المغرب سينهار إذا استمرت أساليـــــــب التنافس غير الشريف في الانتخابات المقبلة
قال إن الحسن الثاني مسؤول على خلق السيرك واليوســــــــــــــــــــفي ارتكب خطأ بمنع «لوجورنال» والتضييق على الحقوقيين غير مقبول
في هذا الحوار مع محمد اليازغي، الكاتب الأول السابق للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، نتطرق إلى الوضعية الحالية لـ«الاتحاد» وإلى الوضع السياسي العام في ظل حكومة عبد الإله بنكيران، الذي يتهمه اليازغي بالابتعاد عن التأويل غير الديمقراطي للدستور الجديد. كما يراوح اليازغي، انطلاقا من تجربته الطويلة ورؤيته المستقبلية، بين استشراف آفاق الفعل السياسي في المغرب، دون إغفال أهم المراحل والمرتكزات السياسية التي قطعها المغرب.
ولا يتحرج اليازغي في تعداد الأخطاء التي وقعت فيها التجارب السياسية التي كان مشاركا فيها؛ إذ يعتبر أن منع أسبوعية «لوجورنال» كان من الأخطاء التي كان مسؤولا عنها عبد الرحمان اليوسفي، وأن هذا الأخير تخلى عن مكتسب الاتفاق الذي أجراه اليازغي رفقة أيت إيدر وبوستة مع الحسن الثاني على أن يكون وزير الخارجية ووزير العدل والأمين العام للحكومة ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية من اقتراح الوزير الأول، في حكومة التناوب، بالإضافة إلى قبول اليوسفي الاشتغال مع إدريس البصري.
وحذر اليازغي من انهيار المغرب إذا استمر العمل بالأساليب غير النزيهة في الانتخابات المقبلة.. هذه القضايا وغيرها نتطرق إليها في هذا الحوار المتميز مع أحد أبرز الوجوه التاريخية للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
– ما الذي يحدث اليوم داخل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية؟
أنا أتابع بالتفصيل ما يحدث داخل الاتحاد الاشتراكي. ولا شك أن الحزب اختار مسطرة معينة لتنصيب قيادة الحزب، وهذه كانت خطوة مهمة في سبيل غرس قيم الديمقراطية الداخلية في الحزب.
– أية مسطرة؟
مسطرة المرشحين المتعددين. فكل واحد منهم يطرح تصوره حول تطبيق اختيارات الاتحاد الاشتراكي، التي هي اختيارات للمؤتمر. طبعا يمر انتخاب الكاتب الأول في دورتين، لكن بعد انتخاب الكاتب الأول أصبح هناك مشكل في كيفية تدبير الاختلاف الذي برز بعد انتخابه، وهو الخط الذي كان لزاما على الحزب أن يسير فيه، فإذا حصل ووصل الاتحاد إلى صيغة لتدبير الاختلاف بداخله، فمن المؤكد أن ذلك سيكون إيجابيا وذا أثر مهم في مسار الحزب. أما إذا لم يحصل فليس لي أي توقع حول كيف ستسير الأمور وإلى ماذا ستفضي.
– هذا لو كان الأمر يتعلق فعلا بالاختلاف، لكن إذا كان يتعلق باتهامات بالتزوير وبمسخ هوية الحزب ومساره وشخصيته الديمقراطية، فسنكون أمام خلاف يصعب وربما يستحيل تدبيره.
كل هذا يصب في خانة الاختلاف، أيا كانت الحجج التي يعطيها هذا الطرف أو ذاك، فالأمر اختلاف بين طرفين، والسؤال هنا هو:هل سيستطيع الاتحاديون تدبيره أم لا؟
– لكن هذا الأمر صار الآن مستحيلا.
لا يمكنني أن أحكم على شيء لم ينته فيه النقاش بعد. لكني أقول إن الاتحاديين إذا لم يتمكنوا من تدبير الاختلاف داخل الحزب، فإن مخاطر كثيرة ستحيق بمستقبل الحزب.
– مخاطر مثل ماذا؟
لا أملك سيناريوهات، لكن ستكون هناك مآلات خطيرة بالتأكيد.
