يولي الاتحاد الاشتراكي أهمية بالغة لمنظومة التربية والتكوين باعتبارها قضية وطنية ذات صبغة استراتيجية، وأداة فعالة لتعبئة الرأسمال البشري من أجل التنمية الشاملة، وهو بهذا المعنى يضعها في صلب مشروعه الديمقراطي الحداثي، التواق الى بناء مجتمع المعرفة والكرامة والتسامح.
وإذا كانت الدولة تعلن عن الإرادة السياسية في النهوض بالشأن التعليمي ببلادنا وترصد سنويا أكثر من ربع الميزانية العامة لهذا القطاع، فإن النتائج المرجوة ما زالت بعيدة المنال , إن لم نقل إنها مخيبة للآمال، خصوصا في مجال الارتقاء بالجودة ومحاربة الهدر وربط التكوين بالتشغيل والاندماج الاجتماعي، والخلل في منظورنا يعود بالأساس إلى غياب رؤية استراتيجية منسجمة للإصلاح التربوي، والى طغيان السياسات التقنية التجزيئية القصيرة الأمد، واعتماد حكامة تدبيرية ذات صبغة إدارية ممركزة ، هذا فضلا عن التردد العام في ابتكار الحلول الملائمة للإشكالات البيداغوحية الكبرى، وعدم ربط المسؤولية بالمحاسبة والمساءلة .
إن تعبئة المجتمع في هذا الورش الإصلاحي الكبير ممكنة، انطلاقا من الوعي بروح المسؤولية الوطنية، وانطلاقا من ضرورة الحفاظ على المكتسبات المتحققة، ومن أهمية انخراط الجميع في ورش إنقاذ المنظومة وإعادة بناء حقيقية لها، بما يجعلها مستجيبة لمتطلباتنا التنموية والحضارية ، ومتلائمة مع التطورات التي تجري في مجتمعنا وفي العالم من حولنا، وبما يجعلها منظومة ذات جودة وجدوى، منظومة تؤسس لمسار تكوين مغربي منفتح على محيطها ومتجاوب مع تطلعات الشعب المغربي،
لذلك فإن التوجه نحو الأفق الإصلاحي الممكن يقتضي القيام بمراجعة شاملة لواقع المنظومة التربوية في مستوياتها الاستراتيجية والسياسية والتدبيرية ، وذلك بما يمهد لبناء مشروع تربوي وطني مشترك واقعي وطموح ، قابل للأجرأة المتدرجة و للاستثمار المجتمعي المربح.
1) المقاربة الإصلاحية:
يتعين أولا وقبل كل شيء تجاوز المقاربة الإصلاحية العامة التي حكمت الميثاق الوطني للتربية والتكوين ، والتي تحت إكراه عامل التوافق والتراضي بين مختلف الفرقاء، جعلت الإصلاح التربوي مراجعة شاملة للمنظومة الوطنية للتربية والتكوين، تعتمد نظرة تجزيئية، و تفتقر الى خيط ناظم أو رؤية مندمجة، مراجعة تتداخل فيها عدة استراتيجيات متجاورة وأحيانا متناقضة، تقليدا نية وحداثية، نيو ليبيرالية وتحكمية، حمائية وانفتاحية ، تكنوقراطية وسياسية، تدبيرية وبيداغوجية.
ونظرا لغياب هدف استراتيجي جامع ومانع لوثيقة الميثاق، فقد كان يتعذر في كثير من الأحيان وضع الأجرأة المناسبة والفعالة لمقتضيات الميثاق، وفي أحيان أخرى كانت الجهود تنصرف لتأويلات خاصة لمفردات الميثاق وتوجهاته، دون القدرة على اعطائها دلالة ملموسة تستجيب للحاجيات الفعلية، من قبيل الهوية الوطنية، التدبير اللامركزي، الشراكة مع التعليم الخصوصي، تعددية الكتاب المدرسي، الانفتاح اللغوي، التدريس بالكفايات.
