المفكر المغربي عبد الله العروي:
أجرى اللقاء : بديعة الراضي
————————— يعتبر عبد الله العروي صاحب كتاب ” الايديوليوجية العربية المعاصرة ” , من اهم المفكرين العرب في القرن العشرين , ولايزال يلقي بين فترة واخري احجارا في بركة الفكر العربي, يحرك مياهه , ويثير جدلا في كل الاتجاهات. عبد الله العروي كان ضيفا في برنامج ” وجوه وقضايا ” الذي تعده وتقدمه الكاتبة المغربية بديعة الراضي في القناة المغربية الاولي , وذلك بمناسبة صدور كتابيه “المغرب والحسن الثاني ” والجزء الثالث من يومياته ” خواطر الصباح ” اللذين اثارا الكثير من النقاش في مختلف الاوساط المغربية: * * * * * * * * * *
قضايا الراهن تدفعنا إلي سؤال أساسي،
الراهن الاساسي العربي، واهتمام العروي بماهو شمولي يدفعنا إلي ربط هذا الراهن بالراهن السياسي العالمي؟
جوابي سيكون صريحا وفي غاية الصراحة، وهو أنه يصعب علي التدخل في هذا النقاش أي الراهن السياسي لسبب واحد لا علاقة له بشخصي، وهو أني لا أستطيع كمؤرخ وكمحلل أن أقف عند الظروف الراهنة أحكم علي هذا ضد هذا، مع هذه السياسة أو ضد هذه السياسة. فلابد أني أري الجذور دائما عميقة ومتشعبة. وبناء علي هذا، فمنذ ما يقرب من ثلاثين سنة وأنا أكتب، وأكتب محللا أن هناك بعد الامور الضرورية لنا، بالنسبة لوطننا الصغير أو بالنسبة للأمة العربية عموما. هذه الامور تتلخص في نقطتين أساسيتين هو: الاصلاح السياسي والاصلاح الثقافي، والاصلاح الثقافي يتقدم علي الاصلاح السياسي.
والواقع الحالي نتاج اسباب وظروف متعددة، منها التدخل الاجنبي الذي لا أنساه ولا يمكن ان أضعه بين قوسين، لأن التدخل الاجنبي هو أساس ما نعانيه منذ أعوام. ومع ذلك يبقي أننا كمغاربة أو كعرب لم نقم بما يجب من إصلاح، أي خلق ثقافة عصرية تواكب العصر الذي نعيشه كما فعلت شعوب أخري.
ودور المثقفين في هذا الخضم دور أساسي وأقولها صراحة أنهم لم يقوموا- مع استثناءات- بدورهم لأسباب يطول الكلام فيها.
وبناء علي هذا فكل ما نعانيه يترتب علي تقاعسنا في الماضي، فلذلك لا أستطيع أن أحكم علي هذا ضد هذا في حين أن المسؤولية قديمة ومشتركة، بحيث الضرورة وهي إبدال ثقافة عتيقة بثقافة عصرية مواكبة للعصر الذي نعيشه وهو القرن الواحد والعشرين بعد الميلاد أو القرن الخامس عشر بعد الهجرة، وما دمنا لا نقوم بذلك فلا يمكن لنا أن نجتاز المصاعب، ولا أن نتفادي مصاعب أخري وكبيرة جدا.
المسؤولية يتحملها المثقف قبل السياسي؟
أكاد أقول ذلك، لأن السياسي عليه إكراهات منها التدخل الاجنبي كما قلت. أما المثقف نظريا فهو حر، يقول ما يشاء في الداخل وفي الخارج، فأرض الله واسعة. وإذا لم تستطع أن تقول ذلك في دارك فقلها خارج دارك، يبقي ما تقوله، وما قيل.. وأذكر أن كل الكلام الطويل والعريض كان عن الاصالة ومدة ثلاثين سنة : وماهي الاصالة؟ فالاصالة هي ما نراه الآن.. الاصالة ما هي الاصالة هي النتائج التي نراها الآن.
