لعل الأجواء السياسية والاجتماعية، التي يعيشها المغرب، هذه السنة، تتشابه إلى حد كبير مع الظروف التي عاشها في السنوات الأولى من تسعينيات القرن الماضي، حيث تميزت بتنسيق بين النقابات، وخاصة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، والاتحاد العام للشغالين بالمغرب، وبإضرابات عامة وميلاد الكتلة الديمقراطية، ومذكرة الإصلاحات الدستورية، التي تم تقديمها إلى الملك الراحل، الحسن الثاني، و غيرها من النضالات السياسية والاجتماعية والحقوقية، التي طبعت تلك المرحلة، والتي أنتجت دستور سنة 1996، وبمقابله أعطي الضوء الأخضر للدكتور الخطيب، ليحتضن في حزبه، الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، مجموعة من المنظمات الأصولية، مثل حركة التجديد والإصلاح ورابطة المستقبل الإسلامي، على غرار نفس النهج، الذي كان يسمى آنذاك بالأحزاب الإدارية، للحد من اكتساح الكتلة الديمقراطية.
وتشير كل المعطيات إلى أن أوجه التشابه تتأكد هذه السنة، فقد بدأ الدخول السياسي والاجتماعي، على غير العادة، مبكرا، حيث انطلق بإضراب الوظيفة العمومية، تلته سلسلة من قرارات الإضراب العام، التي أعلنت عنه عدد من المركزيات النقابية، مما يؤشر على أن الجبهة الاجتماعية، ستكون أكثر سخونة، بسبب الوضع المتفاقم، الناتج عن الإجراءات والقرارات الحكومية، سواء بالزيادة المتوالية في الأسعار، أو بالتراجع عن العديد من المكتسبات، أخطرها، “الحلول” المتسرعة التي أعلنت عنها في ملف التقاعد.
وتزامنا مع هذه القرارات النقابية، نظم حزبا الاتحاد الاشتراكي للقوات لشعبية والاستقلال، ملتقى كبيرا لأطرهما، يوم 27 شتنبر الأخير، على المستوى الجهوي والإقليمي والقطاعي، بهدف خلق دينامية قاعدية للتحالف، بين مختلف هياكلهما التنظيمية، ليس تحضيرا للمعارك الانتخابية، فقط، حسب البيان المشترك، الذي تم تعميمه، بل للعمل من أجل التفعيل الإيجابي للدستور، ومواصلة الدفاع عن الكيان الوطني، ودعم الحركية الاجتماعية، والتصدي، إلى جانب القوى المعارضة الأخرى للسياسات الحكومية، بالإضافة إلى التنسيق حول كل ما يهم القوانين الانتخابية والتقطيع وأنماط الاقتراع وصلاحيات المجالس المنتخبة…
وإذا كان المغرب عرف منذ نهاية التسعينات إلى الآن، تطورات سياسية كبيرة، أهمها انتقال الحكم من الملك الحسن الثاني إلى الملك محمد السادس، وتجربة حكومة التناوب، والإصلاح الدستوري، الذي أعلن عنه في 9 مارس 2011، ووصول المجموعة التي احتضنها الدكتور الخطيب إلى رئاسة الحكومة، إلا أن الإشكالات التي كانت مطروحة قبل عشرين سنة، مازالت تحتفظ براهنيتها.
فعلى المستوى الاجتماعية، تزيد الأوضاع اشتدادا على الطبقات الفقيرة والمتوسطة، وعلى المستوى السياسي، تتم عملية مسخ المكتسبات الدستورية، بالتدريج، على يد رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، الذي يشتغل على برنامج إفراغ الدستور من مضمونه، وعرقلة بناء الملكية البرلمانية والدولة الديمقراطية الحديثة. ومقابل هذه الخدمات، التي يقدمها، يعمل جاهدا على إقناع الفئات المستفيدة والمهيمنة، بإمكانية تعايش نموذجه الرجعي، مع مصالحها، بل يحاول تقديم الدليل تلو الآخر، على أنه قادر على لعب دور المظلة الواقية لصالحهـا، وأنه أحسن من يخدمها، سواء على مستوى الملفات الاجتماعية والحقوقية، أو على مستوى التراجع عن روح دستور 2011.
أوجه التشابه جلية، بين المرحلة التي نعيشها وسنوات التسعينات، فالمسار الديمقراطي معطوب، والوضع الاجتماعي والاقتصادي متأزم، ولا تظهر، لحد الآن، أية إرادة لتجاوز هذا الوضع، بل تشير الدلائل إلى أن هناك إصرارا على المضي قدما في نهج التراجع عن التزامات الإصلاح الدستوري، وتجاهل المطالب الشعبية ذات الطبيعة الاجتماعية وعودة نهج إغراق البلاد في المديونية الخارجية… وبالإضافة إلى كل ذلك، تكمن أوجه التشابه في العداء الشديد ضد حزبي الاتحاد والاستقلال، خاصة عندما يقويان تحالفهما، كما كان الأمر ضدهما في التسعينات، أثناء عمل الكتلة الديمقراطية، حيث تنشط حملات التشهير وتتناسل الإشاعات وأساليب الدعاية، التي ورثها المغرب، من صناع سنوات الرصاص.
ولن نأتي بجديد عندما نذكر بأن هذه السياسة، التي نهجها الحسن الثاني، بمعية وزيره في الداخلية، إدريس البصري، كادت تؤدي بالمغرب إلى السكتة القلبية، فماذا تغير بين الأمس واليوم؟
إذا كانت أوجه التشابه موجودة، فإن أوجه الاختلاف كثيرة أيضا، أهمها أننا أمام عهد جديد، ودستور جديد، وتحديات جديدة، أخطرها، التحولات التي عرفتها المنطقة العربية، بفعل انتشار المد الأصولي، الذي أدى عمليا إلى تمزيق الكيانات والقضاء على مقومات الدولة، في أكثر من بلد، لأنه يطعن في شرعية وجودها، انطلاقا من تصور إيديولوجي “للدولة الإسلامية الأصيلة”، المتخيلة، حيث لا اختلاف في هذا التصور وفي الهدف، بين كل الأصوليين، سواء كانوا معتدلين أو متشددين، إذ لا فرق بينهم، فهم يختلفون في التوقيت فقط. وهذا هو الوحش الذي يجب أن تتكاثف حوله الجهود، كما تكاثفت الجهود من قبل، لإنقاذ المغرب من السكتة القلبية.

8 اكتوبر 2014

عن جريدة .ا.ش

‫شاهد أيضًا‬

حضور الخيل وفرسان التبوريدة في غناء فن العيطة المغربية * أحمد فردوس

حين تصهل العاديات في محرك الخيل والخير، تنتصب هامات “الشُّجْعَانْ” على صهواتها…