لذلك يتعين تركيز الرؤية الإصلاحية مستقبلا في هدف استراتيجي واضح ومهيكل تتفرع عنه أهداف اجرائية تشمل مختلف مجالات التربية والتكوين.
فعلى الدولة أن تحسم في خيارها الإصلاحي البعيد المدى، وأن تكون لديها رؤية واضحة حول التحول الأساسي الذي تنتظر أن يحدثه هذا الاصلاح في المنظومة التربوية، هل هو تحول:
* من الدولة المربية( Etat Educateur) الى الدولة الناظمة ((Etat régulateur .
(النموذج الأنغلوساكسوني)
* من العرض الى الطلب (الدول الأوروبية)
* من التقليد الى التحديث (دول الخليج والعالم العربي)
* من المركزية الى اللامركزية( أمريكا اللاتينية)
* من التعليم الى التعلم (كندا ودول جنوب شرق آسيا)
ونعتقد أنه لايمكن للاستراتيجية الاصلاحية المقبلة أن تأخذ من كل مسار من هذه المسارات بعض المفاهيم والإجراءات الجزئية لتصنع مشروعا إصلاحيا مندمجا ومتماسكا لمنظومتنا التربوية.
إننا نرى في هذا السياق ضرورة إصلاح التعليم انطلاقا من أسئلة جديدة تراعي مقتضيات العصر، وانطلاقا من رؤية مندمجة تستجيب لحاجات التنمية الاقتصادية، وتعزز قيم المواطنة والعقل والحرية، وتستشرف ولوج مجتمع الحداثة والمعرفة، وتتوخى تأسيس تعاقد جديد بين المنظومة التربوية والمجتمع المغربي، تعاقد يتأسس على ضمان تكافؤ الفرص، وعلى حماية الحق في تعليم جيد، وعلى إعادة تدقيق وظيفة المنظومة التربوية المغربية وتحديد مسؤوليات كافة شركائها.
2) تقنين التوافق:
إننا نعتبر أن المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي الذي أقره دستور 2011 باعتباره هيئة دستورية عليا، هو المؤهل لاحتضان حوار وطني حول إصلاح منظومة التربية والتكوين، وهو المؤهل دستوريا لبلورة المشاريع الإصلاحية وتقديم الآراء الاستشارية في مختلف القضايا التربوية الخلافية.
غير أن أفضل سبيل لضمان استمرارية المسارات الإصلاحية التي نبه إليها جلالة الملك، ولتأمين استقرار المشاريع التربوية البعيدة المدى، هو الخروج من منطق التوافق إلى سلطة التشريع، كما هو الشأن في العديد من التجارب الإصلاحية في العالم.
ان التدبير المثمر والفعال لاستراتيجيات إصلاح شأننا التربوي يقتضي الإنهاء مع التدبير بمرجعيات توافقية عامة لا تلزم بالضرورة الفاعلين السياسيين، ولا تترتب عن اهمالها أوخرقها أي مساءلة ذات صبغة قانونية أو مؤسساتية.
فإذا كان لابد من الحوار الوطني والاستشارة الواسعة، والتوافق حول التوجهات الاصلاحية الكبرى، فإنه يبقى من اللازم ترجمة كل ذلك الى مقتضيات قانونية لتحصين المكتسبات ولتحديد المسؤوليات ، ولتوثيق التعاقدات وحماية الحقوق.
ان الاتحاد الاشتراكي في هذا السياق لا يرى أي فائدة في أن تبقى اشكالية التربية والتكوين في بلادنا موضوع مجادلات ايديولوجية لاتنتهي، وأن تظل القضايا التربوية عالقة ومجمدة بذريعة أن التوافق بشأنها لم يكتمل بعد، لأننا بذلك كفاعلين سياسيين سنرهن أجيالنا المستقبلية لعقود أخرى في انتظار حصول توافقات هشة غير ملزمة.