فإذا كنا نصفق لمدة عشرين سنة لكل من يتكلم باسم الاصالة، ورأينا النتائج فيما نراه كنتائج للاصالة، فلابد أن نستخلص النتيجة، وإذا كنا لا نريد ذلك ونتمادي في التصفيق، فكيف يمكن أن نري النتائج غير التي نراها.
ندعو اليوم للحداثة من بوابات متعددة بوابة الدولة وبوابة المجتمع المدني وبوابة الاحزاب السياسية إلي غير ذلك.
هناك أصوات تتعالي من أجل المطالبة بالحداثة لكن السؤال الذي يحاصرنا هل فعلا لنا شروط إنجاز هذه الحداثة ؟
الواقع أن هناك عملية التعريب. نطالب بكل شيء علي هامش الحداثة، لكن عمق الحداثة غائب.
ماذا يقول بعض المثقفين الآن. يتكلمون علي ما بعد الحداثة، كما لو أننا كنا قد حققنا الحداثة والآن نعيش ما فوق الحداثة كما لو كانت الحداثة موضة. فلما تتكلم علي المينيجيب مثلا، تقول الآن مر زمن المينيجيب ، وعندما تتحدث عن الحداثة، يقول الحداثة…. لا، الآن نحن ما بعد الحداثة، اين ما بعد الحداثة، في أي بلد في أي سماء.
لكن هناك دوافع لقول ذلك، تتعلق بأن الفكر يشتغل في جهة والواقع في جهة أخري؟
هناك دوافع اقتصادية واجتماعية وكان من الواجب دراسة هذا الواقع، ولماذا أوجد هذا الواقع نوعا من المثقفين المتقاعسين أو المرتدين. وقد عملت علي دراسة جوانب في هذا الموضوع. لكن القارئ عموما والقارئ المثقف والاستاذ، يرفض هذا المنطق. وبما أنه يرفض ذلك وتكون النتائج ما أري، أضطر إلي الصمت فماذا أقول، ماذا أقول ؟
الكل ينتظر ليسمعك باعتبارك مفكر له وزنه؟
سأعيد ما قلته هو أن مهما كانت المصائب التي نعيشها، ونحن نعيش ذلك لمدة ثلاثين سنة ولكن كل مرة عوض أن نري أن الاساس هو أننا لم نقم بالاصلاح الثقافي الضروري والذي يرتكز عليه أساسا الاصلاح السياسي والاجتماعي نعاكس هذا المنطق ونقول لا الواجب هو التشبث بالاصالة دون تفسير ماهي حدود ذلك، يجب التشبث بها. لكن ماهو مدلول الاصالة.. ماهو ؟
هل المسؤول هي مسؤولية الدولة أم المجتمع المدني أم الحزبي أو ماذا؟
كل واحد له حرية الحكم علي ذلك. أنا لدي موقف يرفضه الكثيرون وهو أنني أحمل أغلبية المسؤولية للمثقف الحر الذي له إمكانية الجهر بعقيدته. وفي غالب الاحيان لا يفعل ذلك. انظري إلي عدد المثقفين المرتدين.. لماذا أقول المرتدين لأنهم يدافعون عن ما يسمونه الفكر الحر او الحداثة إلخ، لكنهم امس وغدا، لأسباب كثيرة منها الاغراء المادي، قد يدافعون عن غير ذلك، وهذا الواقع منذ عشرين سنة أو ثلاثين سنة.
إذا المسألة أخلاقية؟
طبعا، تكلمت في كتاباتي عن المسألة الاخلاقية، مع أني أعتبر أن بعض الظروف قد تدفع المثقف الي ذلك، منها حالته المادية إلخ، لكن هناك مثقفين لهم حرية، ولأسباب يرتدون، وأعطيك مثالا بالمثقفين العرب الذين يوجدون خارج البلاد العربية تجدين أنهم كلهم مرتدين، لماذا؟ لأن الضغط عليهم في الخارج يجعلهم يرتدون إلي الرخاء عن موقف دفاعي. فعوض أن يتغلبوا علي هذا الموقف ويقولون أنا لا أهتم بالضيم الذي يلحقني وأنا في الخارج لكني أري أن الامور من وجهة نظر المصلحة العامة وعلي المدي الطويل، فإنهم ينساقون مع العاصفة ويرتدون.