– هل هناك حل بديل للوصول إلى توافق، كأن يتدخل حكماء الحزب، بالرغم من أن هذا الحل لم يؤت أكله أثناء الخلاف على رئاسة الفريق النيابي؟
كانت هناك محاولات في هذا الصدد قام بها عبد الواحد الراضي وعبد الهادي خيرات، لكنها لم تثمر. رغم ذلك، لا أعتبر أن الباب أغلق نهائيا.
– ألم تفكر في القيام بخطوات من هذا القبيل؟
لم يطلب مني ذلك.
– ربما لأن القيادة الاتحادية تعتبرك متزعما، في الخفاء، لتيار الانفتاح والديمقراطية.
أنا لست متحيزا لأي طرف ضد آخر، بل ألتزم الحياد التام. ما يؤلمني هو أن لا يستطيع الاتحاديون تجاوز هذا الوضع، لكني لست طرفا في أي نزاع داخل الاتحاد.
– هل ترى أن الطرفين، أي قيادة الحزب وتيار الانفتاح والديمقراطية، يمكنهما، على الأقل، أن يتعايشا ويلتقيا ويدبرا أمور الحزب معا؟
هذا ما كنت أعنيه حينما قلت تدبير الاختلاف، وهذا أمر عاشته أحزاب ديمقراطية عديدة.
– كيف ذلك؟
من خلال تيارات، ولو أنني حينما كنت كاتبا أول للحزب، كنت ضد فكرة التيارات، لكن ما جاء به المؤتمر الأخير جعل خيار التيارات ضرورة. فمن جهة، ستفتح هذه التيارات نقاشا خصبا حول القضايا المهمة للشعب المغربي، ومنها المشكل السياسي والدستوري والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، كما ستتناقش حول التعليم والصحة والقضاء بوجهات نظر مختلفة ومن زوايا مختلفة. ومن جهة ثانية، ستضمن صيغة التيارات أن لا يبقى أعضاء الحزب منشغلين بتفاصيل التنظيم.
– وهل ما زال المغرب محتاجا إلى حزب مثل الاتحاد الاشتراكي؟
طبعا، المغرب ما يزال محتاجا للاتحاد الاشتراكي. فهذا الحزب منذ تأسيسه لعب أدوارا مهمة في تاريخ المغرب السياسي. فرغم المشاكل والأزمات التي مر بها، ورغم أن الناخبين لم ينصفوه مرارا، فالمحقق هو أن المغرب لا يزال بحاجة إلى وجود الاتحاد الاشتراكي لكي يلعب أدوارا في مستقبل البلاد.
– خلال ندوة نظمتها، مؤخرا، جريدة «المساء» قال محمد الأشعري إن الاتحاد الاشتراكي استنفد شروط وجوده، وأن على الاتحاديين ألا يجدوا حرجا في قول ذلك. ما رأيك فيما قاله الأشعري؟
أنا أحترم جدا السي محمد الأشعري، لكني لا أشاطره هذا الرأي.
– ما هي الأدوار التي يحتاجها المغرب من الاتحاد، غير تلك التي يلعبها حزب العدالة والتنمية وأحزاب أخرى؟
المطلوب من الاتحاد، حاليا، أن يبرز البديل، فالوضع الذي دخله المغرب وضع خطير، ويجب طرح البديل في الميدان السياسي والدستوري والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. هذا هو ما يحتاجه المغرب الآن.
– لكن الاتحاد لا يطرح هذا البديل اليوم؟
لذلك أقول إن على الاتحاد أن يطرح هذا البديل، وأن على الاتحاديين أن يجدوا الصيغة.
– هل الاتحاديون ملزمون بأن يطرحوا هذا البديل داخل الاتحاد الاشتراكي؟
هذا ما أتمناه، وأظن أن الاتحاديين إذا استطاعوا تجاوز هذه المشاكل التنظيمية سيتمكنون من طرح البديل.
– أهمية الاتحاد تكمن في أفكاره وأداء مناضليه وليس في هياكله ومقراته وتنظيماته.
لأن الاتحاد مهمته أن يكون في خدمة الشعب، ولا يمكن أن نقلب الأمر ليصير الشعب في خدمة الاتحاد.
– جميع الأحزاب تقول إنها في خدمة الشعب. لكن ما كان يميز الاتحاد الاشتراكي عن باقي الأحزاب هو كونه حزبا حداثيا اشتراكيا مرتبطا بالقوات الشعبية ويحمل رسالة تنويرية ليبرالية حقوقية.