بهذا المعنى لا ينبغي للورش الاصلاحي المرتقب أن يعود بنا مرة أخرى الى المناقشات المذهبية في المبادئ العامة ، خصوصا وأن الدستور الجديد قد حسم في العديد من القضايا الشائكة كالهوية الوطنية واللغات والحقوق والواجبات، لذلك فقد آن الأوان في اعتقادنا لكي تتمتع منظومتنا الوطنية للتربية والتكوين بقانون اطار أو بمدونة قانونية تحدد التوجهات الكبرى والخيارات الاستراتيجية التي من شأنها تأطير السياسات التعليمية وتحديد وظيفة المدرسة ومكانة الجامعة، ودورهما في تعزيز التماسك الاجتماعي وتحقيق التنمية الاقتصادية.
وسيكون من المفيد جدا أن نستلهم بكل شجاعة تجربة مدونة الأسرة التي رعى جلالة الملك توافق الأمة بشأنها ، قبل أن يعرضها على المؤسسة التشريعية التي وضعت لها نصوصا قانونية في شكل مدونة شاملة ما أحوجنا اليوم الى مثلها في منظومتنا التربوية.
3) الهوية الوطنية:
كل نظام تربوي يعكس تمثلا لمشروع مجتمعي معين، فما هو المشروع المجتمعي الذي نستنبطه من مضامين الميثاق؟
واضح أن إكراهات التوافق تفرض عموميات وأحيانا تناقضات تحيل الى التباسات أكثر مما تفصح عن مشروع مجتمعي واضح المعالم، في هذا السياق لم يحسم الميثاق في تحديد الهوية الوطنية وروافدها المتنوعة كما حسمها الدستور الجديد بوضوح. وهو ما جعل الممارسة التربوية تعمل على تعويم الهوية في انتماء أحادي لا يرسم الحدود بين (اللغة العربية والعروبة بين المشرق والمغرب) ويجعل الوطنية المغربية تتكئ على نقطة ارتكاز هي المشرق كما نتمثله في صفائه وليس المشرق الواقعي بتعقيداته المختلفة.
كيف يمكن للمنظومة أن تنهض بوظيفتها الأساسية في اعداد الأجيال المقبلة للاندماج في الحياة الاجتماعية، أي كيف تكون الأجيال ماهرة وفي نفس الآن أيضا تصنع الهوية الوطنية بكيفية وظيفية؟.
اننا نعتبر أن المشاريع الاصلاحية السابقة كانت تطرح مسألة الهوية بكثير من الاختزال وبنوع من التضخيم يتحول الى هاجس سياسي غير معبئ للأجيال الناشئة و ليس له أي مفعول تربوي أو وظيفة تنموية، لذلك يتعين مستقبلا اعتماد مقاربة وظيفية لمسألة الهوية والانتماء الوطني في التأسيس لمشروع الإصلاح التربوي.
4) الحكامة:
وضع الميثاق الوطني للتربية والتكوين إطارا عاما للحكامة الجيدة في قطاع التربية والتكوين من خلال المجال الخامس المتعلق بالتسيير والتدبير والمجال السادس الخاص بالشراكة والتمويل.
وتجسيدا للمرتكزات الأساسية المؤطرة لنهج الحكامة الواردة في الميثاق الوطني للتربية والتكوين تحققت بعض المنجزات في مجال التسيير والتدبير شملت الجوانب التالية:
* إعادة النظر في اختصصات المصالح المركزية لقطاع التربية الوطنية وفق توجه يعتمد الارتقاء بالوظائف الاستراتيجية كالتأطير والتنظيم والتوجيه والمراقبة والتقويم ، والتقليص من عدد المديريات المركزية.
* إحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين وفق القانون 07.00 والجامعات وفق القانون 01.00 وتحديد اختصاصاتها ومهامها ووضع تنظيم هيكلي لها مع إعادة هيكلة النيابات والمؤسسات باعتبارها مصالح إقليمية تابعة للأكاديميات وللجامعات ومراجعة اختصاصاتها في ضوء القانون الجديد المحدث للأكاديميات وللجامعات.
