بقلم مصطفى المتوكل / تارودانت
الاربعاء 8 اكتوبر 2014
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “صوموا لرؤيته، وأفطروا الرؤية”
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ – رضي الله عنهما – أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ : (( لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلاَلَ ، وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ))رواه البخاري ومثله في موطا الامام مالك مع فرق في ” فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلاَثِينَ »
وقال : “الشهر تسع وعشرون، فلا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غمّ عليكم فاقدروا له…رواه مالك في الموطا
قال تعالى (فلا أقسم برب المشارق والمغارب)..المعارج
بمناسبة الضجة التعسفية المصطنعة من احد ابناء الازهر … سنطرح السؤال على الذين – يفتون – بل – يخوضون – في كل الاشياء والمسائل التي تهم البر والجو وتحت الارض وفوقها ما يدرك وما يستحيل تصوره …. بدوافع وخلفيات طائفية واخرى مذهبية واحيانا سياسوية وفي حالات مزاجية انفعالية وفي اخرى كيدية …فنقول لهم من كان منكم مؤمنا فليقل خيرا او ليصمت …ومن كان منكم متحدثا فليلزم حدود الادب مع الله ومع المسلمين والناس وكافة …ومن كان يعتقد انه يمتلك المعرفة التي تخول له ظلم المغاربة باصدار اراء جائرة على عيد اضحاهم بانه باطل والتلميح من خلف ذلك الى ان صيامهم وافطارهم كذلك امر باطل لا لشيئ سوى لانه قام باعتماد اجراء الحساب للتعرف على الهلال واجرى غيره سنة النبي والخلفاء وكبار الصحابة باعتماد الرؤية فقط ..وفي هذا مافيه من احكام شرعية بسبب تطاوله وطعنه في جزء مهم من العالم الاسلامي والتشكيك الفاسد في اقامتهم لعباداتهم واقتدائهم بنبيهم عليه افضل الصلاة والتسليم …وهل نحن بهذا في نظر البعض قد افطرنا في يوم الصيام عمدا مما تلزم معه كفارة صيام شهرين متتابعين ؟؟
فمن سمح باعلان ذلك الكلام الذي تطاول به صاحبه على روح الاسلام وعلى سنة سيدنا محمد (ص) و ضرب بعرض الحائط بما هو موثق في امهات الكتب من خلاف لم يستطع كبار العلماء الاجلاء ان يبطلوا احد الرايين بسبب اختلاف في الفهم او التفسير او الترجيح …
ان الدولة المغربية بشهادة العلماء في مختلف بقاع الارض من اقوى الدول تنظيما وتدقيقا وتحقيقا في مجال تطبيق مقتضى النصوص الشرعية للتاكد من رؤية الاهلة ووضعت لهذه العملية اليات وموارد بشرية متخصصة تنتشر على ارض المغرب من اول نقطة في الشمال الى الحدود مع موريتانيا الى الحدود مع الجزائر وفي الجبال والسهول والصحاري وكل المدن المغربية وعين وكلف للقيام بهذه المهمة الشرعية الائمة والقضاة والمراقبون المنتمون الى العديد من المصالح مدنية وعسكرية معتمدين في ذلك على فهم دقيق للنصوص الشرعية …( صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته فان غم عليكم فاكملوا العدة ولا تستقبلوا الشهر استقبالا ) .
ونقول هل يمكن للمغرب ان لم تثبث رؤية الهلال عنده بالقطع ..وراته دولة ما ولو كانت باكستان او افغانسات او غيرهما باعتماد ا لحساب ان يترك قطعه ويرجح حساب دولة ما لاتعمل بالرؤية البصرية المباشرة ؟..
