حقق إضراب 23 شتنبر انتصارا أكيدا على الحكومة،بخصوص المعركة المفتوحة من أجل الإصلاح الحقيقي لأنظمة التقاعد،وظهرت النتائج الأولى لنجاعة العمل التنسيقي الذي دخلت فيه المركزيتان النقابيتان الاتحاد العام للشغالين بالمغرب والفدرالية الديمقراطية للشغل،في فشل الحكومة في تمرير مشروعها ورضوخها لمطالب الحركة الاحتجاجية .وقد تجلت هذه النتائج في،أولا : المواقف المعبر عنها داخل اللجنة الخاصة بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي،والتي انتصرت لجزء مهم من مطالب المركزيات النقابية وفي مقدمتها التأكيد على إصلاح أنظمة التقاعد في شموليتها،وليس الاقتصار على الصندوق المغربي للتقاعد،وثانيا إرجاء البت والمصادقة على الرأي النهائي للمجلس حول مشروع الحكومة،وهي التي كانت تسارع الزمن من أجل تمريره ضدا على إرادة النقابات والموظفين،وثالثا: ظهور بوادر توحيد صفوف الحركة النقابية،فباستثناء نقابة الحزب الحاكم التي تنكرت للمطالب المشروعة للشغيلة المغربية،وارتمت في أحضان القرارات المتهورة لرئيس الحكومة،أكد ممثلو أربع مركزيات نقابية ضرورة توحيد صفوف الحركة النقابية من أجل التصدي للحكومة في مختلف الملفات الاقتصادية والإجتماعية..
لقد اشتغلت اللجنة الخاصة داخل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي،طيلة شهر شتنبر للتداول في المشروع الذي تقدمت به الحكومة بخصوص إصلاح الصندوق المغربي للتقاعد،وكان من المنتظر أن تجتمع الجمعية العامة للمجلس يوم الجمعة 25 شتنبر،لتبارك خطوات الحكومة،إلا أن ما حصل خيب آمالها،حيث رفعت المركزيات النقابية شعار التحدي،وحصل شبه إجماع على ضرورة الإصلاح الشمولي لأنظمة التقاعد،مع الأخذ بعين الاعتبار الملاحظات والمواقف التي عبر عنها ممثلو النقابات،وكذا التراكمات الإيجابية التي تحققت خلال السنوات الماضية،في إطار اشتغال اللجنتين الوطنية والتقنية لإصلاح هذه الأنظمة ،وهو التوجه الذي أيده رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي ،مع الدعوة إلى عقد جلسة استثنائية للجمعية العامة ،خلال شهر شتنبر من أجل تعميق النظر فيما تم التوصل إليه، وبلورة مواقف مشتركة،وتحديد الرأي النهائي الذي سيوجه للحكومة .
ويظهر أن الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية،تنتظرها أيام عسيرة مع الحركة النقابية التي يبدو أنها مقتنعة بأن وحدتها هي السبيل الوحيد لمواجهة القرارات الحكومية التي أضرت بالقدرة الشرائية لفئات واسعة من الشعب المغربي،وزادت من تفاقم الأوضاع المزرية التي تعانيها الطبقة الشغيلة .
والواقع أن معركة 23 شتنبر لم تكن الأولى،وطبعا لن تكون الأخيرة ،حيث تتوعد المركزيات النقابية الحكومة بالمزيد من التصعيد،وخوض معارك جديدة،تهم بالأساس إرغام الحكومة على التخلي عن منطق التحكم والانفراد باتخاذ القرارات،والإسراع إلى معالجة الملفات الاجتماعية الملحة،مع تقديم حلول ناجعة تستجيب لانتظارات الطبقة الشغيلة وعموم الشعب المغربي،وخصوصا بالنسبة لحماية الحريات النقابية وتحسين مستوى المعيشة وتجويد الخدمات في الصحة التعليم والسكن،وتوفير فرص الشغل للمعطلين حاملي الشهادات،بالإضافة إلى الملفات الاقتصادية التي تهم المؤشرات المقلقة المتعلقة بتفاقم عجز الميزانية وتراجع القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني ،فضلا عن عجز الحكومة في الوفاء بالتزاماتها من أجل محاربة الفساد واعتماد آليات الحكامة والشفافية في تدبير الشأن العام ،مع التأكيد على أن وحدة الحركة النقابية هي المدخل الأساس لتحسين الأوضاع الحقوقية والاجتماعية،وفرض الحوار الاجتماعي الحقيقي والمفاوضات الجماعية الجادة التي تفضي إلى التعاقدات الجماعية الملزمة.
كتب: عبد الفتاح الصادقي
عن جريدة العلم
27 شتنبر 2014