هذه هي الرسالة التي ينبغي على الحزب أن يحافظ عليها ويقدمها في تفاعلاته مع قضايا الشعب المغربي.
– العديد من الاتحاديين يقولون إن مسؤولية ما آل إليه الحزب، اليوم، تعود إلى محمد اليازغي، الذي رعى إدريس لشكر، وكان محسوبا عليه في داخل الحزب، وأن الاتحاد يؤدي الآن ضريبة هذا النموذج الذي خلقه اليازغي. ما رأيك في هذا؟
أنا بطبيعتي لا أتهرب من المسؤولية، ولذلك أنا فخور بما قمت به داخل الاتحاد، سواء الاتحاد الوطني أو الاتحاد الاشتراكي، في الوقت الذي عشنا ظروفا صعبة، وكان عبد الرحيم بوعبيد هو الوحيد من قيادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي بقي حاضرا وساهرا على فكر وقيم الاتحاد. في هذه المرحلة وقفنا، أنا والشهيد عمر بنجلون، إلى جانب السي عبد الرحيم بوعبيد في سبيل إرساء دعامات التنظيم والمضي به قدما. بعد ذلك، وتحديدا في فترة الكتابة الأولى لعبد الرحمان اليوسفي، تحملت مسؤولية نائب الكاتب الأول، لكني لم أكن متزعما ولا محتضنا لتيار داخل الاتحاد الاشتراكي. صحيح أن الإعلام كان يثير هذا الأمر في علاقته مع الصراعات داخل النقابة، لكني أقولها بكل صراحة: أنا لم أبن تيارا داخل الحزب بالمعنى الحلقي الضيق. أنا بالعكس كنت ضد الحلقية.
– عندما كنت كاتبا أول بالنيابة عن عبد الرحمان اليوسفي كان جليا وجود توجهين: توجه محمد اليازغي وتوجه عبد الرحمان اليوسفي، وهما توجهان ورؤيتان مختلفتان.
الخلاف مع سي عبد الرحمان اليوسفي كان خلافا حول منهجيات العمل.
– كيف؟
في الوقت الذي كان السي عبد الرحمان اليوسفي غائبا (كان في مدينة كان بفرنسا) كنت ممثلا للاتحاد الاشتراكي في قيادة الكتلة الديمقراطية، وتحاورنا مع الحسن الثاني حول الحكومة التي كانت ستمثل الصيغة الأولى لتجربة التناوب، ووصلنا معه، أنا والأخ امحمد بوستة والسي محمد بنسعيد أيت إيدر، إلى اتفاق يكون فيه وزير الخارجية ووزير العدل والأمين العام للحكومة ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية من اقتراح الوزير الأول، الذي سيُكَلف بتشكيل الحكومة، وقد بقي الخلاف حول وزير الداخلية، لأننا تشبثنا بعد استمرار إدريس البصري في منصبه على رأس وزارة الداخلية داخل حكومة التناوب، وقد فشلت المفاوضات بسبب هذه النقطة تحديدا. لكن عندما تم تعيين السي عبد الرحمان اليوسفي، تراجع عن المكتسب الذي كنا قد ناقشناه مع الحسن الثاني، وهو أن يختار الوزير الأول بنفسه وزير الخارجية ووزير العدل والأمين العام للحكومة ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية. ما أؤاخذ اليوسفي عليه أنه قبل بهذا الذي رفضناه، بالإضافة إلى قبوله بقاء إدريس البصري وزيرا للداخلية. ومعنى هذا أن الحسن الثاني لم يثق بنا حينها ما يكفي ليتخلى عن البصري وزيرا للداخلية.
– كما أن اليوسفي لم يرجع إلى قيادة الحزب للاستشارة في هذا الأمر.
نعم. لكننا، في المكتب السياسي، ورغم هذا التجاوز، كنا حريصين على أن يدخل المغرب هذه المرحلة، وأن يدخل الحزب هذه التجربة.
– هل يمكن القول إن منهجيتك كانت أكثر راديكالية؟
لا. لم تكن أكثر راديكالية، لكنها كانت تستغل الظروف لصالح تطور إيجابي داخل المجتمع وفي علاقة الحاكمين بالمحكومين.
– هذه لا علاقة لها بالمواقف، بل هي مسألة ذكاء في المفاوضات لا أكثر.
