تغطية تركيبة خاصة للتظاهرة المنظمة بتارودانت السبت 27 شتنبر 2014
تارودانت هذه، كانت محطة من بين المحطات الثمانية التي قررتها مؤسسة محمد الزرقطوني للثقافة والأبحاث، لإحياء “سنة محمد الخامس” التي خصصت لها كل سنة 2014. وذلك من خلال الإحتفاء بتجربة معهد محمد الخامس الذي يعنبر عنوانا لتلاحم الدولة والمجتمع من أجل بناء المغرب المستقل، الذي كانت واجهة التعليم واحدة من واجهاته المركزية. وهو اللقاء الذي احتضنته قاعة الندوات الجميلة والواسعة بتارودانت السبت الماضي 27 شتنبر 2014، بتعاون بين المؤسسة وعمالة الإقليم والمجلس البلدي للمدينة. وهو اللقاء النوعي الذي شهد حضورا وازنا من أبناء تارودانت وكل سلطاتها المحلية المدنية والعسكرية، وكان فرصة لإعادة اكتشاف ذاكرة المدينة الوطنية والعلمية والتاريخية. وشكلت كلمات المشاركين فرصة لتسليط الضوء على جوانب متعددة من غنى ذلك التاريخ.
اللقاء، الذي ترأسه وسيره، الأستاذ لحسن العسبي (عضو مؤسسة محمد الزرقطوني)، والذي ذكر من خلال كلمته بتاريخ المدينة وعتاقة ذاكرتها وعدم إنصاف التاريخ المغربي الحديث لها رغم أنه صانعة تاريخ، منبها أنه على الخطو أن ينتبه جيدا حين يمشي فوق أديم تاردوانت أنه يمشي فوق أثر رجال ونساء صنعوا مجدا ليس لسوس فقط بل للمغرب كله. هذا اللقاء تميز بكلمة لعامل الإقليم، الأستاذ فؤاد المحمدي، الذي لم يرتكن فيها إلى مسكوك اللغة الرسمية، بل تحدث بلغة مبدعة عن تاريخ المدينة ومكانتها في ذاكرة الوطنية المغربية، بدليل تخصيص الملك الوطني محمد الخامس إحدى زياراته التاريخية إلى الجنوب لها، بل وإطلاق إسم جلالته على أكبر معهد للتعليم بكامل سوس، الذي كان له إشعاع ممتد حتى بلدان إفريقيا السوداء (9 دول)، واختيار تارودانت أن تكون مقره الدائم. وهي الكلمة التي جاءت في مفتتح ذلك اللقاء، بعد الإستماع للنشيد الوطني وافتتاح المناظرة بآيات بينات من الذكر الحكيم. ثم توالت المحاضرات التي نقدم بعضا من التي تمكنا من الحصول عليها (لم نتمكن للأسف من الحصول على كلمة الدكتور اليزيد الراضي، التي كانت جد عميقة ودقيقة). علما أنه ألقيت قبل ذلك كلمات كل من المندوبية الجهوية لمندوبية المقاومة وجيش التحرير (ألقاها المندوب الجهوي الأستاذ أحمد بسلام)، وكلمة مدير معهد محمد الخامس حاليا (الأستاذ والمربي الفاضل بلعيد أوالدونيت). وعرض شريط وثائقي من إنجاز المركز السينمائي المغربي خاص بالملك الوطني محمد الخامس تحت عنوان “ذاكرة منفى”، الذي لقي استحسانا كبيرا من الجمهور الحاضر. بعدها قدمت هدايا من مؤسسة الزرقطوني إلى عامل إقليم تارودانت ورئيس المجلس البلدي وشهادات تقديرية لعدد من فعاليات المدينة، وكذا نسخ من إصدارات المؤسسة إلى مكتبة معهد محمد الخامس.
واختتم البرنامج بزيارة معهد محمد الخامس، حيث تم اكتشاف ما يحتويه من دخائر علمية نفيسة تحتاج لرعاية خاصة حماية لها من التلف من قبل وزارة الثقافة…
ملاحظة … لم نتوصل بكلمات ومداخلات السادة الاساتذة …
************
لماذا اخترنا الإحتفاء بمعهد محمد الخامس بتارودانت؟
كلمة القاها ابن الشهيد الزرقطوني ….عبد الكريم . الزرقطوني
كلمة مؤسسة محمد الزرقطوني للثقافة والأبحاث، التي نظمت اللقاء، بالتعاون مع عمالة إقليم تارودانت والجماعة الحضرية للمدينة، ألقاها الكاتب العام للمؤسسة عبد الكريم الزرقطوني، التي أكد فيها اعتزاز أعضاء المؤسسة بتنظيم هذه المحطة المتميزة الخاصة (المحطة 6 بين المحطات الثمانية المقررة من قبلها إحياء لتخصيص سنة 2014 سنة الملك الوطني محمد الخامس، في أفق الذكرى 60 لعودة جلالته إلى عرشه منتصرا بالإستقلال). معتبرة أنها «تحية تقدير وامتنان من إخوانكم داخل مؤسستنا لكل سكان مدينة تارودانت المجاهدة، ولكل وطنييها الأبرار الذين استرخصوا حياتهم دفاعا عن المصلحة العليا للبلاد وعن سيادتها وعن استقلالها. وفي كل ذلك، سجلت المدينة أروع دروس الإباء والشموخ ضد الاستعمار وأذنابه بالمنطقة، بعد أن اختارت طريق الجهاد والوفاء والتضحية عنوانا لانتمائها الوطني الأصيل .. انتماء تعاقبت فيه أجيال على أجيال، وأسماء على أسماء أجد صعوبة في استحضار كل ملاحمها وكل بطولاتها في هذه العجالة .. أسماء بسطت تأثيراتها على مجالات واسعة خارج النطاق الجغرافي الضيق لمدينة تارودانت ومنطقة سوس، لكي تشمل امتدادات جغرافية واسعة عبر خريطة الوطن.
