عن صحيفة العرب عبدالله آل هيضه [نُشر في 19/10/2014، العدد: 9712،
في 23 من آذار من العام 1980 قال رأس النظام السوري حافظ الأسد في ذروة صراعه مع المنتفضين ضدّه في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات ومن ادعى أنهم الإخوان فيما بعد: “إن الإخوان المسلمين في سوريا ليسوا مع القتلة ولا خلاف لنا معهم إطلاقاً بل نحن نشجعهم، ولهؤلاء الحق بل وعليهم واجب أن يقترحوا علينا وأن يطالبونا بكل ما من شأنه خدمة الدين، ورفع شأن الدين”، ثم وبمساعدتهم تمكن من القضاء على الانتفاضة الشعبية التي شهدتها مدن سورية عدة، وكانت الخطوة التالية إبعادهم عن سوريا إلى دول الخليج والعالم ليكملوا مشروعهم.
وفي خضم أزمات التيارات الدينية في السعودية، ظهر تيار هو الأكبر اليوم، نشأته معروفة وأساليبه وأدواته وأدبياته التي يقتبس منها تكفيرية صرفة، شعارات الحاكمية تخفي المنهج السياسي الطموح لغالب تلك التيارات.
مناخ السعودية
السعودية، بلد عاش ولا يزال منذ قرابة ثلاثة قرون على منهج السلفية أو ما يعرفه البعض بـ”الوهابية” التي تتبع المذهب نتيجة تحالف سياسي كبير بين الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب، ولم يطرأ أن ظهرت أيّ تيارات دينية تحابي السياسة، إلا بعد قدوم عدد من قيادات الإخوان المبعدين والمضيق عليهم من سوريا ومصر نتيجة الضغوط الحكومية.
أثمرت تداعيات حرب الخليج الثانية أو حرب تحرير الكويت 1990-1991 ظهور التيارات والتصنيفات الدينية بين: جامية وإخوانية وسرورية وجهادية، جميعها التصقت بالفكر السلفي المتغلغل في الأرض السعودية ولم تنفك عنها طبيعتها المجتمعية.
لكل تيار عرّابه، وبه تسمّت تلك التيارات، ومهد لها غياب الأحزاب السياسية أن تنشأ وتجد الوهج الكبير في أطياف المجتمع، وأثّرت كثيرا في المنهج السلوكي لبعض أطياف المجتمع، بل وكانت طريقا مختلفا لسلوك إما منهج الاعتراض أو القبول للحكومة السعودية.
بعد حرب الخليج
تيار السرورية، عاد للظهور بشكل كبير بعد حرب الخليج، وخاصة مع صعود الإخوان المسلمين (الأب الشرعي للتيار في السعودية) مع الثورات العربية، ليشكل أسلوبا إعلاميا تبين فيه مؤيدوه خاصة من الرموز التي تتبنى وتنتهج هذا المنهج، والد هذا التيار الذي عاش في السعودية وشكل مع غيره من الإخوان المسلمين المبعدين خاصة من سوريا قوة حضور، في السلك التعليمي، ومنه تمت تغذية المجتمع لأجيال عديدة، غالبهم اليوم يشكلون وعاظ المملكة.
التعليم بوابة الموجة السرورية
محمد سرور زين العابدين، إخواني شهير خرج من سوريا، وفتحت له السعودية بابها، فتقصد أن يكون لعمله شق روحاني في البداية، لكنه كشف بعد فترة وجيزة سعيه، خاصة وأن السعودية حاضنة العالم الإسلامي، لم تشأ أن تغير في منهجيتها الدينية، بل لأن رصيدها الإسلامي جعلها مهوى أفئدتهم وأفكارهم التي تبيّن خطرها.
تجاوز عمره 75 عاما، أشعل الأرض وغادر منبوذا، تلقفته دول عديدة، تنقل من سوريا إلى السعودية ثم الكويت وبريطانيا واليوم يعيش في الأردن، نشاطه الكبير بين دولتين مسبقا، السعودية وبريطانيا.