هي منهجية عمل.
– لكن الصورة الرائجة هي أنك كنت أكثر مرونة مع الدولة، مقارنة بما كان عليه اليوسفي، الذي كان ينظر إليه بأنه أكثر راديكالية وتشبثا بالمبادئ منك.
ربما العكس هو الصحيح. فمثلا حينما حدثت مشكلة جزيرة ليلى، كنت أنا من تدخل في المجلس الوزاري وليس عبد الرحمان اليوسفي، حيث قلت في تدخلي إننا في الحكومة لم يتم إطلاعنا على ما جرى من مفاوضات حول قضية ليلى، وأنه كان من الأنسب أن لا نعطي الفرصة لخوسيه ماريا أثنار لكي يسترجع مكانته داخل المجتمع الإسباني، حيث إنه كان في درجة الصفر حينها، لكنه بعنتريته استرجع الجزيرة وخرج من مأزقه بتصدير الأزمة إلى المغرب، وكان معروفا آنذاك أن أثنار كان في وضعية سياسية حرجة، لكن استطاع بموقفه أمام المغرب أن يستعيد مكانته أمام خصومه.
– لم تُخبَروا من طرف من؟
من طرف الملك، فلم يرد في علم الحكومة أدنى شيء، حيث إن أثنار عندما استدعى الوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي لم يكن هذا الأخير على علم بشيء.
– هذا يعني أن أثنار كان أول من أخبر الحكومة.
أثنار اتصل لا ليخبر، بل ليستفسر ويستوضح. لكن كما قلت خلال المجلس الحكومي كنت أنا من طرح الأمر وليس اليوسفي.
– وما كان رد الملك؟
لم يعجبه الأمر، وكان موقفه متشددا.
– المشكل المطروح الآن داخل الأحزاب، وأساسا أحزاب الكتلة الديمقراطية، هو مشكل أخلاقي، فالعديد من الملاحظين يتحدثون عن انفجار قضايا أخلاقية ذات علاقة بالذمة المالية للمنتخبين داخل هذه الأحزاب، علما أن هذا النوع من القضايا لم يكن مطروحا من قبل.
أعتقد أن الانتخابات المقبلة، البلدية والقروية، لسنة 2015، وكذا التشريعية لسنة 2016، هي التي ستكون المحك الكبير، وإذا استطاعت الأحزاب الديمقراطية أن تختار مرشحيها من بين العناصر النظيفة والكفأة فمن المحقق أن الوضع سيتغير في المغرب، وحتى بالنسبة لهذه الأحزاب. وهذا الامتحان هو في الحقيقة امتحان لكل الأحزاب، لكن بالأساس بالنسبة للأحزاب الديمقراطية.
– عندما انتهجت سياسة الانفتاح داخل الاتحاد الاشتراكي أصبح من هب ودب يهرول نحو الحزب، فحدث تغيير جذري في بنية الاتحاد.
الانفتاح الذي اشتغلت عليه كان هو انفتاح الحزب على المجتمع وعلى الكفاءات والأطر في البلاد، وسأعطي كمثال على ذلك بمدينة فاس، فعندما بدأ العمل بخطة الانفتاح التحق بالحزب من فاس 97 من الأساتذة الجامعيين، و33 من الأطباء، و30 من الصيادلة، وأزيد من 80 إطارا من الأبناك والمؤسسات الصناعية في قطاعات متعددة. هذا هو الانفتاح الذي سعيت إليه ودافعت عنه. لكن مع الأسف فإن كثيرا من الأجهزة الحزبية لم تكن متحمسة ولا مستعدة لهذا الانفتاح.
– ماذا تقصد بالأجهزة الحزبية؟
قيادات محلية وإقليمية وغيرها. هذه القيادات لم تكن متحمسة لهذا الانفتاح، فقد كانت تعتبر أن وجودها في الأجهزة يجعلها أولى بالترشيح. فمثلا عندما قررنا المشاركة في انتخابات 1976، كان فرع سيدي قاسم يضم عددا محدودا من المرشحين، لكنهم اتصلوا بسكان هذه المدينة الصغيرة لاختيار مرشحي الاتحاد، وقد نجح الاتحاد في حصد 26 مقعدا من أصل 31 مقعدا في سيدي قاسم، وهي الانتخابات التي آخذ فيها الحسن الثاني على الجنرال الدليمي كونه يتحدر من سيدي قاسم وسمح بأن يحصل مثل هذا الأمر. هذه هي المنهجية التي جعلت الاتحاد الاشتراكي ينجح في الانتخابات. أما قضية الانفتاح كما طرحتها أنا، وكما بدأ العمل بها، فهي مغايرة لما يقال، إذ كانت انفتاحا على الأطر والكفاءات لتعزيز صفوف الحزب، ولإدماج هذه الأطر في العمل السياسي.
