المدن الرقمية تنقل مدنا عربية إلى مراحل متقدمة من التطور، والإنترنت تتحول من مجرد تكنولوجيا إلى أداة معمارية.

عن صحيفة العرب  [نُشر في 14/08/2014، العدد: 9648،

الرباط – “المدينة الذكية”، مصطلح جديد بدأ يظهر على صفحات الدراسات والتقارير التكنولوجية والتنموية المخصّصة لبحث واقع التطور في الدول العربية. ويضاف هذا المصطلح التقني إلى قائمة الإنجازات التي تعمل على تحقيقها المجتمعات العربية لتقدّم صورة مختلفة ومغايرة للجانب الآخر من المشهد العربي القاتم المليء بالصراعات وضعف التنمية والتراجع التقني.

الحديث عن مدن الذكاء بدأ يظهر منذ سنوات قليلة، ولم تكن دول عربية عديدة، وبالتحديد دولة الإمارات العربية المتحدة، بمعزل عن مواكبة هذا التطور الحاصل في المجال المعماري ومجال البنى التحتية. ومؤخرا انضم المغرب إلى قائمة الدول العربية المهتمة بهذه الصناعة التكنولوجية المتطورة. وتجلّى ذلك من خلال عقد القمة الدولية السنوية الأولى عن المدن الذكية في شمال أفريقيا في جامعة الأخوين في مدينة إفران المغربية (يوليو 2014).

الكاتبة والمدوّنة ميهرونيزا قيوم، واكبت هذه القمة، ورصدت فعالياتها ضمن تقرير صدر عن البنك الدولي بعنوان “المدن الذكية في شمال أفريقيا: حوار محلي حول توجه عالمي”. تحدّثت ميهرونيزا عن الاهتمام التي توليه الحكومة المغربية للطاقة الشمسية، باعتبارها طاقة ذكية تساعد على التوفير. وقالت الكاتبة في هذا السياق: فور عبورك مكتب الجمارك في مطار محمد الخامس الدولي بالدار البيضاء، تظهر أمامك لوحة رقمية تبيّن الكمية المستخدمة من الطاقة الشمسية والوفورات في الطاقة الناجمة عن إمداد المطار بالكهرباء المولدة عبر تكنولوجيا الكريستالات متعددة البلورات.

وقد يمثل ذلك مفاجأة سارة للسائح ما لم تُتح له فرصة رؤية التحسينات الأخرى في هذا المجال، مثل شبكة ترام الرباط. أما بالنسبة إلى المواطنين، فإن هذا قد يكون مُلهما لأن مصطلح “المدينة الذكية” يشير إلى بنية تحتية أفضل واستخدام للتكنولوجيا أكثر فعالية. ومع ذلك، فإن ما تتطلبه “المدينة الذكية” يبقى في أحيان كثيرة موضوع نقاش بين بلدان المغرب العربي وليس موضوع تنفيذ. وقد عجلت مثل هذه التحسينات في البنية التحتية، وكذلك التحديات الماثلة أمامها كإمدادات المياه والاختناقات المرورية، في عقد القمة الدولية السنوية الأولى عن المدن الذكية في شمال أفريقيا.

خلال القمة، وضع المنظمون تعريفا عمليا “للمدينة الذكية” من خلال تغطية أربعة محاور وهي:

1) التوسع الحضري

2) الاحتواء الرقمي

3) نظام الإدارة العامة

4) وسائل النقل

كان أحد أهم الأسئلة التي تم التطرق إليها خلال المؤتمر هو: كيف يمكن تعزيز التنمية في “مدينة ذكية” ريفية دون المساس بثقافتها المحلية؟ وقد تناول لويس زاشاريلا، المؤسس المشارك لمنتدى المجتمع الذكي، هذا السؤال قائلا: “احتفظ بهويتك لكن واكب تطور الأدوات والتقنيات الحديثة”.

