مرة أخرى هرب السفير المغربي من دولة ثورة 17 فبراير، إثر بوادر الإعلان عن ثورة تصحيحية في بلد الذهب الأسود والثورات المنهوبة بأيادي متعددة سجل التاريخ محركي لعبتها الكبرى باسم الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
وهرب السفير بعدما هرب زميله في المهمة سابقا إبان بوادر علت في الأفق لإسقاط دولة ثورة 1969 . لم يكن هروب السفيرين أو مغادرتهما نتيجة قرار ناتج عن اجتماع في مقر الدبلوماسية المغربية بوزارة الخارجية، بل كان قرارا فرديا من أجل الحفاظ على حياتهما الشخصية وحياة زوجتيهما المتمسكتين بالكعب العالي، بدليل أن أرجلهن لم تطأ الحفر التي أحدثتها ثورة انتهت بتخريب بلد بكامله بعدما نهب خدام الدوائر الإخوانية ميزانية الإصلاح المخطط فقط في خرائط لا تهم طرابلس العاصمة، ولا المدن المجاورة، لكنها تهم مخططا آخر لا يعرف الحدود الوطنية، بل يهم دائرة إخوانية تؤسس معالمها الكبرى في اجتماعات إسطنبول السرية، وهو المخطط الذي لا يستبعد بلادي من مناورات الإخوان.
هرب السفير من نفس المقر من سفارتنا بطرابلس، لم يفكر في كل المغاربة الذين حجوا مرة أخرى إلى دولة الإخوان، بعدما عاد من عاد وبقي من بقي ومات من مات في جماهيرية الخضر. لم يتسن للسفير حتى احتساب العدد الوافد والمغادر، بدا محبا لحياته الخاصة جدا، لم يتحمل الدم السائل في الأزقة والممرات وفي البيوت، ولا الرصاص المدسوس في الصدور بالرشاشات والمسدسات الكاتمة، لم يسأل إن كان أحد مواطني ومواطنات بلادي من هؤلاء، لم يضع أصبعه على الدم السائل ليشتم رائحته، لم يضع راية بلادي على أجساد المغتالين، هؤلاء الفارين من الفقر والجوع، الباحثين عن الخبز والشاي وعن الستر و خط الائتمان من أجل حياة لا يمدون فيها أياديهم للمارة، ولم يفكر السفير في القسم الذي أداه أمام ملك البلاد ، وهو القسم الذي أعتقد أن كل موطني بلادي يحفظونه، لأنه قسم يذاع على كافة القنوات الوطنية عشية استلام أوراق الاعتماد المصحوبة بامتيازات كبيرة جدا أسالت لعاب المتسابقين على السفارات عبر آليات الضغط من مختلف الواجهات، وهي الآليات التي نعي جيدا تجارها وزبناءها، لكن موضوعها لا يهمنا في الوضع الراهن الذي نرفع صوتنا فيه لتحميل مسؤولية خيانة القسم باسم الخوف من الموت العابر في المكاتب المكيفة جدا والتي تصلها اليوم الصواريخ التائهة في البحث عن هدف غير محدد.
هو هروب نبهنا إليه في كتابات سابقة، ونسجل فيه اليوم احتجاجنا بعدما ترك مغاربة ليبيا عرضة لموجات الغضب المسلح في الشارع الليبي، وحدهم حاملين همومهم وأكفانهم فوق ظهورهم، سائلين في الهواتف المعلنة عن سفير اختار ذاته في زمن دستور ينص على المسؤولية و المحاسبة، وقال بهروبه: “أن لا وطن ولا مواطنة و لا قسم فوق قناعتي بضرورة استباق الزمن للدفاع عن الحياة الخاصة”، لقد اكتفى السفير الهارب من دولة الإخوان أن يوظف المعلومة التي وصلته باقتراب ساعة الصفر في ليبيا، لصالحه، ناسيا أنه ترك مواطني بلادي وراءه يعانون في البلد الذي كلف فيه بأن يكون سفيرا للمغرب والمغاربة هناك وأن ذاته هي جزء لا يتجزأ من ذات جماعية رافعة للراية الحمراء بالنجمة الخضراء وذلك هو مربط الفرس.
فر السفير، لا نعرف إن كان بنكيران يعلم ذلك، بناء على أن رئيسنا في الحكومة يشتكي دائما من وجود عفاريت وتماسيح في حكومته كما يعلن ذلك للملأ عبر أجنحته السياسية والدعوية و الإعلامية والمنفلتة منها صوب دولة داعش للجهاد، أن هناك دولة عميقة تعرقل مساعيه التي لا يمكن التعبير عنها إلا بالقول أنها مساعي لأخونة المغرب بالمسكنة مرة والترغيب والترهيب بمفهوم الاستقرار مرة أخرى، وهو الأسلوب الذي لم يعد غرباله يخفي شمس الحقيقة المرة التي لا يمكن التعبير عنها إلا بما جاء في الخطاب الأخير لملك البلاد.
فر السفير ووحده المواطن “م-ك” ظل هناك حاملا سلاحه لحماية مقر الدبلوماسية المغربية ، لم يستعمل سلاحه، لكن استعمل ذكاءه في الحوار مع كل الأطراف، حتى أصبح ” م- ك” يقوم بكل المهام ناسيا المهمة المحددة له ، مدافعا عن راية البلاد وعن خيط الدبلوماسية كي لا ينقطع في الغياب المفضوح للإدارة الخارجية في حكومة أنصار رابعة مرسي الساعية لتوسيع رقعة الدوائر العالمية للإخوان. فاللهم اشهد إني قد بلغت.