ولنفترض اننا مع دول اخرى صمنا معا في يوم واحد وعند نهاية الشهر احتفل هؤلاء باعتماد الحساب الفلكي لتعذر الرؤية لاي سبب.. ونحن لم تثبث الرؤية عندنا فاتممنا 30 ..فهل ان لم نقتد بهم نكون قد ارتكبنا منهيا عنه بصومنا يوم العيد ؟
وكيف للبعض ان يخلط بين رؤية الهلال وبين الوقوف بعرفة والاتهام ببطلان عيد المغاربة ؟؟
فالوقوف بعرفة والذي هو ركن من اركان الحج يتم بارض السعودية في المكان الذي يسمى عرفة …ولهذا فالصيام بالنسبة لغير الحجاج في كل البقاع يقصد به صيام اليوم الذي يقف فيه الحجاج بعرفة ولا حرج ان صام الناس يوما قبله …قال الرسول الكريم (ص):” صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده.”
وللاشارة فاحد كبار علماء سوس رحمه الله حج في سنة ما وعندما حل يوم عرفه وقف مع الواقفين وعاد منفردا في اليوم الموالي ليقف بعرفة مرة ثانية لانه متاكد بان رؤيته و المغاربة القطعية للهلال تجعله متاكدا من يوم عرفة الذي هو حسب علمه هو غير المعتمد بالحساب وهذا زيادة في التيقن عنده …ولم يقل قط ان كل من وقف بعرفة وقف في غير اليوم الفعلي …
ونطرح السؤال ما الذي يريده ذلك الازهري من اثارة هذه المسالة الغريبة والمستفزة ؟ الا يقصد تشكيك المغاربة في نزاهة ودقة ومصداقية العمل الشرعي للمغرب في رؤية الهلال المعتمدة منذ قرون ؟ الا يقصد اثارة الفتن وتشجيع من يسعون الى تقسيم المسلمين داخل الدولة الواحدة بان يختلفوا في مواعد اعيادهم وصيامهم داخل الدولة الواحدة بالاقتداء بالشيعة او بدولة سنية ؟…واذا اردنا كدول اسلامية ان نوحد منهجية التاكد من بداية ونهاية كل شهر هل نعتبر كل الامة الاسلامية كالدولة الواحدة ؟
وماهي المنهجية التي سنعتمدها في الرؤية هل الرؤية والحساب معا ام احدهما ؟ ان الامر ليس بالهين للتعامل معه بالامزجة والانفعالات …ان الامر يتطلب ان يجتمع العلماء والخبراء من كل الدول الاسلامية ويجتهدوا ليضعوا صيغة تجمع بين المذهبين والرايين دون الاخلال بجوهر القصد الشرعي في المسالة واحداث مؤسسة يعهد لها الاشراف والتتبع والاعلان في تكامل بين الشرع والعلوم الحديثة …
ونستحضر ما قاله العالم الألباني رحمه الله وهو يتحدث عن مسالة الرؤية : (وهذا أمر متيسر اليوم للغاية كما هو معلوم، ولكنه يتطلب شيئاً من اهتمام الدول حتى تجعله حقيقة واقعية إن شاء الله تبارك وتعالى. وإلى أن تجتمع الدول الإسلامية على ذلك، فإني أرى على شعب كل دولة أن يصوم مع دولته، ولا ينقسم على نفسه، فيصوم بعضهم معها، وبعضهم مع غيرها، تقدمت في صيامها أو تأخرت، لما في ذلك من توسيع دائرة الخلاف في الشعب الواحد، كما وقع في بعض الدول العربية منذ بضع سنين والله المستعان، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.)…
وسنذكر في هذه المقالة باراء بعض المذاهب في الموضوع …
…ففى” فقه الشافعية أنه اذا رئى هلال رمضان فى بلد ولم ير فى غيره فان تقارب البلدان فحكمهما حكم بلد واحد بلا خلاف وان تباعدا فوجهان مشهوران أصحهما لا يجب الصوم على أهل البلاد الأخرى…….فمثلوا للتباعد باختلاف المطالع كالحجاز والعراق وخراسان والتقارب كبغداد والكوفة”
…وفى فقه الحنفية أنه لا عبرة باختلاف المطالع فمتى ثبتت رؤية الهلال فى بلد بالمشرق مثلا لزم ذلك سائر البلاد شرقا وغربا ..وذهب آخرون من فقهاء المذهب الى اعتبار اختلاف المطالع ..
