حين نقارب معضلة الفساد في المغرب فيجب علينا أن نسمي الأشياء بمسمياتها، من منطلق الحرص على استنبات قيم وسلوكات، ليكون كلامنا ذا مصداقية من موقع الممانعة ومحاصرة الأورام في رأس الجسد،
مادام المفسدون ينخرون كل القطاعات وأيضا المواقع، لدرجة تستعصي معها الإحاطة بكل أصنافهم.
فغالبا ما تورد قصاصات الأخبار ، بين الفينة والأخرى، أنباء عن توقيف عناصر أمنية من شرطة أو رجال درك بتهمة التلبس بتلقي الرشوة في الطرق.
أخبار قد تبدو عادية بالنسبة لمستعملي الطرقات، ولاتستحق أية متابعة، مادامت الرشوة هي الأصل في طرقاتنا داخل المدن وخارجها، الأمر الذي قد يوحي بأن هذا التوقيف مجرد استثناء أو لربما يكون قد خضع لمنطق تصفية حساب، من يدري؟
لوبيات الرشوة في المغرب تستغل جهل المواطنين وضعف حيلتهم، ليس في الطرقات فحسب، بل في جل الإدارات، حتى في الأماكن التي يفترض أن يحس فيها المواطن بالأمان.
فكم هو عدد حالات الارتشاء التي تتم في الخفاء دون أن يتمكن الطرف المتضرر من إثباتها؟ وما هي الضمانات الحقيقية المتوفرة لمن توفرت لديه الشجاعة وأبلغ أوساعد في ضبط هؤلاء المرتشين من المسؤولين الكبار وأصحاب النفوذ؟
هؤلاء المقنعون بقناع النزاهة والاستقامة والمسؤولية، والذين لابد من أن ينكشفوا يوما، الواحد تلو الآخر، ليتساقطوا كأوراق الخريف، إذا ما أخذ التحقيق مجراه الطبيعي، فمن دون عقاب حقيقي يردع كل من تسول له نفسه استغلال منصبه لتلقي عمولات، والعمل على تغيير مجرى القضايا، بحيث يتحول الضحية بقدرة «رشوة» إلى متهم، والمتهم إلى ضحية، لن يُقطع دابر هذه الآفة المستشرية !
قليلة هي الحالات التي يجرؤ البعض على التبليغ فيها عن واقع إرشاء بعض المسؤولين كيفما كانت درجاتهم .
إنهم أناس يعرضون خدماتهم بالمقابل، فهم أناس يتصيدون الضحايا من أبواب بعض المحاكم والإدارات.. يستغلون جهل الناس بالقانون وطمع البعض، والنتيجة سوق «نخاسة» يعقد في واضحة النهار.
يبقى ثمة تساؤل منطقي، لو تمكن أحد من الإجابة عنه، فستفك لامحالة ألغاز كثيرة مرتبطة به، فماذا لو طبق على البعض من هؤلاء قانون «من أين لك هذا ؟» الأكيد أنهم سيجدون أنفسهم محرجين من الإجابة عن هذا السؤال رغم أن الأمر واضح للعيان ولا يحتاج إلى تبيان !!
أعود وأقول إن محاربة الفساد والرشوة لن تتم بمثل هاته العمليات المنفردة هنا وهناك ضد مرتشين صغار، محاربة الفساد ستتحقق عندما سيأفل نجم قبائل «النهبماليون»، ساعة الحقيقة ستحل مع بداية المحاكمات العادلة وإرجاع الأموال المنهوبة .
ساعة الصفر لمحاربة الرشوة هي تلك التي سنتأكد إن كانت هناك بالفعل نيات صادقة لإحداث تغيير حقيقي ببلادنا في اتجاه دمقرطة الجزاء والعقاب .
فالمغاربة سواسية أمام القانون، ولا فضل لأحد على أحد، فكل واحد من الشعب يقدم خدمة للمجتمع من موقعه مهما علا أو قل شأنه.

 

عن جريدة الاتحاد الاشتراكي

18 شتنبر 2014

 

‫شاهد أيضًا‬

عندما توسط الحسن الثاني بين شاه إيران والخميني * عمر لبشيريت

يحكي عبداللطيف الفيلالي رحمه الله، وزير الخارجية والوزير الأول الأسبق، أن اتصالات المغرب ب…