أي إننا أمام مأزق ثقافي وتاريخي، والسؤال ما العمل أمام هذا الوضع ـ خصوصا وانتم مفكر منتبه إلي الدروس التاريخية؟
هذه هي النقطة الاساس. ففي غالب الاحيان المستمع أو القارئ يظن أن المثقف بما أنه يقول شيئا عليه أن يحقق ذلك الشأن بـ لا ـ لا هذا كلام لا معني له. أنا أقول ما ألاحظ لكن ليس أمامي الحل والعقد.
الحل والعقد بيد السياسي الذي له إكراهات أخري، لكنه لم يقم بالواجب.
النقطة الاساسية في اول كتاب صدر لي عن الايديولوجية العربية المعاصرة، كانت موجهة إلي رؤساء ـ ما كنت أسميه ـ الدولة القومية، كان عليهم أن يختاروا سياسة ثقافية تواكب الاهداف منها التصنيع والتحرير.. إلخ. لكنهم كلهم ـ هؤلاء الرؤساء ـ اختاروا طريقا آخر وهو المصالحة مع القديم لدوافع سياسية؟
لكنك انتقدت بشدة حينذاك ؟
نعم انتقدت بشدة.. لكن أنا لا أقول أنهم كلهم أخطأوا، لأنهم كانوا أيضا بين المطرقة والسندان، كانوا بين مشاكل داخلية وخارجية، فلابد لهم من مصالح، كما فعل نابليون مع الكنيسة في فرنسا في أوائل القرن 19، وهذه حالة تاريخية معروفة، لكن النتيجة هي النتيجة، وبعد ذلك توالت الامور ولم نر زعيما سياسيا قام بما قام به مثلا مصطفي أتاتورك في تركيا، لم نر ذلك أبدا، فكان يقال لنا انظروا تركيا، هاهي فعلت ذلك، ولم تتقدم ولم تصنع، لكن لنري النتائج بعد خمسين سنة أو ستين. طبعا هناك تفاوت بين الدول. فقد قلت في إحدي كتاباتي أن هناك مثالا بالنسبة لنا في المغرب فيما يتعلق بالدول القريبة منا، في العشر سنوات الاولي بعد الاستقلال، توجهت تونس إلي هذا الاتجاه، ونري الآن النتيجة فإننا عندما ننظر إلي حالة تونس الاقتصادية نجدها مبنية علي الاصلاح الذي قامت في الستينات، وذلك لم يمنعها من أن تري مشاكل أخري، ولكن عموما القفزة التي قامت بها تونس مكسب لا رجعة فيه.
صدر لكم مؤخرا كتاب خواطر الصباح في الجزء الثالث، وقد أعلنتم بالمعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء، أنكم ستتوقفون عن كتابة هذه الخواطر. أنا أسألك أولا أين يمكن أن تموضع هذه الخواطر بحكم أنك روائي وناقد ومؤرخ، فأي خانة يمكن أن تضع هذا المثن الذي سميته بالخواطر؟
عندي عشرة أو عشرين كتاب كلها لكتاب مشهورين صدرت لهم خواطر، منهم أندري جيد، فرجينيا وولف.. إلخ. فالكتاب عموما كيفما كان اتجاههم، أكانوا يكتبون في التاريخ أو السياسة لهم مذكراتهم، وكمثال هناك المؤرخ الكبير مشلي له كتب تاريخية وله أيضا مذكرات أو يوميات لم تصدر إلا بعد خمسين سنة بعد موته وتعد من أحسن ما كتب.
