ان الحديث عن الاصلاح و التغيير من اجل تطوير وبناء كل مكونات الدولة من الشعب الى القوى الحية والمؤسسات المختلفة …على اسس سليمة ومحصنة بالعلم والمعرفة وحسن الاختيار والصدق والموضوعية في الرؤية والتحليل وبعد النظر والتخطيط والتدبير … مع الابتعاد عن الغرور والانانية وتبخيس اعمال الناس …لايمكن ان يتحقق وفق مراد ومبتغى الضمائر الحية والوطنية بكل المؤسسات والهيئات والاوساط الشعبية الا ان جنح الى الحكمة والقول والموعظة والتخطيط الحسن بقوة وجراة واقدام كل من يتحمل مسؤولية الشؤون العامة او يتهيا لتحملها او يؤطر الناس لتحملها والاسهام في ارسائها …
فاذا افترضنا على مستوى الاسرة وجود فساد او تحجر عقلية احد الزوجين او كلاهما فمعنى ذلك انهم لن ينعموا بالطمانينة والاستقرار كما لن يتمكنوا من بناء اسرة سليمة ومنتجة لقيم فاضلة قادرة على تربية وتاهيل اجيال واجيال بهدف ان يكون واقع غدهم افضل من امسهم ويومهم …..اما اذا استحضرنا اوضاع المؤسسات ذاث العمل العام الذي يهم الناس جميعا او يهم طبقات او فئات معينة …فان وجود اي مظهر فاسد او حسن في التدبير او التخطيط وحتى بالنوايا والارادات سيؤثر حتما ايجابا او سلبا على الجميع وقد تترتب عليه نتائج عظيمة قد تحقق مصالح الناس ان كانت خيرا او قد تجر الى الفتن والتشتت والضعف ان كانت شرا او مشبعة بانانيات جوفاء ومزاجية …
…. لهذا لابد ان نطرح على انفسنا جملة من الاسئلة قبل ان نسائل غيرنا بها ..وان نطالب من انفسنا انجاز العديد من الاصلاحات والتغيرات قبل ان ندعو اليها الاخرين ……
اولها.. من نحن ” بصيغة الجمع” او بصيغة المفرد ضمن الجماعة ومع المجموعات المنتمية لهياة واحدة او وطن او امة بل وحتى الانتماء في شموليته الانسانية الكونية ..؟
ثايها ..ماذا نريد من انفسنا ومن الناس ؟ وماذا نريد من وجودنا طوال حياتنا في علاقتنا بالخاص والعام وبربنا ؟
ثالها.. كيف سنخطط لبلورة وتنفيد وتحقيق ما نريد مرحليا وعلى المدى المتوسط والبعيد في تكامل بين حقوق الافراد ومطالبهم وحقوق الجماعات والشعب عامة بما يعمم العدل والاستفادة من الثروات والخيرات …
رابعها ..ونحن نعلم من نحن وماذا نريد سنقف بتدبر على اننا متعددون ..ذلك ان “نحن” لاتعني اننا نوجد لوحدنا في اي فضاء بل ” نحن” متعددون حتى داخل الاسرة الصغيرة …لهذا ولكي تكون “نحن” جالبة للخير فيجب ان تفكر للجميع وتاخذ بعين الاعتبار طموح وقدرات الجميع وان لاتفكر بمنطق الهيمنة والتسلط والاقصاء المجاني …
اننا عندما نتامل اوضاعنا سنجد انفسنا واقصد هنا كل الشعب وكل القوى في حاجة للفهم الصحيح للإسلام واستكشاف كل خيراته وثرواته العلمية والاخلاقية والفكرية والعلمية والروحية والاجتماعية بهدف خلق وتحقيق انسجام وتكامل غير متعارض ولا متصادم مع المتطلبات المتجددة والتطورات الهائلة التي تعرفها العلوم والمعارف ..واعادة تدبر المقاصد وتجديد الفقه في المستجدات والمآلات…
