريم. أنا حضري مؤقت أو مزيّف، بوجه ما، لأنّ طباع جبال الشمال وآداب مجاورة الوادي الكبير (مجردة) لا تزال تحت أنفاسي كأوّل مرة. وإن كنّا نعود إلى القرية، كما قال سلوتردايك، بشكل “ما بعد تاريخي”. لم نعد جزء منها، لكنها لا تزال جزء منّا.
في واقع الأمر أنا لا أملك سيرة فلسفية خاصة. أنا جزء من الجامعة التونسية. وهي التي مرّت بسلسلة من الاهتمامات الحاسمة، وكان هيدغر واحدا منها. لكنّ مقاعد الدراسة لا تكفي لتبرير طبيعة الحياة الفكرية التي تختارنا ذات مرة. وبصراحة، ظلت الجامعة التونسية تابعة للتقليد الفرنسي، ونحن جزء من هذا التقليد، حتى الذين يرفضون ذلك. لكنّ بعض الشرف الذي حصل في الأثناء هو ظهور نوع من المقاومة الرمزية لهيمنة التقليد الفرنسي، مثل التجرؤ على كتابة الأطروحات الجامعية بالعربية، وخاصة حول الفلسفة الغربية، لأنّ الكتابة بالعربية عن الفلسفة العربية هو أمر طبيعي.
أنا جزء من جيل حاول – ربما تحت وحي حدث تاريخاني كبير هو حرب الخليج الأولى سنة 1990- أن يغيّر قبلة الفلسفة في تونس، وذلك بالانخراط في خطة متكاملة للإنتاج النظري الجامعي بالعربية، ونعني خاصة أطروحات الدكتوراه والتأليف ما بعد الدكتوراه والتدريس المختص. كان ذلك الحدث حافزا حاسما، رغم أنّ هناك من سبقنا بشكل شخصي نحو هذا الاتجاه منذ الثمانينات. ما قمنا به نحن هو مأسسة هذا الاختيار وفرضه بطرق رسمية وعامة.
المطلع على كتاباتكم يلاحظ ارتباطكم الكبير بالفلسفة الألمانية وخاصة فلسفة هيدغر, فلماذا هذا الاهتمام؟
كنت أبحث عن فيلسوف قادر على أن يوفّر لي أدوات تجريب نظري على مسائل محددة سلفا، وتتعلق أساسا بمشاكل وجودية وتأويلية. أنا لم آت إلى الفلسفة (بعد الباكلوريا) فارغ اليدين من أيّ آفاق انتظار خاصة. فأنا قبل ذلك، وربما بعد ذلك، أنا شاعر. وكتبت الشعر منذ وقت مبكّر جدّا (في الثالثة عشرة من العمر). ولا زلت أكتب الشعر بشكل مستمر. وإن كنت لا أهتمّ بالنشر كثيرا. هيدغر استجاب إلى تطلّعاتي، ولم يفرض عليّ شيئا من خارج أفق انتظاري. وتجربة الشعر وضعتني في ورشة جبران بشكل مبكّر، ممّا يعني أنّني دخلت إلى ورشة نيتشه دون أن أدري. وهذا ما وقع: فقد قرأت كتاب زرادشت وكتاب النبي في نفس الوقت، في الخامسة عشرة من العمر. وهذه أحداث خاصة وضعتني على الطريق نحو هيدغر بشكل لم أستطع مقاومته. وهو ما تواصل بعد ذلك مع بعض تلاميذ هيدغر مثل دريدا أو سلوتردايك. وكل الذين يزورون ورشته على نفقة فلسفية أو تأويلية خاصة مثل نغري أو رورتي، …
كنت أشعر دوماً أنّ بين العرب والألمان أواصر قرابة مثيرة وغامضة. كلّ منهما له لغة صعبة وذات أصالة خاصة. وله مجد ضائع. ودين خطير قادر على ترجمة مضامينه الدلالية إلى آداب مدنية صارمة وكونية. وله حسّ انتماء عميق جدّا ولا يقبل التفاوض أو الانصهار في أيّ قومية أخرى. لكنّ القومية العميقة في لغة الألمان لم تمنعهم من تطوير أخطر وأعظم القيم الكونية في تاريخ العقل الفلسفي. وهذا ما دفعني على اعتبار تقليد الفلسفة الألمانية من كانط إلى سلوتردايك هو ببساطة مجال التجريب المناسب لتفكيري الخاص. ولذلك اعتبرت العمل على هيدغر في أطروحة الدكتوراه، اختيارا موفّقا، ليس فقط لأسباب أكاديمية، بل خاصة لأسباب شخصية: التدرّب من الداخل على التفكير المعاصر ولكن باللغة العربية. وهو ما جعل مشاكل الانتماء والهوية والقومية والدين مشاكل مطروحة من داخل المدونة الفلسفية العريقة وليس مجرد نقاش هووي أو دعوي لا صلاحية كونية له.