كذلك خواطر الصباح، لا نقول من أحسن ما كتبته ولكن من أجمل المحطات التي وقفت عندها؟
كان من الممكن أن أتركها تصدر بعد وفاتي. لكني فضلت أن أنشرها لسبب واحد. أولا لأنه ليس من عادة الكتاب العرب نشر يومياتهم وأغلبهم لا يكتبون اليوميات أو لا ينشرونها وهذا أيضا له دافع ثقافي، كمفهوم الحشمة عندنا أي أننا لا نكتب أو نتكلم في كل شيء.
أو يدخل في دائرة الصمت
نعم، أو يدخل في دائرة الصمت، هي الحشمة أو الامور التي لا تقال، واليوميات ليست في ثقافتنا التي تفتفد لثقافة مواجهة النفس. يعني أن الامس كانت لك فكرة، واليوم راجعت نفسك ولديك فكرة أخري فتقيم هذه المراجعة وهو نوع من محاكمة النفس. ونحن ليس لنا ذلك. وبناء عليه أردت أن يكون ذلك وسيلة للتربية، تربية لجيل يكون أكثر حرية في نفسه وأكثر إقداما علي ذلك أيضا ويخرج علي المعتاد ويتجاوز ما نعتبره الاصالة،. وبين قوسين، إذا كنت أقول أشياء كثيرة ضد الاصالة فهي التي سميتها في كتابي المغرب والحسن الثاني أصالة الجلابة والكسكس.
ولذلك دلالات كبيرة جدا ؟
وليحكم علي من أراد وأنا لا أتحامل علي هذا أو ذاك، وكتبت ذلك والسلام.
والخطاب وصل
نعم وصل (مبتسما)
أعود إلي كتاب المغرب والحسن الثاني والتقديم الذي قدمتم به هذا الكتاب حيث أعلنتم أن همكم الاساسي من الكتاب هو فهم المرحلة قبل الكتابة عنها.
أنا قلت أن الظروف التي كانت دافعا لكتابة هذا الكتاب، هي ظروف خارجية. وقد رفضت أن أكتب كتابا يكون موجها للقارئ الاجنبي وأقدم فيه المغرب لمن لا يعرفه، وهذا النوع ـ علي العموم ـ من الكتابة لا أسير فيها. لكن بعد ذلك قلت مع نفسي : طيب أنت تعيش في المغرب وتقول أنك مغربي فماذا تعني بذلك؟ أنت فلان الفلاني لك كم سنة من البحث والتفكير، كتبت كذا وكذا، تقول المغرب ماذا تعني به؟
وبناء علي هذا بدأ التفكير في كتابة الكتاب، لكن المغرب هو المغرب الذي بين أيدينا، لكن هذا المغرب هو مغرب الاستقلال، مغرب الاستقلال من 1956، لكن عموما أغلب السنوات هي السنوات التي حكم فيها المغرب الحسن الثاني. فإذا سألت عن المغرب فهو المغرب الذي تركه لنا الحسن الثاني، إذا الكتاب ليس كتاب عن الحسن الثاني أو سياسته، لأنه ليست لي مؤهلات لذلك، لم أكن من الحاشية أو من الاقرباء، ولكن مادامت مهنتي هي مؤرخ أري المغرب الذي تركه لنا الحسن الثاني.
وهل كان هذا ما ينتظر منك؟
لكن الحسن الثاني هو أيضا ورث مغربا آخر، فبدأت من المغرب الذي ورثه الحسن الثاني إلي مغرب أورثه لنا الحسن الثاني، وكل النظرة وبحكم من المغرب كيف كان وكيف هو.
فإذا هو عمل أساسا تاريخي لكنك ستقولين لي تكلمت فيه كثيرا عن نفسك… لماذا؟ السبب أنني أود دائما أن أبين لماذا أقول ما أقوله، أي الظروف التي أقول فيها ما أقول. إذا القول ليس قولا في الهواء أي سأقول الحق مطلقا. لا. أقول ما رأيت أنا كشخص والشخص هو كذا وكذا في الظروف الفلانية، في الوقت الفلاني، في الحالة الفلانية. رأيت كذا، هذا ما رأيت أولا وهذا هو حكمي عليه.
