«واش شريت الحيوان؟»، في كل مرة يرن الهاتف إلا وتكون متأكدا أن السؤال، هو نفسه، سيدور عن «الحولي» وثمنه ونوعيته وما جاوره!! وتكون متأكدا أن الكثير من التظلم والتشكي سيصاحب الحديث عن الحيوان المقدس إلى درجة صار من اللازم على المغاربة أن يفكروا في إصدار «حوليات» عن هذا الحيوان العظيم، والمقصود بها ليس هو إناث الحولي، فتلك مسألة خطيرة في أيامنا هاته، ويمكن أن تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، كما وقع لأحدهم اشترى حولية ليذبحها سُنّة مؤكدة، فلم ترض زوجته بذلك الأمر، فكان أن جمعت متاعها القليل واصطحبت «لوليدات» وغادرت البيت غاضبة، وربما يكون الرجل قد فكر، بالفعل، في عقد قرانه على الحولية ما دامت زوجته اعتبرتها ضرة لا يمكن أن تعيش وإياها تحت سقف واحد.
المقصود بالحوليات، هي تلك الأدبيات والكتب والمنشورات على غرار حوليات الجغرافية أو حوليات شمال إفريقيا LES ANNALE . ولا أعتقد أن هناك حيوانا مهما يستأثر باهتمامنا مثل الحولي اليوم، ويستحق بالفعل أن نكرس جهدا أكاديميا خارقا للبحث والتحقيق والتجميع والتدوين لكل ما يقع باسمه وحوله ولأجله. ولا يجب أن يقف الاهتمام عند أصحاب الأقلام والباحثين، بل لابد من التفكير في موسوعة موسيقية لدراسة كل طبقات صوته، من اليوم الأول إلى آخر يوم فيه، وتدوين معزوفاته كلها، وسنكون قد حققنا أصالة فنية لن تنافسنا فيها أي أمة من الأمم، مادمنا نحن الأمة الوحيدة التي تبعبع للناس. وقد أجازف بالقول أن الحل لتردي الأغنية المغربية ولربما العربية الإسلامية يكمن في دراسة فن التلحين عند أكباش العيد وفيه، لعلمكم، مدارس لا تعد ولا تحصى كمدارس السنباطي وعبد الوهاب والشيخ درويش والحمولي منها مدارس السردي والبرگي والشرگي وما لا يمكن لواحد مثلي أن يعرفه ويمكن للصديق العزيز عمر السيد أن يغير من إحدى الاغنيات الخالدة للصوت الخالد بوجميع لتصبح «أنا راني مشيت والحولي دٌَاني» .
علماء اللغة بدورهم يمكن أن يكتبوا حولياتهم بدراسة الفونيتيك لدى الحولي ومخارج الخروف (النقطة متعمدة) أو بدراسة سيادة سلطة «الرحبة» و»الشناقة» على القاموس المغربي وانتقال الحولي من درجة حيوان بسيط إلى درجة إنسان يبعبع، فالعرب ليسوا وحدهم ظاهرة صوتية بل الخرفان والأكباش بدورها ظواهر صوتية، وهذه قرابة نحمد الله عليها، لأنها تجعلنا متميزين بين الأمم، ولربما حان الوقت لكي نفتخر أن الدم الذي يسري في عروقنا مثل الدم الذي يسري في عروقهم، أليس منا «لْخرفان» ومنا «الحوالى»ومنا «لكباش» و»لنعاج «وكل مراتب تحَوْليت. ولهذا السبب نقول عن كبار القوم أو الأسرة أو العائلة أنهم رعاة، كلنا راعٍ وكلنا مسؤول عن رعيته، وعليه منا «السارح» ومنا القطيع، وسبحان الذي جعل الحولي فينا ليل نهار !
والحولي يستحق، بالفعل، كل هاته الضرورة والعناية حتى نكاد نجازف بالقول إن الإنسان ما هو إلا كبش ناطق. خذ الديناصورات، وخذ الماموت، كل هاته الحيوانات الكبيرة انقرضت، ولم يثبت أبدا أنها شكلت هاجسا دائما في عقول أسلافنا أو أنها أغرقت أحد المواطنين في الكراء والديون، أو حولت أمة بكاملها إلى بحث محموم وسؤال قاسٍ ليس له منه فكاك.
