أعطى عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة، الدليل القاطع على أنه أفضل من يطبق مقولة «سياسة التقشف شي ياكل وشي يشوف». فالرجل لا يكاد يوقع على تسلم قرض مالي من الخارج حتى يتسلم قرضا جديدا من أجل تدوير «الناعورة»، لا يجد حرجا في دعوة 39 وزيرا من حكومته إلى قضاء ليلتين في واحد من أفخم وأغلى الفنادق السياحية في المغرب على حساب دافعي الضرائب، هو الذي لم يجف بعد الحبر الذي كتب به خطابه الأخير حول ضرورة التقشف وترشيد الإنفاق العمومي.
إنها لفضيحة كبرى أن يختار رئيس الحكومة تنظيم بدعة الخلوة مع وزرائه في فندق فخم يبدأ سعر الغرفة العادية فيه من ثلاثة آلاف درهم، أي الراتب الشهري لموظف في السلم الخامس. وإنني على اقتناع بأن غالبية وزراء حكومة بنكيران ما كانوا ليضعوا أقدامهم يوما في هذا الفندق نظرا لارتفاع أسعار غرفه وخدماته.
ولذلك فمن حقنا أن نتساءل هل طبق بنكيران على الأقل مبدأ ترشيد النفقات في توزيع الغرف على وزرائه؟ وهل حجز لهم غرفا مزدوجة بالنسبة للوزراء الأصدقاء، كرئيس الحكومة وباها، أو غرفا ثلاثية بالنسبة للوزراء الذين لديهم وزراء منتدبون تابعون لهم؟
أما بالنسبة لوزيرة الأسرة والتضامن، بسيمة حقاوي، فقد عرفنا على الأقل أنها قضت الليلتين في فندق ميشلفن في غرفة منفردة، فيما زوجها تبعها للتمتع إلى جانبها بجمال إفران، وهو الأستاذ الذي سبق لشباط أن اتهمه بالتحرش الجنسي بالطالبات، والذي اخترع أغرب طريقة في العالم لتأليف الكتب، فطبع كتابا نصفه مخصص بالكامل لإعادة نشر الخطب الملكية، والنصف الآخر لتعليقات القراء في الأنترنيت، والمصيبة أنه يبيع خطب الملك بسعر مرتفع، كما لو أنه هو كاتبها.
والواقع أن هذه «الخلوة» التي نظمها رئيس الحكومة ليست في الحقيقة سوى عطلة باذخة على حساب دافعي الضرائب. لأن جدول الأعمال الذي أعلن عنه الوزير الخلفي «بوصندالة» لا يخرج عن جدول الأعمال العادي لكل الاجتماعات الحكومية التي تعقد بمقر الوزارة الأولى. فلماذا إذن الذهاب إلى إفران والإقامة في واحد من أفخم الفنادق فقط من أجل مناقشة مواضيع عادية لا تحمل أية طبيعة استعجالية أو خطيرة؟
الجواب هو أن رئيس الحكومة أراد أن «يفجج» وزراءه وأن يمنحهم «بونيس» إضافي على العطلة التي عادوا منها للتو. ولو أن أغلب وزراء حكومة بنكيران لا يستحقون حتى نصف يوم في فندق بنجمتين بسبب فشلهم وكسلهم وكثرة أخطائهم، فالأحرى أن يتمتعوا بليلتين في فندق فخم كذلك الذي حجزه لهم بنكيران بالكامل.
ولعل المثير في الأمر هو أن رئيس الحكومة عندما يريد قضاء عطلته على حسابه يذهب إلى بين الويدان، بحثا عن «الرخا»، أما عندما يتعلق الأمر بعطل أو خلوات مستخلصة من جيوب دافعي الضرائب، فإنه يختار «التفطح» في أفخم فندق. «ومالو ما يتفطحش، دافع شي ريال من جيبو؟».
ولو كان رئيس الحكومة يريد فعلا أن يعطي المثال على تطبيق سياسة التقشف التي يدعو الآخرين لتطبيقها، لكان طلب من وزيره في الشباب والرياضة، «أوزين مول حفرة الزين» تجهيز مركز غابة «المعمورة» بما يليق باستقبال وزرائه، فهذا المركب على الأقل تابع لقطاع حكومي ولن يكلف خزينة الدولة شيئا.
لكن يبدو أن وزراء حزب بنكيران أصبحوا يخافون من قضاء الليل في الغابة الرطبة، فهم تعودوا على الفنادق المصنفة ولم يعودوا قادرين على تحمل شظف العيش، بعدما كانوا يتدربون على الخشونة في المعسكرات التربوية في الأماكن القاحلة والشواطئ المتوحشة.
