عن موقع مجلة التسامح
28 شتنبر 2014
اعداد الحسان شهيد
تحاول هذه الدراسة قراءة كتاب “إشكالية العلاقة بين الدين والسياسة في الفكر العربي المعاصر-محمد جابر الأنصاري وبرهان غليون نموذجا” للكاتب عبد السلام طويل، مع عرض مجموعة من التأملات ذات الصلة بموضوع الدين في علاقاته مع مفردات الفكر السياسي، والكتاب من منشورات مدارك في طبعته الأولى سنة 2012، وقد قدم له الدكتور رضوان السيد بمقدمة فاحصة لأهم موضوعاته.
أولا: في محددات علاقة الدين بالسياسة
تتنازع أبعاد الدراسات المعرفية للفكر السياسي في علاقته بالدين ثلاثة أنماط معرفية، أو قُل: براديغمات معرفية ومنهجية كبرى، بحسب ما تلوح به القراءات الحديثة والمعاصرة: فهناك المنهج الإشكالي المحدد في منهجية التحليل وتأصيل العلاقة، وكذا المسلك المتوجه إلى منهجية التنزيل وتفعيل العلاقة، ثم المتمحور في نطاق منهجية التطوير وتأويل العلاقة، وأجد الموقع الأول ضمن تلك المناهج هو الأنسب لحصر دراسة الدكتور عبد السلام طويل الموسومة بإشكالية العلاقة بين الدين والسياسة في الفكر العربي المعاصر؛ وذلك لعلل ثلاث:
الأولى: أنه يبحث في طبيعة الإشكال المركزي لعلاقة الدين بالسياسة أو الدولة.
الثانية: أنه انتبه إلى إشكالية حقيقية تعتري العلاقة بين الفعل السياسي والبعد الديني في الفضاء العربي.
والثالثة: أنه اتخذ من قراءتين متباينتين لتلك العلاقة محوراً لتحليل الإشكال وتأصيل الأسئلة المرتبطة بموضوع الدين والسياسية.
ولست من أهل الاختصاص في الفكر السياسي ولا المشتغلين بأصوله وأبعاده المعرفية ولا حتى العملية، لكن بحكم تقاطعات عديدة ومتشابكة مع الدراسات المعرفية والإسلامية يدفعني الفضول المعرفي إلى مقاربات نظرية في إطار التكامل المعرفي، ومن زاوية قد لا تكون رهن الفضول الذي أتيح لدى غيري. لذلك استهل قراءتي لكتاب إشكالية العلاقة بين الدين والسياسة في الفكر العربي المعاصر-محمد جابر الأنصاري وبرهان غليون نموذجا- للزميل الدكتور عبد السلام الطويل بعرض مقدمات إشكالية؛ علِّي أجد في معروضاته ما يجيب على أسئلتي:
أولا: هل تصح المقاربة الجدلية بين الدين والسياسة، أم الأصح المقاربة بين الدين والدولة، أم أصحهما جميعا مقاربة الدين بالعلمانية؟ لأنه كثيرا ما يتم تحليل هذه الإشكالية وفق ثنائية متضادة ومتقابلة، في حين أن حقيقة المقاربة لا تفي بما هو مضمر من نسق تقابلي؛ لأن الدين لا تقابله السياسة إذا تم اعتبار السياسة منهجاً في التدبير المجتمعي من أعلى مؤسسة هرمية في السلطة. كما أن الدولة لا تقابل الدين في المخيال التاريخي على الأقل لبعض الثقافات الإنسانية، وحتى العلمانية إذا جردناها من أبعادها الإيديولوجية لن تقو على استقلالها الكلي إلا باعتبارها شكلا من أشكال الدين في المجتمع، فنكون بذلك إزاء مقاربة بين جزئي مع كلي في الأولى، وفي مواجهة مقاربة جزئي يمثل سلطة مع كلي يمثل منهجاً في الثانية، ومقابل نمط حياة مع شكل حياة في الثالثة.
ثانيا– لماذا غالبا تُفترض مظنة الإشكال في الدين دون غيره كلما تمت معالجة الثنائية التقابلية بين الدين وما سواه، ومهما تعددت تلك الواجهات المقابلة سواء أكانت سياسة أم دولة أم دنيا أم علمانية أم ديمقراطية أم…؟ قد نجيب عن ذلك بسؤال آخر: هل لأن الغياب الزمني للدين في النسق الإنساني والاجتماعي المعاصر كرس الوضعية المذكورة؟ أم قوة سلطة متقابلاته وحضورها الزمني أفضى على ذلك حتما وضرورة؟ كما لم تكن الإشكالية معروضة في زمن ما على الأقل في الاجتماع السياسي الإسلامي، أعتقد أن تفهيم الدين بالصورة المقبولة والمطلوبة قد يزيد الوضعية تأزيما والإشكالية تعميقا.
ثالثا-كثيرا ما يتم نقد نظريات الفكر السياسي في المجال الديني دون تحديد الجوانب المفتقرة إلى المراجعة أو الضبط، حتى تنسجم مع الرؤية الإنسانية في شكلها الوجودي والمفارقة للنظريات السياسية الأخرى، التي تعرض بدائل إما إنسانية أو وجودية حتمية، أو التي لها بعض الحيثيات المغايرة التي لا تتوفر في الأولى.
لذلك يحق لنا كسائلين باحثين عن حقيقة ما يجري في معترك الصراع الديني وغيره من تلك المفردات التدبيرية والمنهجية أن نفكك الجوانب الأساسية المكونة للدين كمنهج لا كمعتقد؛ حتى لا نبتسر الموضوع في جوانبه الضيقة فنقول:
هل المقصود بالدين المعتقدات الشخصية القلبية لدى الإنسان أو المواطن بالمفهوم الحديث للفكر السياسي الخاص بمؤسسات الدولة؟
أم المراد بذلك: المنهجُ الحكمي؛ أي الأحكام الشرعية المستمدة من المدونة الدينية؟
أم المفهوم من ذلك التعبداتُ الشرعية والمظاهر السلوكية للدين على أوساط المتدينين، مثال: اللحية، اللباس، الشعائر، الرموز، الطقوس؟
أم المقصود بذلك: الحدود والعقوبات المرسومة في المدونات الدينية، والتي غالبا ما تثار فزاعة في معارضة الدين؟
أم المرام من ذلك تاريخ الدين وحضارة الدين كما حُفظت عبر الكتابات التاريخية والأسطورية؟
إنه بعد التأمل وتحقيق النظر في المسألة جليا، لا نجد فروقا جوهرية تستدعي التهويل من تلك المقابلات وشساعتها إلى درجة يتم بها إلغاء التصور الديني باعتباره حرية، والفكر الديني باعتباره منهجا في التدبير السياسي، وإقصاء الاختيار الديني باعتباره أسلوباً لدى فئة عريضة من الناس في التدبير الحياتي الجماعي، توافقت آراؤهم على ذلك.