المغرب فيه 23 ألف مستشار بلدي وقروي، بينما لم نستطع، نحن، تغطية أكثر من الثلثين حتى في مراحل ازدهارنا. هناك أماكن لم نستطع الترشح فيها، ولذلك من غير المعقول الحديث عن الانفتاح بطريقة سلبية. إذا كنا حزبا للقوات الشعبية فمن الضروري أن ننفتح على الناس، لا أن نقتصر على الذين دخلوا إلى السجن وواجهوا الشرطة في سنوات الرصاص.
– الملاحظ أنه رغم وجود حزب العدالة والتنمية في الحكومة فقد ظل متماسكا وبعيدا عن أي انشقاقات ذات طابع شخصي أو ناتجة عن ضعف في الديمقراطية الداخلية. بالمقابل فإن الأحزاب التي خرجت إلى المعارضة ازدادت انشقاقا وتشرذما. ألا يعود هذا، في نظرك، إلى أن مناضلي العدالة والتنمية يتوفرون على نوع من الحصانة الأخلاقية والتنظيمية تحول بينهم وبين الهرولة في اتجاه المصالح والمطامح الشخصية؟
أولا، أنا أشك في هذه الأطروحة، ولست متأكدا بأن هناك تماسكا داخل العدالة والتنمية. أن يقول رئيس الحكومة إن حزبه متماسك فهذا من حقه، لكن لا أنا ولا الرأي العام نعرف حقيقة ما يجري داخل الحزب الحاكم. ثانيا، خروج حزب الاستقلال من الائتلاف ودخول التجمع الوطني للأحرار إليه لا يمكن أن يكون تعبيرا عن تماسك الحكومة.
– بنكيران قال في محاولة لـ«تقطار الشمع» على إدريس لشكر إن الحكومة المشكلة من عدة أحزاب أكثر تماسكا من بعض الأحزاب.
ماذا يعني بأكثر تماسكا. المعارضة غير مطالبة بأن تكون متماسكة. المُعارض الاشتراكي ليس هو المعارض الليبرالي أو المعارض المحافظ. التماسك مطلوب في الأغلبية.
– أنا أتحدث بالأساس عن حزب العدالة والتنمية، الذي بالرغم من وجوده في الحكم يبدو أكثر تماسكا من الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال، بالرغم من أن المنطق يقول إن من يمارس يخطئ.
كيف؟
– مثلا مصطفى الخلفي، وزير الاتصال، قام بتدخل بسيط لفائدة ابن عضو في الحزب الحاكم ليستفيد من فترة تدريب في إحدى المؤسسات البنكية، فاعتبر بنكيران ذلك التدخل البسيط نوعا من الفساد. هذه القسوة على الذات والصرامة في المحاسبة لم تعد متوفرة داخل أحزابكم..
لكن ما قاله بنكيران في هذه القضية بالضبط يبقى كلاما، مر مرور الكرام. ما قيمة أن تسمي ما قام به وزير مسؤول بأنه فساد دون أن تقرر في شأنه أي قرار. هل قرر إقالته؟ هذا مجرد كلام. أما التماسك فله امتحان كبير ستظهر نتائجه في 2015 و2016. هذا موعد سيتأكد فيه تماسك أي حزب من عدمه. فالحصيلة ستكون حصيلة واضحة..
– ممكن أن يرجح الأعيان، الذين أصبح لهم وجود كبير داخل أحزاب المعارضة، كفة الاتحاد الاشتراكي والاستقلال. الانتخابات ليست مقياسا وحيدا لقوة وتماسك الأحزاب وقربها من الجماهير.
انتخابات 2015 و2016 ستكون انتخابات مميزة..
– هل تضمن ألا يستعمل فيها المال الحرام؟
أتمنى ألا يحدث ذلك.