وأضاف “لا ينبغي أن تسعى مدن بلدان المغرب العربي لأن تصبح كسيليكون فالي الأميركي، لأن تطوره ناجم عن عملية عضوية طبيعية وليس عن أمر أو قرار حكومي. وعلاوة على ذلك، فإن لكل منطقة جغرافية ميزات خاصة بها. فمدن دول المغرب العربي تتمتع بميزات قد لا تمتلكها أوروبا والصين. فعلى سبيل المثال، تعزيز الطاقة الشمسية في الصين لا يشكل خياراَ مجديا بسبب الضباب الدخاني الذي تعاني منه. أما بلدان المغرب العربي فليس لديها هذا التحدي -حتى الآن“.

التعريف الذي وضعه المنتدى للمدينة الذكية يشترط تمتع المدينة بما يلي:

– ضمان القدرة على الاتصال. فالإنترنت ليس مجرد تكنولوجيا، بل هو أداة أساسية للاشتمال الاجتماعي وللإنتاجية تماما مثل الكهرباء.

– القضاء على فكرة انعزال المدينة عن محيطها.

– استخدام المعرفة والبحث والإبداع والتعاون كأدوات للتنمية الاقتصادية.

قدم منتدى المجتمع الذكي للمغرب دعوة لاختيار مدينة سيجرى العمل لتحويلها إلى مدينة ذكية بحلول عام 2017. وسيكون من المثير للاهتمام معرفة ما إذا كان المغرب سيختار مدينة متوسطة الحجم أم مدينة رئيسية أم يستثمر موارد إضافية في إنشاء موقع جديد، مثل مدينة مصدر في الإمارات العربية المتحدة.

تصميم «المدينة الذكية»

خلال مناقشات المؤتمر، تشير ميهرونيزا قيوم إلى أنه تم معالجة العديد من القضايا الأخرى ومنها، سبل تصميم “المدينة الذكية” لكي تكون وسائل النقل فيها أكثر فعالية، ودرء خطر الاعتماد بشكل مفرط على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وكذلك تكاليف الصيانة التي تنتج عن تطوير البنية التحتية. وكانت هناك أيضا تحذيرات من أن بعض المدن في المنطقة مهددة بالتحول إلى مدينة تركز على التطور التكنولوجي وليس التنمية البشرية. وعلى حد تعبير المخطط الحضري المغربي حسن رادويني، فهناك فرق بين أن تصبح المدينة أكثر حداثة وأن تصبح “مدينة ذكية”. فالمدينة العصرية يمكن أن تطور ذاتها وفقاً لاحتياجات المجتمع المحلي

كما أن استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة فقط لا يؤهل المدينة لأن تكون “أكثر ذكاء”. وبحسب كارلو راتي، مدير “مختبرات مدينة الاستشعار ” في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، فإن تصميم “المدينة الذكية” يجب أن يستجيب لحاجات المواطن. كما أوضح راتي أن التحدي الأكبر هو كيفية إدخال تحسينات على المدينة عوضا عن البدء من نقطة الصفر. وبالنسبة إلى حالات بلدان المغرب العربي، يجب أن يستجيب تصميم ‘المدينة الذكية’ لتحديات الموارد المائية بطريقة منسقة كي تبقى مستدامة. فعلى سبيل المثال، يمكن للمغرب أن يدرس مشروع جناح المياه الرقمي، الذي يمد الساحات العامة بالمياه، ويعمل في نفس الوقت على تثقيف المواطنين بشأن استخدام المياه.

لم يبد جميع الحضور في القمة المغربية الدولية القدر نفسه من الحماس تجاه فكرة “المدينة الذكية”. فالبعض اعتبرها ضربا من الخيال التكنولوجي، أما البعض الآخر فقد أبدى اعتراضا بحجة أنها تحتاج أولا إلى تثقيف المواطنين وثانيا عليها تجنب توسيع الفجوة بين المناطق الريفية والمناطق الحضرية.

المدن البارعة

ظهر مصطلح «المدينة الذكية» أو «الرقمية»، خلال المؤتمر الأوروبي للمدينة الرقمية سنة 1994. وفي سنة 1996 دشّن الأوروبيّون «مشروع المدينة الرقمية الأوروبيّة» في عدد من المدن، ثم تبنّت السلطات الأوروبية بشكل أساسي مدينة أمستردام كمدينة رقمية تلتها مدينة هلسنكي.

