بقلم /علي بكر
“بوكو حرام” والخلافة الإسلامية.. التأثيرات الداخلية والإقليمية
یبدو أن منطقة غرب إفریقیا مقبلة على مرحلة جدیدة من الصراع مع التنظیمات المتطرفة، والتى يمكن أن تمتد تداعياتها إلى مناطق أخرى من القارة الإفريقية، بعد تصاعد نشاط حركة “بوكو حرام” النيجيرية فى الفترة الأخيرة. إذ أعلن زعيم الجماعة “أبوبكر شيكاو” عن قيام “دولة إسلامية” في البلدات والقرى التي استولت عليها في شمال شرقي نيجيريا، حيث صرح الرجل فى مقطع فيديو مصور “نحن في دولة خلافة إسلامية، وليست لنا علاقة بنيجيريا، ونحن لا نؤمن بهذا الاسم”.
ولم يذكر شيكاو ما إذا كانت الخلافة هي جزءا من دولة الخلافة التي أعلنها أخيراً تنظيم “الدولة الإسلامية” في أجزاء من العراق وسوريا، أم لا. وقد أثار هذا الصعود الكبير من قبل الجماعة الكثير من التساؤلات حول أسبابه، والعوامل التي أدت اليه، بعد كل الضربات التى وجهتها الحكومة النيجيرية لهذه الجماعة.
نشاط متصاعد:
اتسمت عمليات جماعة “بوكو حرام” ضد قوات الأمن النيجيري بالعنف، والتي كان آخرها العملية التى أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 24 من رجال الأمن النيجيريين فى 27 أغسطس 2014، أثناء الهجوم على قاعدة عسكرية نيجيرية تابعة للشرطة في بلدة بوني يادي الشمالية الشرقية. كما أدت الهجمات الشرسة للجماعة إلى فرار نحو 480 جنديا نيجيريا إلى دولة الكاميرون المجاورة، عقب قتال ضار مع الجماعة فى 24 أغسطس 2014، خوفاً من انتقام “بوكو حرام”.
كانت عملية الجماعة باختطاف 276 فتاة من داخل مدرسة بولایة “بورنو” شمال شرق نیجیریا في ۱٤ أبریل 2014، بهدف الضغط على الحكومة النیجیریة للإفراج عن بعض عناصرها، قد أثارت قلقا دوليا، بدا جلیًا في انعقاد قمة “باریس للأمن في نیجیریا”، في ۱۷ مایو ۲۰۱٤ ، بحضور رؤساء فرنسا، ونیجیریا، وتشاد، والنیجر، والكامیرون، وبنین، وبمشاركة وزیر الخارجیة البریطاني، ومساعدة وزیر الخارجیة الأمریكي، وممثل عن الاتحاد الأوروبى.
بوكو حرام .. “القاعدة بملامح أفريقية”:
منذ نشأتها في أواخر التسعينيات، أثارت جماعة “بوكو حرام” جدلا كبيرً ، بسبب أفكارها المتشددة، التي وصلت إلى تحريم التعليم، إضافة إلى مصادر تمويلها المجهولة. و”بوكو حرام” هى جماعة إسلامية نيجيرية مسلحة، وتعنى بوكو حرام بلغة الهاوسا (تحريم التعليم الغربى). وقد تأسست الجماعة عام 2004 على يد رجل يدعى محمد يوسف، وتشكلت فى الأصل من مجموعة من الطلاب قد تخلوا عن الدراسة. وقد أقامت الجماعة قاعدة لها فى قرية كاناما بولاية يوبه شمال شرقى نيجيريا على الحدود مع النيجر فى ذلك الوقت.
وتهدف الجماعة إلى تأسيس دولة إسلامية فى نيجيريا بالقوة المسلحة من خلال التطبيق الفورى للشريعة الإسلامية فى جميع الولايات النيجيرية، وليس تطبيق الشريعة فى الـ 12 ولاية الشمالية. وتعتقد الجماعة بعدم جواز العمل فى الأجهزة الأمنية والحكومية فى الدولة، وترفض بشدة التعليم الغربى والثقافة الغربية.
