مصطفى المتوكل
تارودانت ..الاربعاء 20مارس 2013
عرف المغرب حراكا شعبيا وجماهيريا نضاليا منذ الاستقلال امتد لعقود جعل الحاكمين يعترفون بالاسم الذي اطلقه معارضوا الوضع والسياسة العامة المنتهجة اي “سنوات الجمر والرصاص” …كما عرف حراكانضاليا مطلبيا جماهيريا اطلق عليه 20 فبراير …
فاذا كانت دول تونس ومصر وليبيا واليمن قد عرفت قلبا في الانظمة وسعيا لبناء انظمة جديدة لم تتضح بعد معالمها بالقدر الذي يجعلنا ندرك انها تتجه نحو بناء الدول الوطنية الديموقراطية التي يحتكم فيها للشعب في الاختيار والتدبير الوضعي لاموره المادية والادارية والمؤسساتية …فان المغرب شكل استثناء في النتائج اعتبارا لان العاهل المغربي كان مسايرا في خطابه وتوجهاته لنبض الشارع منذ نهاية اواسط التسعينات بتبني ملاحظاته وانتقاداته وطموحه في التغيير والقطع مع الماضي وسلبياته …وهنا نطرح الاشكالات التي تهمنا والتي تبين ان النتائج التي بدات في التجلي والتشكل انطلاقا من “تدبير “سنة لاتشجع اجمالا على التفاؤل والاطمئنان الى السير وفق مراد الجماهير الشعبية التواقة للحرية البناءة والسياسات الحكيمة والتدبير الامثل للقضايا الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية و….
….فهل الحراك الاجتماعي الجماهيري الذي شهدته بلادنا وادى الى اصلاحات دستورية وانتخابات برلمانية سابقة لاوانها وتشكيل حكومة جديدةبتحالف يخول للحزب الحاكم الذي يسمي نفسه اسلاميا – وكان باقي الاحزاب المغربية غير ذلك – سار وفق الانتظارات الفعلية ؟؟
و هل ذلك الحزب افرز حكومة تفكر بناء على شعارات ومطالب الراي العام الذي استجاب الملك لمطالبه العامة ؟ ام ان ما وقع ما هو الا انقلاب على الامة بكل مكوناتها وتاريخها بهدف اجتثاث كل الماضي النضالي الوطني التقدمي والثوري لشعبنا والعمل الحثيث لزرع وتمرير وترسيخ فكر احادي اقصائي يرتدي الديموقراطية ” تقية” للانقضاض والاجهاز عليها بعد ” اجتثاث” الديموقراطيين وحماة وبناة الحرية والعدالة وحقوق الانسان ببلادنا …؟
فكر احادي يعلن نفسه في اكثر من موقع وخطاب وسياسة وممارسة ” مدعما” نفسه بمحاولات احتكار و” تحفيظ” الحقل الديني وقيمه….. ومن ثم اقحامه في جلباب سياسي معين ..وجعل كل الخارجين عن الجلباب ونطاقه بالمغرب كله مجرد مارقين وعصاة وغير ملتزمين …ولم لا احيانا التلويح والتلميح بالتكفير ..وكاننا بهذا المشهد العجائبي امام اقتباس غير سليم وتعسفي يسقط فلسفة الخوارج والصفويين على المخالف حتى ولو كان اتقى منهم ..وكاننا بهم يريدون ان يجعلوا الشعب في جبتهم حتى يثبث عندهم قول الحلاج ” ما في الجبة الا هم” ؟؟؟
ان الجميع اصبح يسجل بالمشهد السياسي الرسمي ببلادنا استعمال خطابات شعبوية بقاموس حيواني اتهامي لايمكن علميا وادبيا جعله من جنس مؤلف كليلة ودمنة لانه لاقياس مع عدم وجود اي شبه او كما يقال مع وجود الفارق … كلام يتردى بنضج الخطاب السياسي المنتظر حصوله كنتيجة طبيعية للحراك نحو قعر الله اعلم بقراره ؟؟
فكل المتتبعين اصبحوا يسجلون ان الحكومة تسير باربعة ارجل تاثرا باعتمادها لاسماء الحيوانات في توصيف الواقع وكاننا بهم امام حكم ديكتاتوري يتخوفون منه في تسمياتهم للفساد والمفسدين فانتهجوا ما انتهجوه للفرار بجلدهم تاويلا كلما اشتد عليهم الضغط بانهم لايقصدون كذا وكذا بقدر ما يقصدون كيت وكيت ….
فحكومة ما بعد الحراك مرة تتحدث من موقع الحاكمة والمدبرة والمتصرفة في امور العامة وشؤونهم والتي وعدت انتخابيا وتعد بالجنة الدنيوية كما يصفونها في
كلماتهم وتصاريحهم …..ومرة حينما تقتضي مصالحها الضيقة ذلك تتحدث وكانها في المعارضة تهاجم كل شيئ ما عداها هي فمرة تمتد طلقاتها نحو المحيط
الملكي … ومرة اخرى للمؤسسة التشريعية واخرى للاحزاب والمجتمع المدني ومرات للطبقة العاملة وعموم الموظفين وكل من يتظاهر او يطالب بحق من
الحقوق او يدافع عن مكسب من المكتسبات ……..ومرات يتحدثون الينا بشكل مباشر او عبر مؤسساتهم الحزبية والدعوية وكانهم هم الرجل الثانية في قضايا
امارة المومنين والحقل الديني ……
ان ما يحصل ببلادنا هو انقلاب على الاصلاح والتغيير والديموقراطية الحقة …انهم يريدون ممارسة الوصاية القهرية والهيمنة القسرية على الناس …فان قلت لهم لا او حذار او اتقوا الله ..يقولون من مواقعهم المتعددة والسنتهم المتنوعة ..اما انك ضد التغيير او انك من التماسيح والخفافيش او انك من الخارجين على اجماع الامة او انك ؟؟؟؟انهم” يضعون” انفسهم على المحجة البيضاء وان غيرهم على ” ضلال” و” زيغ” ………….وهذا وجه من وجوه محاكم التفتيش التي تريد التقدم بخطى ظاهرها الصلاح وباطنها التحكم في كل شيئ ………….