* إحداث جهاز المفتشية العامة للتربية والتكوين يهتم بتقييم القدرات التدبيرية للقطاع في المجالين الإداري والمالي.
غير أن المجهود التنظيمي والتشريعي المتمثل في إعادة النظر في الجوانب المهيكلة للقطاعين، وإقرار نهج اللامركزية واللاتمركز وتدعيم المنظومة بعدد من النصوص القانونية، لم يواكبه مجهود مواز على مستوى إرساء وتفعيل آليات التدبير الإداري والتربوي واعتماد حكامة جيدة في تطوير منظومة التربية والتكوين في مختلف مستويات التدبير، وطنيا، جهويا، إقليميا ومحليا .
كما أن النظام التعليمي ما زال يفتقد إلى الآليات اللازمة للحكامة الجيدة، ولم يؤهل القدرات التدبيرية للمسيرين في جميع مستويات اتخاذ القرار ، ولم يستكمل تطبيق اللامركزية واللاتمركز من خلال توسيع وتفويض الاختصاصات والصلاحيات في مختلف مستويات المسؤولية، حيث ما زالت مجموعة من القرارات الاستراتيجية في يد القطاعات الوصية، وتتجلى مؤشرات ذلك فيما يلي:
* غياب التفويضات الضرورية كتلك المتعلقة بالتوظيف والتعيين والتوقيف والعزل.
* عدم توفر الأكاديميات والنيابات على الوسائل الضرورية لممارسة ناجعة لاختصاصاتها،
* عدم توفر أغلب الاكاديميات والجامعات على موارد بشرية مؤهلة لتدبير المنظومة التربوية ماليا وإداريا،
* عدم تفويض الاختصاصات إلى النيابات والمؤسسات في إطار اللاتمركز الذي يستدعي الاستقلالية الإدارية والتربوية في أفق تحسين النتائج الدراسية للتلاميذ والطلاب،
* الحكامة الممارسة لم تعمل على تكريس المسؤولية وتوضيحها وفق مهام تحدد مختلف مستويات التدبير في غياب نهج تدبير عصري متمحور حول النتائج والمساءلة والتقويم واعتماد مقاربة تشاركية تمكن الفاعلين والمتدخلين من حل المشكلات الفعلية للقطاع وللمؤسسات التعليمية ،
* طريقة عمل مجالس الجامعات والأكاديميات ومجالس المؤسسات لم تستجب لمتطلبات التدبير التشاركي على المستوى المحلي والجهوي، حيث لم تستطع الأطراف المعنية من الاضطلاع بالمسؤولية كاملة ،
* تركيبة مجالس الجامعات والأكاديميات ونقاشاتها تنصب على برنامج العمل والميزانية والوسائل دون التداول في النتائج البيداغوجية والتربوية والبحثية وتسير في المنحى نفسه مجالس تدبير المؤسسات التي ما تزال في حاجة إلى التأهيل وضمان الإسهام المتضافر والفعال لأعضائها في التدبير الجماعي لشؤون المؤسسة بتعاون مع إداراتها.
* عدم استكمال سيرورة إرساء نظام للجودة، وذلك بعدم وضع الإطار التنظيمي والقواعد التشريعية لآليات الافتحاص التربوي الذي لم يتجاوز حدود التجريب.
كل هذا وغيره يجعل المنظومة الوطنية للتربية والتكوين اليوم محط تساؤل عن مدى قابليتها للحكامة الجيدة، خاصة وأن تفعيل بنود الميثاق الوطني للتربية والتكوين والمخطط الاستعجالي كشف عن صعوبات في التنفيذ ، مما يرسخ في الذهن بأن هذه المنظومة أضحت تتسم بالتعقيد وبعدد من مكامن القصور ، من شأنها أن تجعل الإصلاح مهمة صعبة ومتشعبة لذا فإن مداخل تحسين نظامنا التربوي تكمن في ترسيخ الطابع المحلي والجهوي للمنظومة ، وفي الدفع باللامركزية إلى أقصى مدى مع مراعاة تنوعها، كما أن قابلية منظومة التربية والتكوين للحكامة الجيدة تتطلب تأهيل هيئة التدريس وتحديث الإدارة التربوية ، وجعل المنظومة موضع تقويم منتظم وربط المسؤولية بالمحاسبة.