– المؤشرات تدل على أن إفساد الانتخابات بالمال الحرام وغيره من أساليب التنافس غير النزيهة سوف يستمر.
الأحزاب والحكومة الحالية ملزمتان بأن تعدا العدة بالنسبة إلى مرحلة 2015 و2016 لإبعاد المال الحرام كي تكون الانتخابات نزيهة.
– لكن ما حصل في الانتخابات الجزئية أبان عن أن عددا من أساليب التنافس غير النزيهة والشريفة ما زالت موجودة؟
(منفعلا) ستنهار هذه البلاد إذا استمر هذا الأمر. إذا لم تتدارك الحكومة والأحزاب هذا في 2015 فمن المحقق أن المغرب سيدخل أزمة كبيرة.
– في مرحلة سابقة وصف الحسن الثاني البرلمان بأنه سيرك. الآن ألا ترى أن تدخلات بعض القياديين الحزبيين والبرلمانيين المحسوبين للأسف على الأحزاب الديمقراطية والتاريخية أصبحت أكثر تفاهة وتهريجا من أي وقت مضى. ألا ينطبق وصف البرلمان بالسيرك على هذه المرحلة؟
الحسن الثاني يتحمل المسؤولية في خلق السيرك. لا يكفي أن نقول إنه وصف البرلمان بالسيرك. الحسن الثاني، عن طريق وزيره في الداخلية، صنع أحزابا مصطنعة وإدارية، ووزارة الداخلية كانت أحيانا تختار نوابا من خارج صناديق الاقتراع. من المسؤول عن ذلك غير الحسن الثاني؟
– هذا الأمر تحدثتم عنه حتى في مرحلة محمد السادس. ألم تقولوا هذا عن حزب الأصالة والمعاصرة حين تأسس واكتسح؟ اليوم هناك أيضا حديث عن زعماء خلقتهم الدولة وأوصلتهم إلى قيادات أحزابهم. هذا ما تقوله فئة واسعة من الاتحاديين عن إدريس لشكر، وفئة واسعة من الاستقلاليين عن حميد شباط. ما قولك؟
لا. الوضع مختلف عن سنوات الرصاص والفترات التي تلتها. لا يمكن مقارنة هاته بتلك. الآن هناك مشاكل أخرى..
– يعني أن الدولة، الآن، لا تتدخل لترجيح كفة هذا الحزب أو ذاك، ولا تحشر أنفها في الشؤون الداخلية للأحزاب.
أنا لا أقول هذا.
– فما هي «المشاكل الأخرى» التي عندنا الآن؟
مثلا رئيس حكومة ابتعد عن التأويل الديمقراطي للدستور، بتجميد دستور 2011. هذه مسؤولية خطيرة بالنسبة إلى المستقبل، ومسؤولية رئيس الحكومة عن هذا لا تنفي مسؤولية مستشاري الملك، خصوصا المكلفين بالملف الدستوري.
– وأين تكمن مسؤولية مستشاري الملك؟
الخطاب الملكي لـ9 مارس 2011 كان واضحا وفتح المجال لمرحلة جديدة في النظام السياسي المغربي، وقد اختار الملك شخصيات لامعة لصياغة الدستور الجديد، وانخرطت الأحزاب السياسية عن طريق اللجنة السياسية في المساهمة في صياغة هذا الدستور. ورغم أني أتأسف على تدخل الحزب الحاكم ليحرم الدستور المغربي من الصيغة المتعلقة بحرية العقيدة، فإن دستور يوليوز 2011 أدخلنا إلى مرحلة جديدة. بعدها خطب الملك وطالب بإعمال التأويل الديمقراطي للدستور. لكن الوضعية الدستورية الحالية تفرض على المستشارين الملكيين المكلفين بالملف الدستوري إيقاف رئيس الحكومة من الاستمرار في هذا الاتجاه..
– أي اتجاه؟
اتجاه التأويل غير الديمقراطي للدستور.
– رئيس الحكومة يؤول الدستور لصالح الدولة، التي يقع هؤلاء المستشارون في قلبها. فكيف تريدهم أن يتدخلوا لثنيه عن ذلك؟
لا.لا. لا. رئيس الحكومة له اختصاصات لا يمارسها، وهو يقول إنه مساعد للملك..
