عندما يكتب الفقيه أحمد الريسوني، لا تمر كتاباته بدون أثر، لا في أوساط من يشايعونه، بالرغم من مجافاته للرافضة، ولا من طرف من لا يشايعونه.
وما يثير في السي أحمد الريسوني، عادة، هو «فضيلة» المشيخة التي يحلو له ممارستها على القيمين على الشأن الديني.
وعادة من يتحدث باسم دكتاتورية البروليتاريا الدينية، هو أنه يحلم بقيام المساء(الثورة) الكبير وتأميم العقيدة. لهذا لا تخلو كتابات الشيخ من أوامر للذين يؤمنون أو الذين لايؤمنون.
في الواقع لا لوم عليه، فهو لم يخف أبدا نزوعه نحو إدراك الوصاية على من يهمه الأمر، بعد تعبيد السلوك العام للمؤمنين في بلاد المغرب الأقصى.
هناك وصفة جاهزة، وهي أن نعتبره امتدادا لحركة الإخوان، وبالتالي ممثل مجلس الوصاية الذي يرأسه الشيخ يوسف القرضاوي، المحتضن الرسمي لداعش الشعبية وكل موجات الربيع المزغب في بلاد العرب المسلمين، وغير العرب المسلمين (شرط ألا يكونوا من إيران)..
كان لا بد من هكذا تقديم حتى لا يدخل مكتوبنا في سجل الهجوم المدفوع الأجر على من يسعى إلى أجر الدنيا والآخرة ( ومن الجميل أن يكونا معا مضمونين بشيكات الشرق وصكوكه).
قرأت، كما قرأ الكثيرون، ولا شك، لائحة المحرمات التي نسبها إلى وزارة الأوقاف،
وهو اعتاد على «قرص» الوزارة، لأن وزارة المؤرخ الصوفي أحمد التوفيق لم تجبه ولو مرة واحدة، ولا أجابه المجلس العلمي الأعلى ، على لسان أحمد يسف في الدفاع عن جدواهما المؤسساتية، وهي عادة غير حليمة تعطي الانطباع أن الريسوني يستحق أستاذيته في مجال التقعير والتوبيخ وتصحيح السلوك الديني في المملكة.
ماذا كتب السيد الريسوني؟
كتب يقول إن الوزارة تتصرف ب«بوكو حرام»، بتطبيع لغوي يجعل من هذه الهيئة المتطرفة مجرد لعبة حديث تعني بوكو: الكثير بالفرنسية وحرام الممنوع الديني باللغة الفصحى.
والمحصلة أن التوفيق، على عكس القائد أبو بكر شيكو الذي يقود فصيل السنة المتطرفين في نيجيريا، يرأس وزارة بمحرمات لا تقطع الرؤوس ولا تسبي النساء، بل إن لائحة معاصيها هي أنها لا تتحدث في
-الفساد المالي والإداري الذي ينخر مؤسسات الدولة.
دون أن يخبرنا السيد الريسوني ما إذا كان عبد الإله بنكيران، رفيقه في درب المصباح يفعل ذلك، وماذا إذا كان يباركه هذه الجريمة، مادام لم يطرح تغيير هذا الوزير الذي لا يغير المنكر ولا يأمر بالمعروف.
وثاني المحظورات هو الخوض في الاستبداد السياسي و تزييف إرادة الشعوب، وهو محق، ولا شك ، اللهم إذا كان يعتبر أن صمته، وهو في السعودية، على غياب إرادة
الشعوب والاستبداد في قطر، من وصايا الأنبياء ومن تعاليم الشيح ابن تيمية.
– انتهاك حقوق الانسان على أيدي الأجهزة الأمنية والاستخباراتية والسجنية، بما فيها تلك التابعة لوزارة العدل إشرافا (لم يقل الشيخ شيئا عن وزارة العدل، بل هو من عندياتنا، لا كذبا ولا بهتانا).
– استشراء الرشوة والمحسوبية ( أتمنى إلا يكون يقطر الشمع على شيخه وخليفته الشيخ محمد الحمداوي الذي استغل أستاذيته على وزير في الحكومة ليحسب له توظيف ابنه في أحد الأبناك المغربية ).
ولا شك أن الرئيس المباشر للسيد التوفيق، الذي لا يتحدث في هذه الأمور، وهو السيد عبد الإله بنكيران، الذي اعتبر الشيخ حكومته في حوار سابق فتحا مبينا، وكاد يشبهه بدخول النبي عليه صلوات الله وسلامه إلى مكة يوم الفتح ..
– تقديم النقد لولاة الأمر: لم يعلمنا شيئا في هذا الباب إلا ما جاء من بعد «الفتح» وغياب سنوات الرصاص والعصف الماكول، ويصدق أن نسأل هل يستوي الذين جاهدوا قبل الفتح والذين جاهدوا من بعده، وهل يستطيع بنكيران أن يقدم النصح، قبل النقد حقا، لولي الأمر إذا كان يعرفه أحسن منا؟ خاصة وأنه ينصح الأزواج بإبقاء زوجاتهم في بيوتهم ( وهو ما اعتبره الشيخ الريسوني حديثا عفويا صادقا ..).