أما التقصيد الأول المحصور في دلالات المعتقدات الشخصية القلبية، فما نجد سبيلاً إلى تأكيد نكران أهل السياسة أو العلمانية لمعتقدات شخصية سواء أكان لها طابع ديني أم جماعي أم مدني أم قانوني، فالمعتقد روح فكرية لا تستقيم حركة الإنسان في مواقع وجوده دون أثر لها أو شبيه بها. ونحن هنا لا نتحدث عن طبيعة المعتقد؛ لأن ذلك من صميم الحرية؛ بل الكلام عن أصل فكرة المعتقد. فيبقى أن الرهان في البرهان الصراعي على فكرة الاعتقاد رهانٌ غير سليم؛ بل ظالم فكريا.
وأما التفسير الثاني المبني على توهم الدين أحكاماً شرعية لها استمدادات ومراجع في المدونات الفقهية والتاريخية، فهذا لا يليق حجةً في التوجس خيفة من الخلفية القانونية للدين؛ لأن كل التشريعات الدستورية والقضائية المعتمدة في الأنظمة السياسية المتصفة بغير الدينية لها امتدادات تاريخية أو عرفية أو دينية أو عرفانية لدى عدد من الشعوب، وما ينهض ذلك معارضا على الاختيار السياسي أو القانوني لتلك الشعوب، ولا فرق بين الأمرين بعد التأمل.
وأما التخريج الثالث المستند إلى التعبدات الشرعية والمظاهر السلوكية لأهل الدين وملتزميه؛ فليس من العلمي إدخال ذلك في النظر السياسي؛ لأن من الواضح أن الأنماط والتقاليد تختلف في المظاهر بين مجتمع وآخر، ولا علاقة له بالسياسة في ذلك، كما أن لكل مجتمع من المجتمعات معتقداته الخاصة به، ولم تكن السياسة يوما حائلا دون اعتقاد مجتمع ما؛ بل إن السلوك السياسي قد تكون له مظاهر ومعتقدات من الجنس نفسه.
أما الجواب الرابع، المتعلق بطبيعة الحدود والعقوبات المرسومة في المدونات الدينية، والتي غالبا ما تثار فزاعة في معارضة الدين؛ فإن الجزاءات الموكولة للجنايات المرتكبة والجرائم المقترفة تتباين طبيعتها من مجتمع لآخر بحسب معتقداته واختياراته؛ بل إن بعضا من المجتمعات السياسية العلمانية تجدها أقسى من غيرها من الأنظمة ذات الطبيعة الدينية، لذلك فإن القسوة الجنائية مسألة نسبية في الجرائم؛ لأنها لا تتماثل بين المجتمعات الإنسانية، وهناك من الأنظمة السياسية التي ترفض إلغاء عقوبة الإعدام مثلا ومصرة على ذلك، رغم دعوات المنظمات الحقوقية، فكيف تكون مسألة الحدود محددا محرضا ضد الدين في السياسية؟
أما المفهوم الخامس من ذلك بأنه تاريخ الدين وحضارة الدين كما رسمت عبر المدونات التاريخية، فعلى افتراض صحة كل المدونات التاريخية، وعدم انفلات صحة أخبارها وعدم اجتزائها وتسييسها؛ فإن تاريخ الدين وحضارته جزء من تاريخ الإنسانية، وكل الأنظمة السياسية بما فيها الأنماط العلمانية المختلفة تعدّ امتدادا تاريخيا للدين والمجتمعات الدينية، وما عرفه تاريخ الدين من حروب عقدية ونزاعات اجتماعية لا يختلف كثيرا عما عرفته المجتمعات غير الدينية أو الموالية لغير الدين.
�4- بعد كل هذه السؤالات الواردة والبيانات المفترضة يتولد عن ذلك سؤال آخر في هذا السياق: هل يمكن القول: إن الحقيقة المضمرة هي أننا أمام مقاربة تختلف عن تلك المقاربات ما دام الدين ليس في مقابل السياسة ولا الدولة ولا الديمقراطية، وبعد إمكانية تعارضه مع العلمانية، هل يمكن القول: إننا أمام مقاربة بينه وبين مسألة الحكم باعتباره منهج سلطة، وليس باعتباره قيمة؟
ويحاول الكاتب ربط مسألة الدين والسياسة بمسألة التحديث السياسي وتطوير آليات التدبير السياسي في الوطن العربي على وجه الخصوص؛ “أي قضايا تشكل الدولة الوطنية ومصائر الإخفاق وأسباب ذلك، لقد فقدت الدولة الوطنية شرعيتها، فهل يرجع ذلك لأسباب تاريخية، أم لعدم الوفاء بالمشروع، أم بحسب تطورها إلى كيان ذي طبيعة استبدادية؟”(1).
ثانيا: في المحددات الحضارية لعلاقة الدين بالسياسة
إن اتَّحدت زوايا النظر بين الأنصاري وغليون؛ فإنَّ الرؤية المقارباتية في فقه إشكالية العلاقة بين الدين والسياسة في التجربة الحضارية العربية الإسلامية من حيث أهمية ذلك الفقه وضرورة البحث عن حلول حقيقية للمسألة؛ وإن هذه الرؤية المقارباتية تختلف بين الرجلين في الكشف عن طبيعة العلاقة والمحددات المؤسسة لتلك العلاقة، فمن محدد تبايني يتطلب النظر إليه منذ بدايات تأسيس الدولة العربية ثم الإسلامية يتبناه برهان غليون، إلى محدد بنيوي يستوجب تحرير سؤاله بالنظر إلى القواعد المشتركة بين الجانبين. لذلك فإن إشكالية العلاقة بين الديني والسياسي تحتل “في صلتها القوية بإشكالية الحداثة والتراث مكانة مركزية في المعمار الفكري لبرهان غليون؛ حيث نجدها تتخلل معظم كتاباته الفكرية والسياسية، فقد خصها -تنظيرا، وتحليلا ونقدا- بمؤلف متميز هو: “نقد السياسة: الدولة والدين”(2).
وما ينبغي التنبيه إليه والتأكيد عليه أيضا هو مركزية الدين في المعمار المخيالي للإنسان، سواء عبر التاريخ أم عبر مستقبله، وكذا ثباته قبل الحضور السياسي، مما يؤكد استحالة ربح رهان فتح مواجهة مع الدين مهما تبدلت الظروف وتغيرت الإمكانات وتمترست المرجعيات، وهو ما أسس به القول عبد السلام طويل في بدايات كتابه في توافق بين قول غليون وخوسيه كازانوفا، وأن الاستقراء التاريخي يسمح لنا أن نستخلص مع خوسيه كازانوفا عبرتين من الظاهرة الدينية؛ العبرة الأولى أن الأديان إنما “وجدت لتبقى، وبذلك يكون قد تبدد أحد أحلام عصر التنوير. والعبرة الثانية والأهم أن الأديان سوف تظل -على الأرجح- تضطلع بأدوار عامة بارزة في البناء المتواصل للعالم الحديث. وتحملنا هذه العبرة الثانية -بشكل خاص- على إعادة التفكير منهجيا بالعلاقة بين الدين والحداثة، والأهم من ذلك، بالأدوار المحتملة التي قد تؤديها الأديان في النطاق العام للمجتمعات الحديثة”(3).