…والخلاصة أن العلماء مجمعون على أن ابتداء وانتهاء الشهور القمرية تتم برؤية الهلال حقيقة، أو حكما، لكنهم يختلفون في.. هل تلزم هذه الرؤية الامة الاسلامية أم لا نظرا لاختلاف المطالع..؟
…فعندما يتحدث الفقهاء عن “اختلاف المطالع” .. فذلك لتوضيح ان هناك تنوعا في مواقع ظهور الهلال حسب البلدان شرق الكرة الارضية وغربها .شمالها وجنوبها …كما هو الحال بتعاقب الليل والنهار بطلوع الشمس وغروبها ومواقع هذه العملية في السماء حسب الفصول الاربعة …ونذكر ببديهية ذاث صلة بالاختلافٌ في التوقيت على مدار الايام بين البلدان حيث تطلع الشمس بالتتابع من المشرق الى المغرب كما تغرب بنفس الوثيرة ..وحيث تختلف مواعيد الامساك عن الطعام ومواعيد الافطار بالنسبة للصائمين بمختلف البلدان حتى داخل الدولة الواحدة ..كما تختلف اوقات الصلوات الخمس …وبناء على عدة معطيات ومنها امكانية الرؤية من عدمها يوم 29 من كل شهر بالنسبة لكل بلد وخاصة المتباعدة بالاف الكيلومترات فان اعتماد الرؤية الفعلية على العين المجردة من جهة او على الحساب الفلكي دون تحقق الرؤية بالعين مسالة فيها اختلاف بين الفقهاء والمتخصصين …
… ونسرد هنا ما جاء في الأثر فيما رواه مسلم عن كريب “أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام، فقال: قدمت الشام فقضيت حاجتها، واستهل علىّ رمضان، وأنا بالشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني عبد الله بن عباس ثم ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت رأيته ليلة الجمعة فقال: أنت رأيته؟ فقلت: نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية.
قال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين يوما أو نراه.
فقلت: ألا تكتفي برؤية معاوية؟ فقال: لا هكذا أمرنا النبي عليه الصلاة والسلام.
فظاهر هذا الأثر يقتضي أن لكل بلد رؤيته قرب أو بعد، والنظر يعطي الفرق بين البلاد النائية والقريبة، وخاصة ما كان نأيه في الطول والعرض كثيرا”.
ونحتم بقولتين لابن تيمية ..
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (25/132) : (فَإِنَّا نَعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْعَمَلَ فِي رُؤْيَةِ هِلَالِ الصَّوْمِ أَوْ الْحَجِّ أَوْ الْعِدَّةِ أَوْ الْإِيلَاءِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُعَلَّقَةِ بِالْهِلَالِ بِخَبَرِ الْحَاسِبِ أَنَّهُ يُرَى أَوْ لَا يُرَى لَا يَجُوزُ . وَالنُّصُوصُ الْمُسْتَفِيضَةُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ كَثِيرَةٌ . وَقَدّ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ . وَلَا يُعْرَفُ فِيهِ خِلَافٌ قَدِيمٌ أَصْلًا وَلَا خِلَافٌ حَدِيثٌ ؛ إلَّا أَنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْمُتَفَقِّهَةِ الحادثين بَعْدَ الْمِائَةِ الثَّالِثَةِ زَعَمَ أَنَّهُ إذَا غُمَّ الْهِلَالُ جَازَ لِلْحَاسِبِ أَنْ يَعْمَلَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ بِالْحِسَابِ فَإِنْ كَانَ الْحِسَابُ دَلَّ عَلَى الرُّؤْيَةِ صَامَ وَإِلَّا فَلَا . وَهَذَا الْقَوْلُ وَإِنْ كَانَ مُقَيَّدًا بِالْإِغْمَامِ وَمُخْتَصًّا بِالْحَاسِبِ فَهُوَ شَاذٌّ مَسْبُوقٌ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافِهِ) .
وقال ابن تيمية: ” ولا ريب أنه ثبت بالسنة الصحيحة واتفاق الصحابة أنه لا يجوز الاعتماد على حساب النجوم”.
والله اعلم …