قاده المسار المعوجّ لإخوان سوريا، إلى الشمال الأوسط في السعودية، حيث منطقة حائل، معلّما في العام 1965 قضى فيها قرابة العام، ومنها انتقل إلى الجنوب منها، إلى مدينة بريدة موطن ما يوصف بالتشدد السعودي، وكان ضمن السلك التعليمي في المعهد العلمي في بريدة التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
الإخوانية بعيون سلفية
منذ سنواته الأولى ومحمد سرور زين العابدين، الهادئ طبعا وطباعا، والثائر فكرا وتكفيرا، من أشد المتأثرين بمنهج أبو الأعلى المودودي، الذي تأثرت به كتابات زعيم التكفير والعنف في الجماعات الإسلامية سيد قطب، وكلا الاسمين يشكلان عبر نتاجهما الفكري مسارا لمحمد سرور.
ولأن سرور مجبول على الحركية، عمد إلى تكوين رؤيته الإخوانية على أرض سلفية، فالسعوديون سابقا يقدرون من تطول لحيته ويتكلم بآيات القرآن وأحاديث الرسول، فجعل له أهل بريدة منزلة عالية، فمهد له ذلك أن يدخل لهم مجتمعيا بذات المكتسبات الإخوانية لكن بثياب أحسن تفصيلها من ثياب السلفية السعودية.
علم أنه لن ينجح في بدء بث فكره وتكفيراته دون أن تختلط الرؤية الإخوانية بماء السلفية، فنبتت له السرورية التي تشكل الطيف الكبير المؤثر اليوم في السعودية، منذ أن ظهرت تدريجيا بين النخب في المجال الإسلامي منذ السبعينات وتشكلت منهجا مؤثرا في الثمانينات بين طلبة العلم، خاصة بعد سوء العلاقة بينه وبين مناع القطان (مصري إخواني عاش في السعودية) وكذلك عصام العطار (المراقب العام للإخوان المسلمين في سوريا) الذي انشق عن الإخوان المسلمين فيما بعد.
السرورية والإخوان
رحمهما واحد، لكن عداءهما لم يكن جليا سوى في السعودية، بعد التنافس الكبير بينهما بغية كسب المجتمع، حيث كانت مدرسة محمد سرور وحتى في بداياتها لم تشأ أن تجعل السلفية السعودية في موقف الخصم، بل كانت محترمة لها، وهو ما عكر صفو الإخوان بعد تضييق الخناق عليهم من قبل الحكومة السعودية في الثمانينات، فانفردت السرورية بالمجال وظهر عداء التنافس بين الإخوان والسروريين في ملعب واحد كلاهما مكروه.
صراع النفوذ ذلك، ونجاح السرورية مقارنة بالإخوان رغم التقاطع الكبير والواضح بينهما، مرده إلى معرفة محمد سرور بالطبيعة السعودية وجغرافيتها وتعدد الأطياف المجتمعية، حيث نجح في بث ذلك في منطقة نجد السعودية، وكذلك المنطقة الشرقية رغم العداء، ونجاح طفيف في الغربية والجنوبية.
الصحوة والسرورية والمعارضة
بدأ نشاطه تحت عباءة السلفية، من خلال المعهد العلمي والجمعيات الخيرية في المملكة، وكان محاضرا ومعلما لكثير من طلبة العلم، يعد أبرزهم سلمان العودة، فعزز لديهم فكرة الحاكمية، وانتهاج الحركية الإسلامية في قلب كل شيء ضد السلفيين، بل وكان محمد سرور من جعل له خصوما من تيارات أخرى كانت موجودة ومؤثرة وعميقة الحضور في المجتمع السعودي، لكنه لم يعرف لها اسما إلا من خلال السروريين. وأبرزهم معاداة لهم هم من أطلقوا عليهم وصف “الجامية” نسبة إلى الشيخ محمد أمان الجامي.