ماذا عن زمن كتابة المغرب والحسن الثاني ؟
كتبت الكتاب في أواخر 2000 وبداية 2001، فلذلك عندما انتهيت من كتابته لم تعد لي رغبة في نشره. والسبب هو تغيير الجو العالمي، الذي كان له انعكاس علي المغرب. وبناء علي هذا أصبح الكتاب بسبب تغيير الظروف كتابا تاريخيا. يعني أن الاحكام التي كانت فيه مفتوحة علي أفق فسيح، هذا الافق الفسيح أقفل بسبب التطورات الخارجية.
نشر كتاب المغرب والحسن الثاني في زمن قريب من كتابة هذا الكتاب. ألا تري أن هذا الزمن هو زمن مرحلة دقيقة في تاريخ المغرب، وهو محطة أساسية لا في السياسة ولا في الثقـافة ولا في الحديث عن الاجواء الديمقراطية والحداثية وكما يتبادر إلي أذهان المثقفين والمفكرين بصفة عامة. ألم يكن لنشر وكتابة هذا الكتاب علاقة بهذا الجو الذي يسود مغرب محمد السادس؟
لا. لا صراحة أنا أقول لو كان لي الاختيار لما نشرت هذا الكتاب لكن وقع لي نوع من الضغط الاجتماعي وهو أنه بدأ الناس يتحدثون عن الكتاب بتفسيرات مختلفة ويوظفون ذلك من خلفياتهم وتفسيراتهم، مع أن الغرض لم يكن لا في هذا الاتجاه أو ذلك. الغرض وضحته وهو غرض وطني بالاساس، والهدف هو الاجابة عن ماهو هذا المغرب الذي نتكلم عنه، والذي ورثناه، ماهو وكيف نحكم عليه، وهل نحن راضين به أم لا. ولكن نفس الشيء هل كنا راضين به أم لا هل نستطيع تغييره، هل نريد أن نغيره بالفعل أم لا، هذه هي الاسئلة التي طرحتها، طرحتها علي نفسي قبل أن أطرحها علي الغير، أي أنا كمغربي إلي أي حد أريد أن أذهب، ربما أنا شخصيا كفرد أريد أن أذهب بعيدا ولكن لابد أن أري الواقع وهو ما يريده الاخرون، أما شخصي لا يهم. إذا أريد أن أري إلي أين يريد الآخرون أن يتململوا لأن من الناس من لا يريد حتي أن يتململ من حاله.
أنا لو كان لي الاختيار لما نشرت الكتاب، في الظروف الدولية الراهنة وليس الظروف المغربية. لكن تفاديا للاستغلال وافقت علي نشره بشرط واحد هو أن ينشر في بلد محايد أي بكندا أي بعيدا عن المحيط حتي تكون الامور واضحة.
وهو الآن موجود في المكتبات المغربية ؟
موجود وسيفسره كل وحد علي هواه، ولكن هذا هو..
ولكن هذا هو مغرب اليوم..
هذا هو مغرب اليوم.
