عن صحيفة العرب ../محمد بن امحمد العلوي [نُشر في 05/09/2014، العدد: 9670،

في نهاية شهر أغسطس 2014، يصل إغلاق الحدود المغربية الجزائرية إلى عشرين عاما بالتمام والكمال، سبقتها عشرون عاما مأساوية وبلا ملامح إنسانية. آلاف العائلات المغربية تم طردها بلا وازع أخلاقي أو ديني صباح عيد الإضحى. حيث ضحى بهم نظام هواري بومدين وعبدالعزيز بوتفليقة عام 1975.
فهل غيّر نظام الجارة الشرقية ملامح وجهه السياسي. واعترف بأن الاندماج أفضل الحلول أمام الأهوال التي يمر بها العالم، وأمام الظروف الكارثية القائمة؟ الجواب لا. نظام لا يرضيه أن يسمع كل هذا. فلا حدود تم فتحها. وكان الإرهاب سبب إغلاقها. فلا اندماج اقتصاديا ولا تحالف سياسيا هز خاطره. والمنطقة في حاجة إليه أكثر من السابق.

الإرهاب على حدود الجزائر يجزّ الرقاب، لكن نظام الجنرالات مستكين، لا يهمه إلا الاستمرار فيما بدأته الجماعات “الداعشية”. لا يعنيه من كل ما يحدث سوى تقويض كل علاقاته مع المغرب وهدم كافة عوامل نمو المنطقة واستقرارها.

عقدة نظام بوتفليقة وما يليه هي المغرب. النظام الجزائري بارع في تمثل الصيغة المشهورة، “لا أسمع لا أرى ولا أتكلم”. لا أسمع دعوات التاريخ ولا همسات اللغة ولا مواعظ الدين. أليست هذه كافية لكي يغير من سلوكه من له ذرة عقل ورؤية تسبق الزمن. لكي تفتح العيون لترى ما يحدث بالفعل في المحيط وما وراء هذا المحيط الجارف. نظام لا يستعمل كلمة لا أرى إلا فيما يعجبه ويروق سياسته لا غير. صيغة سلبية مسلوبة الإرادة أمام كل الكوارث الكبرى التي تتهدد منطقتنا.

فها هو تقرير أوكسفام بعنوان “عشرون سنة على إغلاق الحدود بين المغرب والجزائر: تكاليف هامة بالنسبة للمغرب العربي”، يقولها بصراحة وبلا مواربة أو محاباة. إغلاق الحدود بين المغرب والجزائر، يرمز إلى عدم اندماج المنطقة المغاربية، ويكبح التنمية الإنسانية والاقتصادية بالمنطقة. لم يقلها المغرب حتى لا يتهم بأنه يسعى إلى فتحها.

فرغم الإمكانيات الهائلة التي يتوفر عليها المغرب العربي على مستوى الاندماج السياسي، والتعاون الاقتصادي، والتنمية البشرية، فالنظام في الجزائر يصم الأذان ويقطع الطريق ويذهب بعيدا في محو كل معالم الاندماج واستغلال الإمكانات.

تتحدث الخارجية الجزائرية اليوم عن وساطة النظام بين الأطراف في مالي، أين كان عندما كانت جحافل الإرهاب تدك تمبكتو والعاصمة وتستبيح كل المقدسات بالشمال.

اليوم يصرخون عاليا بأن المغرب يحاول إقحام نفسه في الأزمة بمالي. هراء، المغرب ومالي يتقاطعان في الثقافة والدين والتجارة وكل شيء إيجابي لا يخطر على بال سكان المرادية والقابعين بالأقبية المخابراتية. كانت العلاقات ولازالت قبل أن تتشكل الجزائر وقبل أن تكون دولة الجيش الوطني الجزائري.