لقد مهد الباحث لقراءة المحددات المنظمة للعلاقة بين الدين والسياسة في التجربة الحضارية العربية الإسلامية، “وقد اعتمد كثيرا في هذا الأمر على عدد من الباحثين العرب الذين اهتموا بالمسألة مثل: حسن حنفي، ورضوان السيد، وعبدالله بلقزيز، والجابري، وعبد الجواد ياسين…وهؤلاء المثقفون متميزون في وعيهم بالمسألة عند الإسلامين الحزبيين، الذين ما يزالوان يقولون “بالاندغام” بين الدين والدولة، أما ما يقوله المفكرون العرب فهو أنه ليس هناك اندماج كامل ولا طلاق نهائي، وإنما هناك تمايز وتداخل في الوقت نفسه”(4).
ومهما حاولت الأنظار المعرفية في تحليل العلاقة بين الديني والسياسي؛ فإن طبيعة العلاقة ومنتجاتها تبقى عصية على الفهم بالنظر إلى تاريخية العلاقة تاريخ الإنسان نفسه، وتاريخ حركته الكونية وانطلاقته الوجودية؛ لأن البداية التحليلية القائمة على أرضية متعينة سواء أكانت من جانب الدين أو من جانب السياسة تبقى قراءتها ملغومة، بالنظر إلى الخلفية المؤطرة لتلك القراءة المعروفة نهايتها سلفا، لذلك تحتاج تلك الأنظار المعرفية إلى نوع من الموضوعية التي ستفقدها أية قراءة من ذلك النوع.
لذلك، فإن دراسة العلاقة بين الدين والسياسة في الفضاء الإسلامي تستدعي استحضار معطى الإضمار الكلي للسياسة في المرجعية الدينية منذ بداية تاريخ الدين، وكل النتوءات الحضارية والتاريخية التي خرمت هذه القاعدة إنما كانت نشازا على استعصاء وتعسف، وحتى الخطابات الحديثة أو المعاصرة ذات المرجعية الإسلامية لا تتمنع من استحضار ذلك، وعليه فإننا هنا أمام خطاب لا يبتعد كثيرا عن خطاب الإحيائية الإسلامية المؤكدة على شمولية الإسلام وصلاحيته لكل مكان وزمان. وهو الخطاب الذي بمقتضاه يبقى الدين -مهما بلغت أهمية الدولة- المقر الحقيقي للسياسة؛ فالسياسة -بالنظر إلى أنها رعاية للمصالح الدنيوية في إطار من المسؤولية العمومية-لم تكن حكرا على الدولة(5).
كما أن التأسيس لقراءة جديدة انطلاقاً من التباين الموضوعي، والتقابل البنيوي بين الدين من جهة والسياسة من جهة أخرى؛ يخل بلا شك بالقراءة السليمة الواعية؛ لأن الافتراض مسبوق بنوعية الصراع والجدلية التي لم تتم نهاية افتراضها بداية وقيامها مسلمة، سواء تعلق بالجانب الديني وتجلياته أم بالجانب السياسي وتمظهراته، “ضمن هذه الطريقة من الاختيار المنهجي في بناء الإشكالية وتناول الموضوع يذهب غليون -مثله في ذلك مثل الأنصاري- إلى أن محاولة فهم النـزاع بين الدين والدولة كأي نـزاع آخر في دائرة الواقع الاجتماعي؛ لا ينبع من حتمية بنيوية بقدر ما يعكس فهمنا ورؤيتنا لهذا الواقع(6).
وينتبه المؤلف إلى مسألة جذور الخلاف ومصدريتها التي لا ترتبط بشكل أساس بالمعتقدات الدينية؛ بل لها متعلقات تاريخية بين أقطاب العمل الديني والعمل السياسي، حيث يوجه نفي برهان غليون إليها قائلا: “ينفي برهان غليون أن يكمن مصدر الاختلاف في أنماط العلاقة بين الدين والدولة، بشكل أساسي في المعتقدات الدينية بقدر ما يكمن في طبيعة العلاقة التي نشأت ضمن سياقات تاريخية وجيوسياسية مختلفة بين رجال الدين ورجال الحكم؛ أي بين النخبة الدينية والنخبة السياسية”(7).
ويرى صاحب الكتاب أن القراءة المعرفية عند برهان لإشكالية العلاقة بين الدين والسياسة أكثر قوة ومتانة من الناحية المعرفية والتاريخية عن نظيرتها لدى الأنصاري، من حيث استصحاب البعد التوفيقي للإشكالية ومثيلاتها يقول: رغم التقاطعات الكثيرة بين الأنصاري وغليون فيما يتصل بتصورهما لطبيعة العلاقة بين الدين والسياسة؛ فإن الإشكالية موضوع بحثنا لا تحتل المكانة نفسها في المشروع الفكري لمحمد جابر الأنصاري، كما لم يتم طرحها بنفس الزخم المعرفي والعمق النظري كما سوف نرى مع برهان غليون. فهي لا تأتي لدى الأنصاري إلا تابعة لإشكاليات أخرى أكثر حضورا ومركزية؛ وبوجه خاص إشكالية التوفيقية في الفكر العربي الحديث والمعاصر، ومعضلة التأزم السياسي العربي… دون أن يقلل ذلك من الأهمية المعرفية لمقاربة الأنصاري لهذه الإشكالية(8).
ومن المداخل المنهجية التي استثمرها برهان غليون في المقاربة المعرفية لإشكالية العلاقة بين الدين والسياسة مراجعة الخلفية التاريخية العقدية لمصدريتها الدينية، وذلك من حيث إجراء مقاربة كشفية بين أصول العلاقة في الديانة اليهودية ومثيلاتها في المسيحية والإسلام، ولأن البعد الخاتمي للإسلام وهيمنته الثقافية جعل منه أنموذجاً مميزاً في تلك العلاقة، يقول طويل عن برهان غليون: “فهو يظهر في اليهودية ضياع الدين في الدولة، ويظهر في المسيحية ضياع الدولة في الدين. وكما أدى ضياع الدين في الدولة إلى تحويل اليهودية إلى طائفة بامتياز، وجعلها تتصرف كقبيلة دينية معزولة ومنعزلة في العالم بالرغم من عالمية رسالتها، فقد أدى ضياع الدولة في المسيحية إلى تفكك الاجتماع المدني وسيادة التمييز والفوضى وزوال القانون، وارتداد الحقيقة الدينية إلى فكرة روحية صرفة(9). فقد استطاع الإسلام أن يؤسس لمنهجيته أنموذجاً خاصاً متميزاً عن غيره من الديانات في ارتباطه بالوصلة الرسالية، والأهم من ذلك حمله لبذور وشروط التكيف الداخلي مع جميع الأنماط السياسية، وقدرته على التطور والتجديد من الداخل، لمواكبة العناصر المستجدة في الخارج، يقول عبد السلام طويل: “وهكذا نجح الإسلام في إخراج النموذج الرسالي من مأزقه التاريخي، كما نجح في إنقاذ الرهان على تراث النبوة، فأعطى للإنسانية قاعدة لتجديد حياتها الروحية والمدنية ومن ثم الحضارية لقرون عديدة”. أكثر من ذلك، فهو لا يزال يشكل حتى اليوم -من وجهة نظر غليون- نبعا لاستمداد الثقة والقوة والعزيمة لمواجهة الشروط الصعبة والمعقدة لبناء النظم المدنية”(10). وليس بعيدا عن هذا المنطق تستقر الرؤية التوفيقية لدى الأنصاري بين الدين والسياسة في النظرة الإسلامية يقول طويل: “واتباعا لنفس المنطق الجدلي التركيبي، يلاحظ الأنصاري أننا إذا نظرنا إلى الإسلام على الامتداد السامي وجدناه (موقفا وسطا) وتوفيقا جامعا بين خصوصية اليهودية وشمولية المسيحية، وإذا نظرنا على امتداد أوسع يشمل الرقعة المشرقية والمتوسطية وجدناه بالمثل توسطا توفيقيا بين الواقع الروماني والمثال المسيحي”(11).