لقد أصبح الاهتمام اليوم منصبا على سبل تحقيق الحكامة المعتمدة على ترسيخ المسؤولية المرتبطة بالمحاسبة ، وأضحى اللاتمركز وتوضيح المسؤوليات وثقافة التقويم من أسس السياسات التربوية في العديد من البلدان .
ونعتقد أن مجموعة من التدابير والإجراءات والقرارات أصبحت ضرورة ملحة نذكر منها :
*ضرورة اعتماد المساءلة والمحاسبة في مجال تدبير النظام التربوي ماديا وتربويا وفقا لما ورد في دستور 2011 الذي يخضع المرافق العمومية لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمراقبة والمسؤولية ، ويعتمد في تسييرها المبادئ والقيم الديمقراطية .
o ضرورة العمل على ترسيخ نهج اللامركزية واللاتمركز من خلال مراجعة الهيكلة الحالية لقطاع التربية الوطنية والتكوين المهني بما يضمن تحقيق الترشيد والمرونة والجودة وتوسيع تفويض الصلاحيات والاختصاصات من الوزارة إلى الأكاديميات ومنها إلى النيابات الإقليمية فالمؤسسات التعليمية في أفق منح استقلالية أوسع للمؤسسات التعليمية وتثبيث استقلالية الجامعة كما حددها القانون 01.00 مع تفويض مجموعة من الاختصاصات الى عمداء ومدراء مؤسسات التعليم العالي ومراكز البحث، واكتفاء المصالح المركزية بالوظائف الاستراتيجية والتوجيه والمراقبة والتقييم…
o مراجعة الهيكلة الحالية للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين ومصالحها الإقليمية (النيابات) وتأهيل مواردها البشرية لتتبع تنفيذ المخططات التربوية والاضطلاع بمهام التدبير الإداري والتربوي والمالي والمراقبة ، وكذا ضبط اختصاصات ومسؤوليات كل طرف بدقة وإحداث الانسجام بين سلطات ومسؤوليات البنيات اللاممركزة وتعزيز دور مدير المؤسسة بتكوينه وتأهيله لجعله محور الإصلاح .
o مراجعة تركيبة المجالس الإدارية للأكاديميات ومجالس الجامعات والمؤسسات ودوراتها ولجانها التقنية وإعادة النظر في منهجيات العمل المتبعة لترقى إلى مستوى وضع المخططات التربوية الاستشرافية وتنفيذها وتوجيه السياسة التربوية الجهوية وملاءمة القرارات الاستراتيجية مع الخصوصيات الجهوية .
o مراجعة تعددية المجالس وتعدد اختصاصاتها على مستوى المؤسسات التعليمية و المؤثرة على التدبير العادي للمؤسسة ، وترسيخ ثقافة تدبيرية تبنى بالأساس على تعبئة وانخراط وإشراك جميع الفاعلين والشركاء في اتخاذ القرار التربوي المحلي .
o ضرورة تنمية القدرات التدبيرية الوظيفية للفاعلين في المنظومة التربوية لقيادة مشاريع الإصلاح وإنجاح التغييرات اللازمة في أسلوب الحكامة بالمزيد من اللاتمركز والاستقلالية .
o التعجيل بمراجعة مواد من القانون 01.00 (ما يرتبط بوضع الاستاذ الباحث المادة 17 والمواد المرتبطة بها، دور الشعب في المؤسسات تركيبة مجالس الجامعات ومجالس المؤسسات، البحث العلمي…)
5 ) التوجيه وهندسة الأسلاك
أو ما سماه الميثاق خطأ بالتنظيم البيداغوجي في المجال الثاني الذي يحدد الأسلاك ويرسم الأهداف التي يرمي اليها كل سلك، ولقد تبين طيلة العشرية المنصرمة أن هذا النموذج لا يستجيب بالضرورة لمتطلبات المجتمع المغربي ولخصوصيات التلميذ/ الطالب المغربي ووتيرة تعلمه.