وتعد جماعة “بوكو حرام” أحد “نماذج القاعدة” التى انتشرت أخيرا فى القارة الافريقية، خاصة فى منطقة شمال إفريقيا، مثل جماعة “التوحيد والجهاد”، و “حركة شباب المجاهدين”. وقد ألحقت الجماعة نفسها بالقاعدة من خلال بيان أصدرته، عقب مقتل مؤسسها محمد يوسف 2009، مما أثار المخاوف فى ذلك التوقيت من انتشار نماذج القاعدة فى منطقة وسط إفريقيا، التى تعانى أصلا الكثير من الصراعات الدينية، والعرقية، والطائفية، مما قد يهدد العديد من الأنظمة السياسية فى تلك المنطقة.
عوامل تصاعد نشاط بوكو حرام:
أثارت جماعة بوكو حرام جدلاً واسعاً داخل نيجيريا وخارجها، ليس فقط بسب أفكارها المتشددة، بل أيضاً بسب عملياتها الضخمة والواسعة، وقدرتها على فرض سيطرتها على العديد من القرى والمناطق، رغم المحاولات المضنية من الجيش النيجيرى لتحجيم هذه الجماعة، والقضاء عليها، حتى أصبحت الجماعة تمثل صداعا مزمناً فى رأس الحكومة النيجيرية.
وقد فسرت اتجاهات عدیدة نجاح الحركة في استیعاب الضربات المتتالیة التي وجهتها الحكومة النیجیریة لقواعدها، ورغم ذلك عادت إلى ممارسة نشاطها بصورة أقوى من السابق، فى ضوء عدة اعتبارات، من أهمها:
– “الموجة الجهادية” التي انطلقت عقب الثورات العربية، والتي لعبت دوراً مهما فى عودة نشاط “بوكو حرام” إلى الساحة بقوة، لأنها منحت جماعة “بوكو حرام” قبلة الحياة، حيث إن الجماعة كانت فى حالة تراجع مستمر أمام ضربات الجيش النيجيرى. ولكن مع حالة النشاط الجهادى التى بدأت فى شمال إفريقيا، والتى أخدت تداعياتها وارتداداتها تمتد إلى منطقة غرب إفريقيا- شجعت هذه الحالة رجال “بوكو حرام” على إعادة ترتيب صفوفهم من جديد، والعودة إلى مزاولة نشاطهم من جديد.
وقد ساعدهم في ذلك تحقيق التنظيمات الجهادية فى شمال إفريقيا تقدما كبيراً على الأرض بسيطرتهم على شمال مالى، وإقامة إمارة إسلامية هناك فى ذلك التوقيت، وهذا ما أعطى الجماعة دفعة قوية لتكرار التجربة نفسها فى نيجيريا.
– “شبكة العلاقات الجهادية”، حيث نجحت جماعة “بوكو حرام” فى إقامة شبكة علاقات قوية مع التنظيمات القاعدية فى شمال إفريقيا، خاصة مع تنظيم “القاعدة فى بلاد المغرب الاسلامى”، من خلال إرسال الجماعة لعدد من مقاتليها للمشاركة فى القتال فى شمال مالى إلى جانب التنظيم، وهذا ما أسهم فى نسج شبكة علاقات بين “التنظيمات القاعدية” وشقيقتها “بوكو حرام”، ساعدت الجماعة فى الحصول على التمويل الجيد والسلاح. وتشير بعض المؤشرات في هذا الخصوص إلى أن تنظيم “القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى” مد الجماعة بكميات من الأسلحة نقلت إليه من ليبيا، عبر دول الجوار، خاصة النيجر وتشاد.
– “السياسات الحكومية الخاطئة”، لعبت دوراً مهما فى عودة نشاط جماعة “بوكو حرام”، حيث أدى استخدام الحكومة النيجيرية للعنف المفرط تجاه جماعة بوكو حرام، إلى كسب الجماعة للعديد من الأنصار تعاطفا معها، بسبب عمليات القتل البشعة، والخارجة على القانون، والتى ارتكبتها الشرطة النيجيرية بحق أعضاء جماعة بوكو حرام، مما خلق نوعا من التعاطف تجاه الجماعة، وتقديم يد العون والمساندة لها.
– “البعد الدينى والعرقى”، حيث يمثل هذا البعد دوراً مهما فى تنامى جماعة بوكو حرام، وانتشارها بصورة واضحة، واعتناق أعداد من الشباب المسلمين لأفكارها، خاصة فى ظل الاشتبكات الدينية والعرقية فى نيجيريا، حيث تطرح جماعة بوكو حرام نفسها كمدافع عن الإسلام والمسلمين ضد المسيحيين، مما خلق نوعا من التعاطف من البسطاء المسلمين، سرعان ما يترجم إلى تقديم المساعدة، أو حتى الانخراط في الجماعة.