وداخل هذا النهر المتدفق للعطاء الوطني الخالص لمدينة تارودانت، حاضرة كل منطقة سوس، كان رواد العمل الوطني يبتكرون آليات شتى لمواجهة جبروت الاستعمار، آليات جمعت بين العمل السياسي المنظم داخل تنظيمات الحركة الوطنية وداخل أنوية المقاومة وجيش التحرير، ثم داخل التنظيمات الموازية للتأطير الوطني وللتعبئة الجهادية الشاملة ضد مخططات الاستعمار. وعلى رأس هذه المجالات، كانت حقول التربية والتكوين والتعليم مشتلا لتكوين وطنيي المرحلة، سواء داخل المدارس العتيقة التي كانت منتشرة على نطاق واسع داخل منطقة سوس، أم داخل المؤسسات التعليمية الحديثة التي أنشأتها الحركة الوطنية في إطار رؤاها التحررية الواسعة والهادفة إلى تحرير العقول بالعلم وبالمعرفة، استعدادا للمعركة الكبرى ضد سياسة التجهيل التي مارسها الاستعمار في حق أبناء الشعب المغربي.
وفي إطار هذا التوجه العام، يندرج مشروع إنشاء معهد محمد الخامس، كمؤسسة تعليمية كبرى، استهدفت من خلالها الحركة الوطنية إسناد عملها التوعوي بخلق إطار ناظم للتربية وللتكوين ولنشر الوعي الوطني بين صفوف الناشئة، وكذلك كان .. فقد تحول المعهد، ومنذ تدشينه من طرف المغفور له الملك محمد الخامس طيب الله ثراه، إلى قلعة للتنوير وللمعرفة ولبث الوعي الديني والوطني، تخرجت منه أجيال من الوطنيين من جل جهات البلاد، بل وقصده طلبة من عدة دول إفريقية ومغاربية، وظل معلمة وطنية بارزة وصرحا علميا أصيلا، تستحق مدينة تارودانت أن تفتخر به داخل مجال النضال التحرري الوطني أولا، ثم داخل مجالات الجهاد الأكبر للتربية والتعليم خلال عقود ما بعد رحيل الاستعمار.
لم يكن بمقدورنا، ونحن ننظم فعاليات تظاهرة « 2014 : سنة محمد الخامس « تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، عبر مجموعة من مدن المملكة، أن لا نستحضر اسم مدينة تارودانت داخل شبكة المدن المختارة، بل ولا أن نغفل معلمة معهد محمد الخامس، منارة العلم والمعرفة والجهاد، وذاكرة تارودانت التحررية وعنوان انتمائها الحضاري لتربة الوطنية الصادقة والمواطنة الراشدة.
أتمنى أن نكون قد وفينا المدينة ومعهدها حقهما في الاعتراف وفي الامتنان، وقبل ذلك هي مناسبة للترحم على أرواح كل وطنيي المدينة وشهدائها الأبرار الذين كتبوا سيرهم بمداد الفخر والتقدير، في إطار المعركة الكبرى التي انخرط فيها المغاربة من أجل الحرية والكرامة، بقيادة الملك البطل المغفور له محمد الخامس طيب لله ثراه».
العرض الذي القاه الاستاذ نور الدين صادق
تظاهرة عن المعهد الاسلامي في اطار سنة محمد الخامس كبرنامج من برامج مؤسسة الشهيد الزرقطوني
يشكل تأسيس المعهد الإسلامي(معهد محمد الخامس) بتارودانت حدثا محوريا في تاريخ سوس والمغرب عموما خلال فترة ما بعد الاستقلال، وذلك بالنظر إلى السياق العام الذي جاء في إطاره هذا التأسيس، وكذا نظرا للمسار الذي اتخذه تأسيس المعهد، منذ انبثاق فكرته، وإلى حين شروعه الفعلي في أداء رسالته التربوية و العلمية والدينية والاجتماعية والتنموية. كما أن هذا الحدث (حدث تأسيس المعهد الإسلامي) شكل لحظة مميزة من لحظات ملحمة مغرب ما بعد الاستقلال، حيث التحمت إرادة العرش بإرادة الشعب في تناغم سلس يروم وضع إحدى لبنات المغرب المستقل الفتي آنذاك، من خلال هذا المشروع الوطني الطموح، الذي شكل بالفعل مدرسة تجسدت فيها كل القيم الوطنية النبيلة: قيم التضامن والتكافل الوطني، قيم حب الوطن والبدل والتضحية من أجل رقيه ورفعته، قيم التمسك بثوابت هوية المغرب الثقافية والحضارية، وبناء نموذج تنموي يجعل من التعليم ومحاربة الجهل والتخلف حجر الزاوية… وهو ما يجعل من هذا المشروع نموذجا رائدا وطلائعيا يجسد قيم التنمية البشرية الحقة.
