بقلم /د.عدنان عويّد
أنا من الذين يؤمنون بعقلية المؤامرة, وهذا رأيي, مع إيماني طبعاً بأن حوادث التاريخ لا تسير بشكل عفوي, أو بقدرة قادر, وإنما تتحكم فيها قوانين موضوعية وذاتية مستقلة في الغالب عن إرادة الإنسان, إلا أنها محكومة بدورها أيضا في طبيعة حركتها, بإرادة أو فعل إنساني. وفي هذه الإرادة وهذا الفعل في النشاط السياسي بشكل خاص, وما يرتبط بهذا النشاط من مصالح لقوى اجتماعية وطبقية محددة, – هي في الغالب صاحبة قرار-, يكمن فعل المؤامرة والخيانة لقوانين التاريخ الموضوعية والذاتية من جهة, وللأخلاق الايجابية التي تهم مصالح الإنسان بشكل عام من جهة أخرى.
إن حوادث التاريخ التي تشير إلى فعل المؤامرة كثيرة, بحيث تظهر الوثائق والأدلة التي تُكشف فيما بعد, أن الكثير من الحوادث التي مرت على التاريخ كنا نتعامل معها وفقاً لمعلومات محددة, يتبين لنا فيما بعد أن هذه المعلومات غير حقيقية. وأن أسباب ظهور هذا الحادث أو ذاك هو أمر آخر. وخير مثال على ذلك حوادث 11/أيلول عام 2000 .
أعود هنا لمذكرات “كلينتون” وما تطرقت له فيها عن قضية الاتفاق الذي تم مع إخوان مصر (السيسي) حول إقامة الدولة الإسلامية في سيناء وغزة.
أنا أعتقد إن لم أقل ” أجزم” بأن السيد “أوباما” لم يتخل عن عقيدته الإسلامية في داخله, وإنما ظل متمسكاً بها, ولكن شهوة السلطة لديه وطبيعة المجتمع الذي تربى فيه, وبحكم دين والدته المسيحي, أشهر ديانته المسيحية التي سهلت له طريق ارتقاء سلم السياسة في الولايات المتحدة الأمريكية. بيد أن انتماءه للدين الإسلامي تجلى بشكل عفوي عند زيارة الملك “عبد الله بن سعود” إلى أمريكا, فعند مقابلته الملك عبد الله قبل اوباما يده, وذلك من باب شعوره أنه يقبل يد أجلّ شخصية دينية في العالم العربي وهو ” (حامي الحرمين الشريفين). وهذا التصرف له في التحليل النفسي دلالات عميقة, لم تخف على السياسيين والإعلام في أمريكا , حيث انتقد في تصرفه هذا وقال بعضهم يومها : (إن أوباما لم يتخل عن إسلاميته).
إن الكيان الصهيوني وعناصر موساده ولوبيه في أمريكا ليسوا أغبياء, فهم يتابعون ويراقبون تصرفات وسلوكيات وعلاقات الرئيس الأمريكي, لذلك هم أدركوا أنه لم يتخل عن دين أبائه, ولا نستبعد أن كلينتون ذاتها التي زوجت ابنتها الوحيدة ليهودي, تعرف الكثير عن نمط تفكير شخصية سيد البيت الأبيض وهذا ما جعلها تتخلى عن منصب وزير الخارجية بعد فوز اوباما, كونها تدرك خطورة اللعبة التي يمارسها سيد البيت البيض. لذلك قبل ترشيح أوباما للدورة الرئاسية الثانية, حاول اليهود إرباك اوباما وإحراجه بشأن عرض الفيلم المسيئ للرسول (محمد). وقد أحرجه فعلاً لولا أن ألعالم الغربي والأمريكي يكره اليهود وبالتالي لم تستطع هذه المؤامرة أن تؤثر على ترشحه ثم عودة انتخابه.
