الخطاب السلفي وتحطيم العقل- قراءة وقراءة نقدية في الفكر السلفي
(القسم الثاني- قراءة نقدية في الفكر لسلفي (17من 28)
د.عدنان عويّد
(تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون” (البقرة 134).
تحديات الفكر الجبري للإنسان : (A)
إن نظرة أولية لهذا الفهم الجبري الذي حكم حياة الإنسان بإرادة علويّة مسبقة لا دخل للإنسان فيها, قد فرضت على الإنسان جملة من التحديات وهي :
1- استقالة العقل: استطاعت الرؤية السلفية الجبرية أن تعمل على إقصاء العقل واستقالته نهائياً عن العمل والتدخل في حياة الإنسان. وبالتالي تنميته وتطويره وفتح آفاق مستقبلية له, فالعقل هنا قد أغلق وأقصي كلياً عن فهم قوانين الحياة الموضوعية وكشف آلية عملها وتأثيرها على حياته, وبالتالي وضع العقل ذاته أمام حالات العجز الكلي عن تحقيق النجاة للإنسان من قدره وما هو مكتوب له وعليه في اللوح المحفوظ. وإن أراد هذا الإنسان أن يُسير حياته ويحل مشاكله فما عليه إلى أن يستسلم لقدره ويعتبر ما يمر به في هذه الحياة ليس أكثر من امتحان لصدق إيمانه وطاعته لله وحده, أو يعود ليقراً ما خلفه له السلف الصالح من حلول لما يريده أو يعاني منه دون تفكير أو نقد لما يقرأ, فكل ما يقرأه في هذا الاتجاه إن كان ما فسره له السلف الصالح في القرآن أو ما أورده الحديث الذي جمعوه هم ونسقوه وبوبوه, أو ما أجمع عليه علماء الأمة من المشايخ حتى القرن الثالث للهجرة, فهذه كلها هي الأمور المقدسة التي ضمت كل ما يحتاجه الإنسان من حلول لمشاكل حياته الحالية والمستقبلية أيضاً, وفيه وحدها خير الإنسان وسعادته, وإن حاول الإنسان أن يشغل عقله في قضايا حياته يحثاً عن حلول لها من خارج ما قدمه له التيار السلفي, فقد يقع في الضلالة, وكل ضلالة كفر, ونهاية الكفر النار, والعياذ بالله. فمن يفكر خارج مضمار الملعب السلفي في مثل هذه القضايا سيكون خارجاً عن الملّة ومتحدياً لإرادة الله الذي لم يخلقه أساساً ويخلق الجن معه إلا لعبادته. لذلك لا نستغرب أن نجد عند ما يسمى اليوم بـ (الدواعش), محاربةً لكل العلوم التي تخرج عن منظومة النقل التي حددها سلفنا الصالح, فالعلوم التي تدخل في مضمار العقل وحرية الإرادة قد منعوها في المناطق التي يسيطرون عليها, مثل : الفيزياء والكيمياء والرياضيات والفلسفة والحقوق.
2- استقالة الإرادة: لا وجود للإرادة إنسانية بالأساس دون وجود عقل فاعل ونشيط. فعندما يغيب العقل تغيب معه الإرادة القادرة على خلق فعل الاختيار أو حريته. وهذا ما تريده السلفية في مسألة جبريتها. فهي تريده إنساناً ألياً أوجده الله على هذه البسيطة كي ينفذ أوامر الله والرسول والسلف الصالح من القرون الثلاثة الأولى للهجرة, ويلتزم بما قاله أو مارسه سلفه الصالح خدمة لآخرته قبل دنياه, لأن كل ما يقوم به من نشاط هو بالأساس مقدر عليه وليس لإرادته أي دور فيه. لذلك لا نستغرب أن تفضل الغريزة في تسيير حياة الإنسان على إرادته, وقد أعطينا مثالاً على ذلك في مسألة “الحمار والنهر” التي تحدث عنها الشيخ “البوطي” والتي أوردناها في موقع سابق من هذا البحث. فالغريزة هنا إذاً, هي من يؤمن للإنسان فعل النجاة من ممارسة الخطأ, وبالتالي ضمان دخول الجنة له والتمتع بحور العين وكل ما يستطاب ممن وعد الله به الصالحين.
3- استسلام الإنسان كلياً لقدره وما هو مكتوب عليه:
إن الإنسان الذي استلبت منه إرادته وعقله, لم يعد لديه غير الاستسلام, وتبرير كل ما يقوم ب أو يحدث له من أعماله على أنه أمر مكتوب. فإن حدث له خير, فهو نعمة ورضا من الله عز وجل, وإن حدث له شر فهو امتحان له من قبل الله كي يتبن مدى إيمانه وتمسكه بدينه الذي حدده له القرآن والرسول وسلفه الصالح بكل تفاصيله وجزئياته. وهذا في الحقيقة ما ولّد لدى المؤمن السلفي بعداً نفسياً وحالة من اللاشعور بتخليه عن مسؤولياته لما يحدث له, وتزعزع طمأنة النفس وإلصاق التهم بها ولومها لما يحدث, فالقدر هنا يأتي كي يقنن حالات الدفاع عن النفس التي يلجأ إليها الإنسان المؤمن طلباً للراحة في التحلل من المسؤولية وتجنب أي شعور للإحساس بالذنب. والقضية الأكثر خطورة في هذا الاتجاه هنا هي, مع غياب الحجة والدليل المنطقي لما يحدث للإنسان أو ما يقوم به من أعمال, ومع فسح المجال واسعاً أمام المقدر والمكتوب, فإن مساحة القول أو التقرير في تفسير قضايا الكون بكل مستوياتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية, وما يرتبط بها من حروب وكوارث طبيعية, أو ما يتعلق بقضايا النهضة والتطور وتنمية المجتمع أو تخلفه, تتسع جداً ويغلب عليها طابع التبرير الديني بشكل واسع من باب, أن ما يجري من سوء للناس, هو انتقام من الله لهذا الفرد أو الجماعة أو الأمة لأنهم تركوا تعاليم الدين وابتعدوا عنه, أو بسبب فسادهم في الأرض, أو لبيان حكمة الله وقدرته على الانتقام من الظالمين وغير ذلك. وإن كان ما يحدث خيراً, فهو نعمة من الله على عباده كونهم صالحين ومؤمنين بالله ومنفذين للتعاليم والمثل التي حددها لهما أهل السنة والجماعة, أو الفرقة الناجية, ثم لعدم ممارستهم الفساد في الأرض, أو لبيان حكمة الله وقدرته على فعل ما يريد.
كاتب وباحث من سورية
الدكتور عدنان عويد ل “نشرة المحرر”
20 غشت 2014