فضلا عن ما يميز هذا النموذج من تصلب في هيكلته وطول مساراته، فإنه يتميز بتشعب مسالكه واعتماده المتأخر لآليات التوجيه، وكذلك الطابع الفضفاض وغير القابل للقياس للأهداف المتوخاة من كل سلك من أسلاكه, لذلك يتعين تفاديا للهدر المدرسي والجامعي واعتبارا لتنوع وتيرة التعلم لدى التلاميذ والطلاب، اعتماد التوجيه المبكر الذي يقتضي :
* إدماج التعليم المهني في المنظومة التربوية
* اعتماد التوجيه في نهاية السلك الابتدائي
* الاحتفاظ بالتلميذ داخل أسلاك المنظومة التربوية
* تمكين التلميذ من الأس المشترك الى حدود مرحلة التعليم الاجباري
ومن أجل تفادي الطابع العمومي للأهداف المنتظرة من كل سلك تعليمي يتعين إعداد وثيقة الأس المشترك المعتمدة في كثير من المنظومات التربوية، حيث يشكل الأس المشتركSocle commun الحد الأدنى من المعارف والكفايات التي ينبغي أن يكتسبها كافة التلاميذ الى حدود نهاية التعليم الاجباري.
ان أي مشروع اصلاحي جديد لمنظومتنا التربوية لابد أن يقترح أسا مشتركا بمثابة الحد الادنى المعرفي والقيمي والمهاراتي الذي يتعين ضمانه لكل تلميذ مغربي أنهى مرحلة التعليم الاجباري ، وهو بذلك يجسد الاطار المرجعي والتوجيهي المحدد لعتبة انتظارات الأمة من المدرسة اولا ومن الجامعة ثانيا.
6) تدريس اللغات ولغات التدريس
جاء الميثاق بعناصر أولية هامة قد تصلح لإعداد تصميم مديري للغات في المنظومة التربوية, حيث قدم بعض الحلول للمشاكل المترتبة عن التنفيذ المرتجل والمندفع وغير المكتمل لعملية التعريب.
غير ان الميثاق وهو يضع اشكالية اللغات في مكان الصدارة للإشكالات البيداغوجية الأفقية التي يتعين حسمها، تركها مؤطرة بمقاربة تقليدية محتفظا بنفس براديغمات تدريسها كما لو كانت مجرد مواد تعليمية معرفية
> اللغة العربية:
تفيد التقارير التقويمية والمؤشرات المتداولة في الأوساط التعليمية أن العرض التربوي لتدريس اللغة العربية في المدرسة المغربية, سواء من حيث غلافه الزمني أو منهاجه التعليمي، لا يؤدي الى تمكين التلاميذ المغاربة من اتقان اللغة العربية والتحكم في كفاياتها اللسانية في مختلف المستويات التعبيرية والتواصلية شفاهيا وكتابة.
ولعله آن الأوان لاتخاذ الخطوة الحاسمة بما يلزم من الجرأة والمسؤولية ، وهي الخطوة التي تستدعي ا
لانتقال من التأكيد باستمرار على ضرورة تطوير وتحديث أساليب تدريس اللغة العربية الى الاعتراف بضرورة تحديث اللغة العربية نفسها ، بما يجعل منها لغة مدرسية ذات جدوى وجاذبية، تنهض بوظيفة تواصلية ومعرفية كباقي اللغات الحية، وليست لغة مثقلة بالقواعد النحوية والصرفية و المضامين التراثية.