ولنتامل سياسات الفكر الاحادي التي تتسرب بتدرج سياتي على الاخضر واليابس التي لاشك ان المتتبعين للشان السياسي الرسمي يدركون بقوة كل تفاصيلة وحيثياته …
فما الذي تريده الحكومة مما اسمته مخططا تشريعيا وفق ما تدعي ؟
هل تكبيل المعارضة وتعطيل عدة مواد من الدستور واغلاق ابواب القوة الاقتراحية على الاخرين واخضاع الجميع لما تريده هي لتحقيق سياساتها المبيتة والمعلنة ؟
انها تدعي تطبيق بعض بنود الدستور ..لكنها في نفس الوقس تسكت على الوجه الاخر لمنهجية وفلسفة التشريع انطلاقا من نفس الدستور ؟
انها لم تشرك حتى الاحزاب المشكلة للاغلبية وبالاحرى احزاب المعارضة والمنظمات الحقوقية و….؟
ان هذه الحكومة بحزبها الرئيسي كانت تقيم الدنيا ولاتقعدها بالامس القريب بخوض اضرابات لاتعد ولاتحصى في جميع القطاعات …قامت بعيد اعتلائها ظهر الديموقراطية باسقاط الديموقراطية نفسها واهم مرتكزاتها الحق في الاضراب بتوصيف كاد يجعل المضربين اناس خارجين عن النظام العام يواجهون بالتضييق والتهديد والاقتطاعات وما يترتب عليه الامر في “حالة العود ” وفقا لقانون الوظيفة العمومية ..؟؟فكيف سيدافع العمال والموظفون عن حقوقهم ومكتسباتهم وكيف سينتزعون حقوقا جديدة؟؟ ومن سيحميهم من الظلم والتعسف والطرد والتسريح …؟ بل ان قرار حكومة الفكر الاحادي هو ان لاصوت الا صوت الحكومة والمشغل وما دونهما فهو باطل ؟؟
ان هذه الحكومة تسعى الى صبغ كل المجالات العامة بخاصيتها المذهبية السياسية وليس ابراز اجتهادها الوضعي في تدبير ومعالجة الاكراهات والانتظارات والاستجابة لجملة من مطالب الشارع المغربي المتنوع …
ان هذه الحكومة تعد وتهدد الجميع بكل شيئ ..تعد وتتوعد بالنزول للشارع والخطاب هنا لانعلم بدقة لمن هو موجه ؟ هل يقصدون الشارع الحكومي في مواجهة شارع 20 فبراير والشارع الوطني والتقدمي والنقايي والجمعوي ؟… اي هل تهدد بفتنة كبرى ؟… ام انها تتوجه بخطابها الى ملك المغرب وامير المؤمنين الذي يعتبر المعني باحوال الامة ووحدتها وامارتها وسيادتها وفق مقتضيات دستور المغرب ؟؟؟
ان هذه الحكومة تدعو للحوار علنا.. وتغلق ابوابه وتقصي القوى الحية وتتبعهم بانتقاداتها واتهاماتها الممنهجة ..وهذا ما سجله الجميع في كل ما سمي “تشكيل لجن ؟؟” تعلق الامر بالعدالة او بالمراة والطفولة او …..
ان هذه الحكومة تتحمل مسؤولية كبرى تجاه كل الانزلاقات والتحريفات التي يعرفها الواقع والمشهد السياسي والحقوقي والاجتماعي والاقتصادي …والواقع الذي توجد بلادنا به في هذه الظرفية الصعبة التي ما زالت هشة تتطلب من الحاكمين ان يفكروا بشكل جماعي مع كل القوى الحية والفاعلة بالسياسة العمومية وجعل مهمة انجاح هذا الانتقال الثاني الذي عرفته بلادنا بعد الانتقال الديموقراطي الذي اسس بزعامة الاخ المجاهد اليوسفي لهذه المرحلة وجعلها تكون سلسة بفتح حوار حقوقي رائد واعتراف الدولة بانتهاكاتها ومصالحتها مع ضحايا سنوات الجمر والرصاص والقيام بجملة من الاصلاحات الثورية والرائدة التي اخرجت وانقذت المغرب من السكتة القلبية وفتح ابواب الحوار على مصراعيه مع الجميع باسلوب علمي وحضاري متميز باعتراف الجميع ….-
ان الظرفية والمنطق يتطلب من الحاكمين الانتباه الى قراراتهم وسياساتهم و العمل من اجل بناء تماسك لكل القوى الحية من اجل مغرب مستقر وسائر في طريق التطور والتقدم والتنافس العالمي بمقاربات حقوقية راقية وحوار وتواصل سياسي مندمج متكامل بين بناءين دستوريين محوريين.. الحكومة والمؤسسات التشريعية من جهة والقوى السياسية و الاجتماعية والفكرية ..من جهة اخرى
ان ما نخافه اليوم ليس عودة السكتة القلبية فقط بل ان نكون امام ما يسبقها او يواكب ظهورها اي ما يسمى السكتة الدماغية
نطرح التخوفات والاشكالات ليس بهدف تعطيل عمل الحكومة او اسقاطها بل من اجل ان تنجح في عملها بشراكة وتعاون مع كل القوى الفاعلة لتجاوز كل الصعاب والبناء الجماعي لصرح المؤسسات والسياسات الوطنية