ما أريد الوصول إليه هنا من خلال هذا العرض. هو: لقد جرى هناك اتفاق سري على ما يبدو بين أمير قطر وأردوغان راعيا الإخوان والمشروع الإسلامي بخلافته العتيدة من جهة, و أوباما المسلم ضمناً من جهة أخرى, على ضرورة دعم القوى الإسلامية في الساحة العربية بشكل خاص, وقد استغل كلاهما ما سمي بثورات الربيع العربي التي ابتدأت عفوية في تونس, وحُركت بدعم غير محدود من قبل قطر وتركيا وأمريكا بشكل غير محدود فيما بعد في بقية الدول العربية التي تم فيها الحراك. والملفت للنظر أن معظم دول الخليج راحت تقدم الدعم لهذه (الثورات) في بداية الأمر, ولكن بعضها راح يلمس خطورتها عليه وبخاصة خطر (الإخوان), فراحوا يعملون بالسر والعلانية ضد هذا التيار مثل السعودية والإمارات. الأمر الذي دفع السعودية والإمارات إلى إعلان الخلاف مع قطر الداعمة للإخوان, ثم دعم ثورة 30 مايو ضد الإخوان, كما راحت السعودية تظهر تنسيقاً مكشوفاً مع الكيان الصهيوني الذي يعرف بدوره خطورة اللعب على الوتر الديني وبخاصة ألإخواني. أما تنظيم القاعدة فلا إشكال عليه كونه تنظيم محضور عالمياً, ويمكن محاصرته والقضاء عليه من قبلهم في الوقت الذي يريدون, ولكن لا بأس أن يستغلوه اليوم كلهم لضرب محور المقاومة وكسر ظهر إيران في المنطقة عبر القضاء على الحكومات والقوى الصديقة لها في سورية ولبنان والعراق.
إذاً, هناك تنسيق واتفاق مابين أوباما وقطر وتركيا لإقامة مشروع الخلافة الإسلامية, وهذه المسألة أفسدها في الحقيقة ثورة 30 تموز العلمانية في مصر أولاً, ثم دعم القاعدة وفصائلها ثانياً, الذين أعلنوا أيضا خلافاتهم الإسلامية التي راح مشروعها يخيف كل من عمل على دعمها عربياً وإقليماً ودوليا, مع تأكيدي بأن هذه الدول ستدفع الثمن غالياً لتصرفها الأحمق هذا, كون قيام مشروع هذا الدولة من المحال, وأن الجيش السوري والعراقي واللبناني في المشرق العربي لها بالمرصاد, وهذا سيدفع الكثير من عناصر داعش والنصرة إلى الهروب باتجاه تركيا الأردن والسعودية, وأعتقد أن الأيام القادمة ستؤكد ذلك.
عموماً نقول : لقد فشل مشروع قطر وأردوغان وأوباما في إقامة مشروع الدولة الإخوانية لسببين أساسيين هما :
الأول: إن كل الأطراف المعنية لم تقرأ تاريخ المنطقة العربية قراءة محايدة وعقلانية, لا في بنيتها الاجتماعية ولا السياسية ولا الدينية.
الثاني: إن أوباما لا يعرف شيئاً في الحقيقة عن طبيعة الدين الإسلامي نفسه, ولا عن تركيبته الطائفية وصراعاتها التاريخية وامتداداتها, وتأثير هذه الصراعات الطائفية على طبيعة الأنظمة السياسية الحاكمة, وبالتالي هو دخل هذه اللعبة وتحرك بعاطفته أكثر من عقله, وهذا شأن الكثير من المسلمين أو الذين يتبنون الدين الإسلامي من غير العرب, علماً أن الكثير حتى من المثقفين العرب يجهلون طبيعة الدين الإسلامي في تياراته ومدارسه الفقهية والمذهبية وكيف يستغل الدين كأجندة سياسية خدمة لمصالح القوى السياسية, والحركة الوهابية خير مثال على ذلك.
كاتب وباحث من سورية/ د. عدنان عويد
لنشرة المحرر
4 غشت 2014