ان مناهج التدريس مهما كانت فعالة و متجددة فإنها لن تفيد في تدريس لغة ساكنة لا وظيفية وتحيى على هامش الدينامية السوسيولسانية التي يعيشها المجتمع المغربي ، حيث بدأت تتقلص في السنوات الأخيرة مجالات استعمال اللغة العربية الفصحى بما فيها المؤسسة التعليمية نفسها، وتكفي الاشارة الى أن تقارير التفتيش الصفية تشكو من اللجوء المكثف للأساتذة الى التدريس بالعامية ليس فقط في المواد العلمية, بل حتى في التاريخ والفلسفة، كما أن الجيل الأول من الإذاعات المستقلة التي حظيت بترخيص من الهيأة العليا للسمعي البصري هي جلها اذاعات مزدوجة اللسان فرنسية دارجة، أما الإنتاج السينمائي الوطني, فلم يعد في الامكان تصوره الا بالدارجة وكذلك التعبير الغنائي ،وجدير بالانتباه أيضا أن قطاع الاشهار انتبه مؤخرا الى الزخم التعبيري الموجود في الدارجة المغربية وبدا يستعملها كتابة في الاعلانات الاشهارية, مطلقا بذلك اللغة العربية التي يبدو أنها لم تعد صالحة الا لإلقاء الخطب وبعض المعاملات الادارية. وهو ما أضعف هذه اللغة وحصرها في مجالات طقوسية محدودة.
وسيكون من باب الحكمة والتبصر ألا تستمر المدرسة المغربية في ادارة ظهرها لهذه الدينامية السوسيولسانية معتبرة أن الدوارج توجد في مرتبة دنيا تجعلها تليق بالشارع وليس بالقسم المدرسي. والحال أن هؤلاء الملايين السبعة من التلاميذ الذين تحتضنهم المدرسة المغربية لغاتهم الأم هي الدوارج، فهم يتواصلون بها وبها يعبرون عن حميميتهم وأحلامهم وبها يفصحون عن مشاعر غضبهم وفرحهم وبها يحبون ويكرهون وبها يشتمون ويطربون، وبها يتواصلون ويبدعون.
واذا كانت مهمة تحديث اللغة العربية هي الوظيفة الأصلية لإنشاء أكاديمية محمد السادس للغة العربية، واذا كان الميثاق الوطني للتربية والتكوين قد أوصي باستعمال اللهجات المحلية لتسهيل تعليم اللغة العربية،،فانه يتعين العمل في اتجاهين اثنين:
أولا : اعادة النظر في مقاربتنا البيداغوجية والديداكتيكية لتدريس اللغة العربية وذلك في ضوء التصور الذي جاء به الميثاق من حيث مد الجسور بين اللهجات والفصحى العربية من أجل تجنب تلك الصدمة أو القطيعة اللسانية التي يجد التلميذ نفسه فيها خلال اللحظات الأولى من ولوجه المستوى الأول من التعليم الابتدائي, حيث يكون ملزما بنسيان كل مكتسباته الذهنية التي حصل عليه بالعامية لينخرط في تعلم لغة جديدة عليه.
وفي نفس الاتجاه يمكن تقريب الهوة بين العامية والفصحى المعيارية في أفق عربية مدرسية وسطى ترتكز على رصيد لغوي عصري وقواعد مرنة ، لغة جذابة سهلة وفاعلة في التعبير والتواصل.
ثانيا: يتعين تفعيل أكاديمية محمد السادس للغة العربية ليس على منوال مجاميع اللغة العربية المنتشرة في القاهرة ودمشق وبغداد والتي باتت تشكو هي نفسها من التباس وظيفتها و انعدام جدواها ، وإنما سيكون من المفيد استلهام تجارب كل من الأكاديمية الفرنسية والأكاديمية الملكية الاسبانية في هذا الشأن من أجل إنتاج لغة عربية وسطى حديثة تنطلق من الجذع المشترك للعربية الكلاسيكية لتحيين معيرتها وإنتاج لغة عربية بروافد مغربية ووظيفة مدرسية.