توضح المهندسة ماريتسا فارجاس أن المدن الذكية الأوروبية هو مشروع مثير للاهتمام تم تنفيذه في 70 مدينة متوسطة الحجم في أوروبا في عام 2007 حيث تم ترتيبها بناء على الخصائص الستة للمدن الذكية. وكان الهدف من هذا المشروع هو القيام بتحديد نقاط القوة والضعف في كل من هذه المدن المتوسطة الحجم بحيث تصبح أكثر تنافسية من خلال تحقيق التنمية المحلية المناسبة للجميع.

تعرف الموسوعات ومراكز دراسات الأبحاث التكنولوجية “المدينة الذكية” بأنها مدينة “معرفة”، أو “مدينة رقمية”، أو “مدينة إيكولوجية”، تعتمد خدماتها على البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، مثل أنظمة مرور ذكية تدار آليا وخدمات إدارة الأمن المتطورة وأنظمة تسيير المباني واستخدام التشغيل الآلي في المكاتب والمنازل واستخدام عدادات للفوترة والتقارير.

وتفسر موسوعة ويكيبيديا مصطلح الذكاء المكاني للمدن بأنه يشير إلى العمليات المعلوماتية والإدراكية، مثل جمع المعلومات ومعالجتها والتنبيه الفوري والتنبؤ، والتعلم، والذكاء الجماعي، وحل المشكلات الموزعة بشكل تعاوني، الذي يميز المدن “الذكية” أو المدن “البارعة”. ويتيح مفهوم الذكاء توحيد المدينة الذكية والمدينة البارعة في ظل المجال المشترك للدراسة التي ترتكز على عمليات المعالجة التأسيسية. ويرمز التركيز على البعد “المكاني” إلى أن الفضاء والتكتل هما بمثابة شروط مسبقة لهذا النوع من الذكاء. ويشير المفهوم كذلك إلى زيادة انتشار واستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICTs) والبيئات المؤسسية من أجل التوصل إلى العلوم والابتكارات والبنية التحتية المادية للمدن لزيادة القدرة على حل المشكلات في المجتمع.

تبيّن الدراسات الحديثة أن 70 بالمئة من مدن العالم ستكون ذكية بحلول 2050، وتعد المدن الذكية المرتكزة على شبكات الإنترنت والحواسيب والنطاقات العريضة للتقنية مجالا خصبا للبحوث والاستثمارات، خاصة في منطقة الخليج لكونها تمتلك دعائم البدء في بنائها أهمها الإمكانات المادية والأراضي والمدن المخططة حديثا، إلا أنّ العقبات وأهمها الكوادر البشرية المتخصصة والشركات المهيأة لهذا النوع من المفهوم لا تزال في بداية الطريق.

ومع ذلك يؤكّد الخبراء أن البنية الرقمية لعدد كبير من الدول العربية التي تروم بناء مدن ذكية تسمح لها بتحقيق ذلك. وقد كشفت الإحصائيات أن 3.7 بالمئة من إجمالي مستخدمي الإنترنت حول العالم هم من منطقة الشرق الأوسط، في حين يستخدم 88 بالمئة من هؤلاء مواقع التواصل الاجتماعي يوميا. ويُعد موقع “فيسبوك” أكثر مواقع التواصل الاجتماعي شهرة في المنطقة، حيث يصل عدد مستخدميه إلى 58 مليون، يليه موقعي “تويتر” و”لينكد إن” بـحوالي 6.5 و 5.8 مليون مستخدم على التوالي.

لم تعد «المدن الذكية» ضربا من الخيال العلمي، بل أصبح لها وجود فعلي في عدة دول حول العالم لتخلق مدرسة عمرانية جديدة.

‫شاهد أيضًا‬

الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس يناقض أفكاره الخاصة عندما يتعلق الأمر بأحداث غزة * آصف بيات

(*) المقال منقول عن : مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية ألقى أحد الفلاسفة الأكثر…