هيدغر علّمني كيف أفكّر بشكل خاص وكوني في نفس واحد. والاشتغال عليه وفّر لي فرصة امتحان إمكانية التفلسف بالعربية ولكن بشكل كوني. وذلك أنّه ليس أكثر كونية من السؤال عن معنى الكينونة. وكيف عمل في لحم اللغات الميتافيزيقية الكبرى – والعربية إحداها- وأنتج العالم كما نعرفه اليوم، عالم عصر التقنية.
سيدي الكريم هناك الكثير من الباحثين العرب يجتنبون هيدغر بسبب الصعوبات التي تواجههم أثناء الاشتغال على المتن الهيدغري , وخاصة كتابه العمدة” الوجود والزمان” كيف تتمكنون من تجاوز هذه الصعوبات؟
علينا التمييز بين الصعوبة النبيلة والعسر الأحمق. كل النصوص الفلسفية متى قُرئت بشكل عميق وجذري هي صعبة، وتملك غموضها الخاص. وهو أمر ناجم عن كونها في جوهرها تمرينا كونيا لا يقف عند ثقافة هذا الشعب أو ذاك. قلت “كوني” ولم أقل “كلّي”: ليس المقصود هو محاكاة اللغة الصورية أو الرياضية الكلية للعلوم. إنّ المشكل الرياضي صعب، لكنّ صعوبته تقنية ويمكن حلّها وتعليمها للناشئة في شكل تطبيقات وقواعد آلية صارمة. أمّا المشكل الفلسفي فليس تقنيا في أساسه. ولا قواعد له يمكن تطبيقها بشكل آلي. وهيدغر دفع بهذه الخاصية في التفكير الفلسفي إلى أقصاها: أنّ المفهوم الفلسفي ينبت دائما في تربة قومية. ومع ذلك هو كوني إلى حدّ المستحيل. لا يمكن التفلسف في شكل قائمة من المشاكل المنطقية أو الرياضية التي لا حلّ لها. فهذا علم سيّء أو إبستيمولوجيا كسولة بلا فلسفة. الفلسفة شيء لا علاقة له بالعلم. وبعبارة واحدة لهيدغر: العلم لا يفكّر. والقصد هو لا يفكّر بشكل كوني في الكينونة. رغم أنّه ينتج معرفة كلية بالكائن.
