لاتزال “شرطة الشريعة” بألمانيا تسيل الكثير من الحبر وتكشف عن مخاوف من نموذج مجتمعي غريب. البعض يرى فيها نتيجة لفشل سياسة الاندماج وآخر يعزوها إلى تقاعس المسلمين عن تحمل المسؤولية في الحيلولة دون ظهور الفكر المتطرف.
ما تزال قضية ما يسمى ب”شرطة الشريعة” التي أطلقها عدد من الإسلاميين المتطرفين في شوارع مدينة فوبرتال (غرب ألمانيا)، من خلال تنظيم دوريات حراسة ليلا لمراقبة السلوكيات فيها تثير الكثير من الجدل في ألمانيا. برامج حوارية مطولة في مختلف وسائل الإعلام الألمانية تتحدث عن مدى خطر التيار السلفي على المجتمع الألماني وسياسيون يطالبون بتشديد القوانين ضد مظاهر الإسلام المتشدد في ألمانيا وآخرون يحذرون من تنامي هذه الظاهرة والتطاول على أجهزة الدولة، خاصة وأن مهمة حماية الأمن والنظام العام من اختصاص أجهزة الدولة.
“حملة دعائية وفقا لأجندات خارجية”
وطلبت “شرطة الشريعة”، التي تسعى إلى تطبيق متشدد لأحكام الشريعة، من مرتادي النوادي الليلة عدم شرب الكحول أو الاستماع إلى الموسيقى. كما طلبت من مرتادي أماكن اللعب عدم لعب القمار. وظهرت المجموعة في شريط فيديو انتشر على الانترنت ومن أفرادها المدعو سفين لاو وهو ألماني اعتنق المذهب السلفي، ويقول إنه من بين الداعين لتنظيم هذه الدوريات في بلد أوروبي أغلبية سكانه من المسحيين. وكانت المجموعة قد أعلنت أن “شرطة الشريعة” ما هي إلا حملة “دعائية” للفت الانتباه إليهم، فما الهدف من وراء ذلك؟ عن هذا السؤال يجيب جاسم محمد، وهو باحث ألماني عراقي في قضايا الإرهاب والاستخبار، بالقول: “بدون شك هذه الجماعات مرتبطة بتنظيمات إسلامية خارجية”. ويضيف في حوار مع DWعربية: “هذه الجماعة مكلفة بالقيام ما كلفت به كأن تظهر بمظهر معين مثلا كجماعة النهي عن المنكر والأمر بالمعروف. وهي تريد أن تثبت حضورها داخل ألمانيا وهي مرتبطة بجماعات إسلامية تهدف إلى نشر الفكر السلفي”، لافتا إلى أن “أنشطتها ذات طابع دعوي أكثر مما هو عمل جهادي مسلح”. وبموجب القانون الألماني، فقد تواجه “شرطة الشريعة” تهمة الإخلال بالنظام العام. وشددت السلطات الألمانية على رفضها لمثل هذه الممارسات، حيث قال وزير العدل هيكو ماس “لن نتساهل مع أية ممارسات غير قانونية موازية للنظام القضائي”. وصرح وزير الداخلية توماس دي ميزير لصحيفة بيلد الألمانية قبل يومين إن “أحكام الشريعة غير مسموح بها على الأراضي الألمانية”.