الجميع يسأل بأرق كبير عن ظاهرة العنف او ما يطلق عليه الارهاب؟
ربما ستنصتين إلي جوابي وترين أنه جواب الحقيقي، وليس فيه أي تهرب من الواقع. الارهاب وليد وضع ثقافي، ولو غيرنا هذا الوضع الثقافي منذ ثلاثين سنة لما كان هذا الارهاب، لو غيرنا الوضع السياسي منذ ثلاثين سنة لما كان الارهاب، لا يمكن الحكم علي الارهاب فقط في حدود الراهن، أكنت معه أو ضده، لا يكفي أن أقول هذا خطأ كبير، ولا يكفي أن أقول هذا هو الحل الوحيد الذي وجده غير الراضين علي الضيم، كل هذا كلام فارغ لا علاقة له بذلك، ولا وزن له تاريخيا، لأن الوزن الوحيد هو أنك- وهنا الكاف موجهة لشخص ـ تركت لمدة ثلاثين سنة الكلام الطويل العريض عن فريضة الجهاد، دون أن يتصدر لهذا المشكل أشخاص لهم دراية ـ ليست دراية بالكتب الصفراء القديمة ـ ولكن دراية بالقانون الحديث، بالسوسيولوجيا وبالعلوم الحديثة وبالتاريخ ويفسرون ماهو المفهوم، كيف ظهر، ماهي الظروف التي دعت إلي هذا، ما معني الجهاد عند الفقهاء، عند المفكرين، عند وعند.. وهذا كله كلام كان مسكوتا عنه وتركنا الجو لأناس جهلاء. ليسوا جهلاء بما يكتبون لأنهم يرجعون إلي المراجع المعروفة، لكنهم لا يعرفون كيف يؤولونها في الظروف الحالية. والظروف الحالية في التاريخ الحديث، فيطبقون القديم علي الحديث، القديم يعرفونه فقط في الكتب، في واقعه التاريخي أو الحديث يجهلونه بالمرة. وبعد ذلك يتكلمون عن ضرورة الجهاد، أو دور الجهاد. لو وجدوا أمامهم أناس لهم دراية بالقديم والحديث، ويسفرون للجميع لماذا آل الوضع إلي ماهو عليه، لكن هذه عملية طويلة. فالان حينما تظهر النتيجة تقول “ما العمل ؟” العمل قلته منذ ثلاثين سنة، قلت لابد من إصلاح ثقافي والاصلاح الثقافي هو في المدرسة الاولية. ماذا يدرس الشباب والطالب وهو في عمره خمس سنوات أو سبع سنوات، أنا كان عندي ابني وأعرف ماذا يقال له لكن لا أحد أبدا كانت له الجرأة حتي في الاضطلاع عما يلقن للطفل
بوعي أو بدونه ؟
أنا أقول بدون وعي. عموما أنطلق من حسن النية (مبتسما)
هناك قضية أخري تحاصرنا، قصة العراق أو أزمة العراق؟
كتبت صفحات سنة 1981 و1991.. ماذا أقول الآن.. أقول المسؤولية مشتركة.
هذا وعيي كفرد، ولذلك لا أحكم علي أحد.
المسؤولية مشتركة بين من ومن؟
(يحاول أن يهرب من السؤال) مشتركة.. مشتركة؟
بين من ومن؟
مشتركة، مشتركة.. أنا قلت ذلك في كتاباتي، ذكرت أن خلال 1981، جاء عدد من المثقفين عند وزير الثقافة المغربي وكنت حاضرا وطلب مني أن أحكم علي الوضع في العراق آنذاك 1981 ـ راجعي ما قلته ـ فرفضت. إبداء رأيي وقلت بكل صراحة نحن مغاربة والمغرب بعيد عن الساحة، وهذا ليس سرا، هذا قلته وكررته ـ فلا يجب أن يطلب منا نحن المغاربة نعيش 3000 أو 4000 كلم بعيدا عن المشرق العربي، أن نشارك المشارقة في مشاكلهم، عاطفيا نشاركهم ولكن نحن بعيدون.
إذا نشارك من، نشارك افريقيا مثلا، أوروبا؟
أطلب أن نفكر في نقطة أساسية ويفكر فيها المفكرون المغاربة، فالمغرب جزيرة لا تري ولكن انظري إلي خريطة المغرب، وسترين أن المغرب جزيرة ويجب أن نستخرج من ذلك كل النتائج، قدرنا هو أننا جزيرة ويجب أن نتصرف كسكان جزيرة، جزيرة مطوقة.
مطوقة بالبحرين أو بماذا ؟!
لا أستطيع أن أتنكر لما كتبت… ومطوقة بمشاكلنا.
…………………………………………………………………………………
السبت 16 أغسطس/أيلول 2014 ميلادى – 19 شوال 1435 هجرى