كل الصعوبة مع هيدغر تكمن في لغته. لكنّ أفكاره ليست صعبة إلاّ لمن لا يعتبرها مشاكله الخاصة كفيلسوف. هيدغر لا يقبل في ورشته مناطقة فرحين بما عندهم ولا نقادا يداوون عجزهم عن العلم بشتم الميتافيزيقا. ينبغي أن نحبّ ما يفعله هيدغر حتى نفهمه. وأن ننخرط معه في تجريب واسع النطاق لنفس المشاكل التي طرحها، ولكن بالإمكانات الثاوية في لغتنا. وحسب تقديري، هيدغر هو توحيدي يتكلم معجما يونانيا. وهذا أحد أسرار صعوبته. ولأنّ لغتنا كانت وثنية ثم صارت توحيدية فهي توفّر مخازن اصطلاحية لم نستفد منها إلى حدّ الآن بالشكل الكافي أو المناسب، ليس فقط في استجلاء غوامض لغة هيدغر ومتنه الكبير، بل في استنطاق كل تلاميذه، وخاصة دريدا أو ليفناس.
لقد اشتغلت على ترجمة كتاب “الكينونة والزمان” من جويلية 2003 إلى جانفي 2010. ولم يكن عملا سهلا أبدا. ولقد اضطررت إلى تغيير اختياراتي الاصطلاحية عديد المرات، حتى أظفر بالتوازن أو بالاقتصاد المناسب في المصطلح، الذي يضمن لي إخراجا متكاملا لشروط إمكان فهم محمود لمقاصد هيدغر على مدى مئات الصفحات. وهو يبني مسائل متراكبة ومترابطة ومتساوقة بشكل منقطع النظير.
لكنّني عدت إلى نيتشه سنة 2010 وترجمت في جنيالوجيا الأخلاق، ثم سنة 2011 إلى كانط وترجت الدين في حدود مجرد العقل. ليس هيدغر مهمّا بحدّ ذاته بل بقدر ما يرمي بنا بكلّ جذورنا في حلبة تأويلية قاسية ولكن عميقة وكريمة بشكل فظيع. وليست تلك الحلبة غير نمط كينونتنا الخاصة وقد انفجرت بين أيدنا في شكل نصوص بكر ووضعيات قصوى ولغات شبقة واختلافات لم يعد يمكن إرجاؤها حتى تتكوّن أيّة هوية مريحة. هيدغر لا يُحَبّ من طرف واحد. ولا يُحَبّ معزولا. بل ينبغي أن نتلطّف معه حتى نرى فيه أنفسنا القديمة والجديدة على حدّ سواء.
مع العودة قوية للفيلسوف الألماني هيدغر في الفلسفة المعاصرة خاصة من طرف فلاسفة ما بعد الحداثة( اغامبين…) , هل ممكن الحديث عن ما بعد العقل التأويلي؟
نحن نحاول الخروج من العصر التأويلي للعقل منذ مدّة ليست بقصيرة. لبعض الوقت بدا وكأنّ تجارب المعنى يمكن أن تكون بديلا مفيدا عن جفاف العلم وصحراء التحليل المنطقي للغة. لكنّ من يعرف ماضي التأويلية – وكلّ ماض يظلّ قاعة انتظار رهيبة تحاصر كلّ تكفير حرّ لأنّ التفكير الحرّ يتمّ دائما انطلاقا من المستقبل- هو يعرف أيضا بنفس القدر أنّ حماية حقول المعاني، مثل حماية الكتب المقدّسة والآثار الفلسفية والروائع الأدبية والفنية…، هي مهنة عتيقة وبلا أفق. والتأويل الذي لا يسخر من نفسه ولا يملك دائما فرصة وضع حدّ لأطماعه في التحول إلى عقل كسول ومريح، هو تأويل سيّء، ولا يصمد كثيرا أمام الانتظارات الهووية التي تؤرق كل الثقافات. هناك دوما “ما بعد” مما. شريطة أن نفهم ذلك في معنى طوبيقي وليس في معنى زماني بالضرورة. نحن “بعد” أنفسنا دائما. و”قبلها” أيضا بمعنى ما. لا أحد يقبل اليوم أن يظلّ مجرد “مؤوّل” لنصوص ميّتة أو فقدت علاقتها بهواجس الإنسانية الحالية. لم يعد مناسبا للعقل التأويلي أن يكتفي بتوفير تخريجات مرضية أو محترمة أو علاجية لمشاكل ماتت. التأويل يمكن أن يكون تملّكا بائسا للعقول الكسولة، مهما كان حجمها، فردا كانت أم دولة. ولذلك فإنّ مهمّة المستقبل لن تكون تأويلية إلاّ عرضا أو بشكل مؤقت. مهنة المستقبل هي التفكير الحرّ. وهو موقف لا يزال صعبا جدّا على الأجيال الحالية.