– هل يسيء الملك أن يقول بنكيران إنه مجرد مساعد له؟
معلوم (مستدركا) «لا ماشي المسألة ديال الإساءة». هذا تفسير غير ديمقراطي للدستور. لكن هذا لا ينفي مسؤولية مستشاري الملك المكلفين بالملف الدستوري «مايمكنشي يبقاو ساكتين على رئيس الحكومة» وهو لا يحترم التوجيه الملكي بالرجوع إلى..
– لكن كيف يمكن أن يتم تدخل مستشاري الملك في رئيس الحكومة؟
هذه مسألة يمكن تدبيرها عبر قنوات الدولة وعلاقاتها.
– أنتم بدوركم، في حكومة التناوب، منعتم الجرائد وفرقتم التظاهرات بالعنف، مع أن آمالا عريضة كانت معقودة عليكم.
صحيح. أنا أعترف بأن منع جريدة «لوجورنال» كان من الأخطاء التي كان مسؤولا عنها السي عبد الرحمان اليوسفي..
– لوحده؟
كان هو الوزير الأول وبيده القرار. لكن لا يجب أن تنسى بأنه في حكومة عباس الفاسي عندما بدأت المظاهرات الأولى لحركة 20 فبراير كان قرار الحكومة ألا يقمع أي متظاهر، وأن نترك الناس يتظاهرون ويرفعون الشعارات التي يريدون من قبيل: ارحل، ومحاربة الفساد، وهذا هو الذي جعل المغرب يتميز..
– لكن أيضا تم تفريق مظاهرات أخرى بالعنف المبالغ فيه.
كانت بعض الحالات، في مارس 2011، لكنها قليلة بالمقارنة مع حجم المظاهرات التي كانت تنظم في 50 مدينة مغربية.
– اسم محمد اليازغي بالنسبة إلى المنتسبين إلى حزب لعدالة والتنمية ينظر إليه كأحد أبرز الأسماء التي دعت في 2003 إلى استئصال حزبهم، بعد تحميلك هذا الحزب نوعا من المسؤولية عن الأحداث الإرهابية التي عرفتها الدار البيضاء في 16 ماي من نفس السنة، وبالتالي فانتقادك الآن لحكومة بنكيران يعتبر من صميم موقفك الثابت من الإسلاميين. ما تعليقك؟
أولا، هناك مغالطة كبرى بالنسبة إلى سنة 2003. صحيح أنني قلت إن هناك مسؤولية معنوية لتيار الإسلام السياسي فيما حدث، ولا زلت أعتبر أن الحركة الإسلامية في المغرب، بالكيفية التي اشتغلت بها والأطروحات التي قدمتها، لها مسؤولية فيما حدث. لكني شخصيا لم أقترح حل «البيجيدي» كما ادعى البعض. فلم يطرح الاقتراح آنذاك داخل الحكومة. أنا مع التعددية في بلادي، وأعتبر أن التعددية، خصوصا عندما تصبح تعددية حقيقية، تكون مسلكا أساسيا بالنسبة إلى بلادنا، ولا يمكن أن أكون في صف استئصال أي اتجاه كيفما كان. أما موقفي الحالي فهو كما قلت لك نابع من توقيف مسلسل دمقرطة المغرب بالتأويل غير الديمقراطي للدستور الحالي. هذه مسؤولية رئيس الحكومة وحزبه.
– مؤخرا دخلت وزارة الداخلية في مواجهة شرسة مع عدد من الجمعيات الحقوقية، بدأت بمنع جمعية «الحرية الآن» و»جمعية الحقوق الرقمية». كما تعرضت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان لمنع العديد من أنشطتها، ونفس الشيء بالنسبة إلى الفرع المغربي لمنظمة العفو الدولية. وبالإضافة إلى هذا وذاك جاء وزير الداخلية إلى البرلمان واتهم جمعيات حقوقية بتلقي دعم مشبوه من جهات أجنبية، دون أن يقدم دليلا على ذلك. ما رأيك في كل هذا؟
هذه القرارات غير مقبولة في إطار الدستور الجديد.
– لكن الملاحظ أن أحزاب المعارضة وفرقها البرلمانية لا تحتج على مثل هذه القرارات، رغم علمها أنها قرارات تتجاوز الحكومة، وهذا يزيد في إضعاف المعارضة وإحراجها..