> اللغة الامازيغية:
شكل مسار إدماج اللغة الأمازيغية في المنظومة التربوية الوطنية أحد المظاهر الصارخة لتخبط السياسة التعليمية ببلادنا وافتقارها الى عنصري الانسجام و الاستمرارية، فبالرغم من توفر مرجعية سياسية صلبة وواضحة لتفعيل هذا الإدماج ، متمثلة في خطابي العرش (30 يوليوز 2001 ) وأجدير(17 أكتوبر2001) وفي الظهير المحدث والمنظم للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وفي الميثاق الوطني للتربية والتكوين(1999) والاتفاقية المبرمة بين المعهد ووزارة التربية الوطنية (شتنبر 2003)، ظل مسار هذا الادماج عرضة لكل أشكال التردد والتعثر في ظل تجاذب مكتوم لرهانات ايديولوجية لا ترقى الى بلورة مشروع تربوي يؤسس للدرس الأمازيغي المندمج ويراعي المصلحة الأساسية للتلميذ المغربي.
والأدهى من ذلك أننا اليوم لا نجد أنفسنا فقط أمام مشروع تربوي غير مكتمل ومسار تعليمي متقطع ومفتوح على المجهول، بل ان نجد السلطة التربوية ببلادنا تفتقر الى مؤشرات موثوقة لتقديم الحصيلة العملية لسياستها في هذا المجال ، بل وتفتقر الى منظور شمولي واضح لترصيد المكتسبات وتقويم الاختلالات بما يساعد على التوجه نحو المستقبل.
إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، عندما يستحضر هذا المعطى الأساسي ، فلكي يؤكد على مسألة منهجية ومبدئية في نفس الآن، وهي أنه لا يستساغ تقديم أي مقترح مستقبلي بخصوص ادماج الأمازيغية في التعليم المدرسي قبل انجاز تقييم شامل وموضوعي للسياسات المعتمدة في هذا الشأن والإجراءات التنفيذية المترتبة عنها، وهو التقييم الذي لا يمكن أن ينجز الا في اطار المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي الذي خوله الدستور تقييم السياسات والبرامج العمومية في هذا المجال.
إننا نعتقد أن مهمة انجاز هذا التقييم أصبحت تكتسي صبغة استعجالية، بل اننا نرى من المفيد جدا أن يبادر المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بمجرد استكمال هيكلته، الى فتح هذا الورش التقييمي الذي يمكن أن تشكل نتائجه أرضية صلبة لاعداد القانون التنظيمي، الذي سيحدد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها بصفتها لغة رسمية .
ولعل من بين الجوانب الأساسية التي يتعين ادراجها في هذا العمل التقييمي هي:
* أين وصلت جهود معيرة وتقعيد اللغة الأمازيغية بما ييسر ادماجها المدرسي(النحو والصرف والمعجم..)؟
* ما هي المقومات البيداغوحية والديداكتيكية المتوفرة الآن لبناء الدرس الأمازيغي؟
* هل تثبت التجربة علميا أن استعمال حرف التفيناغ هو الأكثر ملاءمة بالنسبة لتلميذ مغربي مضطر للتعلم بثلاث حروف في السلك الابتدائي (العربي واللاتيني والتيفيناغ)؟
* ما هي الحصيلة التركيبية العامة لتقارير التفتيش والمراقبة التربوية في مجال تدريس الأمازيغية؟
* كيف يمكن تقييم تجربة اعداد واستعمال الكتاب المدرسي الأمازيغي؟
* كيف تعبئ وزارة التربية الوطنية مواردها البشرية من أجل ادماج الأمازيغية في أسلاك التعليم المدرسي ؟
* ما هو المفعول التربوي لترسيم اللغة الأمازيغية دستوريا ( الإلزامية، الغلاف الزمني، التقويم، الوظيفية )؟