سيدي الكريم تطرح في كتابتكم الفلسفة, إشكاليات عديدة منها إشكالية الحرية والهوية , فكيف يمكننا معاجلتها فلسفيا؟
في الغرب الحديث ظلّ مشكل الحرية يتراوح بين “فهم الضرورة” (في الطبيعة) أو “الوعي بالضرورة” (في التاريخ)، أي بين سبينوزا وهيغل. لكنّ المجتمعات المركّبة الحالية، لم تعد تُفهَم لا بنموذج الطبيعة ولا بنموذج التاريخ. هي أوّل مجتمعات بلا طبيعة مستقرة. وأوّل مجتمعات ليس لها تاريخ واحد. إنّ الحداثة نفسها، كما بدأنا نفهم بشكل واسع، هي الطور الأخير من التوحيد، بعد ترجمة قيمه في قوالب المعجم اليوناني والروماني. لا يعني ذلك أنّها مجرّد “علمنة” لضرب من المضامين اللاهوتية الخجولة، كما شاع منذ كارل شميت. وبالتالي أنّ اللاهوت السياسي هو مفتاح تفسيرها. بل قد أثبت بلومنبورغ أنّ “العصور الحديثة” هي “أزمنة جديدة” لها “مشروعيتها الخاصة”. ونعني بذلك أنّها نابعة من تجارب حرية من نوع جديد تماما، وساهم فيها رجال دين إلى جانب أجيال من غير المتدينين. التقابل بين العلمي والديني تقابل كسول ولا يساعدنا كثيرا على تغيير طبيعة المشكل.
ما قصدت تبيانه هو أنّنا نشهد اليوم نهاية العصر الهووي على كامل الأصعدة. وفي المقابل فإنّ معجم الحرية لا يزال لدينا فقيرا وهشّا. لكنّنا لا نعني بذلك نهاية الهويات أو فسادها أو قرب انقراضها. ليس الخطر في الهوية بل في الهووي. الهووي هو كلّ شعور متسلّط يريد أن يفرض تأويلا واحدا وغالبا لأنفسنا باسم هذا الوثن أو ذاك. وهذا المركب الهووي ليس حكرا على المتدينين أو السلفيين. ففي كل حزب من أحزاب الحداثة هناك هوويون، أي سلفيون مناضلون لفرض سلطة روحية أو معيارية باعتبارها هي إرادة الخطاب التي تحرك الجميع أو يجب أن تحركهم.
ولذلك فإنّ الجديد في المقابل هو ولادة مفهوم جديد للحرية: لم تعد الحرية توقيعا خاصا بهذا الحزب أو ذاك. فقد يمكن أن يكون التنوير مستبدّا. كما يمكن لحركة روحانية أن تكون شكلا متقدّما من النضال من أجل حرية الضمير. الحرية أفق لكل ما هو حيوي. والاستبداد هو سقف قاهر لكل ما هو هووي. ولكلك يمكن أن توجد هوية نشطة وحرة، كما يمكن أن توجد حرية غير حرة وتابعة وكسولة. والحداثة نفسها دخلت في أفق أنفسنا الحديثة بشكل غير حر. كذلك التنوير. وآن الأوان لتحرير الحرية نفسها من سياسات الاستيراد وحاجات الاستهلاك التنويري. كما آن الأوان لتحرير الهوية نفسها من سياسات الاستبداد وحاجات الاستهلاك الدعوي. نحن نقدّر أنّه هناك إله فاعل وموجب وإثباتي، كما أنّ هناك إلهاً انفعاليا وسالبا وعدميا. وهذا يعني أنّ خصومة الإلحاد هي مزيفة وقاصرة عن أفقها الأخلاقي، أي أفق الحرية الموجبة.
