الملفت في كل ما يفعله المغرب وجود شفافية تسمح بتسمية الأشياء بأسمائها، والأهم أن المغرب لا يلقي مسؤولية الأخطاء التي يمكن أن تحصل على الآخرين، بمن فيهم الجزائر.

عن صحيفة العرب خيرالله خيرالله [نُشر في 20/08/2014، العدد: 9654،

كانت الاتهامات الجزائرية إلى المغرب في شأن إغراقها بالمخدرات الفصل الأخير في الحرب التي تتعرَض لها المملكة منذ عقود عدّة. المغرب معتاد على مثل هذا النوع من الحروب، التي هي أقرب إلى الألاعيب المكشوفة من أيّ شيء آخر. فالمغرب يعرف قبل غيره الهدف منها. هذا الهدف يمكن اختصاره في أمرين.

الأوّل لعبة الهرب المستمر إلى الخارج التي تعكس رغبة في تصدير الأزمات الداخلية للجزائر إلى دول الجوار خصوصا، بدل التصدّي لها ومحاولة إيجاد حلول تستجيب لطموحات الجزائريين.

أمّا الأمر الثاني، فهو نتيجة عقدة جزائرية تختزلها الرغبة في لعب دور القوّة المهيمنة على الصعيد الإقليمي.

لعلّ أسوأ ما في الاتهامات الجزائرية كشفها أن النظام في هذا البلد يعتقد أن المغرب يفكّر بالطريقة نفسها التي يفكّر بها. وهذا يعني، في طبيعة الحال، أنّ المملكة تلجأ إلى الأساليب نفسها في ابتزاز الآخرين، على طريقة رفع شعار “حق تقرير المصير للشعوب” مثلا.

لا يجد هذا الشعار، وهو شعار حقّ يراد به باطل، من ترجمة له في ما يخصّ المغرب، سوى استخدام أداة اسمها جبهة “بوليساريو” من أجل شنّ حرب استنزاف على المملكة بحجة وجود مشكلة في الصحراء المغربية. مع الوقت صارت هذه الحرب الجزائريـة على المغرب، وهي حرب خاسرة سلفا، مجرّد وسيـلة لدعم الإرهـاب والإرهابييـن، والتطرّف والمتطرّفيـن، في كلّ منطقة شمـال أفريقيـا والساحـل الصحراوي.

أدّى الدعم الجزائري لما يسمّى “بوليساريو” إلى احتجاز صحراويين في سجن ذي فضاء مفتوح داخل مخيّمات أقيمت في تندوف داخل الأراضي الجزائرية. بدل التعاون مع المغرب من أجل التخلّص من الإرهاب والمخدّرات وكلّ أنواع التهريب، وتوفير حياة كريمة لكلّ صحراوي، هيّأ النظام الجزائري كلّ الأجواء التي تسمح بتشجيع الإرهاب والتطرّف…

لا يمتلك المغرب ثروات من نوع النفط والغاز وما شابه ذلك، لكنّه يسعى إلى تحسين الوضع المعيشي للمواطن في كلّ الأقاليم المغربية، بما في ذلك الأقاليم الصحراوية، من دون أن يعني ذلك عدم الاعتراف بأنّ أخطاء قد تكون ارتكبت في مجالات معيّنة تعني المملكة ككلّ، وتعني المواطن ورفاهه ووضعه الاجتماعي.

لم يتردّد الملك محمّد السادس في طرح الأسئلة الواجب طرحها، وذلك في خطابه الأخير بمناسبة مرور خمسة عشر عاما على اعتلائه العرش.

تساءل العاهل المغربي موجّها كلامه إلى مواطنيه قبل نحو ثلاثة أسابيع: “هل اختياراتنا صائبة؟ ما هي الأمور التي يجب الإسراع بها وتلك التي يجب تصحيحها؟ ما هي الأوراش (الورش) التي ينبغي إطلاقها؟ أمّا إذا كان الإنسان يعتقد أنّه دائما على صواب، أو أنّه لا يخطئ، فإنّ هذا الطريق سيؤدي به إلى الانزلاق والسقوط في الغرور”.

الملفت في كلّ ما يفعله المغرب وجود شفافية تسمح بتسمية الأشياء بأسمائها، الأهمّ من ذلك كلّه أن المغرب لا يلقي مسؤولية الأخطاء التي يمكن أن تحصل على الآخرين، بمن فيهم الجزائر.

ما يمكن قوله عن الخطاب الأخير لمحمّد السادس، أنّه خطاب المصارحة مع مواطنيه ومع كل الدول القريبة من المغرب، على رأسها الجزائر التي لا تمتلك القدرة على القول لمواطنيها أين تذهب أموال النفط والغاز، ولماذا يطمح كلّ جزائري إلى الهجرة، خصوصا إلى فرنسا التي لا يزال النظام يذكّر بسياستها العدوانية أيّام كانت الجهة المُستعمرة للجزائر. ربّما يسعى بذلك إلى تحويل أنظار الجزائريين عن فشله في كلّ المجالات.