تداعيات تصاعد “بوكو حرام”:
أثار تصاعد نشاط جماعة “بوكو حرام” النيجيرية، فى الفترة الأخيرة، قلق الكثيرين، وعلى رأسهم الحكومة النيجيرية، ودول الجوار، إضافة إلى الدول صاحبة المصالح الاقتصادية والنفطية فى نيجيريا. لذلك، يرى البعض أن النشاط المتصاعد للجماعة سوف يكون له عدد من التداعيات على عدة مستويات:
فبالنسبة للتيارات الجهادية، فإن تصاعد نشاط “بوكو حرام” بهذه الصورة، وبما تحمله الجماعة من أفكار جهادية، ينذر بعملية انتشار للتيارات الجهادية فى المنطقة فى الفترة المقبلة، خاصة أن هناك تقارير عن الأمم المتحدة تشير إلى أن حركة “بوكو حرام” تعزز صلاتها بـ”القاعدة” وغيرها من الحركات المتشددة في غرب إفريقيا، مما يمكن أن يشكل تهديدا واضحا للأنظمة السياسية بالمنطقة.
يأتي ذلك في ظل حالة التمدد الجهادي والقاعدي فى دول غرب ووسط إفريقيا، بعد دخول القوات الفرنسية إلى شمال مالي، وخلق حالة من التشتت الجهادى فى المنطقة، وأيضا فى ظل رغبة التيارات الجهادية فى إيجاد موطئ قدم لها فى المنطقة، تعويضاً لها عن خسارة معقلها فى شمال مالى. لذلك، فإن النشاط المتصاعد لجماعة “بوكو حرام” من المحتمل أن يؤدى إلى وجود قوى للتنظيمات القاعدية فى تلك المنطقة.
وبالنسبة للأوضاع الداخلية فى نيجيريا، فإن تصاعد نشاط الجماعة سيؤدى إلى مزيد من أعمال العنف على الساحة الداخلية. فبمجرد إعلان رئيس الأركان النيجيري إنشاء فرقة خاصة لمحاربة بوكو حرام، بالتعاون مع أجهزة الأمن في ديسمبر 2013، ردت الجماعة بعملية كبرى استهدفت الكنائس خلال صلوات عيد الميلاد، فضلا عن انفجار خارج العاصمة، أسفر عن مقتل 35 شخصا على الأقل. كما أنه منذ عيد الميلاد الماضى 2014، قامت الجماعة بـ ست هجمات ضد المسيحيين، أسفرت عن أكثر من 80 قتيلا، وهذا ما قد يدفع البلاد باتجاه الحرب الأهلية، خاصة أن الجماعة ترى أن هناك جهات مسيحية تبشيرية تشكل خطراً على المسلمين، مما يجعلها تنفذ العديد من الهجمات ضد المسيحيين.
وأما بالنسبة للأوضاع الإقليمية، فيلاحظ أن انتشار هجمات بوكو حرام، وتركيزها في الآونة الأخيرة على المناطق الحدودية مع دول الجوار، أثار حالة من الفزع لدى هذه الدول، حيث إن بروز الحركة بهذه القوة يحمل مضامين سلبية عدة في حق هذه الدول، منها انتشار السلاح في أراضيها، وانتقاله إلى الحركة عبر حدود هذه الدول، كما يمكن – في ظل الحدود المخترقة – أن تقوم الجماعة بالتنسيق مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي، وهو ما يمثل تهديدا مباشرا لكل دول الجوار.
وأخيراً، فإن النشاط المتصاعد لــجماعة “بوكو حرام” يمكن أن يخلق أزمة اقتصادية على المستوى الدولى، خاصة للدول المستهلكة للنفط النيجيرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، حيث إن قطاع النفط دائما ما يمثل الهدف المفضل للتنظيمات الجهادية، لا سيما أن الأوضاع فى دلتا النيجر الغنية بالنفط لا تزال مضطربة، مما يمكن أن يسهل مهمة جماعة “بوكو حرام”، إذا أرادت أن تستخدم ورقة النفط فى صراعها الحالى مع الحكومة النيجيرية.
تعريف الكاتب:باحث في شئون الحركات الإسلامية