البعد الشعبي لمشروع تأسيس المعهد الإسلامي:
ككل مشاريع التنمية البشرية لم تكن فكرة تأسيس المعهد الإسلامي بتارودانت تشكل ترفا فكريا، بل إنها نبعت عن إحساس شعبي عميق بالحاجة الملحة لهذا المشروع، وذلك نظرا لتردي أوضاع العلم والتعلم، وتفشي الأمية والجهل بالمدينة وأحوازها، بعد ما كانت عبر تاريخها منارة إشعاع فكري، وإحدى عواصم المغرب الثقافية والعلمية الكبرى، ولعل أسباب هذا الوضع المستجد تكمن في:
٭ تضييق سلطات الحماية على التعليم الإسلامي، ومدارسه العتيقة لدورها في مواجهة الاستعمار وإذكاء جذوة الروح الوطنية.
٭إحجام الكثيرين من أهل المنطقة عن وضع أبنائهم في المدارس العصرية التي اعتبروها قناة لتمرير القيم الغربية، البعيدة كليا عن القيم الأصيلة للمجتمع المغربي، ووسيلة ممهدة لقبول الاستعمار ونظامه (هذه الوضعية التي آلت إليها المدينة رثا لحالها كل علماء المنطقة ومن ضمنهم العلامة المختار السوسي).
كان مشروع تأسيس المعهد الإسلامي، إذن، وسيلة أساسية لإعادة التوازن المفقود، لنظام المغرب التعليمي بعد الاستقلال، وأداة لتعزيز الشعور الفعلي بالاستقلال عبر إنشاء تعليم أصيل يشرف عليه المخزن المغربي بموازاة التعليم العصري الذي وضعت أسسه سلطات الحماية الفرنسية. ولعل هذا ما يفسر الإقبال المنقطع النظير الذي لاقاه المعهد، وتدفق أفواج الطلبة عليه من مختلف الأعمار ومن كل المناطق والآفاق. وما أبدوه من رغبة عارمة في التعلم والتحصيل قصد المساهمة فعليا في بناء صرح هذا الوطن وضمان رقيه وتقدمه.
ترسيخ دور العلماء كضامن للتواصل بين السلطان وشعبه:
إن ما قام به علماء تارودانت، وعلماء سوس، إما بصفة تلقائية، أو من خلال تنظيم جمعية علماء سوس، من توجيه الرسائل إلى تقديم المذكرات المطلبية للسلطان بخصوص إحياء التعليم الإسلامي بسوس، ليؤشر على نجاح العلماء في استرجاع دورهم المحوري كقوة اقتراحيه بناءة، تنقل نبض الشعب ومطالبه، ورغباته، وأمانيه إلى حضرة السلطان، فتضمن بذلك استمرار ذلك التواصل الذي سعى الاستعمار وعملاؤه بكل ما أوتوا إلى قطعه وتعطيله.
لقد شكل الحوار الذي استمر لسنوات بين مختلف فئات المجتمع السوسي وبين السلطان محمد الخامس رحمه الله، لحظة مميزة تأكد من خلالها حرص السلطان على الإنصات لمطالب شعبه، والسعي لإرضائه عن طريق العمل المشترك لتحقيق مطالبه المشروعة. وقد حظيت فكرة إنشاء المعهد الاسلامي بتارودانت بشرف أنها كانت موضوع حوار استمر بن تجار سوس والسلطان، ثم بين علماء سوس والسلطان. وقد أفضى هذا الحوار اقتناع السلطان بسداد الفكرة وأهميتها، وعمل وسعه على الاستجابة إليها. إن اتخاذ القرار السياسي عادة ما يتم وفق منهجيات ومقاربات متنوعة، تختلف باختلاف طبيعة الأنظمة، وكذا بالنظر إلى طبيعة الظروف المحيطة، أو المتحكمة في اتخاذ هذا القرار.
وقد كانت فكرة تأسيس المعهد الإسلامي بتارودانت تبدو، في نظر كثير من المسؤولين المغاربة، ضربا من الخيال أو من أحلام اليقظة، بالنظر إلى إمكانيات المغرب الحديث العهد بالاستقلال، التأطيرية منها والمالية. غير أن السلطان محمد الخامس تجنب التسرع في اتخاذ القرار، ولم يركن إلى مختلف المشورات الجاهزة التي قدمت له، بل إنه دفع بآليات الحوار بعيدا، باحثا بالتشارك مع محاوريه من السوسيين عن مختلف إمكانيات إنجاز هذا المشروع الوطني التنموي الرائد. فشكلت طريقة اتخاذ هذا القرار لحظة مشرقة في سجل الدولة المغربية الحديثة الفتية، غلب فيها المنهج الديموقراطي التشاركي، الذي تغيب فيه التراتبيات، والمواقع، وتحضر فيه بقوة مصلحة الوطن العليا.