للتذكير فالمغرب يقود هذه الأيام وساطة أخرى بين الحركة الوطنية لتحرير أزواد والحكومة المركزية في مالي. بعد أن أجهضت الوساطة السابقة بعد رفض الرئيس المالي تمتيع إقليم الشمال بحكم ذاتي. مقترح مغربي لا تريد سماعه الجزائر لأنه يذكرها بالصحراء المغربية. فنسفته ولم تقدم أي بديل موضوعي وواقعي لحل الأزمة بمالي.

في سياق هذه الوساطة تأتي زيارة بلال آغا الشريف، أمين عام الحركة الوطنية لتحرير أزواد، إلى المغرب ولقائه بصلاح الدين مزوار وزير الخارجية والتعاون ومباركة بوعيدة الوزيرة المنتدبة في الخارجية. المغرب يقبل الوساطة بشروط أولها: احترام وحدة وسيادة مالي.

وصول بلال آغا الشريف، هذا الأسبوع إلى المغرب لم يستسغه النظام بالجارة الجزائر. اعتبره مساسا بما تقوم به الجزائر. لكن المسألة برمتها متروكة لأهل الشأن، وهم الذين يكتوون بنار التطرف ونيرانه الملتهبة.

وبلال آغا الشريف من أهل الشأن يقول إن “كل المكونات المالية ترحب بأية مبادرة مغربية لطي صفحة الخلافات بمالي”، كما اعتبر أن “دور المغرب مركزي في أية تسوية سياسية للأزمة يمكن أن ينتهي إليها الفرقاء انطلاقا من مكانته الإقليمية والدولية الرائدة، وروابط الأخوة التاريخية التي تجمعه بكافة مكونات الشعب المالي”.

فأن تربط الجزائر إعلان تحرير الرهينتين الجزائريتين اللذين تم اختطافهما في أبريل 2012 في شمال مالي، مع ما أطلقت عليه الحكومة جولة محادثات بين سلطة مالي والمعارضة بالعاصمة الجزائر، يدفع إلى وضع مجموعة من الأسطر الحمراء حول الأدوار المشبوهة التي تقوم بها الجزائر في هذا الملف وتسخيره لأجندتها السياسية التدخلية. ولماذا علينا أن نصدق مسألة الرهائن الذين تكفلت بهم منذ 2012 جماعة أنصار الدين بعدما اعتبرت الجزائر أن “التوحيد والجهاد” هي الخاطف. أنصار الدين تابعة بشكل غير مباشر للمخابرات الجزائرية. بالتالي لماذا علينا إعطاؤها ذلك الزخم السياسي والإعلامي التي رافق العملية مؤخرا.

وما يزيد من هذه الشكوك المشروعة، أن الإعلان عن الإفراج عن الرهينتين المتبقيتين، يأتي عشية استضافة الجزائر لجولة جديدة من الحوار بين الحكومة المالية ومعارضيها، وبعد يوم من إعلان الرباط عن استقبال زعيم تحرير أزواد في الرباط.

الجزائر تعانق كل حل يعيق أي دور محتمل للمغرب في المحيط المكهرب. محيط يحتاج إلى أكثر من التعاون والتضامن بين دول المنطقة. تعيق كل محاولة وساطة للمغرب في الأزمة المالية ودعم كافة الأطراف للم الشمل. رغم أن الرباط تفعل كل هذا تحت عنوان عدم المساس بالوحدة والسيادة لهذا البلد.

فماذا فعلت السياسة الخارجية للجزائر حتى لا تنهار ليبيا؟ الجار الذي يحدها بالشرق دخل في هستيريا ضاربة كل محاولات الاستقرار. لم تفعل لأجله سوى التصريحات الجوفاء والتدخلات غير البريئة. ما فعلته الجزائر في الأزمة بليبيا كثير، لتعميق بوادر الاختلاف والشقاق، وأضافت إليها عنصر التردد السلبي في ضرب كل معاقل التطرف.

كاتب مغربي

‫شاهد أيضًا‬

الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس يناقض أفكاره الخاصة عندما يتعلق الأمر بأحداث غزة * آصف بيات

(*) المقال منقول عن : مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية ألقى أحد الفلاسفة الأكثر…