ويبقى السؤال المركزي الذي يخرج به القارئ لسياق العلاقة بين الدين والسياسة في جانبه التاريخي والاجتماعي: أثمة صراع حتمي تاريخي بين الاتجاهين لا ينفك التأثر به في أي بناء سياسي أو عمران ديني لدولة ما؟ أم أن العلاقة اتخذت المسار الخطأ وفق النسخ الديني والهيمنات الدينية المتراكمة؟ أم أنه في حقيقة الأمر صراع ديني بحت وعقدي صرف لا علاقة له بالتدبير السياسي، إذا افترضنا الدين نمط حياة تتقاسمه المكونات الأساسية للتدين مهما تعددت الأسماء والمسميات؟
ثالثا: إشكالية الحاكمية ونقد نظرية الوصل المطلق
من النظريات الحديثة في الفكر السياسي الإسلامي التي استأثرت باهتمام الدارسين والباحثيبن في خضم الصراع الوجودي بين السياسي والديني، نجد نظرية الحاكمية، وهي النظرية التي إن كانت جذورها تاريخية تعود إلى زمن ما يسمى بالفتنة على عهد الخليفتين علي ومعاوية؛ فإن ظهورها الفعلي في علاقته بالصراع ووجودها النظري على الأقل كرؤية بديلة عن الوجود الفعلي للعلمانية في التدبير السياسي؛ كان خلال المراحل المتأخرة، ما يعني أن الحاكمية جاءت في مقابل العلمانية، وغني عن البيان أن عبارة “الحاكمية” قد اشتقت بشكل مغلوط من مقولة “إن الحكم إلا لله” و”لا حكم إلا لله” – حسب طويل- وهي مقولة رفعها الخوارج في وجه الإمام علي بن أبي طالب بعد أن قبل بالتحكيم في صراعه مع معاوية، تم سرعان ما تلقفها الأمويون من بعدهم في سعيهم لتكريس الحكم الجبري(12).
لكن يبقى التساؤل الملحّ في هذا السياق المقارباتي هو: هل يصح اعتبار نظرية الحاكمية كما تم تأسيسها نظريا مع المودودي والشهيد سيد قطب وغيرهما نظير نظرية نظام الإكليروس ورجال الدين كما عرفت في التاريخ المسيحي؟ سؤال سيكون من التجني على تلك المقاربة التسرع في الإجابة عنه دون تمحيص وتدقيق ومقارنة، مع الأخذ بعين الاهتمام الفروق الجوهرية سواء التاريخية منها أم السياسية أم العقدية. وهو ما لا نتفق فيه مع صاحب الدراسة حينما قال: إن “نظام الحاكمية” كما تبلور مع المودودي وسيد قطب وعبد السلام ياسين لا يمكن إلا أن يفضي إلى إنتاج “طبقة سياسية- دينية (ثيوقراطية) تتمتع بسلطة مطلقة مستمدة من “الإنابة الإلهية”، لها سلطة تعلو على كل نقد أو محاسبة شبيهة بتلك السلطة التي كان يتمتع بها رجال الإكليروس في أوروبا المسيحية الوسيطة قبل الإصلاح الديني والثورة”(13).
وفي المقابل قد أحسن حين إشارته إلى التحول الإبستمولوجي العميق الذي عرفته المعارف الإسلامية في تداولها لإشكالية التدبير السياسي وخصوصا إشكاليتي الإمامة والخلافة، حيث تجولت بين ميادين الفقه وأصول الفقه وعلم الكلام لتحشر ضمن الأصول العقدية، وتلك هي بداية التعقيد الإشكالي يقول طويل: “إن هذا الربط الوثيق بين الدين والسياسة قد نقل المسألة السياسية من مجال الفقه العام، والفقه السياسي، إلى علم الكلام؛ بحيث تصير مسألة عقدية من مسائل أصول الدين(14).
من جهة أخرى، فإننا حينما نتحدث عن الدين أو غيره من الرؤى السياسية أو العلمانية مرجعاً في التدبير السياسي؛ فإننا بدلالات التضمن نتوافق على إمكانية وجود سلطة كمكون أساس في التدبير، بغض النظر عن حجم هذه السلطة وقياساتها المادية أو المعنوية، وعليه، فإن السلطة التي تكون موقع مراجعة أو تقويم في المجال الديني لا تنفك أن تكون محل نقد وتقويم في المجال العلماني أو غيره من المجالات. ولا شك أن الصراع السياسي الذي يشهد له تمثلات كثيرة في المجالات التداولية السياسية غير الدينية -والذي قد يصل حد الاقتتال كحد أعلى يخشى منه في المجال الديني- يهون من ذلك التهويل المفتعل إزاء المجال الديني.
وفي سياق النقد الداخلي الموجه لمبدعي فكرة الحاكمية، ينتقد محمد جابر الأنصاري سيد قطب في مسألة أولوية الجانب العقدي قبل اللساني في الدعوة إلى الوحدة مقاربا بين القومية والإسلام، وذلك من منطلق أن “محاولة توحيد العربي مع التركي أو الفارسي أو الهندي قبل توحيده مع أخيه العربي محاولة لا تراعي سنن الخالق في خلقه. ففي الدعوة وحد الإسلام العرب أولا ثم التفت إلى غيرهم..” ليتساءل بعد ذلك: “فهل يعود مفكرو الإسلام الحاليين إلى حكمة الدعوة الإسلامية المهتدية بهدي الوحي السماوي المنـزل؟”(15).
صحيح أن فرقة الفقهاء لها تاريخ فعلي ومحوري في تاريخ الفكر السياسي، باعتبارها الجهة المخولة لتفسير النصوص وبيان الأحكام الشرعية برمتها، ولكن لم يكن لها كل الصلاحيات حين انزاح قطار التدبير السياسي عن سكته الحقيقة، إذ أصبح للفقهاء دور ثانوي حينا، وكان خادما ومشرعنا في أحيان أخرى للقرارات السياسية والإجراءات التي أراد اتخاذها الحكام والخلفاء، أو التي أرادوا اتخاذها، هذا الأمر نلمسه جليا في تاريخ الفكر السياسي السني، أما لدى الفكر الشيعي فقد كان للفقهاء ولاية وشأن كبير، لم يُكتفَ بمشورتهم وتحكيمهم في السياسية، بل أُعطوا من الفرص والصلاحيات مع يجعلهم يتماهون مع مؤسسة الإمامة والنبوة، يقول الطويل: “لم تكتف نظرية “ولاية الفقيه” بوراثة نظرية “الإمامة” في إقامة التماهي بين النبي والإمام “المعصوم”؛ وإنما أضافت عليها تماهياً جديداً بين الفقيه المجتهد الجامع للشرائط، وبين النبي والإمام. لترتفع دولة الفقهاء و”الحكومة الإسلامية” بذلك إلى “مرتبة من القداسة” التي تعد خاصية مميزة لكل “دولة دينية” لا تكون الأمة مرجعها وإنما الفقيه النائب عن الإمام والنبي(16).
لقد دأبت أغلب دراسات الفكر السياسي المتجهة نحو التدبير السياسي الإسلامي على مقارنة نظرية الحاكمية مع نظرية الدين عند رجال الإكليروس أو مع نظرية الإمامة عند الشيعة، وهنا يحق لنا أن نتساءل مع الكاتب حول إمكانية التسليم بتطابق النظر السياسي بين الحاكمية والإمامية والإكليروس، يقول طويل: “الملاحظ أن خطاب الحاكمية يتقاطع -كما سلفت الإشارة- مع خطاب “ولاية الفقيه” وخطاب الإمامة الشيعي بوجه عام؛ من حيث تعبيرهما المشترك عن تصور سياسي موحد لدولة دينية تقوم على فكرة “الحق الإلهي”؛ أي على دولةٍ الحاكمُ فيها هو الله وشرعة الإسلام، والقائمون على أمر الولاية فيها هم رجال الدين.
ورغم كل ذلك، فلا يمكن أن نوافق طويل على تباين المقاربة الشيعية لولاية الفقيه والفقه السني لمسألة الحاكمية؛ لأنه إذا تولدت ولاية الفقيه في رحم الفقه الشيعي ونتجت عنه خلال المراحل المتأخرة؛ فإن الحاكمية باعتبارها تحكيم الله في أمر السياسة لم تكن مفصولة عن الفقه السني بمذاهبه الأربعة؛ لأن الفقيه والحاكم سواء في التوقيع عن رب العالمين في تصرفاتهم وأحكامهم، وإن لم يتبين ذلك بصورة واضحة، وليس صحيحاً ما قاله من أن هناك فارقا أساسيا بين الخطابين؛ أي ولاية الفقيه وخطاب الحاكمية؛ فبينما نجد “ولاية الفقيه” متواصلة مع تراثها الفقهي الإمامي في الكثير من عناصرها وأسسها؛ فإننا نلفي “الحاكمية” منقطعة بشكل جلي عن تراثها الفقهي السني قديمه وحديثه، مقابل تواصلها مع المذهب الشيعي حول الإمامة والسلطة(17).
فقد يكون من المجازفة المعرفية إطلاق الحكم وفقا لذلك التقدير والتصور، إنما هذا التفسير يحتاج إلى كثير من الدقة والتحقيق في أنسبية هذا القول، ومدى دقة قياساته؛ لأن قيم السلطة ومركزيتها تختلف بين النظريات الثلاث، فالحاكمية صحيح أن السلطة لله فيهما؛ لكن للناس تفويض مع تفسير اجتهادي لتلك السلطة، ولهم حق السلطة الاجتهادية والتقديرية دون إطلاق في الاجتهاد، ولا يتم ذلك إلا بتفويض من الجماعة؛ أي بتوافق شوري، أما رجال الإكليروس بقدر امتلاكهم لتفسير الاجتهادي يمتلكون السلطة بالوكالة ناهيك عن مدى صدقية المدونات الدينية ووثاقتها، أما نظرية السلطة عند الإمامية الشيعية فقد تتركز كل السلطة الفعلية والاجتهادية والتقديرية عند الإمام، مع استصحاب العصمة المطلقة.
إن التمايز المطلق بين الدين والسياسة على سبيل التعيين يفترض تمايزا ماديا على أساس المنهج والفكرة، بمعنى أن التدبير السياسي له تماميته باعتبار الفصل المطلق بين الدين كمرجع وتصور، والسياسة كتدبير ومنهج، وقد حاول بعضهم افتراض ذلك النظر على المستوى الإسلامي ومن داخل مرجعيته مستندا على قراءات تاريخية سيرية وتأويلات نصية، أسس بها لنظرية مفارقة لما هو مألوف ومتداول، ومشكلا بذلك صدمة فكرية لنظرية الاتحاد والجمع بين الدين والسياسة، كما قام آخرون بالاعتبار التفريقي الصلب بين الدين والسياسة على المستوى العلماني، ومن خارج المرجعية معتمدا على التجارب الإنسانية الغربية خصوصا، نظر بها لتصور مغاير ومفارق للبنية الثقافية السياسية في المجال الإسلامي. وفي هذا السياق يقول طويل: “كما تناولنا بالتحليل والنقد نظرية الوصل المطلق بين السياسة والدين من خلال مقولة “الحاكمية” مع كل من أبي الأعلى المودودي وسيد قطب وعبد السلام ياسين، يجدر بنا أن نتناول بالمنظور التحليلي النقدي نفسه نظرية الفصل المطلق بين الدين والسياسة؛ سواء من داخل المرجعية الإسلامية مع أطروحة علي عبد الرازق، أو من داخل المرجعية العلمانية كما سوف نرى لاحقاً مع أطروحة سمير أمين وعزيز العظمة وبوجه خاص عادل ضاهر حول العلمانية الصلبة أو الشاملة(18)، وذلك ما يراه الأنصاري فقد رأى أن خطورة مذهب عبد الرزاق تنبع من كونه له جذور تأصيلية في الشرع الإسلامي، ومهما اختلف الآراء حوله تبقى له إسنادات شرعية من وجهة نظره على الأقل، يقول عبد السلام طويل حسب الأنصاري: إن خطورة هذا العمل الذي طوره عبد الرزاق بصورة أكثر منهجية وعمقا وارتباطا بأصول الإسلام تكمن في استناده لأول مرة في تاريخ الفكر الإسلامي إلى حجج ومبررات دينية “شرعية” مستمدة من القرآن والسنة والتاريخ الإسلامي لتبرير العلمانية ضمن إطار الإيمان الديني ذاته، وليس من منطق العلمانية الخالصة المنافية للدين. وذلك ما جعل منها قضية “مشروعة” داخل الفكر الإسلامي، بعد أن كانت تطرح منذ مطلع النهضة من خارجه”(19). لكن بالجهة المقابلة، فإنه رغم الإشادة التأصيلية والإحكام المنهجي في رؤية عبد الرزاق والإشادة بها، فإنها لم تقو على اكتساب القبول من قبل أوساط علمية عديدة؛ فقد تناولت دراسة عبد الإله بلقزيز “مقدمات إسلامية في الحداثة السياسية: علي عبد الرازق والتأصيل للنظام المدني” -وهي من أحدث الدراسات العلمية- فكْر علي عبد الرازق وفق رؤية نقدية تركيبية، “ومع أن هذه الدراسة أعادت له الاعتبار، وأشادت بريادته وجرأته، فإنها خلصت إلى أن “حجة عبد الرازق لم تكن قوية بما يكفي لتأسيس موقفه على النحو الرصين؛ إذ كان يخالطها الكثير من الارتباك، ناهيك بتناقضات لم تكن تسمح لخطابه في المسألة بالتماسك”(20).
يرى عبد السلام طويل أن القراءة التي قدمها غليون عن الفكر السياسي الإسلامي لها مسحة عرفانية، ويرجع ذلك إلى “تقليله من أهمية السلطة والدولة في الإسلام، وإعلائه لعنصر التجربة الروحية والهداية فيها، إلا أنه لا ينفي أن تكون النبوة طوبى مجردة لا صلة لها بفكرة التنظيم السياسي للجماعة، ولكنه يؤكد استغراق النبوة للسياسة، كما أنه يرى أن النبوة تعني التنظيم والتدبير المدني للجماعة؛ ذلك أن “دولة المسلمين -بما تشمل الدولة من مبادئ التنظيم المدني وطرائقه- لم تكن شيئا آخر في الإسلام إذن سوى الدين نفسه)(21)”.
لكن النظر المفضي إلى تمثل الدولة في الإسلام على أساس الفعل الجهادي والعسكري يقلص من إمكانية فهم التدبير السياسي الشامل، و”وجه المفارقة هاهنا أن غليون يرى أن جوهر هذه المهمة هو الجهاد في سبيل الله، لا بناء الدولة وتنظيم شؤونها. وكأن هناك إمكانية تاريخية لتنـزيل ركن ومبدأ الجهاد في غياب الدولة، كتكثيف مؤسسي لسلطة الجماعة، دون السقوط في الفتنة والفوضى الشاملة؟”22.
إن ظروف إنتاج مثل رأي علي عبد الرزاق لم تكن قائمة على أساس استدلالي شرعي محض يمتح من الموضوعية قوته، إنما كانت لها صلة بالصراع السياسي من جهة، والتنافس الاقتصادي الذي كان سائدا آنذاك، بما في ذلك تقاطعات القوى البروليتارية والبروجوازية على حد تعبير برهان غليون، الذي استدعى كلامه الطويل قائلا: وفي هذا السياق النقدي يتساءل غليون ساخرا ومعرضا: “وماذا كان من الممكن أن يكون لمحاولات مثل محاولة على عبد الرازق الشهيرة -والمعتبرة حتى اليوم فخر الإنتاج العقلي للنهضة- من دور سوى تبرير ودعم السلطة الجديدة للتحالف بين البرجوازية المحلية الكمبرادورية والبورجوازية المستعمرة الأجنبية، عن طريق نقد الخلافة ومديح السلطة الزمنية؟” التي لم يتردد غليون في تحميلها مسؤولية تغلغل وتدخل النظام الرأسمالي الحديث في المنطقة بما أحدثه من تحوير في نظام تحالفات الطبقة السائدة المحلية ومن علاقات هيمنة جديدة.
رابعا: العلاقة بين السياسة والدين في سياقين حضاريين مختلفين
مهما تباينت وجهات النظر من مسألة العلاقة بين الدين والدولة أو السياسة، فإن الذي لا بد من التأكيد عليه -حسب الدارسين- هو أنه إن كان الإسلام “لا يشتمل على نظرية جاهزة ومكتملة في الدولة، فإنه ينتج بكل تأكيد -انطلاقا من مفهومه للمجتمع، ومنظومة القيم التي يبثها والعلاقات الاجتماعية التي يرسيها، والأخلاق التي يشيعها، ومفهوم السلطة العميق الذي صاغه- نمطا من السلطة يتبدل باستمرار ويتعدل(22). وعلى الرغم من تماهي الدولة والدين في الفكر السياسي الإسلامي فإن ما ينبغي التأكيد عليه هو ورود نظرية سياسية في هذا الفكر، وإن اختلفت رؤيتها وطبيعتها، بحسب التفاضلية والأولوية الممنوحة سواء للعقيدة أو الدولة، يقول طويل: “الواقع أن التشديد على عدم وجود نظرية سياسية أو نظرية للدولة في القرآن، إنما يستهدف أول ما يستهدف التأكيد على أولوية الدين على الدولة والسياسة من جهة، والتنويه من جهة أخرى إلى أن غياب مثل هذه النظرية لا يعني أن المسلمين لم يطوروا من خلال تجربتهم التاريخية مفاهيم ونماذج تنظيمية للاجتماع السياسي، وذلك بقدر ما أشادوا دولا، وحاولوا أن يحسنوا من أدائها، ويفهموا منطق عملها الداخلي. إلا أن هذا الإنتاج الفعلي والفقهي والمادي للدولة ليس نظرية إلهية، أو ممارسة مقدسة للسياسة والدولة؛ ولكنه تفكير إنساني ومحدود بتجربة إنسانية أيضاً”(23).
وقد حسم فقهاء الإسلام مسألة التدبير السياسي فيما سموه بالسياسة الشرعية مقرنين ذلك بإدراك المصالح ودرء المفاسد؛ أي اتخاذ كل الوسائل السليمة المناسبة في سياسة الناس التي من شأنها تقريبهم من الصلاح وإبعادهم عن الفساد، وإن لم يكن لها مرجعية كلية لا في القرآن ولا في السنة”، وهو ما يؤكده مفهوم السياسة الشرعية، الذي يعني عند غالبية الفقهاء: “ما يكون الناس معه أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد، وإن لم يضعه الرسول ولا نزل به الوحي(24)”.
لئن احتدم الصراع بين ما هو ديني وما هو سياسي في المجال الغربي المسيحي؛ فإن السيطرة لم تتجاوز جانب الفعل دون جانب القوة؛ لأننا أمام سياق تصارعي بين سلط معرفية وثقافية اجتماعية أكثر مما هي سياسية، وإن استطاعت السياسة والدولة أن تتجاوز الدين وتحصره في الكنائس والأديرة؛ فإنها لم تقو على منع نفوذه الاجتماعي، وسلطته الرمزية الثقافية في المجتمع أو الشعب وفق التعبير السياسي؛ لكن من جهة أخرى، فإنه مهما تطورت محاولات الإصلاح الديني -وخاصة مع مارتن لوثر- من تقليص دور الكنيسة وتقويم سلطتها، والاقتصار على سلطة النص محل سلطة رجال الدين الإكليروس؛ فإن ذلك لم يعد بالقوة على سلطة الدولة إلا بالقدر الذي تتيحه السلطة العميقة للكنيسة، يقول طويل: “كما أن أكثر ما يهمنا هاهنا هو تجلية دور هذا الإصلاح الديني في تحجيم دور الكنيسة وتقليص صلاحيات رجال الدين؛ من خلال رفض الخضوع الأعمى للكنيسة والانقياد لها كسلطة كهنوتية؛ إذ لا شك أن هذا التحجيم تجلى -أكثر ما تجلى- في إحلال لوثر والفكر الاحتجاجي بوجه عام سلطة النص المقدس محل سلطة الكنيسة المطلقة(25).
وبمقتضى الوعي بهذا التمييز يبرز كيف أن الإصلاح الديني بينما عمل على إضعاف سيطرة الكنيسة وسلطة رجالها إلى حدّ بعيد، فإنه لم يتمكن من إضعاف مكانة الدين وموقعه في المجتمع؛ وإنما زاد من نفوذه ووسع من دائرة نشاطه وفعالياته ضمن البنية العامة للمؤسسات الاجتماعية، بما في ذلك النشاطات الاقتصادية، وذلك بقدر ما أسهم في أنسنته عبر العمل على تكييف مفاهيمه الثيوقراطية القديمة مع حاجات تحرر الفرد وانعتاق مبادرته(26).
وتبقى مسألة الإصلاح الديني -باعتباره خلاص مسألة الصراع السياسي بين الدين والدولة- مسألة تحظى بنسبية حقيقية؛ لأن تجارب الإصلاح الديني بأوروبا إن خلصت إلى نتائج جيدة عادت على الدولة بالهيمنة التاريخية والسيطرة القانونية، فإن ذلك لا يعني بالضرورة تحقيقها لنتائج لها الخصائص نفسا في المجال الإسلامي؛ لأن الإصلاح الديني في المجال الإسلامي الأصيل لا يستطيع التخلص من أساسيات الدين وأصوله، فهو إصلاح داخلي، أما الإصلاح الخارجي -وإن اجتهد في ذلك- فلا يمكنه بلوغ المقاصد المرجوة المتعينة في إبعاد الدين من ساحة الصراع والتنافس، وهذا ما نختلف فيه مع عبد السلام حين قال: “حينما نستحضر المسار العام لحركة الإصلاح الديني البروتستانتي، وأبعاد وفلسفة هذا الإصلاح كما عرض لها غليون؛ فإن المقصد الأساسي من وراء كل ذلك هو إبراز طبيعة العلاقة القائمة بين الإصلاح الديني والإصلاح السياسي في صلته القوية بإشكالية العلاقة بين الدين والسياسة. وهي العلاقة التي نرصد وعيا عميقا بها لدى الأنصاري، حينما خلص إلى أن إشكالية العلاقة بين الدين والسياسة “ستظل مسألة غير محسومة”(27)[1]، وذلك بانتظار “حسم القضية الأم: قضية الإصلاح الديني في الإسلام(28)[1]“.
خامسا: السياسة والدين: إشكالية العلمانية والتحديث السياسي
إن الحديث عن إشكالية العلاقة بين الدين والدولة قد اكتسى جدلا تاريخيا يتعذر الحسم فيه على سبيل القطع أو الكلية؛ لأننا أمام إشكالية عضوية في تكوينها وتاريخية في تكونها، لذلك فإن أوجه النظر إليها لا تنفك تتمحور حول اتجاهين اثنين: إما اتجاه الفصل أو اتجاه الوصل بين الجانبين، وما خلص إليه صاحب الكتاب من خلال قراءته لموقفي كل من غليون والأنصاري لا يبتعد عن هذا التحديد، إذ “من خلال مراجعة مسحية لمجمل ما أنتجه محمد جابر الأنصاري وبرهان غليون يتضح أن المنحى العام لموقفهما من صراع المرجعيات في صلته القوية بإشكالية هذه الرسالة يميل -من منظور نقدي مزدوج- إلى ترجيح خيار الوصل التاريخي بدل الفصل الإيديولوجي؛ الوصل مع منطق الفاعلية والصيرورة التاريخيين انطلاقا من معطيات ورهانات الحاضر، وفي انفتاح موصول على أسئلة المستقبل”(29) . ومهما يكن الأمر فإن المسألة في حاجة إلى تطوير على مستوى التحديث السياسي، والانخراط الفعال في حضارة التحديث التي تشكل شرطا أساسيا لردم الهوة الكبيرة بين الحضارة المعاصرة والثقافة التقليدية، فهذه الأمة ” هذا حالها؛ ما إن تقف في مهب حضارة وثقافة جديدتين حتى تُبتلى حكما بالتناقض والتوتر والتضاد؛ نظرا لتأثر نمط الحياة فيها بمتطلبات الحضارة الجديدة ومعطياتها، رغم أن الأرواح والنفوس تظل متمسكة بتصورات وقيم تعد -على طرف نقيض، ولو ظاهريا- مع القيم والتصورات المنسجمة مع الحضارة الجديدة. ومن هنا فإن تعارض الحضارة الحديثة وثقافتنا التقليدية يعد من أهم أسباب الأزمة التي نعيشها في عقولنا وحياتنا… وتجاوز هذه الحالة لن يتأتى إلا من خلال الانخراط الفعال في حضارة العصر، وهي نتيجة نجدها قوية الحضور لدى كل من الأنصاري وغليون على حد سواء”(30). صحيح أن خلاص مسألة التحول السياسي والرهان في حل إشكالية العلاقة بين الديني والسياسي يبدآن من البحث في مسألة التحديث السياسي، ومعالجة كبرى وتأصيلية لمسألة المرجعية والاختيارات الفكرية والثقافية، وهو ما خلص إليه الطويل في مقاربته قائلا: “نخلص من جملة ما أثرناه في هذه الخاتمة المفتوحة -حول علاقة إشكالية التحديث السياسي بصراع المرجعيات- إلى أن الكسب التاريخي لرهان الحداثة والتحديث عموما والتحديث السياسي على وجه الخصوص يستلزم معالجة حضارية لإشكالية المرجعية، كاختيارات ثقافية وقيمية ومعيارية، عبر الإقرار بشرعية الاختلاف والشرعية الديمقراطية كآلية حضارية لتدبير مختلف الصراعات المادية والرمزية”(31)؛ إلا أن المسألة ليست بتلك السهولة النظرية لأن التفكير في مسألة المعالجة على سبيل الفصل أو الوصل بناء على نظرية الجدلية والتزاحم أو التدافع لا يبشر بمعالجة شاملة، وهذا ما تمت الإشارة إليه من قبل، من أن التصور الصراعي والجدلي العراكي للمسألة يقلص من فرص التسوية التاريخية والنهائية، على اعتبار التمترس الفكري والاصطفاف السياسي، الذي ولدته المسألة عبر التاريخ، الأمر الذي يدعو إلى معاودة معالجة الإشكالية من أساسها وإرجاع النظر فيها دون خلفيات صراعية أو جدلية، بل على أسس تضمنية وافتقارية، يتعذر استغناء أحدهما عن الآخر، وإن كان ذلك على مستويات دون مستويات أو أشكال دون أشكال.
سادسا: على سبيل الختم
بناء على السؤال الأول من مقدمة القراءة لم أتلمس في مدارسة عبد السلام طويل حقيقة الإشكال في مقابلات الدين؛ هل المقصود بذلك إشكالية العلاقة بينه وبين السياسية أو الدولة أو العلمانية، وهل يعود ذلك بالأساس إلى مجال دراسته؛ أي مقاربات برهان غليون والأنصاري للإشكالية، فعن أية سياسة يتم الحديث وبأي معنى؟ وهل الدين مناف للسياسة، فنحن أمام أشكال وأنواع وأنماط من السياسة، لذلك من الصعب وضع الدين في مقابل السياسة؛ بل من الأصح وضعه في مقابل سياسة وهذا تموضع وليس وضعا؛ لأن جميع الأنبياء والرسل مارسوا السياسة، وإن اختلفت سبلها وطرقها وأساليبها. وبقدر نبويتهم كانت قيادتهم لأممهم وأقوامهم سياسة. لذلك فإن التقابل بين الدين وغيره من المفردات السياسية في الغالب ما يتم توجيهه نحو إلغاء منظومة الدين من الحياة، وهو ما يصطلح عليه بمفردة العلمانية، وهو التقابل الأصح في اعتقادي.
أما السؤال الثاني المعروض سلفا: فإن افتراض الثنائية التقابلية بين الدين وغيره مظنة الإشكال في الدين دون سواه غالبا؛ فيه تحامل على الدين من أغلب الدراسات المقاربة للإشكالية، وإن لم نلمس ذلك في قراءة عبد السلام طويل، فإن الافتراض التقابل الجدلي بين الثنائيات التي يحضر فيها الدين كجهة معنية لا يفتأ يحمل مسؤولية الصراع المحتدم إلى الدين، وهذا ما يعزز من موقع المفردات الأخرى بصورة تفاضلية لا تسلم من تحيزات إلى أنماط وصور حضارية معينة. الأمر الذي بالغت فيه الدراسات في موقعة الدين في جانب الخصومة مع تلك المتقابلات المفترضة كالسياسة والدولة والمدنية والديمقراطية.
أما السؤال الثالث: والمتعلق بنقد نظريات الفكر السياسي في المجال الديني دون حصر الجوانب المفتقرة إلى المراجعة أو الضبط، حتى يمكن فرز المفارقات التي تميز النظريات السياسية الأخرى، والتي تعرض بدائل إما إنسانية أو وجودية حتمية، أو التي لها بعض الحيثيات المغايرة لا تتوفر في الدين.فإن منهجية المراجعات تختلف بحسب طبيعتها أو قُل: خلفياتها الإيديولوجية أو الفكرانية، فإن الخصومة مع الدين مفترضة وسياسية لها تاريخ مع الإنسان، وكل الافتراضات المدفوعة في المراجعة والنقد ليست على قلب صورة واحدة، فتارة يعرض الدين أحكاما إلهية، وتارة أخرى معتقدات خاصة وسلوكات معينة، وحينا آخر طبيعة حدود وقوانين جنائية، وأحيانا فلسفة في الحياة، وليس لمنهجية التدبير السياسي صلة بالموضوع؛ لأن الدين -وخاصة في المجال العربي الإسلامي- لم يكنّ عداء أو خصومة مع الآليات والوسائط السياسية؛ لأنها قابلة للتبيئة والاستدعاء في مجال خصب لم تتعين فيه الرموز ولا الدلالات القطعية. ويبدو أن مقاربة عبد السلام طويل تجمع بين كل المكونات الأساسية للدين بصفته أحكاما وتقاليد ونظما وحدوداً وسلوكات، وهذا لا ينهض دليلا على تخاصمه مع المفردات أو النظريات الأخرى.
والسؤال الرابع: ويتعلق بإمكانية افتراض مقاربة بينه وبين الحكم باعتباره منهج سلطة وليس باعتباره قيمة؟ فإنه الأجدر في العرض والافتراض، لأن تحقيق النظر في الدعاوى المرفوعة ضد الدين لم تكن ضد الدين باعتباره قيمة بل باعتباره سلطة ومنهجية حكم، ومن تم فالمقاربات الثنائية الأكثر تناسبا وبلاغة في التعبير عن تلكم الإشكالية هي في علاقة الدين بالحكم، أما اختزالها في خصومة مع السياسية أو الديمقراطية أو الدولة أو غيرها فذلك غير لائق وغير مناسب؛ لأنه اختزال لصراع غير موجود وغير وارد في أدبيات الدين خصوصا في المجال الإسلامي؛ لدلالات التضمن التي تحكم الدين في علاقته بتلك المفردات، سواء من الناحية النظرية النصية أو العملية التاريخية، لذلك فإن افتراض صراع في التدبير السياسي بين الدين والعلمانية الصلبة باعتبارها نفياً للدين وإقصاء له يبدو افتراضا مقاربا لذلك من حيث الصحة.
ولا يسعني في الأخير إلاَّ أن أنوه بدراسة عبد السلام طويل ضاما رأيي لرأي الأستاذ رضوان السيد(32)؛ وذلك لملامستها حقيقة الإشكالات المرتبطة بعلاقة الدين بالمفردات السياسية الرائجة، والتي أضاف بها إضافة نوعية إلى مكتبة الفكر السياسي العربي والإسلامي.
*****************************
الهوامش:
*) أكاديمي من المغرب.
1)����� من مقدمة رضوان السيد لكتاب إشكالية العلاقة بين الدين والسياسة في الفكر العربي المعاصر -محمد جابر الأنصاري وبرهان غليون نموذجا-، ص14.
2)����� إشكالية العلاقة بين الدين والسياسة في الفكر العربي المعاصر -محمد جابر الأنصاري وبرهان غليون نموذجا-، ص25.
3)����� المرجع نفسه، ص28.
4)����� من مقدمة رضوان السيد لكتاب إشكالية العلاقة بين الدين والسياسة في الفكر العربي المعاصر -محمد جابر الأنصاري وبرهان غليون نموذجا-، ص14.
5)����� المرجع نفسه، ص32.
6)����� المرجع نفسه، ص39.
7)����� المرجع نفسه، ص41.
8)����� المرجع نفسه، ص51.
9)����� المرجع نفسه، ص51.
10)�المرجع نفسه، ص64.
11)�المرجع نفسه، ص71.
12)�المرجع نفسه، ص108.
13)�المرجع نفسه، ص110.
14)�المرجع نفسه، ص112.
15)�المرجع نفسه، ص119.
16)�المرجع نفسه، ص123.
17)�المرجع نفسه، ص124.
18)�المرجع نفسه، ص165.
19)�المرجع نفسه، ص166.
20)�المرجع نفسه، ص174، انظر عبد الإله بلقزيز، “العرب والحداثة: دراسة في مقالات الحداثيين”، م، س، ص140-141.
21)�برهان غليون، “نقد السياسة: الدولة والدين”، عن عبد السلام الطويل، ص167.
22)�برهان غليون، “نقد السياسة: الدولة والدين”، م، س، ص545.عن الطويل، ص185.
23)�المرجع نفسه، ص186.
24)�أحمد عبد السلام، “دراسات في مصطلح السياسة عند العرب” تونس: الشركة التونسية للتوزيع، 1978، ص15. انظر كذلك محي الدين محمد قاسم، “السياسة الشرعية ومفهوم السياسة الحديث “، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، سلسلة الرسائل الجمعية، عدد 27، 1997،، ص67-133. عن طويل، ص186.
25)�المرجع نفسه، ص208.
26)�المرجع نفسه، ص211.
27)�المرجع نفسه، ص215.
28)�محمد جابر الأنصاري، “تسييس الإسلام العربي”، ضمن كتاب، “تحولات الفكر والسياسة بمصر ومحيطها العربي”، م، س، ص111، عن طويل، 215.
29)�المرجع نفسه، ص412.
30)�المرجع نفسه، ص413.
31)�المرجع نفسه، ص417.
32)�انظر: خاتمة تقديم رضوان السيد لكتاب إشكالية العلاقة بين الدين والسياسة في الفكر العربي المعاصر، ص17.