شكل إنشاء المعهد الإسلامي فرصة متميزة تجسدت من خلالها روح التضامن الوطني في أسمى تجلياتها، فكانت مبادرة السلطان محمد الخامس إلى التبرع من ماله الخاص، حافزا لكل أعيان سوس والمغرب للاقتداء به، والتعبير عن تضامنهم المطلق لإنجاز هذا المشروع الوطني الرائد، فكانت الصدارة لمصلحة الوطن، والأولوية للمساهمة في تنميته، وتحقيق رفعته، وكان التضامن سبيلا وحيدا لتحقيق إرادة العرش والشعب، وسرعان ما توالت التبرعات لتخرج من العدم ميزانية إنشاء المعهد.
الانخراط الشعبي في مشروع تأسيس المعهد:
لم يقتصر الأمر على التبرعات المالية التي قدمها التجار والأعيان وكبار موظفي الدولة، بل تعدى الامر ذلك إلى انخراط شعبي منقطع النظير، أبرز من خلاله السوسيون وعموم المغاربة تحليهم بروح البدل والعطاء وقدرتهم على التضحية من أجل مصلحة الوطن. فبادر بعض من أعيان تارودانت للتبرع بالقطعة الأرضية التي بني عليها المشروع، وتنازل أساتذة المعهد عن أجرة شهر لضمان استمرار أشغال البناء، وتنافس فلاحوا المدينة في إطعام الطلبة بتقديم مساهماتهم من عين ما ينتجونه من زيت وشعير وذرة وغيرها، وتجند طلبة المعهد للتبرع بقوة عملهم التي يملكون… فجاء هذا الانخراط الشعبي مؤكدا لروح التضامن الوطني، وجعل المشروع مجسدا بالفعل لروح التنمية البشرية.
آل التعليم الديني بحواضر سوس إلى الانقراض، او كاد، وذلك من جراء تضييق الخناق عليه من لدن سلطات الحماية الفرنسية، التي كانت تعمل وفق خطاب مزدوج:
* فكان ليوطي يدعي الحفاظ على العادات والتقاليد الأهلية، وعدم المساس بالمعتقد الإسلامي، وفق ما تنص عليه معاهدة الحماية الموقعة مع سلطان المغرب سنة 1912.
* وكان في الآن ذاته يشجع العرف في محاولة لتهميش الشرع، ولا يترك فرصة للتضييق على التعليم الديني، وشيوخه ومدارسه العتيقة.. فوصل التعليم الديني بمدينة تارودانت إلى أدنى مستوياته إبان فترة الحماية الفرنسية.
لقد شكل المعهد الإسلامي منذ تأسيسه بارقة أمل، أحييت التعليم الديني بالمدينة، وبمنطقة سوس، وبعموم المغرب. بل إن المعهد لم يقتصر على إحياء هذا التعليم بل حرص على تطويره، وإغنائه، وتحديثه، وذلك عن طريق وضع مناهج دراسية محكمة، تزاوج بين تدريس العلوم الدينية بمختلف فروعها وتشعباتها: من فقه وأصول وحديث وتفسير وفرائض وتوقيت وغيرها … وإلى جانبها تدرس باقي المعارف والعلوم الحديثة من رياضيات وكيمياء وفيزياء ولغات، فضلا عن الأنشطة الفنية والرياضية… معتمدة نظاما إسلاميا صرفا، يقرن بين العلم والعمل، ويحرص على تربية الطلبة على أداء الواجبات والفرائض الدينية، ويحفظ للمرأة حقها في التعليم. وسرعان ما أضحى المعهد بما جمعه من فقهاء أجلاء، وأساتذة أكفاء منارة لنشر العلم وقيم الإسلام السمحة.
شكل المعهد نموذجا للتضامن العربي الإفريقي، ونموذجا حيا للتعاون بين دول الجنوب:
انفتح المعهد الإسلامي بتارودانت منذ تأسيسه على محيطه الإفريقي والعربي، وسرعان ما استرجع دور المغرب كمنارة لنشر الثقافة العربية الإسلامية في ربوع القارة السمراء، وسرعان ما تدفقت على المعهد وفود الطلبة الأفارقة من كل الجنسيات، لدراسة اللغة العربية والثقافة الإسلامية. ولتغطية نقص أطر التدريس، وخاصة في المواد العلمية، لم يول المعهد نظره صوب الشمال، بل التفت إلى عمقه العربي، وفتح أبوابه للأساتذة العرب من مصر وسوريا والأردن وفلسطين والعراق… فشكل بالفعل نموذجا تربويا وتنمويا يعطي الأولوية لتعاون دول الجنوب فيما بينها قصد النهوض بأوضاعها وتحقيق التنمية. وهو ما عرف بتعاون جنوب/جنوب.
هذا مجرد غيض من فيض، مجرد قراءة أولية في جزء يسير من الدلالات والمعاني التي تحملها هذه المعلمة العتيدة، التي جسدت فعلا التقاء وتلاحم طموحات وإرادات كل من المغفور له السلطان محمد الخامس رحمه لله، بطموحات وإرادات أبناء شعبه من الوطنيين السوسيين الاحرار، لبناء مغرب مستقل، قوي بطاقاته البشرية العارفة العالمة، مغرب يستثمر في التعليم وفي تكوين طاقاته البشرية من أجل تحقيق نموه وتقدمه.
أستاذ باحث في التاريخ، متخصص في تاريخ تارودانت.