الأحزاب السياسية، سواء كانت في الأغلبية أو المعارضة، مسؤولة كذلك عما يمس تطور المغرب الدستوري والسياسي، وكما قلت سابقا إن الوضع الراهن لا ينفي مسؤولية مستشاري الملك المكلفين بالملف الدستوري، فإن الوضع الحالي لا ينفي عن الأحزاب السياسية كذلك مسؤولية تحمل مسؤوليتها عن خطورة التأويل غير الديمقراطي للدستور، ليس بمعارضة الحكومة فقط، بل بطرح المسألة على المستشارين الملكيين.
– مؤخرا أثارت الصحافة خبر انتسابك إلى الزاوية البودشيشية.
هذا غير صحيح. أنا لم أنخرط في أي طريق من الطرق الصوفية المغربية، لكن هذا لا ينفي أنني على علاقة متميزة بالشيخ حمزة.
– على ذكر الشيخ حمزة والزاوية البودشيشية. ما رأيك في حشر هذه الزاوية أنفها في أمور سياسية، هي محط خلاف وتدافع بين الفرقاء السياسيين، من قبيل نزولها إلى الشارع دعما لدستور 2011؟
لا بد أن تعلم أنه في تاريخ المغرب كانت الزوايا حاضرة في الميدان السياسي، وكان هناك صراع بين الزوايا والمخزن. كما أن الزوايا تميزت في مرحلة معينة بمواجهة الهجومات الإسبانية والبرتغالية على الثغور المغربية، ثم مواجهة الاستعمار الفرنسي والإسباني..
– لكن هذا الدور لم يعد مقبولا منها في ظل الدولة الحديثة والأحزاب السياسية.
نعم. لكن ما يميز المغرب هو أن الزوايا بقيت حاضرة، وهي شبيهة شيئا ما ببعض الزوايا في تركيا، حيث لا يمكن أن نحصر الزوايا في المسائل الروحية. صحيح أن الأمن الروحي للمواطنين هو مجالها الأساسي، لكن في المغرب كانت الزوايا، تاريخيا حاضرة، ولذلك لا يمكن أن نؤاخذ هذه الزاوية أو تلك على نزولها إلى الشارع، خصوصا أن الإسلام السياسي متدخل في السياسة.
– فليتدخل الجميع إذن!
فليتدخل الجميع، ولو أنه الآن، مع الإصلاح الديني، دخل المغرب مرحلة متميزة، ستسير إلى جعل الدين مرتبطا بالدولة وليس بالسياسة.
– علاقة بـ»جعل الدين مرتبطا بالدولة وليس بالسياسة»، آخذت قبل قليل على حزب العدالة والتنمية تدخله لحذف حرية المعتقد من الدستور الحالي. هل المغرب في حاجة إلى العلمانية؟
أولا، العلمانية أصناف وأشكال..
– التنصيص على حرية المعتقد هل هو نوع أو تمظهر من تمظهرات العلمانية؟
الإسلام فيه نوع من العلمانية، منذ البداية إلى الآن، لذلك لا يجب أن نخاف. لكن مسؤولية الحزب الحاكم تكمن في كونه حرم المغرب من التركيز على مبدأ أساسي كان سيميز الدستور المغربي الجديد..
– كما حدث في تونس؟
رغم أن الحزب الأساسي الحاكم هو حزب النهضة فقد تفهم أن مصلحة تونس تكمن في التنصيص على حرية العقيدة، لأنه ليس معقولا، الآن، محاسبة الناس بناء على معتقداتهم.
– في هذا السياق، نادى الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، إدريس لشكر، بالمساواة في الإرث بين الرجل والمرأة. هل تتفق معه في هذا الأمر؟
«إيوا» اسأله هو..
– وأنت؟
أنا في هذه المرحلة لا أدخل في هذا النقاش، فليس هو الموضوع الراهن.
– لأي اعتبار؟
لاعتبارات متعددة. النقاش في هذا المجال يجب أن يبقى داخل المؤسسات العلمية بين العلماء، رغم أنه نقاش موجود في قلب المجتمع..
– أما التناول السياسي للموضوع فأنت لست معه.
البرلمانيون لهم الحق في أن يطرحوا مقترحات تشريعات جديدة. أما النقاش النظري فيجب، في رأيي، أن يبقى في هذه المرحلة محصورا بين الفقهاء.