تستعد حكومة عبد الإله بنكيران لإعطاء الدولة الحصانة المالية والقضائية ضد المواطنين أو الجماعات التي تربح قضية من القضايا ضدها أمام القضاء.
ويتضح من خلال المادة 8 في مشروع القانون المالي 2015، أن بوسعيد ومن وورائه زملاؤه في القانون، يريدون أن يجعلوا من الدولة شخصا فوق القانون، وذلك ضد الدستور وضد ممارسات عقد من القضاء الإداري الذي ركز مكتسبات كثيرة لفائدة الأفراد والجماعات ضد الدولة.
فماذا تقول المادة 8؟ وماذا يقول الدستور؟ ولماذا هذا الحرص على خلق دولة «ما فوق الحق والقانون»؟
في المشروع الذي قدمه وزير المالية في جلسة البرلمان العامة الأخيرة، وردت المادة 8 التي تقول من بين ما تقوله « في حالة ما صدر حكم قضائي (نهائى) يدين الدولة .. لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تخضع أموال وممتلكات الدولة للحجز لهذا الغرض».
ويمكن أن نلمس في هكذا تصدير ردة حقوقية حقيقية، ستجعل الدولة فوق أي قانون.
وبمعنى آخر، سيكون القضاء، بإصدار الحكم، في وضعية من يقول الحق وليس بقادر على فرضه، أو بمن يكتفي بأضعف الإيمان – أو تدقيقا – بأضعف الحق والقانون.
غدا سيمكن للمواطن أو للبنك أو الشركة العقارية أن تحجز على منزل موظف بسيط أو على قطعة أرضية لفلاح صغير، ويمكنها أن تصادر مسكنا لممرضة أو لمعلم رفعت دعوى ضده، لكن لن يكون للدولة الغنية أي خوف من القضاء.
الدولة التي لا تخاف القضاء في القضايا المرفوعة ضدها، هل يمكن أن تكون دولة حق وقانون؟
طبعا لا،
بل لا يمكن لنا أن نتحدث حتى عن دولة الدستور.
لأن مقتضيات الدستور تقول بعكس ما يقول قانون المالية.
فالقانون، الذي تعطله الحكومة اليوم، مضمن في المادة 6 من الدستور التي تقول بأن «القانون هو إرادة الأمة»، والأفراد، كانوا طبيعيين أو معنويين هم متساوون، وبالتالي فليس من المساواة في شيء أن تكون الدولة معفية من الحجز أو من المصادرة، في حالة صدور أحكام قضائية نهائية ضدها.
وقد كرس القضاء الإداري في السنوات الأخيرة العديد من الأحكام ضد الإدارة والدولة، لفائدة أشخاص طبيعيين أو اعتباريين، وأصبح في متداول الحياة الوطنية أن تنتصر الأحكام القضائية ضد الدولة أو ضد فروعها، وبدأت قوة القضاء تتكرس وتتعزز بفعل بسط سلطته على أقوى كائن في البلاد ألا وهو الدولة، و عندما يتراجع نفوذه وأحكامه في باب تنفيذ العقوبة المادية، فإن ذلك إيذان بأنه لن يوقف الدولة شيء.
فهل يكون الحكم القضائي الذي صدر ضد الحكومة في قضيايا حديثة بدأت تراودها كوابيس بعودتها إلى الخسارة أمام القفص؟
الغريب أن الحكومة الحالية سحبت من المتقاضين حقوقا حصلوا عليها .. منذ 1941! فالظهير الصادر في هذه السنة يعطي الحق لمن يدينون للدولة وذوي الحقوق من الحاجزين بالحجز على أموال الدولة الموجودة في الخزينة العامة؟
وبمعنى آخر، فإن المادة المذكورة، تعيد السلطة بيد الدولة على الشكل التالي:
يتوجه المدعي إلى القضاء، فيحصل على حكم نهائي لفائدته (ما يسميه أهل القانون قرار قضائي اكتسب قوة الشيء المقضي به»، ولما يسعى إلى تنفيذ الحكم، عليه أن يتوجه إلى منفذي القضاء، فيجدون أنفسهم من جديد أمام الدولة، التي كانت طرفا مشتكى به، وخسر القضية.
إن الحكومة تعيد الدولة من جديد كطرف منتصر لا يمكن أن يطبق عليه حكم قضائي ولو خسرت الدولة أمام القاضي.
إنها بالفعل لعبة «صداع الراس»، كبيرة!
لقد كان الدستور واضحا، وهو يتحدث في المادة 126 عن كون الأحكام الصادرة عن القضاء ملزمة للجميع. وقد ورد فيه بالتنصيص الممل أن«الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء ملزمة للجميع.
يجب على السلطات العمومية تقديم المساعدة اللازمة أثناء المحاكمة، إذا صدر الأمر إليها بذلك، ويجب عليها المساعدة على تنفيذ الأحكام»
كما كان الفصل 6 واضحا، وهو يؤكد بالتنصيص الممل «القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة. والجميع، أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له.»
ولم يبق للحكومة سوى أن تعلن بأنها غير ملزمة بتاتا بنصوص الدستور( وحتى في هذه الحالة، إننا لن نفاجأ بجديد!).
عن جريدة الاتحاد الاشتراكي
24 اكتوبر 2014