…و عندما نتامل انفسنا من حيث اننا “قوى حية ” سنجد اننا في حاجة الى تجديد فهم الدلالات العامة والخاصة لمقتضيات ومتطلبات العمل السياسي والحزبي الداخلية بين المنتمين من جهة وفي علاقتهم مع الاخرين كانوا هيئات او جماعات او افرادا … لاننا ملزمون ومطالبون بان نجيب على سؤال جوهري متجدد ما ذا نريد من التعاطي للسياسة والحزبية والمذهبية .. والحكم ..وما الذي نريد ان نصل اليه و نحققه ؟؟…
….ان لكل عمل فردي او جماعي اسراتيجيته .. وبما ان هناك استراتيجيات للبناء فهناك استراتيجيات للهدم والتعطيل ..كما ان هناك اخرى للتدافع التكاملي النصوح البناء اي النقد الذي يقوم ويصلح ويقترح ويلاقح بين الافكار والبرامج …
…ان حقوق الانسان التي يتبناها “الجميع” صدقا او تقليدا او انتهازية تعتمد و تضمن التساوي في الفهم الصحيح والولوج الافضل والتنفيذ الاسلم لاي حق منها لافرق فيها بين الحاكم والمحكوم والنخب والشعب الذكور منهم و الاناث …
ان اعتماد الشك من اجل الوصول الى اليقين – لا الشك المرضي -… امر مقبول ومنطقي من الوجهة الشرعية والعقلية على حد سواء ما لم يبالغ في اعماله لاهداف التضليل والتمييع والعدمية والتعصب الاعمى …حيث يجب على الراغب في التعاطي مع امور السياسة والفكر والتمذهب الروحي والمادي ان ييسر للباحث المتشكك الوصول الى الجواب اليقيني الذ ي يجله يساند او يعارض بشكل ايجابي ما يتعامل معه بدل ان يكون امعة وتابعا فقط …
ان الشك الموضوعي في المواقف السياسية المعلنة او المسكوت عنها و تجاه الممارسات ايا كان مصدرها ……يعتبر مدخلا من مداخل الحزم وحسن المراقبة … اذ الشك يعني الاستفهام حول مصداقية وجدوى الراي والبرامج والسياسات والقدرة على تنفيذها في الواقع بما يحقق جميل الوعود والكلام التي قدمت بها للناس في برنامج او خطاب او حملة ما … … والمسالة هنا تمتد من الفرد تجاه نفسه واسرته والتنظيم الذي ينتمي اليه والواجهة التي يشتغل فيها والامة التي ينتمي اليها …
… وفي هذا السياق لابد ان نطرح اشكالات جوهرية من قبيل ..هل التاريخ – تاريخنا – يبقى مسيرا للحاضر ومهيمنا عليه ؟.. وهل الارتباط بتاريخ الرجال والنساء والمناضلين والمناضلات يعني الغاء رجال ونساء اليوم ؟ …وكيف يقاس بناء الوفاء والاستمرارية المتجددين تطورا وتقدما …هل بالالغاءات او او التعارض المطلق التكامل؟؟
… و نحن عندما نفكر في كل امورنا واهتماماتنا في ماضيها وحاضرها ومستقبلها .. هل نفعل ذلك لانفسنا ام نقوم به نيابة عن الناس.. ام نفكر معهم للجميع .. ؟؟ وهل نستحضر عندما نصوغ قرارات او نصدرها علاقاتنا بالاخرين في جميع مستوياتها الزمانية والمكانية والانسانية ..؟؟ ام اننا لايعنينا الا الانتصار العاطفي والمنحاز لرغباتنا ونزواتنا المبالغة في الذاتية ؟
…ان اعادة البناء من اجل الاصلاح والتغيير باسلوب ديموقراطي تتطلب تغييرا في الفهم والفكر والعقليات والمارسات …وتتطلب تكوين الإنسان وخاصة النخب التي تسير او تسعى للتسيير … تكوينا خلقيا ونفسيا يؤهل الناس لتحمل المسؤولية الكبرى/ الامانة … ويمكن من السمو بالعقل إلى مستوى يساير ويجدد مستويات الفهم.. للتحرر الخلاق بامتلاك مبادئ وأسس علمية تسمح بفهم الحضارات وتطويرها واعادة بنائها من اجل الوصول الى الافضل لتوجيه تطور المجتمع البشري نحو ما يضمن الكرامة ويحقق ارادة الله بتفضيله وتكريمه للبشرية على سائر المخلوقات وتسخيره للعالم والكون لفائدة الانسان وخذمة لخيره …