السوسيون ينتصرون لتاريخهم في حماية العلم والعلماء ببعد وطني بناء
تارودانت: مراسلة خاصة / مصطفى المتوكل
ان الحديث عن المعهد الاسلامي / معهد محمد الخامس ليس حديثا عن ثانوية كسائر المؤسسات التربوية …انه حديث في التاريخ والجهاد والنضال الوطني والسياسي والعلمي والشرعي لدرجة يصعب فيها الفصل بين كل هذا الثراء الانساني الذي كان وراء الفكرة والمشروع والمعلمة . إن فكرة المعهد انبثقت من قلب رجالات الحركة الوطنية السوسيين بالرباط وسلا في تداخل زمني جميل بين جمع التوقيعات للمطالبة بالاستقلال سنة 1944 من طرف لجنة تضم نخبة من الوطنيين والاعلان عن انطلاق فكرة النهوض بالتعليم بسوس . وهي فكرة للنهوض بالتعليم والوعي السياسي والوطني بسوس على اسس قوية اصيلة ومعاصرة وعلمية. وأيضا لمناهضة التعليم المعتمد من الاستعمار والذي يتطاول على الهوية والخصوصيات المغربية وبناء تعليم وطني بديل. وكذا الارتباط والتكامل مع مساعي الحركة الوطنية والعمل المشترك من اجل الاستقلال وبناء المغرب الجديد. ثم انعكاس الصراع السياسي الذي عرفه المغرب بعد الاستقلال بين بعض المتاثرين بالفكر الفرنسي وبين دعاة الاستقلال التام عن الاستعمار وعدم التبعية له على مسارات المعهد.
دون إغفال تأثره بالصراع السياسي الذي حصل بحزب الاستقلال وظهور حزب جديد هو الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. اذ إن نخبة مهمة من المدعمين ماليا ومعنويا واداريا والمسيرين المباشرين وغير المباشرين كانوا من ضمن من أسس لانتفاضة 1959 التي نجم عنها تاسيس حزب وطني ثان يتقاسم القوة والنفوذ مع حزب الاستقلال وكان منهم بطبيعة الحال مدير المعهد عمر المتوكل الساحلي. فكان أن حاربت السلطة الاقليمية ومن يسايرها للمعهد بتارودانت وطبخ العديد من المؤامرات ضد البعض من المؤسسين وتوزيع الاتهامات والتهديدات لإضعاف لحمة الملتفين والمدافعين عن معلمة المعهد الاسلامي.
بداية المؤسسة.. فكرة
ابتدأت الفكرة عندما عمل الوطنيون السوسيون لجمع التوقيعات لعريضة التأييد للمطالبة باستقلال المغرب سنة 1944 والمكونة من السادة : الفقيه محمد الخنبوبي والحاج أحمد الكدورتي وأحمد بن الحنفي التمكيدشتي ومحمد بن مبارك الولياضي وأحمد المرابط، حيث جمعوا 334 توقيعا من السوسيين القاطنين بالعدوتين الرباط/سلا..وفي اجتماع لهذه اللجنة اقترح السيد محمد بن مبارك، الشروع في الاعداد والعمل من اجل النهوض بالتعليم لفائدة أبناء سوس رغم وجود اقتراح اخر من طرف الوطني الكبير سي احمد المرابط الذي يرى أن تتوحد جهود الجميع في إطار حزب الاستقلال الى ان تستقل البلاد وإذ ذاك فسوف لا يكون إلا ما نريد في سوس. وتم تجديد الفكرة بين الفقيه الخنبوبي ومحمد بن مبارك الولياضي والحاج أحمد الكدورتي فاتفقوا على عقد اجتماع بمنزل الحاج الحسن اغشى حضر اللقاء كذلك السادة : أحمد بن الحنفي التمكدشتي والحاج حسن وصالح المزيلي من الرباط ومولاي الطاهر الزكري والحسن مزداكن الإيلاني من سلا، واتفقوا على إخراج الفكرة إلى حيز الوجود نظرا لأن سوس متخلفة عن المناطق الأخرى في حقل التعليم وأن عليهم أن لا ينتظروا الدولة التي ستنشغل ببناء نفسها بعد الاستقلال. هناك تكونت لجنة لمشروع التعليم بسوس من السادة الخنبوبي محمد وأحمد بن الحنفي والحاج أحمد الكدورتي وصالح المزيلي والحسن مزداكن الذي افتتح الاكتتاب للمشروع في تلك الجلسة.. إلا أن السيد محمد بن مبارك اقترح أن يتوقف الاكتتاب حتى يحصلوا على الإذن من الملك محمد الخامس.
قام السيد ابن مبارك بإبلاغ الأستاذ المختار السوسي وزير الأوقاف آنذاك بمنزل السيد البونعماني وطلب منه الاتصال بالملك لطلب الاذن بالاكتتاب.. واتفقوا بعد ذلك على الترويج للفكرة بين التجار والتعبئة للعملية في انتظار الموافقة.. وهذه الأفكار سجلها العلامة المجاهد سيدي عمرالمتوكل الساحلي رحمة الله عليه مباشرة بمنزل الخنبوبي بالرباط عن السيدين محمد بن مبارك والفقيه الخنبوبي في مارس 1980 وأكد له السيد أحمد المرابط المعلومات بمنزله بالرباط في 12 يوليوز 1980.. وأضاف المرابط معلومات أخرى اجملها في أن فكرة مشروع التعليم بسوس كانت بالرباط على مرحلتين :
الأولى التي رفع فيها الملتمس للملك في شأن المدارس العتيقة بسوس يوم وضع الحجر الأساسي لمدرسة بني دغوغ بمراكش سنة 1950 ..