هناك فشل جزائري في كلّ المجالات. في أساس الفشل وهم اسمه الدور الإقليمي للجزائر. ما هذا الوهم الذي يمتلكه نظام ليس قادرا حتّى على القول لمواطنيه أين رئيس الجمهورية الذي اعيد انتخابه لولاية رابعة قبل بضعة أشهر فقط؟ هل هو مريض… أم فعلا يمارس صلاحياته؟ من أين يمارس هذه الصلاحيات، وما الذي يمنعه من الظهور؟ وفي حال كان مريضا من الذي يحلّ مكانه؟ من الذي يتحكّم بالبلد، ومن يتخّذ القرارات الكبيرة؟ من يغطي على من؟ ولماذا الحاجة إلى رئيس مريض في هذه المرحلة بالذات، أي في وقت يتبيّن فيه أن الجزائر مريضة؟

كلّ ما في الأمر أن الاتهامات الجزائرية للمغرب بأنّه يغرقها بالمخدرات لا معنى لها. هذا عائد إلى سبب واحد على الأقل. يتمثّل هذا السبب في أنّ ليس لدى المغرب ما يخفيه على أحد، بما في ذلك على المهتمين بمكافحة زراعة المخدّرات وتهريبها.

لم يخف وزير الداخلية المغربي السيّد محمّد حصاد، في سياق ردّه على الاتهامات الجزائرية، أن بلاده تتعاون مع كلّ الهيئات الدولية، خصوصا الدوائر المختصة في الأمم المتحدة لمواجهة هذه المشكلة. أشار، بكلّ صراحة، إلى أن المساحات التي كانت تزرع فيها الحشيشة بلغت في الماضي مئة وأربعة وثلاثين ألف هكتار، وأن هذه المساحات تقلّصت إلى سبعة وأربعين ألف هكتار، أي بنسبة خمسة وستين في المئة.

يطمح المغرب إلى تقليص المساحات التي تزرع بالحشيشة إلى ثلاثين ألف هكتار، وذلك على طريق التخلص، كلّيا، من هذه الزراعة.

من يعترف بهذه الحقائق لا يحتاج إلى إغراق الجزائر بالمخدّرات. على العكس من ذلك، تشير الأرقام الصادرة عن وزير الداخلية المغربي إلى رغبة في التعاون مع الجزائر، ومع غير الجزائر، في مجال مكافحة المخدّرات والتهريب بكلّ أنواعه.

في استطاعة الجزائر توجيه مزيد من الاتهامات إلى المغرب. لن يحلّ ذلك أيّ مشكلة من مشاكلها.

يكمن الحلّ الوحيد لمشاكل الجزائر في الانصراف إلى الاهتمام بشؤون الجزائريين أوّلا. هذه خطوة لا بدّ منها. يفترض بالنظام الجزائري الاعتراف أوّلا بفشل كل “الثورات” التي قام بها، بدءا بالتعريب، وصولا إلى مجالي الزراعة والصناعة. لم يظهر الإرهاب في الجزائر على حين غفلة في خريف العام 1988، وفي السنوات العشر التي تلته، عندما نزل الجزائريون إلى الشارع احتجاجا على العقم الذي يعاني منه النظام.

ما كشفته الاتهامات الموجهة إلى المغرب تعني شيئا واحدا. إنّها تعني رفض النظام التعلّم من التجارب التي مرّ بها. لا يزال يعتقد أن عليه شن حرب على الإرهاب داخل الجزائر نفسها، والاستثمار في الإرهاب في كلّ أرض خارج الجزائر. هذه سياسة لا اسم آخر لها غير الكيدية. أقلّ ما يمكن قوله لدى الحديــث عنــها، أنّها لا تبني دولا، بمقدار ما أنّـها تؤسس لثـورات جديـدة.

هل كثير على بلد يملك بعض أفضل رجالات العالم العربي التفكير بطريقة مختلفة، بدءا من الاعتراف بأنّ الكيدية ليست سياسة، وأنّ وهم الدور الإقليـمي ليس سوى وهم، وأن الجزائر العاجزة عن مواجـهة مشاكلها الداخليـة، لن تكون قادرة على ابتزاز أيّ دولـة أخرى، خصوصا المغرب؟

لن تستطيع ذلك، لا عبر الاتهامات الباطلة، ولا عبر إثارة مشاكل في الصحراء، ولا عبر تهريب حبوب الهلوسة إلى المغرب… فالمغرب يمتلك وثائق في شأن حبوب الهلوسة التي مصدرها الجزائر والتي تهرّبها إليه، وقد صادر كميات كبيرة من هذه الحبوب التي تعكس، في طبيعتها، جانبا من المشكلة التي يعاني منها نظام في هرب دائم من الواقع، ومن عجزه عن التصدي للخلل الذي تعاني منه الجزائر منذ الاستقلال…

إعلامي لبناني

‫شاهد أيضًا‬

باب ما جاء في أن بوحمارة كان عميلا لفرنسا الإستعمارية..* لحسن العسبي

يحتاج التاريخ دوما لإعادة تحيين، كونه مادة لإنتاج المعنى انطلاقا من “الواقعة التاريخ…