الغريب في قضية الأضحية أن الكبش أُرسل من السماء ليفدينا، فلو أن سيدنا وأبانا إبراهيم عليه السلام قد نفذ الحلم والرؤية بذبح ابنه، لكانت العرب العاربة وجزء كبير من البشرية اليوم قد انقرضت، لكن الكبش فدانا بروحه، ونحن ممنونون له بذلك. ما جرى مع توالي الأزمنة هو أنه لم يعد أباؤنا هم الذين يذبحوننا، بل صار الحولي هو الذي يذبح سنويا مآت الملايين من الفقراء والمساكين وذوي الدخل المحدود والموظفين، بل وصل به الأمر إلى القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، كما جرى لإحدى السيدات، فقد جاءها الزوج بالحولي، فربطته ثم انصرفت غير راضية إلى عجينها، فكانت تعجن في القصعة وهي تزمجر وتغمغم ، فاعتبر الحولي أن في ذلك استفزازا له، كما أن حركاتها أثناء العجين وقد طوت ركبتيها لتسهيل العملية بمثابة دعوة مفتوحة إلى النزال، فما كان منه سوى أن تراجع إلى الوراء ثم أحنى رأسه قليلا ونطحها نطحة يخر لها الشجعان، فشق رأسها متسببا لها في موت محقق.
إن بطولاته كبيرة حتى صار كبش العيد يستحق أن يكون في عداد الفاتحين الكبار مثل الأسكندر المقدوني، ولمَ لا نختار له اسمه الذي يليق به مثل الإسكندر البوگروني. ومن الأشياء ذات الدلالة حقا في باب الحولي هو ما أصبح يسود اليوم في المدن الكبرى ، في علاقة مع أيام العيد، فقد صار بالإمكان شراء الأضحية وتركها تحت الرعاية والصيانة، في الأوطيل! إلى حين يحين يوم العيد، وصار في الأكباش طبقات كما لدى بني آدم، منهم الحولي العشوائي ومنهم الحولي «دو بييس كويزين» والساكن في فندق خاص، وهو ما لم يتأت بعد لأزيد من عشرين مليون مغربي!
كبش العيد إشكالية حقيقية لابد من علاجها بالكثير من الجدية، ولا يمكن ترك أمورها تسير جزافا وكأنها هم عابر. فبالرغم من نزعته الحربية أو المتسلقة طبقيا، فإن الحولي لا يحدث له ما يحدث للكثير من البشر، فلم يحدث له مثلا ما حدث لذلك الصحفي الذي صورته كاميرا زميله وهو يقبض الرشوة، ولا نعتقد أن هناك «حوالى» يقبضون الرشوة، بل يمكن القول، بالكثير من الطمأنينة، إن «الحولي» اليوم ، في العمل والشارع والإدارات، هو الذي لا يقبض الرشوة! الأنكى من ذلك أنه يمكن لوزير ما أو مسؤول كبير أن يجمع الكثير من أموال الفساد والسرقة ونهب المال العام ، في الوقت الذي يكون فيه الشباب الشريف والمناضلون ينقلون جماعات جماعات مكدسين كالأكباش، وعندما تصل يد العدالة إلى هؤلاء اللصوص تجد من يسميهم، ظلما وعدوانا أكباش الفداء! أي «احْوالى» يذبحون فداءً لغيرهم!
وبالرغم من بطولات الحولي، فإن له أخلاقا معينة، فهل رأيتم مثلا حوليا يذبح حوليا آخر كما يفعل أبو مصعب الزرقاوي في أشرطته المصورة؟ هل رأيتم حوليا يأكل لحم أخيه الحولي أو يسرقه ؟وهل يعرف الحولي من أين تؤكل كتفه؟
لنعد إلى أكباشنا، في الواقع إن قضيتهم مسألة غارقة في المفارقة، فبقدر ما أنهم أصبحوا قاسيين معنا، فإنهم مع ذلك يساقون إلى المذبحة بانقياد كبير ويذبحون ويسلخون وينتهي أمرهم، وفي ذلك يشبهون الكثير منا! ولا»حولي»لنا ولا قوة إلا بالله.
> (لم يتغير شيء منذ أن كتب هذا العمود سابقا!)
عن جريدة الاتحاد الاشتراكي
3 اكتوبر 2014