وحتى إذا ضربت «تلافة» رئيس الحكومة ولم يقتنع بمركز غابة المعمورة كمكان للاختلاء بوزرائه ووزيراته، فقد كان عليه على الأقل أن يدعوهم إلى الفيلا الفسيحة الموضوعة رهن تصرفه في حي الأميرات، والتي يذهب إليها مع صديقه ووزيره في الدولة عبد الله باها لكي يمدا رجليهما ويأكلا «الشهيوات» التي تعدها لهما مدام نبيلة كل يوم.
ألم يكن أحسن من باب ترشيد النفقات لو استدعى رئيس الحكومة وزراءه إلى إقامته بحي الأميرات لقضاء «الخلوة» هناك لأسبوع كامل لو تطلب الأمر؟ على الأقل سيكونون جميعهم بالقرب من منازلهم، وكل من أنهكته الخلوة يمكنه أن يذهب لرؤية عائلته والعودة في الصباح للاشتغال.
وأنا شخصيا كمواطن أدفع ضرائب للدولة، أرفض أن يقضي رئيس الحكومة ووزراؤه يومين على حسابي في أفخم فندق، وأن يقدموا له فوق ذلك دعاية مجانية. ببساطة لأن السادة الوزراء يتقاضون رواتب سمينة تمكنهم من تغطية مصاريف إقامتهم في الفنادق.
أضف إلى ذلك أن منظر حكومة تقترض شهريا مبالغ باهظة من البنوك والمؤسسات الأجنبية، ثم تذهب لقضاء يومين في واحد من أفخم الفنادق في المغرب، يعطي الانطباع بأنها حكومة منافقة، تقول ما لا تفعل، وينطبق عليها المثل المغربي الذي يقول «الطلاب يطلب ومرتو تصدق»، حتى لا نقول «آش خصك آ العريان لوطيل أمولاي».
ولعل المصيبة الكبرى هي أن الحزب الذي يقود الحكومة، نحو الهاوية، يريد أن يعطي عن نفسه مظهر الحزب المتقشف القريب من الفقراء والمدافع عنهم، لكن الوقائع على الأرض تكذب هذه الصورة، وكما يقول المصريون «أسمع كلامك أصدقك أشوف عمايلك أستغرب».
وآخر ما قاله وزير التعليم العالي لحسن الداودي، حول الطلبة الأثرياء الذين يأتون إلى الكليات بالسيارات الفارهة وضرورة دفعهم رسوما على تعليمهم، والفقراء الذين يصوتون لحزبه، يكشف عن استخفاف الوزير بمن كانوا يستمعون إلى كلامه. فالسيد الوزير يعرف أحسن من الجميع أن الطلبة الذين يتحدرون من أسر ثرية لا يدرسون في الجامعات المغربية، وإنما الأوربية والأمريكية والكندية.
ثم هل هناك مجنون واحد تتوفر لديه الإمكانيات للدراسة في الخارج سيقبل بالدراسة في جامعات مغربية لا توجد أية واحدة منها ضمن ترتيب ألف جامعة في العالم؟
إلا إذا كان وزير التعليم العالي يطلب من الطلبة الأثرياء البقاء في المغرب من أجل الدراسة في الجامعات الخصوصية التي بدأت تفتح أبوابها، وهنا سنكون أمام وزير للتعليم العالي العمومي يقوم بدعاية للتعليم الجامعي الخصوصي، وهي فضيحة ما بعدها فضيحة.
وحتى عندما يتبنى الوزير خطابا شعوبيا ويدعو الطلبة الأغنياء إلى عدم تسجيل أنفسهم في جامعات الدول الأجنبية، لأن ذلك يكلف خزينة الدولة أربعة مليارات درهم هي تكلفة وجود 52 ألف طالب مغربي في الخارج، فإنه ينسى أن أغلب أبناء وزراء وقيادات حزبه يدرسون في الخارج، وتحديدا في تركيا حيث استغل رئيس الحكومة زيارته التمثيلية للملك من أجل استقبالهم وتناول العشاء معهم.
فهل سيدعو وزير التعليم العالي أبناء زملائه في الحزب للعودة إلى المغرب لاستكمال دراستهم، أم أن ما يسري على أبناء المغاربة لا يسري على أبناء العدالة والتنمية؟
19 شتنبر 2014