سدي الكريم توظف الكثير من المفاهيم الفلسفية السياسية المعاصرة: كالإمبراطورية والجمهور لنغري والريزوم والمسطح لدولوز , فكيف يمكن توظيفها في قراءة واقعنا السياسي والثقافي ؟
من يفكّر يبحث دوما عن أدوات تفكيره في أي مكان. وفي الحقيقة ما كنت أعوّل عليه في فترة طويلة هو استدعاء العقول المعاصرة إلى مشاكلنا، ومحاولة الاستضاءة بهم في بناء ورشات عمل داخلية تساعد ثقافتنا على الانخراط في سياسة حقيقة من نوع جديد. وهذا كان اختيارا مؤقتا وعرضيا. لأنّه ما كان لنا أن نستفيد من فكرة “الإمبراطورية” لم لم يكن لها أنساب مفهومية في مدوّناتنا القديمة، مثل “الدولة العامة” أو “الخلافة”، الخ…والأمر نفسه يصدق على الريزوم والمسطّح أو الصعيد،…ونعني بذلك مفهومات من قبيل “النوابت” و “العصبية” و”الصحراء”،…في الواقع ليس لنا “واقع سياسي وثقافي” خاص بنا. نحن جزء لا يتجزأ من مشاكل معولمة، تخترقنا ونخترقها. ولذلك نحن نظل في حاجة إلى اقتباس أدوات التفكير في أنفسنا الحالية من أي مكان.
– سيدي الكريم انتم تدرّسون الفلسفة المعاصرة, فلماذا لا تهتمون باكسيل هونيث وسيلا بنحبيب وانطوني نغري واغامبيو؟
هؤلاء كتبوا في مسائل تهمني، نعني مثلا قضية سياسات الاعتراف و الهوية والاختلاف وحقوق الآخر والجمهور والحيوي،…وهذه كلها مسائل في فم الزمان، ولم يخترعها أحد، بل أفضل ما يقوم به أحدهم هو اختراع لعبة لغوية مناسبة للتفكير بشكل أكثر حدّة أو طرافة في نفس المشاكل. وهؤلاء مؤلفون أهتمّ بهم وأقتبس منهم وأحوال أن أجرّهم إلى التفكير معهم من داخل مشاكلنا، ولي برامج عديدة لترجمتهم…
– باعتباركم من المترجمين الكبار في مجال الفلسفة المعاصرة ,لماذ لا تهتمون بترجمة كتابات انطونيو نغري واغامبيو و كارل شميت و ليو استراوس.؟
ثمة تفكير جدّي في ترجمتهم ونحن نعمل على تكوين جماعة من المترجمين الشبان القادرين على تأمين استدعاء مناسب لكتابات هؤلاء وامتلاك جزء محمود من المكاسب النظرية والفلسفية التي حققوها. لكنّ الترجمة تختلف عن مجرد القراءة. إنّها عمل يتطلب التزامًا شبهَ نسكي فظيعا، ونادرا ما يتمّ الإيفاء به بشكل مرضي أو كاف. وفي الحقيقة أنا لست مترجما محترفا. بل لي غيرة كبيرة على النصوص الفلسفية وعلى الفلسفة كفن عزيز لا ينبغي على هذا الجيل أن يفرّط فيه. واهتديت آخر المطاف إلى أنّ الترجمة الفلسفية هي أيضا عمل فلسفي له أصالته الخاصة ولا يجب الخجل به أو الخوف منه. والمترجم لن يكون أو يصير عقيما من ناحية التفكير إلاّ إذا كان مترجما سيّئا.