الثانية بدأت مع فجر الاستقلال بالمذاكرات الخاصة بالوطنيين السوسيين في الرباط وبين وزير الأوقاف المختار السوسي اعقبتها لقاءات ثارة مصغرة واخرى وموسعة.. إلى أن تكونت لجنة لمشروع المعهد من السادة : الحاج الخنبوبي وأحمد الكدورتي ومحمد بن مبارك الولياضي والحاج محمد الكثيري «داموح» وأحمد المرابط الأملني وبوجمعة الرسموكي والحاج المحفوظ الكدورتي وعابد نايت أويا الإيلالني والحسين الحصار التفنوتي وأحمد المحفوظ العبلاوي (الجزار) وصالح المزيلي وبلعيد أباحو المجاطي والحاج الحسين الباعمراني والحاج محمد الزكري ومولاي الطاهر الزكري والحاج محمد بلقاسم التاسريرتي، ومنهم انبثقت لجنة مصغرة .
أهداف تأسيس المعهد
ان من اهداف تأسيس المعهد أن يكون امتدادا للمدرسة الوكاكية وتجديدا للحركة العلمية التي أجاد الفقيه المختار السوسي في الحديث عنها والتاريخ لها وتكامل مع عمله الفقيه عمر المتوكل الساحلي بكتبه الاربعة المعهد الاسلامي والمدارس العتيقة بسوس. وقرر المؤسسون أن يكون نظامه الدراسي على غرار القرويين بالمحافظة على العلوم العربية والإسلامية. ولتحقيق هذا الهدف عملت الجمعية المشرفة على المعهد في برنامجها التعليمي :
o على إحياء المدارس العتيقة بسوس وتنظيم الدراسة بها..
o واعتبارها من الروافد المهمة للمعهد ..
o وإدخال التعديلات المناسبة على أسلوب الدراسة بها .
o النهوض بالتعليم والمدارس العتيقة بسوس وتطويرها وتنظيم الدراسة بها وتوفير الدعم المادي لها
o تعليم العلوم الشرعية والادبية ونشر المعرفة والوعي
o مسايرة العمل الوطني في اتجاه الاستقلال وبناء المؤسسات واصلاح الاوضاع العامة
o الارتباط القوي بالحركة الوطنية ومباركة اعملها وانجاح مساعيها
مناهضة الاستعمار وافكاره وسياساته.
وطرح وفد من التجار السوسيين القادمين من مدن مختلفة للملك محمد الخامس يوم وضعه الحجر الأساس بمراكش للمدرسة الحرة بني دغوغ بروض العروس 29 أبريل 1950.. ذلك الوفد اجتمع بعد علمه بأن الملك سيدشن المدرسة بمنزل عبد الله الصويري بمراكش وحرروا ملتمسا يتكون من نقطتين : طلب إلغاء العرف في سوس وتعيين قضاة شرعيين في عزله المجالس الوصية التي أحدثت بعد الاحتلال ..وطلب إصلاح المدارس العلمية وتنظيمها في إطار التعليم الحر بسوس. كما تجدر الإشارة إلى أن الفكرة كانت كذلك مطروحة بمراكش سنة 1953 بتأسيس «جمعية علماء سوس» والتي كان من أهدافها النهوض بالتعليم بسوس. وللإشارة التاريخية.. لابد من التأكيد على الزيارة التي قام بها وفد علماء سوس ( 44عالما ) للملك محمد الخامس في دجنبر 1955 بمناسبة عودته من المنفى وقدموا له ملتمسا في الموضوع.
في هذا الوقت تعرف عمر الساحلي بمنزل الفقيه المختار السوسي بالسيد أحمد المرابط الجشتمي أحد أعضاء هذا الوفد،حيث اطلع على الملتمس وبعد ذلك رفع الفقيه محمد المعمري الملتمس للتعليم العام باسم السلطات فأجابه المقيم العام الجنرال جوان ب «قل للسلطان يمكن أن نفتح للسوسيين ثكنات عسكرية في بيوكرى أو أكادير وغيرها ليتدربوا فيها ولا يمكن أن نسمح لهم ولو بإصلاح وتنظيم مدرسة واحدة بسوس» . وفي اطار ترتيب المعطيات التاريخية لابد ان نذكر بان ناقشا دار بين استاذين من رفاق الفقيه المختار السوسي والذين نهلا من معارفه و علمه كانا يدرسان بمدرسة الفتح الحسنية الحرة بمراكش. وهما احمد العدوي بارك الله في عمره والراحل عمر الساحلي حول فكرة (النهوض بالثقافة والتعليم) بالعمل من اجل تأسيس جمعية ثقافية من بين طلبة الفقيه بمراكش لعلها تكون إطارا لنشاط ثقافي بدل النشاط السياسي المحظور وكان صاحب الفكرة هو السيد احمد العدوي فكان الترويج لها منهما ونظم أول لقاء للنواة الأولى بين السادة / احمد العدوي بارك الله في عمره /عمر الساحلي/ابراهيم الحامدي/الحسين وجاج/ محمد بن الباز/ رحمهم الله وفي محل سكن هذا الأخير بحومة سيدي عبد العزيز تاسست جمعية ثقافية اطلق عليها جمعية علماء سوس باقتراح من سي احمد العدوي. فأعلن عنها برئاسة شرفية للفقيه المختار الذي كان أنذاك بالمنفى، وكان أول الملتحقين بها هو سيدي عبد ا لرحمان الدرقاوي في ابريل 1953. ولم يعلم الفقيه سيدي المختار بالجمعية إلا بعد أن أطلق صراحه أوائل 1955 و عند قراءتنا للنظام الاساسي للجمعية نجد المادة (4) منه تقول .. [العمل على خلق نهضة علمية في مدن سوس وقراه. ونشر تعليم اللغة العربية، وبعث ثقافة عربية عصرية متينة خليقة بمجد سوس العلمي وبثرات الوطن الثقافي, وتنظيم حملات مستمرة للإرشاد والوعظ والتوجيه] .
وبعد اتصالات بين مفكرين وعلماء وتجار سوس في الرباط والبيضاء وبعد لقاء مع الملك الراحل في دجنبر 1955. وبعد عقد لقاءات اعدادية بين بعض التجار والعلماء والمقاومين بمدينتي البيضاء والرباط تم الاتفاق على عقد مؤتمر عام بمدينة تارودانت ….بعد أن تبرع الراحل مولاي علي بن بوبكر الطائي الروداني ببقعة أرضية بحي اقنيس لبناء المعهد. فانعقد في 12 يوليوز 1956 بتارودانت المؤتمر الاول وحضره علماء ومقاومون واعضاء من قيادة جيش التحرير ووطنيين وتجار وفلاحين من سوس وتم اتخاذ قرار جعل تارودانت مركزا للمعهد بعد ان كان مجرد اقتراح بسبب مبادرتهم القوية بوهب الارض حيث كان الامر يتارجح بين اكادير وتيزنيت وتارودانت …وتقرر الشروع في جمع الدعم في انتظار موافقة القصر .. وكذا عقد لقاء بتارودانت في شتنبر 1956 للاعداد لفتح المعهد في فاتح اكتوبر 1956 وبموازاة مع ذلك سترسل لجنة لزيارة الملك وتقديم المشروع له وطلب الموافقة الرسمية منه لجمع الاعشار…وتقرران يكون من ضمن اعضاء الوفد مولاي علي بن بوبكر ليقدم للملك رسم هبة البقعة المخصصة لصالح العلم والدين وكذا الحاج عابد السوسي. وللتاريخ لابد ان نسجل ان الفقيه والاديب والشاعر والوطني سي محمد هرماس وهو من مؤسسي المعهد يرجع له الفضل في هذه الهبة الرائعة …
ولقد استقبل الملك الراحل وفد جمعية علماء سوس بعد مناسبة زيارته للمعهد … يوم الجمعة 19 محرم 1376 هـ الموافق 27 غشت 1956 برئاسة وزير الأوقاف المختار السوسي الذي قدم اعضاء الوفد للملك ليسلم له بعد ذلك مولاي علي رسم الهبة حيث سلمه الملك في نفس اللحظه للمختار السوسي … وحضر اللقاء وزير التعليم آنذاك الأستاذ محمد الفاسي.. وبعد إلقاء الجمعية لكلمتها أعلن الملك انه يفتتح الاكتتاب للمعهد من ماله الخاص بمليونين من الفرنكات …وتمنى ان يزور تارودانت وان يجد حلقات الدروس في جامعها الكبيروامرهم بالشروع في العمل فورا بقوله: « منذ الان».
صعوبات وعراقيل..
اعتبارا للعمق الوطني لتاسيس الجمعية والجوهر السياسي النضالي لاصلاح وتطوير التعليم ومواجهة الاستلاب … تعرضت الجمعية وواجهت صعوبات كثيرة تحدتها كلها وتمكنت من فتح 7 فروع للمعهد في أربع سنوات.. ونذكر هنا البعض منه:
المماطلة والتسويف في الاعتراف بها كجمعية ذات مصلحة عامة رغم مجهودات السيد الوزير المختار السوسي (وزير التاج). ولقد استدعى رئيس المجلس ليبلغه عامل أكادير آنذاك المعزوزي محمد أن شرط الحكومة الاعتراف بالجمعية أن تحذف من قانونها الأساسي المادة 3 والتي تنص على : « الوفاء للعهود الوطنية في أوسع معانيها ومصالح الوطن العليا والعمل المستمر لصالح البلاد والعباد بإيقاظ الضمائر واستحسان الهمم وبث روح الوعي الكريم الحر في جميع طبقات الشعب». ورأى المجلس انه لا داعي لحذفها مادامت الجمعية تعمل بإذن من الملك ومرت خمس سنوات دون اعتراف رسمي. وفي اطار خلخلة هذا العائق وضع اسم آخر هو « الجمعية الإسلامية للثقافة والإرشاد» وقد تم التصريح على حذف كلمة «جمعية علماء سوس» ووضع قانون أساسي معدل ورغم ذلك لم يتم الاعتراف بها، وهنا ( أشير إلى جملة في كتاب سيدي عمر المتوكل الساحلي رحمه الله…والتي تقول انه .. (لم يتم إلى الآن (1982/1402) الاعتراف بها رغم تبديل وتعديل الاسم والقانون.
ولم يتم الاعتراف بالجمعية «جمعية علماء سوس للثقافة والإرشاد كجمعية ذات نفع عام 29 شتنبر الا في سنة 1982 بناء على الطلب المجدد الموضوع لدى السلطات المختصة بتاريخ 25 ابريل 1961.
* توقيف متعمد للإمدادات والدعم بسبب تهديد وحث المساهمين على الامتناع عن الدعم مما تسبب في ازمة خانقة سنة 61/1962 جعلت إتمام البناء متوقفا كما صعبت الاستعداد لاستقبال أفواج جديدة من الطلبة، فاضطر الغيورون على المؤسسة الى افتتاح اكتتاب من الأساتذة والعلماء وبعض المحسنين لضمان اتمام العمل وانجاح الدخول المدرسي …
* اثارة أول إضراب بالمعهد يناير 1960 من طرف جهات تستهدف الاساءة للمؤسسة وتصفية حسابات سياسوية مع بعض مؤسسي المعهد وبعض رجالات الحركة الوطنية والمقاومة .. ليتم تطويق المعهد بالجيش والاعلان عن فصل جميع الطلبة باسم الوزارة وأن من يريد التعلم فليتقدم أمام اللجنة بتسجيل نفسه من جديد بشروط يلتزم بها و يوقع عليها.مستغلين في هذا وجود مدير المعهد بمستشفى تارودانت بعد تعرضه لحادثة سير خطيرة في طريقه الى اكادير على بعد 14 كلمتر منها بسبب سقوطه منها بفعل انفتاح الباب وكان الشهيد ابراهيم التيزنيتي ( اختطف واختفى .. اوائل السبعينات ) هو من يسوق السيارة …
* وكان لموقف مدير المعهد عمر المتوكل الساحلي بتاريخ 17 شتنبر 1959 الذي اعلن عنه ونشر رسميا بجريدة التحرير عندما قال بانه مادام المغرب لم يستكمل استقلاله وحريته بالصحراء وسيدي افني وسبتة ومليلية .. ومادامت الجزائر الشقيقة لم تستقل بعد، ومادامت الدولة لم تشرع في معالجة مشاكل الشعب المغربي الاجتماعية، فان الوطن في حاجة الى اتحاد توحد كل القوى الوطنية بعيدا عن الحزازات والانانيات والتفرغ للمصالح العليا للوطن والشعب في اطار الاتحاد الوطني. ليوجه دعوة للكل وطني غيور ان ينضم لهذه الحركة. قلت كان لموقفه هذا اثر كبير فتولدت عنه سلسلة من المضايقات والاستفزازات والمؤامرات، وتعقدت الامور اكثر بسبب موقفه من دستور 1962 حيث عبأ وحث الساكنة للتصويت ضده واعترض على رفع برقية مساندة للدستور من طرف جمعية العلماء دون ان يطلعوا عليها ويناقشوها ويدلوا بعد ذلك برايهم …
لماذا اختيرت تارودانت مركزا للمعهد ؟
اختيارها ليس عرضيا بل لأسباب تاريخية ومن جهة أخرى لمكانتها العلمية ولأسباب مادية لم تتوفر آنذاك بتزنيت ولا أكادير… ولدورها السياسي التاريخي في بناء الدولة المغربية…والنفوذ القضائي و الولائي لتارودانت على سوس. من خيرة المساعدين للمعهد والمدعمين له الأستاذ الحاج امحمد بن شقرون بحكم رآسته مصلحة التعليم الإسلامي العالي. مدرسة الرميلة وعلاقتها بالمعهد الإسلامي بتارودانت ويمكن اعتبارها متفرعة عنه حيث هي امتداد للحركة العلمية التي انطلقت من مدارس سوس.
اقترح العامل الأول لإقليم أكادير أن يسمي المعهد «معهد محمد بن سليمان الروداني» غير أن الجمعية فصلت المعهد الاسلامي وقبلها كان الفقيه المختار السوسي وراء فكرة إحداث مدرسة الحياة التي أطلق عليها سنة 1944 وبدايتها سنة 1932 بفكرة واقتراح الفقيه الذي كان كل شيء كما قال عنه أحد مؤسسي تلك المدرسة. ولأن تارودانت لها مكانتها الوطنية السياسية والعلمية تاريخيا ولنشاطها الادبي. ولمبادرة سي محمد هرماس ليقوم مولاي علي بن بوبكر بوهب الارض لفائدة المعهد وتحبيس امراة لجنان مجاور لفائدة العلم. ولمباركة العلماء والمقاومين والوطنيين والتجار المتتبعين للمعهد منذ كان فكرة الى انطلاق العمل به بتارودانت.
لهذا فالمعهد ليس مؤسسة تعليمية فقط كغيره، بل هو منارة علمية جامعة. ومشروع فكر فيه واعد له وبناه وسيره العلماء والمقاومون وخيرة الناس اسوسيين بمختلف مدن المغرب.