عن موقع لكم

الإثنين, 01 نيسان/أبريل 2013
أحمد عصيد

يخلط الناس بين الفقيه و”الداعية”، والحقيقة أنهما ليسا نفس الشيء، وسبب الخلط الاعتقاد بأن كل من يقول “قال الله” و”قال الرسول” هو جهبذ في الدين متفقه في نصوصه، بينما ليس الأمر كذلك، وفيما يلي الفروق بينهما:

ـ يسعى الفقيه إلى صلاح أحوال المؤمنين فيدلهم ويرشدهم إلى مواقف الشرع وما في النصوص في هذا الموضوع أو ذاك، بينما يهدف “الداعية” إلى الانتصار لمعسكر سياسي يتصيّد الكراسي ويسعى إلى الغلبة وامتلاك السلطة، وفرض هوية مغلقة على المجتمع بكامله عبر قوانين الدولة، ولهذا يبدو الفقيه في وقار العلم وهدوئه، بينما لا يتحرج “الداعية” من جعل المنبر في خدمة الانتخابات والدخول في المشاحنات بسبب الألوان السياسية.

 

أحمد عصيد

أسلوب الفقيه النهي والوعظ والتوجيه بالحسنى والكلمة الطيبة، ونهج “الداعية” التهجم والتحريض والتشهير وبث الشقاق وزرع الكراهية وإشاعة البغضاء، من أجل سحق الخصوم السياسيين والإيديولوجيين.ـ حجة الفقيه النص مع التفسير وجهد التأويل عند الحاجة، أو الاجتهاد مع تغليب المصلحة والتفكير في الإنسان، وحُجّة الداعية الصراخ والتعسير والتنفير ولطم الوجه والضرب على الأفخاذ والعبوس والتفوه بغليظ الكلام مما يمجّه الذوق السليم، وآخر إبداعات “الداعية” البكاء والنواح على المنبر أو في الأشرطة والأقراص والفيديوهات.

ـ يفكر الفقيه في روح الدين وجوهره وغاياته، ويستلهم المعاني السامية، ويأخذ “الداعية” من الدين بعض قشوره ومظاهره الخارجية أسلحة للمعارك اليومية، ولهذا يضطر لأن يختار وينتقي حسب الحاجة، وقد يتلون ويتقلب مع الأهواء، فيستعمل الآية ونقيضها، والحديث وخلافه، مرة يتبرأ من نصّ بأنه “موضوع”، ومرة يقع عنده موقع القبول فيتبناه ويحتجّ به.

ـ الفقيه خريج معهد من معاهد علوم الدين والشريعة أو خريج القرويين أو مدرسة من المدارس العلمية العتيقة، قضى جزءا كبيرا من حياته في قراءة القرآن وحفظه وقراءة الحديث والتعمق في علم التفسير وعلم الحديث والقراءات، ثم ينتقل إلى أصول الفقه فيحيط بطرائق الاجتهاد وضوابطه، وقد يستكمل تكوينه في علم الكلام والإلهيات فيحيط ببعض القضايا الفلسفية ذات الصلة بالإيمان والتوحيد والتنزيه والحرية والجبر والاختيار والكسب إلخ.. هذا مع إحاطة بقواعد اللغة ونحوها وصرفها وأسرار معجمها. بينما نجد “الداعية” أستاذا للرياضيات أو الفيزياء أو مختصا في الهندسة الزراعية أو البيطرية أو طبيبا أو أستاذا للغة الفرنسية أو الأدب العربي، وعوض أن يهتم باختصاصه يلبس العمامة والجلباب، ويجد متعته في تقمّص دور الفقيه بغير علم.

ـ يعرف الفقيه حدوده، فيقول رأيه بين الآراء، ويستمع إلى السوسيولوجي والحقوقي والأديب والسياسي والفنان والمثقف، لعلمه بأن مفهوم “العلم” لم يعد اليوم مقتصرا على الدين كما كان عليه الأمر في بعض الأوساط المغلقة في العصور السابقة، وأن الدين اليوم قطاع من بين قطاعات، وأن الناس مختلفون. بينما يعتقد “الداعية” بأن كلامه هو الفصل، وأن على الجميع الرضوخ لرأيه، وعندما يلقى معارضة يشحذ أسلحة التكفير والتخوين والتشهير بدون تحفظ أو احترام لنفسه ولغيره.

ـ يتحدّث الفقيه فيحرص على سلامة اللغة وحسن التعبير، وعلى احترام قواعد العربية، ويتكلم “الداعية” فيرتكب الأخطاء بالجملة مثل الأميين، وعندما يعجز عن التعبير يهرب إلى الدارجة ولغة “الحلقة”، والنتيجة معروفة طبعا، تخريب كل ما تبنيه الحداثة الفكرية والقيمية خدمة لمشروع التجهيل الذي تتزعمه الوهابية العالمية، التي تغدق على الدعاة بغير حساب.

ملاحظة: بين “الداعية” و”الدعيّ” قرابة لغوية، والحقيقة أنهما متقاربان مبنى ومعنى.

‫شاهد أيضًا‬

الثقافة العالمية والثقافة المعولمة * عبد السلام بنعبد العالي

على عكس الرؤية الميتافيزيقية التي تفترض فكرًا كونيًّا يتعالى على الأحقاب التاريخية والفروق…