عن صحيفة العرب [نُشر في 19/08/2014، العدد: 9653،
لندن – التغيير الاستراتيجي للحركة السلفية بعد اختراقها من قبل الإخوان والسروريين أدى إلى انتقالها من النموذج السلفي التقليدي إلى نموذج السلفية المتشدّدة الذي يعكسه تنظيم الدولة الإسلامية وأمثاله من التنظيمات الجهادية.
قال شاب يقاتل في صفوف جماعة “داعش”، يطلق على نفسه اسم أبو المعتصم: “إذا كان أبي عضوا في جبهة النصرة، والتقينا في معركة فـ”سوف أقتله”.
وأبو المعتصم، شاب سوري، ورد اسمه، ضمن دراسة للباحث السوري حسن حسن، عنونها بـ”داعش: صورة لخطر يجتاح بلدي” (نشرتها صحيفة “الأوبزرفر” البريطانية). تحدّث حسن عبر سطورها عن الأسباب الخفية الكامنة وراء تنامي التطرّف في سوريا، وكيف أصبح النهج السلفي الديني المتشدّد يهدّد منطقة الشرق الأوسط بالكامل.
ينقل حسن عن أبي المعتصم، البالغ من العمر 18 سنة، قوله إنه: ترك والديه اللذين يعملان في البحرين وعاد إلى سوريا في 2012 وانضم إلى الجيش السوري الحر بضعة أشهر، قبل أن ينضم إلى جماعة أحرار الشام. ثم عاد إلى البحرين لزيارة أهله فمنعوه من العودة إلى سوريا لكنه عاد وانضم إلى تنظيم الدولة الإسلامية”، وهو اليوم مستعدّ حتى لقتل والده إذا عارضه ووقف في جبهة منافسة له.
بعد نقله للحديث مع “الداعشي” الشاب، يعلّق حسن حسن، الباحث في مركز دلما للدراسات (في أبوظبي)، قائلا إنه لطالما تساءل عن سبب تحوّل الناس ليصبحوا مثل أبي المعتصم. واستمر التساؤل في الإلحاح على ذهنه وهو يرى كيف أصبحت دير الزور، التي نشأ فيها، بعدما سيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية وارتكب فيها المجازر.
من خلال بحثه عن إجابات لتساؤلاته، وصل حسن حسن إلى خلاصة مفادها أن صعود تنظيم الدولة الاسلامية يعود إلى مزيج من السياسة وشعور السنّة (في العراق خصوصا) بالعزلة و”رجّة” في قواعد السلفية، وهذا السبب الأخير هو جوهر الأسباب والخيط الرئيس الذي يجمع بقية الأسباب في عقد واحد.
داعش والسلفية
“الدولة الاسلامية” قوة سلفية جهادية تطورت من جماعة تأسّست على يد أبي مصعب الزرقاوي، أحد المسلحين الأردنيين الذين انتقلوا إلى العراق بعد الغزو الأميركي. وفي وقت لاحق، أطلق الزرقاوي تنظيم القاعدة في العراق، حيث قام بالعديد من العمليات على غرار تفجير مسجد العسكري، في سامراء، الذي أدى إلى الحرب الأهلية في العراق 2006-2007.
تمت إعادة تسمية التنظيم بـ”الدولة الإسلامية في العراق” إثر مقتل زعيمها في غارة أميركية في 2006، ثمّ مرّت الدولة الإسلامية بفترة ضعف في 2007 بعد أن انحازت قوات الولايات المتحدة الأميركية إلى القبائل العراقية السنية المحاربة للدولة الاسلامية.
أعاد الصراع السوري، المستمر منذ 2011، إحياء التنظيم. وأعلن الزعيم الحالي للجماعة، أبو بكر البغدادي، في أبريل 2013، دمج تنظيمه مع جبهة النصرة، تحت اسم “الدولة الإسلامية في العراق وسوريا”، لكن لم يتحقق الاندماج.
وفي 29 يونيو، (اليوم الأول من شهر رمضان)، أعلن التنظيم أن مجلس الشورى “انتخب” البغدادي خليفة للمسلمين، وغيّر اسمه إلى “الدولة الإسلامية”.
هذا التطور في شكل تنظيم الدولة الإسلامية، من جماعة جهادية متفرّعة عن تنظيم القاعدة إلى جماعة مسلّحة في العراق وسوريا، وصولا إلى “دولة الخلافة”، هو، حسب مراقبين، نسخة مصغّرة ونموذج حي يعكس تطوّر تيار الإسلام السياسي وكيفية تأثر حركاته بعضها ببعض، وكيف تحوّل التيار السلفي من شكله الأول، كجماعة دعوية دينية نادرا ما تخرج عن طاعة الحاكم إلى جماعة سياسية دينية سلطوية، وتنظيم “داعش” إحدى نسخها المهجّنة.
والبحث بين سطور دراسة حسن حسن خرج بنا من النطاق الضيق لعوامل تقدّم تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق إلى آفاق أوسع حول تطور التيار السلفي.
فالاتجاه الجوهري و”الخفي”، الذي يجعل “داعش” ظاهرة محفوفة بالمخاطر هو تجاهل “الرجّة” الأيديولوجية والتغيير الاستراتيجي في عقيدة السلفية التقليدية. وهو تغيير بدأ يظهر تدريجيّا بعد “الربيع العربي”، عندما أصبح السلفيون مسيّسين على نحو متزايد، وفق دراسة حسن حسن التي كشفت أنه لم تتم دراسة العوامل التي تكمن وراء تنامي أنصار تنظيم الدولة الإسلامية ومواجهتها بشكل معمّق بينما “داعش” لم يصل بعد إلى نصف ما يمكنها أن تفعله.
|