الشعور بالتهميش وراء التطرف؟
وتعد ظاهرة “شرطة الشريعة” سابقة في بلد أوروبي، الأمر الذي يفسره جاسم محمد بالقوانين الألمانية التي تعطي مجالا واسعا لحرية الدين والمعتقد من جهة، ومن جهة أخرى بتواجد “التيار السلفي الذي يعد أكثر نشاطا في ألمانيا من بقية الدول الأوروبية.” ويلفت إلى أن “تعدادهم يبلغ وفقا لأجهزة الاستخبارات الألمانية 5500 سلفي، وعدد محدود منهم يمثل خطرا على ألمانيا”. يذكر أن عدد المسلمين في ألمانيا يقدر بأربعة ملايين، أغلبيتهم من أصول تركية. ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما الذي يدفع الشباب المسلم، سواء من الألمان المعتنقين للإسلام أو من أبناء المهاجرين من دول إسلامية إلى اللحاق بهذا التيار المتشدد الذي يريد فرض مفهوم متشدد للإسلام وقيم ورؤى تتعارض كليا مع مفهوم الحرية والحقوق الشخصية التي بنيت عليه المجتمعات الأوروبية؟
“هذا الفكر غير مقبول من أغلبية المسلمين ويمثل حالة غير صحية في المجتمعات العربية والإسلامية ناهيك عن وسط أوروبا”، على ما يقول جاسم محمد. ويعزو نجاح استقطاب هؤلاء الشباب المسلم من قبل التيار السلفي إلى عاملين: أولا من “خلال أساليب هذا الفكر العنيفة من أجل الوصول إلى الزعامة والتي تعطي الشباب الشعور بأهميتهم، والعامل الآخر يكمن في أن الدول تتحمل جزءا من المسؤولية من خلال سياساتها في الاندماج وغيره، ذلك أنه هؤلاء الشباب يشعرون بالتهميش والإقصاء وربما الفشل” وبالتالي يجدون في هذا التيار ضالتهم.
“السلفيون ليسوا في موقف الضحية”
من جهته، يرفض أحمد منصور، وهو أخصائي نفسي فلسطيني يحمل الجنسية الإسرائيلية ويعيش في ألمانيا، هذه الرؤية التي تجعل هؤلاء السلفيين في موقف الضحية. ويكتب في مقال نشرته مجلة دير شبيغل الألمانية في عددها الصادر في الثامن من سبتمبر/ أيلول، قائلا: “يجب فهم لماذا يستقطب الفكر الإسلامي الراديكالي الشباب والشابات، وهذا لا يعود فقط إلى ما عاشه هؤلاء من تمييز أو بسبب فشلهم في الاندماج، كما يقول البعض. هذا التبرير إنما يهدف إلى التخلي عن مسؤولية الخوض في نقاش جدي. نحن المسلمون علينا أن نبدأ بالبحث عن الأسباب فينا نحن”. ويلفت منصور إلى أن المسلمين بدلا من خوض نقاشات داخلية حول الفكر المتشدد وأسبابه وتداعياته يفضل البعض منهم الحديث عن “نظريات مؤامرة” قد يكون الغرب قد حاكها ضد المسلمين. فهل تعد مثل هذه الظواهر بمثابة صافرة إنذار للمسلمين بضرورة بدء هذا النقاش؟
وأدانت عدة اتحادات وجمعيات إسلامية في ألمانيا “شرطة الشريعة”. وفي سياق متصل، قال رئيس المجلس التنسيقي للمنظمات الإسلامية في ألمانيا في تصريحات لصحيفة “ميتل دويتشه تسايتونغ” الألمانية الصادرة اليوم الاثنين: “لا يحق لأحد أن يمارس عمل الشرطة كوصي أخلاقي. إننا نعيش في دولة قانون، احتكار العنف في يد الشرطة فقط، وهذا أمر سليم”، دون أن يتطرق إلى سبل مكافحة هذه المظاهر جذريا.
ويبقى مشكل نجاح الفكر السلفي المتشدد في استقطاب عدد متزايد من الشباب لفرض رؤية ضيقة لا تؤمن بالتعددية على المجتمع قائما. هذه المخاوف يلخصها رولف توبهوفن، مدير معهد مجابهة الأزمات في إيسن وباحث في ظاهرة العنف السياسي، بالقول: “المشكلة تكمن في أننا نرى بأن الكثير من الشباب ولأسباب شخصية مختلفة مستعدون للانزلاق وراء بروباغندا هؤلاء السلفيين الذين يروجون لنموذج بديل لقيمنا الاجتماعية. وهذا يشكل خطرا كبيرا”.
عن DW
8شتنبر2014