ان ماسينا وانكساراتنا وفشلنا وتخلفنا من صنع نفسيتنا وبقراراتنا وبافعالنا … وما دامت مبادؤنا وافكارنا الصادة والراقية نظريا ودلالات لاتنزل في حياتـنا وممارساتنا اليومية ولاتحقق الاصلاح ولا التغير الملائم لمتطلبات المرحلة وتحديات الحاضر والغد .. فمعنى ذلك اننا نقول مالانفعل ونفعل عكس معاني ما نعلن ..اي ان انفسنا في حاجة الى التطهير الروحي ..وعقولنا في حاجة الى اعادة التاهيل ومن ثم ندخل ضمن خانة القوم الذين لايتغير ما بهم حتى يغيروا ما بانفسهم … قال تعالى ” ان الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم “سورة الرعد
…….يقول إقبال: «وفي هذا المنهج من التغير التقدمي لا يكون الله في عون المرء على شريطة أن يبدأ هو بتغيير ما في نفسه…فإذا لم ينهض الإنسان إلى العمل، ولم يبعث ما في أعماق كيانه من غنى وكف عن الشعور بباعث من نفسه إلى حياة أرقى، أصبحت روحه جامدة جمود الحجر، وهوى إلى حضيض المادة الميتة، على أن وجود الإنسان وتقدمه الروحي يتوقفان على إحكام العلاقات بينه وبين الحقيقة التي يواجهها».
… لهذا وفي تلازم رياضي ..بمقدار ما يفهم بعضنا بعضا ويعذر بعضنا بعضا ونتكامل ونتناصح بالتصحيح والاصلاح والنقد البناء … وبمقدار ما نفهم دورنا في هذا العالم عالمنا الاسري والمجتمعي بوطننا وفي علاقة مع البشرية جمعاء … بقدر ما نكون على المحجة البيضاء التي لايزيغ عنها الا هالك او ضال او مضل …فالله سبحانه وتعالى لم يخلقنا ليظلم ويحقر ويستهزئ ويقصي البعض منا البعض الاخر بسبب اختلاف في الراي او الذوق او الارادات او الفهم او التفسير او الترجيح… ذلك ان من سنن الله فينا التنوع والتعدد والاختلاف والتدافع والتكامل وحاجة بعضنا لغيره في كل العالم لمصلحة الجميع …
…فالانسان بفطرته وطبيعته مع التطور والتقدم في كل المجالات ويسعى الى استثمار كل الجهد من اجل راحته وازدهاره ورفاهيته واستقراره.. والديانات السماوية ومنها الاسلام تقول بوجوب ذلك بل وتجعله من شروط وعلامات الايمان …
قال رسول الله (ص) ( والله لايؤمن والله لايؤمن قيل.. ومن يارسول الله . قال الذي لايامن جاره بوائقه)
… ان الوعى بقوانين وضوابط ومستلزمات العصر والمرحلة يتطلب منا ادراك الحقائق المحيطة بنا والتي تشكل جزءا من الواقع العام كما يتطلب منا تجديد الفهم بتفكير يعتمد القدرة على التخطيط بتخصص ومهنية مبدعة ملتزمة بقيم المنافسة الخلاقة …تحقق استمرارية ودينامية البناء والتصحيح والتغيير في اطار من التكامل والتراكم المجسد لحقيقة ما نؤمن به من مبادئ ومثل وقيم … مع الابتعاد عن الجمود والتعطيل والاشتراطات الذاتية ..
ونختم بالحديث الشريف ..قال صلى الله عليه وسلم (لا يكن أحدكم إمعة، يقول أنا مع الناس إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسات، بل وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا،وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم)