بقلم يوسف أريدال
متى سنكف عن اختزال التضامن دائما في رفع شارة النصر وراية فلسطين والاصطفاف في طابور تردد مع الإمعة من حولك شعارات تعود إلى أيام حرب الخليج، ألا توجد أي طريقة للتضامن سوى هاته…
أليس في هاته الهيئات التي تدعو إلى التظاهر كشكل للتنفيس عن مكبوتاتهم لا أكثر إلى خلق طرق جديدة للتضامن وإيصال “صوت الشعب المغربي” إن افترضنا جدلا أن هناك صوت للشعب. الأولى أن نتضامن مع ذواتنا أولا ونتصالح مع أنفسنا ونرد ولو شيء من عزتنا وكرامتنا أولا قبل الحديث عن قضايا الأمة، والأولى أن نغير ذواتنا لنغير واقع أمتنا المتأزم والذي نحمل جزء من المسؤولية فيه.
غزة تبقى جرح الأمة الإسلامية جمعاء، لكن يجب أن لا نجعلها شعارنا كلما استهدفها الكيان الغاصب بالعدوان، وننساها مباشرة فور إعلان وقف إطلاق النار بين الطرفين، بل المطلوب أن لا ننسى القضية الفلسطينية طوال السنة ومحاولة كسر الحصار عنها بجميع الطرق الدبلوماسية والسياسية والثقافية وبكل طريقة يمكن أن تكون قنطرة للتخفيف وكسر الحصار واسترجاع فلسطين من الصهاينة الغاصبين، أما وأن نبقى ملاحظين ومشاهدين بدون وزن في المحافل الدولية ولا نستطيع المشاركة في اتخاذ القرارات، ونكتفي بالتصفيق وترديد الشعارات فهذا تعفيكم منه غزة وفلسطين بأكملها وتقول لكم ارحموا الناس عناء السفر والحرارة في رمضان والتصفيق والوقوف في طوابير يوم الأحد، وفي خرجاتكم المهرجانية التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
إن كانت فلسطين جرح الأمة الغائر وانتهاك حقوق فلسطين من طرف يهود احتلوا الأرض الفلسطينية، فلا ننسى أننا في كل الدول العربية الخارجة في مسيرات تضامنية مع غزة، أننا كذلك لا زلنا محتلين من ظرف اليهود الصهاينة الذين يسيطرون على القطاع المالي العالمي والذي يستغلوه في التحكم في الدول المقترضة وفي حكامها، وفرض خططهم وزرع عيونهم ومؤسساتهم في كل الشركات والإدارات والدول في العالم بأكمله، وما تخاذل الحكام العرب والجيوش العربية إلا إشارة عن هذا الاحتلال الواضح المعالم والأركان.
إن كان تضامنكم بالشعارات والتنافس على من يحشد أكثر عدد من الموالين له، للتبجح بها في مواقعه الالكترونية وفي جرائده، وإضافتها في سجل معاركه النضالية، ففلسطين تعفيكم من مسيرتكم هاته، غزة تريد الانتصار إلى عقلية القومة ضد الاستعمار والاستبداد بكل أشكاله وأنواعه، إلى الانتصار الى الحق ومناهضة التطبيع مع الظلم والجور ورفض الاستكانة الى حاكم مستبد، فإن كانت غزة محاصرة من طرف الكيان الغاصب وفلسطين مستعمرة، فإن كل الدول العربية مثلها، تتغير الأشكال والتوصيفات ويبقى الاستبداد والاستعمار هو النوطة الأساسية.
غزة مدينة صغيرة بسكان محاصرين برا وبحرا وجوا من طرف أقوى جيش في المنطقة، ومع ذلك تقاوم وتكبد العدو خسائر، ومن رحم الحصار تخرج أفواج سنوية من حفظة القرآن الكريم ومن دكاترة ومهندسين وعباقرة يطورون صواريخ وتكتيكات حربية رغم قلة الدعم إن لم نقل انعدامه، غزة تخرج في كل عدوان أكثر قوة وإصرار على المضي قدما في التحام الشعب الفلسطيني بالمقاومة والسير في درب التحرير وكنس الصهاينة الغاصبين من فلسطين، فعدوان ديسمبر 2008، ثم يناير 2009، وعدوان 2012، ثم عدوان 2014، كلها عناوين بارزة تدون بمداد من ذهب لصمود شعب أعزل ومقاومة باسلة في منطقة جغرافية صغيرة محاصرة من كل الجهات أمام جيش مدرب ومزود بأحدث الأسلحة وأمام تخاذل واضح للحكام العرب وتواطؤ بعضهم في التضييق على غزة والتآمر عليها.
التضامن الحقيقي يتجلى في الدفاع عن شرعية المقاومة في المحافل الدولية والضغط على المنتظم الدولي للاعتراف بحق المقاومة وردع الصهاينة الغاصبين وأطروحاته البالية، واحتضان المقاومة ورجالاتها ومؤسساتها وتوفير لهم كل الدعم اللازم، ومساعدة الفلسطينيين في الحصول على تأشيرات السفر لاستفادة من التطبيب خارج فلسطين أو الدراسة أو العمل وفتح حدود هذه الدول بدون أي قيد أو شرط وتوفير لهم كل الدعم والاحتضان، والضغط على الحكام العرب وعلى المحتل بالإكثار من قوافل كسر الحصار والمساهمة في كسر التعتيم الإعلامي المفروض على القضية الفلسطينية ومساعدة المنابر الإعلامية الفلسطينية بالخبرات والعتاد ونهج سياسة إعلامية للتعريف بالقضية والقضاء على الصورة المغلوطة المروج لها من طرف اليهود وأعوانهم طيلة عقود،
فالتظاهر كشكل للتضامن يبقى إعلان عن نوايا ليس أكثر إن هو لم يترجم إلى أفعال وضغوطات ومساعدات تزكي ذلك التضامن القولي خصوصا إن تعلق الأمر بقضية مصيرية للأمة كفلسطين.