نهج عملي لأخلاقيات الصحافة

عن موقع الخارجية الامريكية

لقد غيّر العصر الرقمي الكيفية التي تُصاغ بها المادة الصحفية وتوزّع. ومع كثرة الهواتف الجوّالة وغيرها من الأجهزة المتنقلة، الموجودة في كل مكان، والتي تستطيع ربط المستخدم بالإنترنت، أصبحت الخطوط بين مستخدم المحتوى ومبتكر هذا المحتوى مشوّشة، وفي بعض الأحيان معدومة. ومع تزايد أعداد وأنواع مصادر المحتوى يومًا بعد يوم، تزداد في الوقت ذاته احتمالات تلقّي المواطنين معلومات محرّفة ومشوّهة أو غير نزيهة، ثم التصرف على أساس تلك المعلومات.

وفي ظلّ هذه البيئة، يحتاج المواطنون إلى صحافة دقيقة وذات مصداقية لكي يتفهموا أحوال مجتمعاتهم والعالم الأوسع، ولكي يتخذوا القرارات الواعية التي تتعلق بمجتمعهم المدني. ويلتزم الصحفيون بمعايير أخلاقية تضمن أن عملهم يلبّي قيم الحقيقة والشفافية وروح المجتمع. وبقيامهم بذلك، يكسب الصحفيون، كل بمفرده، والمنظمات التي تنشر أعمالهم، ثقة الجمهور بكفاءتهم ونزاهتهم. ولكن كيف يلتزم الصحفي بأعلى المعايير الأخلاقية؟

إن الصحفيين في كل مكان يتمسّكون بالمعايير الأخلاقية بتبيانهم المبادئ التي تجسّد القيم الجوهرية للصحافة، والتي تشمل عادة الأمور التالية:

  • السعي وراء الحقيقة وتغطيتها على أكمل وجه ممكن.

  • محاسبة ذوي النفوذ والسلطة.

  • إفساح المجال أمام المستضعفين لإبداء مواقفهم.

  • التحلّي بالشفافية في ممارساتهم الصحفية.

  • التحلّي بالنزاهة والالتزام بالتغطية الشاملة في كتابة تقاريرهم.

  • تجنّب الانغماس قدر الإمكان في ممارسات تنطوي على تضارب المصالح، وكشف الولاءات المتنافسة.

  • النأي عن الأذى بأقصى ما يمكن، لا سيما تجاه المستضعفين.

  • التمسك بالاستقلالية عن كل من يستخدم نفوذه لتشويه الحقيقة من أجل خدمة مخططاته الخاصة.

  • إبقاء الولاء للمواطنين الذين تخدمهم فوق كل المصالح الأخرى.

  • التحلّي باليقظة والانضباط في محاولتك التحقق من صحة المعلومات.

  • إيجاد منتدى للجمهور للمناقشة والنقد.

ولئن كان المقصود بهذه القائمة أن تكون مثالا للمبادئ الجوهرية، إلا أنها ليست قائمة شاملة وكاملة. ولذا ينبغي على كل غرفة أخبار وكل رابطة صحفية أن تحدّد قائمة مبادئها الخاصة التي تصبح النقاط المرشدة لمهمتها وممارساتها الصحفية. وبعد أن يصوغ الصحفي هذه المبادئ الجوهرية، فإن التوصل إلى اختيارات أخلاقية سليمة يتطلب روح القيادة والتفكير النقدي الحاسم وطرح الأسئلة وتحديد البدائل العديدة لكل وضع معين، وبالتالي اختيار البديل الذي يخدم على الوجه الأمثل هدف الصحفي أو الصحفية.

على سبيل المثال، كثير من الصحفيين يعتمدون على مصادر تُحجب أسماؤها لمعرفة ما يجري ويحدث في تعاملات الحكومة. لنفترض أن مصدرًا ما اتصل بك وأبلغك أن سياسيًا منتخبًا يقبض رشاوى من شركة محلية مقابل تمرير عقود حكومية مربحة لتلك الشركة. حينذاك يشرع الصحفي وزملاؤه في طرح أسئلة على النحو التالي:

  • ما هو هدفنا الصحفي من وراء متابعة هذه المعلومة؟ وكيف تخدم هذه المعلومة المواطنين؟

