حدثني رفيقي المناضل الآتي من درب سنوات الجمر والرصاص أن ما يحدث اليوم داخل الودادية الحسنية للقضاة من تكريس للأنماط التقليدانية المحاطة بالأيادي التي تعتقد أنها حديدية، ليس شيئا عاديا في منظومة الاختيارات الحرة لطرق التجديد أو الهيكلة في منظمة أو جمعية أوودادية من الوداديات، وأصر رفيقي الذي خبر دهاليز الاعتقال والاختفاء القسري كما خبر دروب الكر والفر مع النظام يوم كان شابا يحلم بثورة نابعة من قناعاته الفكرية والسياسية في المنظمة السرية التي كان ينتمي إليها، أن ينقل لي الصورة التي توهمنا أننا قطعنا العهد بها منذ زمان وتوجنا هذه القطيعة مع ثقافة الوصاية والانفراد بدستور نحلم به وفيه بالمأسسة في حياتنا السياسية والمدنية والنقابية والحزبية، وقال رفيقي الذي كان يتحدث بمرارة عما يحدث من إكراه، أن سلوك التعليمات في انتخاب رئيس الودادية بات حديثا في جلسات القضاة الشباب، هؤلاء اللذين أدخلوا إلى مكاتب التوجيه بالاستعمال السيئ لأوضاعهم المعيشية في التنقيط من طرف الرئيس الذي مع الأسف لازالت المساطر المستعملة تكفل له ذلك، وهو الاستعمال الذي يفتح الباب في شراء الذمم والحيلولة دون ممارسة حرة في التصويت داخل ودادية خاصة بجسم قضائي كان من المفروض أن يكون قدوة حقيقية في ممارسة الديمقراطية وان يعطي النموذج الحداثي المترجم للدستور المتقدم خصوصا وأننا على أبواب الانتخابات المحلية و الجهوية والتي تتخذ فيها معركة في القوانين والمساطر كي تكون انتخابات في مستوى المغرب الذي نريد.
كرر رفيقي الآتي من سنوات الجمر والرصاص اتصاله بي كان هاتفي يوصل المرارة التي كشفت اللغة فيها عن الرغبة الملحة في فتح”علبة سوداء” وأن الأمر لم يعد مقبولا، وأنه حان الوقت لإشراك الإعلام في معرفة الحقائق من اجل التوجه إلى المستقبل بالعمل المؤسساتي المبني على الشروط الديمقراطية، عوض التوجه إلى أساليب تضرب كل مكتسباتنا التي قطعنا فيها أشواطا هامة، وهي المكتسبات التي تشع أملا من القضاة الشباب الحالمين بقضاء نزيه متجاوز لكل الذي مضى من خروقات انكشف بعضها والبعض الآخر ظل سرا مرددا بين العارفين بخبايا الأمور.
وفي باب الولوج الى الخبايا سألت رفيقي عن المتبارين على رئاسة “العلبة السوداء” والتي قال رفيقي الآتي من سنوات الجمر والرصاص أن الضرورة تقتضي المحاسبة خصوصا في الجانب المتعلق بالمشاريع التي أطلقتها الودادية الحسنية والممتدة إلى جيوب القضاة الشباب الحالمين بالسكن وتكوين أسرة صغيرة لها الحد الأدنى من الكرامة في الفضاء القضائي المعقد الذي لازال ينتظر إصلاحا جوهريا من أجل ممارسة العدالة الحرة والنزيهة، وأضاف رفيقي أن “مصطفى ثابت هو المرشح الفعلي الذي سيضع الحد بين الجد واللعب”، استغربت من جواب الرفيق، وتوجهت الى أعداد من صحف نشرت الحقائق في بداية التحقيق في قضية شغلت الرأي العام الوطني والدولي.
كانت المفاجأة أكبر بالنسبة لي عندما اكتشفت أن الأسماء المرشحة لقيادة الودادية الحسنية ليست إلا أسماء دائرة في فلك القضية بين متهم في القضية وبين من تكلف بها من طرف أعلى سلطة في البلاد.
كانت التقارير صادمة بالنسبة لي، تلك التي نقلت بالتفصيل دموع امرأة دخلت مشتكية من وحشية رجل استعمل موقعه الأمني لإذلال النساء وترهيب القاصرات واغتصابهن في مشهد جماعي لا تستطيع اللغة نقل مستوى الإجرام فيه. قلت وأنا أعيد القراءة في سطور الأرشيف المدون بأنامل رفيقنا نفسه على صفحات الجرائد التي احتفظ بها في بيتي المتواضع :هل فعلا “دفنا الماضي” ومن الذي يعزز مواقع هؤلاء اللذين تسببوا بصمتهم أو مشاركتهم في قهرنا، وكيف يجرؤون على السير في دربنا وحينا وقضائنا الذي نتوخى فتح باب الإصلاح فيه من جذوره للبناء الفعلي لدولة الحق والقانون. أضفت -وأنا أكرر مشهد المرأة التي استنجدت دون جدوى في مكتب الرجل الذي يكرس ثقافة التعليمات فينا اليوم ضد إرادة القضاة الشباب وإرادة العدليين الشرفاء – ارحلوا من دربنا فمشاهد القهر لن تغادر ذاكرتنا في السنوات التي خلت، وكان ثابت جزءا من هاويتها، لكنها سنوات لم تغادر ذهني لأنها تمتد في سنوات طفولتي يوم كنت أرى دموع والدي وهو يجهر بحقائق لأسرته الصغيرة من موقعه”ككاتب ضبط” في محكمة الشماعية عن الظلم الممارس بالفعل والقوة في فضاء القضاء، رحم الله والدي وعاش وطني مناضلا من أجل مغرب بمؤسسات قضائية نزيهة في ظل دستور متقدم لمغرب متوجه للمستقبل لا مغرب مشدود بحبل هؤلاء اللذين اعتادوا استعمالنا بالتحايل على التمديد في مؤسساتنا التي تئن اليوم من استعمالهم السيئ لكراسي الرئاسة راكبين على أحلامنا. اللهم اشهد إني قد بلغت.