الزمن المغربي الراهن، يتميز بحدوده التاريخية، فهو مرحلة محددة من التاريخ، لا يمكن تمييزها إلا بما انطبع عليها من مشاهد وأفكار وقيم وأحداث ومتغيرات، فهي في نظر العديد من المؤرخين والباحثين، فترة من التاريخ، تمتد من مطلع القرن الماضي إلى الزمن الراهن، وهي الفترة التي تميزت بالانتقال من المجتمع التقليدي إلى الحداثة والتحديث / من دولة المخزن إلى دولة المؤسسات / دولة الحق والقانون، وهو ما يجعل الزمن المغربي الراهن أحد الحقول الواسعة للبحث التاريخي / الانتربولوجي.
أكاديميا أصبح الزمن المغربي الراهن، مجالا هاما لدراسة العلوم السياسية / علم الاجتماع / الانتربولوجيا / مما جعله من أكثر الأزمان المغربية السابقة رصدا للتحولات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وأكثرها طرحا لإشكاليات المفاهيم والمصادر والمناهج العلمية التي من شأنها إعطاء هذا « الزمن» موقعه على بساط الثقافة…والتاريخ.
والزمن المغربي الراهن، لا يحتضن فقط الأحداث التاريخية التي صنعت وجوده وشخصيته، ( عقد الحماية / ظهور حركة وطنية مؤمنة / قيام حركة مقاومة / حصول المغرب على الاستقلال / إعلان الدستور وقيام المؤسسات / المحاولات الانقلابية ضد الملك الحسن الثاني / الأحداث الإرهابية / أحداث الإسلام السياسي / العمل من أجل الانتقال الديمقراطي ) ولكنه يحتضن أيضا الأفكار والقيم والإعلام التي طبعت / تطبع هذا التاريخ، الذي هو امتداد طبيعي لفترة / فترات سابقة، طبعت هي الأخرى الحياة المغربية، سياسيا واقتصاديا وثقافيا وإعلاميا بأحداثها وتحولاتها وإشكالياتها، وهو ما جعل الزمن الراهن فترة متكاملة ومتميزة من تاريخنا الوطني.
إن التداخل مع تفاصيل الزمن المغربي الراهن، بالنسبة لكافة الباحثين المهتمين في المغرب، وفي المحيط الدولي، مطلبا قويا لمعرفة حقيقة التحولات والإشكاليات التي جاء بها هذا الزمن، والتي تمتد في جانبها الأول، من التحديث، إلى العولمة والمواطنة والحرية والديمقراطية، ومن التنمية إلى الحضارة، كما تمتد من جانب آخر، من السياسة إلى الفساد، ومن الإشاعة إلى التطرف.
السؤال الذي يطرحه علينا الزمن المغربي الراهن، كيف لنا قراءة مكوناته ؟ كيف لنا قراءة دلالاته التاريخية والسياسية والثقافية…كيف نقرأ قيمه الأخلاقية والسياسية والحضارية…؟ هل نعتمد في هذه القراءة على الدراسات النظرية / على المنهج التاريخي / على المنهج الاجتماعي…؟
إن إشكالية الانتقال المعرفي والمنهجي من فترة إلى أخرى في الزمن المغربي ، تعني اكاديميا وتاريخيا، الانتقال من التاريخ إلى السياسة، ومن العلوم الاجتماعية إلى الثقافة، ومن السلطة إلى المشاركة…وهي الإشكالية نفسها التي تفرض على المؤرخين والباحثين البحث عن منهج بديل لقراءة المشهد العام لهذا الزمن، بمعطياته وقضاياه المتداخلة، من خلال أحداثه واعلامه وقضاياه واشكالياته التي تشكل قاموسا معرفيا ينبني عليها هذا الزمن في مكوناته الفكرية والفلسفية، وهو ما يعطي متسعا مشهديا للتفاعل مع الزمن المغربي في هذه الفترة من التاريخ، التي انطبعت بتحولات جوهرية خارقة.
الأحداث والأعلام والقضايا والقيم التي صنعت الشخصية المتميزة لهذا الزمن، ليست وحدها التي تحدد لنا قيمه الحضارية، إنها لا تكتفي بتحديد المفاهيم التي يقوم عليها الزمن المغربي الراهن، ولكنها إضافة إلى ذلك لابد لها أن تقدم لنا الأجوبة الإستراتيجية عن كافة التساؤلات التي يطرحها هذا الزمن في تحولاته وإشكالاته وقيمه من خلال تداخلها مع المفاهيم الفكرية، وهو ما يجعل المشهد الزمني أقرب ما يكون إلى الحقيقة…والواقع.
يتوزع الزمن المغربي الراهن على عدة محاور، لا تتصل فقط بالتاريخ، ولكنها أساسا تقوم على مفاهيم الحضارة والثقافة والحداثة والتنمية والمواطنة والحرية والديمقراطية والتنوير والاستقلال، والزمن والإرهاب والتطرف والسياسة والأحزاب والمشاركة والسلطة والأمن والإصلاح، والأزمة والرشوة والفساد والانتهازية والإشاعة والعنصرية، وهي القضايا التي طبعت نظريا وعمليا الزمن المغربي الراهن، والتي أعطت هذا الزمن تميزه عن الأزمان السابقة، والتي طبعته بالفاعلية التاريخية، منذ انطلاقته مطلع القرن الماضي…وحتى الآن.
السؤال الذي يطرح نفسه على الزمن المغربي الراهن :
* متى يبدأ الأكاديميون والمؤرخون والباحثون في الاشتغال عليه، وعلى محاوره…؟
* متى يكشفون الوجه الآخر لهذا الزمن الذي أصبحنا لا نعرف ملامحه إلا من خلال أزماته…؟
* متى يقدمون لنا قراءة شاملة وكاملة للمغرب الراهن الذي لا نعرف عنه اليوم الا ما يسمح لنا بمعرفته…؟
………………………….
عن جريدة الاتحاد الاشتراكي
23 غشت 2014