  • ما الذي يدفع هذا المصدر إلى الإفشاء بالمعلومة وكشف مثل هذا الفساد؟

  • هل هناك أي وثائق متاحة للجمهور قد تعزّز هذا الزعم؟

  • هل يستطيع المصدر الوصول إلى أي من هذه الوثائق أو أدلّة أخرى؟

  • كيف يجب أن نصف طبيعة هذا المصدر وطريقة معرفته بالخبر؟ ولماذا يجب علينا إبقاء هوية المصدر سرًّا لا يعرفه جمهور قرائنا أو مستمعينا؟

  • أين يمكننا إيجاد مصادر أخرى تعزّز صحة المعلومة؟ وهل يمكن تسمية هذه المصادر؟

  • ما هي التقارير الأخرى التي يجب إعدادها لكي نضمن تغطية صحفية شاملة ومتوازنة؟

  • إذا اعتمدنا على هذا المصدر، ما الذي ينبغي علينا أن نفعله لحمايته من الأذى؟

مثل هذه الأسئلة لا تستبعد إيجاد أفضل الممارسات تجاه المصادر المجهولة. والواقع أن بعض غرف الأخبار تضع خطوطًا إرشادية تعزّز الصحافة الأخلاقية مثل:

  • بوجه عام، يجب تحديد المصادر بالاسم.

  • إن إبقاء المصدر هوية مجهولة يشكل تحدّيًا لمصداقيتنا، وبالتالي يتم اللجوء إلى ذلك في حالات نادرة ولأخبار بالغة الأهمية فقط.

  • إذا قررنا نشر معلومة من مصدر يحجب اسمه، ينبغي علينا أن نعزّز مصداقيتها من مصدرين آخرين.

ولا يخفى أن مثل هذه الإرشادات مفيدة للغاية. ولكن بما أن الإرشادات لا تنفع لكل حالة ممكنة، فإنها يجب أن تكون مكمّلة وليس بديلا عن التفكير النقدي الحاسم والضروري لاتخاذ قرار أخلاقي سليم.

ومن بين السيناريوهات الأخرى التي يواجهها الصحفيون المعاصرون مسألة التعاطي مع معلومة بثّت في سوق الأفكار ربما عن طريق وسائل الإعلام الاجتماعية دون التحقق من صحتها. وقد يأتي ذلك في صيغة نص أو فيديو أو صورة مثيرة للجدل من هاتف جوّال، أو وثيقة تزعم اكتشاف حالة من الفساد، أو رواية صدّقها بعض الناس. حينما يناقش مواطنو مجتمع ما على نطاق واسع معلومة لم يتم إثباتها أو التحقق من صحتها، فإن على الصحفيين أن يبادروا إلى تقديم الإيضاحات. في هذه الحالة، قد تسأل:

  • ما الذي يمكننا أن نفعله للتحقّق من صحة المعلومة أو دحضها وتفنيدها؟

  • كيف يمكننا الكشف عن مزيد من الحقائق أو المضمون لتحسين تفهّم الجمهور للمعلومة؟

  • ما هو واجبنا لتصحيح المعلومات المغلوطة التي ينشرها الآخرون؟

  • إذا تطرّقنا لهذه المعلومة، كيف نوضّح ثقتنا أو عدم ثقتنا بصحتها؟

  • وبالنسبة لأي صحفي، فإن الثقة والكفاءة لا تنبعان من معرفة جميع الأجوبة، إنما من الفهم الجلي للقيم والأخلاقيات الصحفية، مشفوعًا بالملكة الفكرية القادرة على طرح الأسئلة الوجيهة التي تميط اللثام عن حلول بديلة ومسارات جديدة تصل إلى كبد الحقيقة.

——————-

كلي ماكبرايد هي عضو رفيع المستوى في كلية دراسات القيم الأخلاقية بمعهد بوينتر، وهو مركز أكاديمي مكرّس لتعليم وتحفيز الصحفيين والقادة

==============

عن موقع الخارجية الامريكية

2 غشت 2014

‫شاهد أيضًا‬

عندما توسط الحسن الثاني بين شاه إيران والخميني * عمر لبشيريت

يحكي عبداللطيف الفيلالي رحمه الله، وزير الخارجية والوزير الأول الأسبق، أن اتصالات المغرب ب…