منذ تنصيب حكومة الدستور الجديد، تتبعنا كيف أصبحت مسألتا الدعم وصندوق المقاصة من جهة والزيادة في الأسعار والتضخم من جهة ثانية محورين احتلا حيزا كبيرا في النقاش الوطني ببعديه السياسي والاقتصادي، وبالتالي لمس الرأي العام كيف ابتعد منطق تدبير حكومة السيد بنكيران للشأن العام عن برنامجها المصرح به أمام البرلمان وأمام الشعب المغربي وبرنامج أحزاب الّأغلبية التي تمكنت من خلالها الحصول على المقاعد البرلمانية الكافية التي جعلتهم ينجحون في تشكيل أغلبية مريحة في المجلس التشريعي. لقد تتبع المواطنون كيف التجأت الحكومة إلى الحلول اللاشعبية (الحلول السهلة) من خلال التركيز بشكل غير مدروس على الزيادة في أسعار المنتوجات الطاقية والمحروقات على الخصوص. لقد تتبع الجميع تداعيات هذه الزيادات على أسعار عدد كبير من السلع والخدمات، وبالتالي على القدرة الشرائية للطبقتين المتوسطة والفقيرة. لقد تبين مع مرور الأيام أن الحكومة التي يقودها حزب المصباح لا تبحث إلا على إيجاد السبل لتوزيع المعونات المالية بشكل مباشر على «الفقراء» من خلال اعتمادات مالية لا يمكن أن تكون إلا على حساب الطبقة الوسطى (لقد صرح رئيس الحكومة فيما قبل أن كل من يملك سيارة فهو ميسور).
وفي هذا الصدد، تطرقت الصحافة الوطنية في الأسابيع الأخيرة إلى تأثير رفع الدعم على مادة «الفيول2 « على تكلفة إنتاج السكر وطنيا بمختلف أشكاله، الشيء الذي جعل تكلفته ترتفع بشكل كبير. إنه وضع دفع شركة «كوزيمار» إلى إعلان عزمها الزيادة في الأسعار للحفاظ على قدرتها التنافسية، ليكون المواطن بذلك أمام إشكالية إمكان تفعيل إجراءين خطيرين يتعلق الأول بإعلان شركة «كوزيمار» عن حقها في الزيادة في الأسعار نتيجة ارتفاع ثمن الفيول2 (ارتفاع تكلفة الإنتاج)، والثاني بتهديدات الحكومة (وزارة الشؤون العامة للحكومة) لإلغاء الدعم على مادة السكر. هذا الدعم الذي تقتسمه الأسر المغربية منذ عقود بنسبة 50 بالمائة مع رؤوس الأموال الاستثمارية خاصة في مجال صناعة المشروبات الغازية غير الغازية، والحلويات الصناعية، والشوكولا، والفواكه المعلبة، والبسكويت، و»السكاكر»،… وكذا أصحاب المقاهي والمطاعم والفنادق… وأمام هذا الوضع يكون المغاربة أمام معضلة حقيقية، معضلة زيادة عالية غير مقبولة مجتمعيا في سعر هذه المادة الحيوية، زيادة قد يكون وقعها على القوات الشعبية، في حالة إقرارها، سيء للغاية. أقول هذا، لأن الكل يعلم أن المغاربة يعتبرون من أكبر المستهلكين للسكر على مستوى العالم المغاربي حيث يتجاوز الاستهلاك السنوي للفرد الواحد 33 كيلوغراما. إن القوات الشعبية شديدة الارتباط بالشاي و»القهوى» (البن)، اللذين يشكلان مع الزيتون والزبدة وزيت الزيتون والرغيف قسطا كبيرا من وجباتهم الاستهلاكية اليومية.
وللتذكير فقط، فأمام استفادة المستثمرين من القسط الأكبر من أموال الدعم المخصص للسكر المستعمل في المجال الصناعي، قامت حكومة عبد الرحمان اليوسفي منذ تنصيبها بالمطالبة بإرجاع تلك الأموال إلى صندوق الدولة (من كل الصناعيين المستفيدين)، حيث استمر حرص الدولة سنويا على هذا الإرجاع إلى حدود 2006، حيث ستقرر حكومة جطو الكف عن المطالبة بذلك لتبقي عن إرجاع دهم واحد من ضمن 2,90 درهم كدعم مخصص لهذه المادة في قطاع المشروبات الغازية وغير الغازية فقط. لقد تم الاستغناء عن المطالبة بمبالغ الدعم بالنسبة للقطاعات الأخرى تحت ذريعة اشتداد المنافسة الدولية، ليتبين بعد ذلك أن من خمسة ملايير درهم المخصصة للدعم سنة 2012، لم تستفد الأسر إلا من مبلغ إجمالي لا يتجاوز 2,5 مليار درهم فقط.
في الحقيقة، بعدما صادق المغاربة على دستور جديد متوافق بشأنه، كان الجميع ينتظر من حكومة السيد بنكيران العودة إلى استهداف كل المستثمرين المستعملين للمواد المدعمة بصيغة تمكن الميزانية من استرجاع أكثر من نصف مبالغ الدعم السنوية (مبلغ الدعم ما بين 2009 و 2014 قارب 23 مليار درهم ).
بكل تأكيد، المغاربة اليوم لا يستسيغون استمرار استعمال السكر المدعم في مجالات لا علاقة بأهداف الدعم تحت ذريعة صعوبة التنفيذ أو اشتداد المنافسة الدولية، وفي نفس الوقت أصبحت اليوم كل محاولات هذه الحكومة للتذرع بهذه الصعوبات مرفوضة رفضا تاما، مرفوضة لأنه تبين أن طبيعة هذه المحاولات (محاولات التملص والتنصل من المسؤولية) لا يمكن لها إلا أن تشجع المستثمرين على البحث عن السبل من أجل الاستفادة أكثر من أموال دعم المنتوجات المدعمة. فأمام استمرار الحكومة في السكوت على استهداف الأنشطة الاقتصادية المستغلة للمنتوجات المدعمة، لاحظ الجميع كيف لجأ العديد من الفلاحين في مختلف جهات المملكة، بعد رفع الدعم على المحروقات، إلى استبدال الكازوال بالغاز (قنينات الغاز المدعمة) من أجل استخدام محركات ضخ ماء السقي.
وفي الأخير نقول إنه، في حالة توفر الإرادة السياسية عند هذه الحكومة، يمكن أن تصبح عملية استهداف كل رؤوس الأموال المستثمرة في الصناعة والخدمات المستعملة للمواد المدعمة المختلفة سهلة للغاية. فإلى جانب مطالبتهم بإرجاع مبالغ الدعم، يمكن للحكومة أن تفرض قانونيا التميز في شكل المواد المدعمة الخاصة بالأسر ونفس المواد الخاصة بالصناعيين والمستثمرين في الفلاحة والتجارة والخدمات من خلال التلفيف والتوضيب أو الوعاء (Emballage et conditionnement)، حيث يلصق السعر المدعم بشكل واضح على المادة المخصصة للأسر، والثمن الحقيقي على المواد المستعملة من طرف المستثمرين في كل القطاعات الاقتصادية. فقنينة الغاز، وعلب وأكياس السكر، وأكياس الطحين،… الخاصة بالأسر يجب أن يكون لونها مميزا، ويمنع قانونيا استعمالها في محلات ومقرات وأراضي الصناعيين والمستثمرين (لون آخر خاص لنفس المادة المستعملة من طرف المستثمرين).

عن جريدو /ا.ش

3 اكتوبر 2014

‫شاهد أيضًا‬

بلاغ المرصد الوطني لمنظومة التربية و التكوين عن لقاء مع ممثلين لتنسيقية خريجي المدارس العليا للاساتذة وكلية علوم التربية

استناداً إلى أدواره المدنية و مهامه التي يضمنها الدستور المغربي و استجابةً لطلب التنسيقية …