– الرد على الطاعنين في الإسلام ونبيه وشريعته: ومن باب الصدق، هل يرى المغرب مباحا للطاعنين واللاعنين و قوم مدين ونبي الله يونس: وماذا يقول هو في من فجروا قبر النبي يونس، وفجروا قبر النبي شيت، من أجل الدعوة والخلافة؟
– المنكرات المعربدة في الشوارع والشواطيء والفنادق والساحات العمومية: هل يعرف حقا أن البوليس المغربي يرافق كل ثنائي، حتى يكاد يدخل معه البيت؟ وهل البلاد كلها، بدون استنثاء، فضاءات للمنكرات المعربدة، من الشاطيء إلى الشاطيء؟
هل ملايين العائلات كلها منكرة ويحق عليها العذاب؟
-حكم تنظيم الانتخابات والاستفتاءات في أيام الجمعة: يا سلام، شاركت في الانتخابات لفائدة الأهل الصالحين منذ 1996، ولم تكشف أنها منكر يوم الجمعة إلا بعد أن تقدم العدالة والتنمية بمقترح تنظيمها يوم الأحد، كما لو أن يوم الأحد لا تقام فيه صلاة المسلمين، بل يذهب المغاربة الطاعنون في الإسلام وشريعته ونبيه والمعربدون وأصحاب الفواحش إلى .. الكنيسة الكبرى ليحضروا القداس!!!!
طبعا كان على المغرب الإسلامي أن ينظم الانتخابات في يوم الأربعاء مثلا، فهو يوم صلاة البوذيين وبالاستفتاء يوم الخميس، لأنه يوم صلاة .. الهندوس..
– التحدث عن الإعلام العمومي، ويقصد بذلك مساعدة وزير الاتصال على محاربته لدوزيم، بكل بساطة، وهو ما يعني أن على التوفيق أن يعلن صراحة أنه من وزراء العدالة والتنمية .. وأن الخطباء بدورهم عليهم أن يعلنوا ذلك.
طيب، ليكن؟
لماذا يتحدث الفقيه الآن؟
هل لأن هناك دورية لاقت الترحيب تمنع على الفقهاء والخطباء الخوض في السياسة السياسوية والإسلام الحزبي؟
أم هل لأن مشروع المغرب في تدبير الحقل الديني لم يعد في حاجة إلى الربط بين الدعوة والبرلمان ، كما أريد لنا منذ بداية الإسلام الحزبي؟
لا شك أن السياق يعطي كامل المعنى لكلام السيد الرئىس، وهو يكتب على مشارف المؤتمر الوطني لجمعية الإسلام التي يرأسها الحمداوي، والتي كان قد سبقه إليها، لولا رأي المرحوم الخطيب في القضية المعروفة ببلادة الريسوني في إمارة المؤمنين.
سيصعب على الحاضرين من أتباع الجمعية ألا يولوا كتاب الريسوني ما يستحقه من الانتباه، وهو ممثلهم في مؤتمر علماء المسلمين، ولا شك أن السيد رئيس الحكومة سيكون حاضرا، كما يحضر الزعماء السياسيون مؤتمرات «نقاباته» . مع الفارق طبعا، وعليه أن يرد بما يناسبه كرئيس لحكومة المغاربة كلهم، بمن فيهم أؤلائك الذين ينعتهم السيد الريسوني بالمعربدين والفاحشين في الفنادق والشواطىء والساحات العمومية (كذا!!)، وبمن فيهم الذين يشاركونه في حكومة لا تتحدث عن الاستبداد الذي تنعم في ظلاله كل السلطات الدستورية، والذين يسكتون معه على الفساد المالي ، والاستبداد السياسي، وانتهاك الحقوق واستشراء الرشوة..!
ليس هذا دفاعا عن التوفيق، ولا على يسف، ولا على الدولة الدينية على الطريقة المغربية، إنها تحذير إلى أن جدول الأعمال كما يراه الريسوني لا يخرج عن الدعوة إلى الانخراط الديني للائمة في حروب السياسة، كما يقودها هو وأتباعه .. والحق أن النموذج المغربي لا يحبه سوى الريسوني منذ بدأ. وهو نموذج استرعى الاهتمام دوليا وإسلاميا، وكانت قوة إغرائه تكبر من النموذج الذي شيعته ثورات الربيع العربي، الذي شجع على محيط متطرف ومتعصب وعدواني، في تونس ومصر والعراق وسوريا، ولم يعد يغري أحد باتباعه، ويريد له الريسوني أن ينتعش في المغرب.
كثيرون يؤدون صلواته ثم يتوجهون إلى البحر، وكثير منهم يعود منه لأداء الصلوات الباقية. كثيرون يحولون غرف الفنادق إلى أماكن للصلاة ويجوبون الشوارع بلباس عصري وهم يسبحون خفية بدون حضور الصحافة، كما يفعل البعض كبرا ورياء..
كثيرون من أبناء البلد الآمن ينددون بالاستبداد، وهم في فقرهم مرابضون ولا يعرفون الشرق الخليجي .. إلا ظنا!!
كثيرون يناصرون غزة ويناصرون القضايا العادلة، ولا يتحدثون عن ذلك ويتضرعون رلى الله: ربنا اجعل هذا مقبولا يا ربنا.
السيد الريسوني: ماذا تقول في ذبح النصارى في العراق؟
وفي سوريا، هم الذين آووا النبي وأصحاب الهجرة في الحبشة وفي لندن الحديثة؟
ماذا تقول في تفجير قبور الأنبياء من قبل الخلافة في العراق؟
ماذا تقول في أموال الدويلات البترولية ودعمها للاقتتالات الداخلية وقتل الفقهاء والدعاة وخطباء المساجد وقتل الشيعة واليزيديين ؟
ماذا تقول في من يسفه أحلام المؤمنين البسطاء لأنهم لا هم في جمعيته ولا هم في حزبه؟
ما قولك في من يفضل الزبونية مع أهله ويترك «الرعايا كأهل الذمة»؟
ما قولك في من يدخل البرلمان بالأغلبية، في ضربة نرد طارئة ويسب البرلمانات.. فسر لنا كيف تأتي الأغلبية في هذا الزمن، في ضربة حظ تونسية ومصرية ويمنية .. وفسر لنا، وقل من يسب أمريكا في غزة ويعانقها في .. الربيع ؟