برز مسمى السرورية الذي يفتخر به محمد سرور نسبة إليه، بعد حرب تحرير الكويت، وزاد من شعبيته، نظرا لأن خطابهم ركز على جوانب مختلفة وغير معتاد الحديث عنها من قبل المؤسسة الرسمية الدينية ورجالها، فكان خطاب الجماعة موجودا في الأنشطة اللاصيفية داخل المدارس السعودية، وعبر مراكزها الصيفية.
له حضور كان يقدره أولو الجهاد المزعوم، كنتيجة طبيعية لأسلوب العنف والتكفير الذي كان عليه خطاب محمد سرور، وشكل للجهاديين بؤرة فكرية ومنطلقا لأدبياتهم كون سرور يرى أن “الجهاد” الشريعة الغائبة عن التطبيق في المملكة وكان ذلك مسوّغا لبدء التكفير ضد الحكومة السعودية التي أحسنت وفادة أولئك الإخوان لكنهم انقلبوا عليها وسيطر فكرهم على الشباب الجديد، المتحمس للمطالعة والقراءة والكتابة وتعلق المنابر.
مرحلة “الصحوة” وشيوخها التي عاشتها السعودية هي السرورية التي يتزعمها محمد سرور، لكن الاسم اختلف وهي مرحلة تجمع السروريين، بغية تأسيس منهج جديد انقلب على ما درجت السعودية مجتمعيا العيش فيه، فكانت الصحوة هي زمن حضور السروريين الذين تعمقوا في حضورهم من الجانب التعليمي فسهل عليهم مسك زمام الخطاب الوعظي والتربوي في المملكة، بل وأصبح الكثيرون من المتأثرين بالمرحلة الصحوية وقودا ومحركا لوزارات عديدة منها وزارة الشؤون الإسلامية.
مجلتا المجتمع والبيان
بعد انتقال محمد سرور إلى الكويت، كان له طموح إعلامي كبير فالتحق بمجلة المجتمع التي كانت حاضرة بقوة وبشكل مؤثر في السعودية، وهي مجلة إخوانية شهيرة، تطرقت بجرأة يفتقدها السعوديون إلى ملفات عديدة وأجرت حوارات مع رموز عدة في التيارات الإخوانية عبر الدول.
ومارست المجلة دورا إعلاميا مختلفا، لكن نجاحها بدأ يخفت سعوديا بعد صدور مجلة البيان التي شكلت صوتا سروريا آخر بدعم كبير من قبل رموز هذه المدرسة السرورية في صراع إخواني سروري لكسب النفوذ وتحقيق المبتغى.
سرور وبريطانيا
انتقل محمد سرور زين العابدين إلى بريطانيا بعد عامين من حرب تحرير الخليج، ونظرا لخبرته الكبيرة في العمل الحركي الإسلامي، شكل له علاقات متعددة بأطياف الفكر الإسلامي، وأسس مركزا مختلف المسمى لا يوحي بما يعتنقه ويسير عليه محمد سرور، ليظل قريبا من جميع التيارات، حيث أسس مركز “دراسات السنة النبوية” في مدينة برمنجهام وأصدر من خلال المركز مجلة “السنة” التي حملت فكرا مشابها لمجلة البيان، ولكنها لم تجد الصدى الكبير نتيجة منعها في غالب الدول العربية.
أقام محاضرات عدة في مختلف المدن البريطانية، وقاد هجوما صريحا على غالب الأنظمة العربية، ومنها السعودية التي اتهم فيها بعض القادة بـ”الكفر” وكأنه يرد الدين نظرا للخناق الذي طارده طيلة مسيرة حياته التي انتهت به إلى الأردن اليوم.
له مؤلفات عدة، أبرزها “سلسلة الحكم بغير ما أنزل الله” وهي نتاج أسلوب محمد سرور التكفيري والقطبي المودودي الذي يسير عليه منذ بواكير حياته.
نجح في سروريته التي غزت المجتمع السعودي، لكنه لم يضع لها أفقا مستقبليا، بل جيّش وغادر وارتحل، وعمد إلى تعليم رموزه الأوائل ومنهم ناصر العمر وسلمان العودة كيفية تضخيم الأحداث وتسييس القضايا لصالح الفكر الذي مجد كثيرا محمد سرور.