بقلم: محمد بن امحمد العلوي
تجرد حكومة بنكيران قائمة انجازاتها فتتحدث عن الاستقرار. لا، الاستقرار كان قبل هذه الحكومة، بل أن وزراءها كانوا مبعثا لعدم الاستقرار.
عن ميدل ايست أونلاين
25 يوليوز 2014
معظم انتقادات المعارضة المغربية بداية الأسبوع داخل البرلمان لتصريح حصيلة نصف ولاية الحكومة الذي تقدم به رئيس الحكومة عبدالإله بنكيران، ركزت على كلمة “الاستقرار”. واتهم رؤساء الفرق النيابية في تدخلاتهم رئيس الحكومة بالابتزاز السياسي، بإرجاع الفضل لحكومته فيما ينعم به المغرب من استقرار.
سجال لا نرى له من مسوغ سوى مزايدات سياسية من كلا الجانبين المعارضة ورئاسة الحكومة. وذلك لكون استقرار البلد ليس سلعة تباع في المزاد الانتخابي، بل هو قيمة تراكمية ساهم فيها الجميع بلا استثناء. بالطبع الاستقرار كان هدفا استراتيجيا للمؤسسة الملكية باعتبارها ضمانة لما يعرفه المغرب من تحولات.
طبعا مسار التحولات على كافة المراحل والانعراجات في تاريخ المغرب الحديث ساهمت فيه الملكية بالقدر الأكبر سواء أثناء الاحتلال، أو بعده في فترة الحرب الباردة. وصولا إلى تلك الانفراجات السياسية والحقوقية التي تعززت بمبادرات سياسية وتنموية وحقوقية مع الملك محمد السادس.
لنأخذ حراك 20 فبراير 2011 بالمغرب على سبيل الاستشهاد، فما نتج عنه لا يجب فصله عما كان قبله.
وحتى نكون منصفين للتاريخ، فما ميزه هو السياق الإقليمي مع اصطلح عليه بـ”الربيع العربي” مع تحفظنا على التسمية. باعتباره حِراكا سبقته حِراكات وتظاهرات واحتجاجات وإضرابات شلت الحياة العامة في سنوات الثمانينات والتسعينات. وتفاعل الدولة مع حراك 2011 بالشكل الذي رأيناه، هو نتاج تدابير وخطوات وانجازات اتخذت قبل ذلك التاريخ بوقت طويل، من اهمها ما الانتقال الديمقراطي بداية التسعينات.
بالتالي لا الحراك كان استثنائيا ولا الحكومة كانت محتكرة للاستقرار، بل هي جزء ناتج عن الاستقرار. كونها حكومة ائتلافية، والحراك لم يكن ثورة ولا تمردا. بل تعبير عن تضارب المواقف والآراء السياسية، وتنوع الرؤى في مقاربة عدة قضايا مستعجلة وأخرى تتسم بالديمومة.
جهود مضنية تلك التي بذلها المغرب بكل فئاته لبناء دولة المؤسسات، تضمنها دستور 2011، والذي شارك في صياغة مواده عددًا من التيارات السياسية والاتجاهات الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والحقوقية. دستور يعبر عن استقرار الدولة والمجتمع وحاملا لمشروع مجتمعي أكثر منه قانونا أسمى للدولة.
تحرك المغرب نحو الديمقراطية بشكل حثيث خدمة للاستقرار، وانكب عل ملفات مصيرية بشجاعة مثل المصالحة مع ما أنتجته ظروف سنوات الستينات والسبعينات فيما اصطلح عليه سنوات الرصاص، فجاءت هيئة الإنصاف والمصالحة في عهد محمد السادس في العام 2004 لتفتح آفاقاً في تحقيق العدالة الانتقالية والتصالح مع الماضي.
وتعامل مع قضية الهجرة غير الشرعية بإطلاق مبادرات متقدمة إقليميا ودوليا بإدماج المهاجرين غير الشرعيين ومنحهم الإقامة. وتفاعلت مع ضرورة ترسيخ الأمن والاستقرار في منطقة الساحل والصحراء بمشاركة فعالة في محاربة الإرهاب بأسلوب يدمج العامل التنموي مع الأمني والاجتماعي.
وراكم المغرب كذلك إصلاحات مهمة في مجال تحقيق العدالة وحقوق الإنسان، وقرر الذهاب بعيدا في تنويع المشاركة في عملية الانتقال الديمقراطي بين اليساريين التقدميين الى الاسلاميين المحافظين.
من هنا يكون المغرب قد تمكن من الحفاظ على استقراره السياسي قبل مجيء حكومة بنكيران، ويناضل من اجل المحافظة على وحدة ترابه في ظل عالم تتغير معالمه الجيوسياسية يوما بعد آخر.
لا يمكن رهن استقرار المغرب في فصيل سياسي بعينه. بل هو نتاج استعداد المواطن المغربي الدائم للدفاع عن أمنه واستقراره، وضمانات لا نهائية من ملك يتمحور عمله اليومي على صياغة كل ما هو استراتيجي للمحافظة على أمن هذا البلد.
تأمين ما ينعم به المغرب من استقرار، الذي هو بالضرورة امتياز لابد من المحافظة عليه في ظل اكراهات مفترضة محليا وإقليميا ودوليا، يكون بإجابة الحكومة والدولة على أسئلة مصيرية تتصدرها ارتفاع نسبة الساكنة المتعلمة والنشيطة والمتمدنة. وكيفية التعامل مع متطلباتها؟
ضمان الاستقرار يكمن في استشراف المستقبل والقراءة الجيدة للأحداث والتاريخ. والمغرب في هذه الجزئية سيكون مطمئنا إلى استقرار أجياله وتأمين مستقبله عندما يتوفر على فئة من السياسيين تكون عارفة بما يختزنه الماضي، ومندمجة بذكاء في الحاضر، وتؤسس المشاريع التنموية للمستقبل.
في هذه الجزئية نجد أن الملك رئيس الدولة المغربية، منخرط بجد في بناء صرح مغربي مستقر وآمن، متسلح بثقافة ونظرة مستقبلية غير تعسفية لجل مكونات المجتمع ومؤسساته. ملك نراه يتماهى مع طريقة تفكير المغاربة وتطلعاتهم المتجددة في كيفية تسيير الحياة العامة لبلدهم.
كيف إذن تدعي هذه الحكومة فضلها في الاستقرار، وجزء من وزرائها يخرجون بمواقف تعزز التنافر ويتبنون سياسات خارج السياق؟ نذكر هنا وزير التعليم العالي لحسن الداودي الذي خرج مؤخرا بموقف غريب يدعي فيه أن الشُّعَب الأدبية في كافة مراحل التعليم الثانوي والجامعي تشكل خطرا على المغرب.
“فقد كان على الحكومة الحالية استثمار التراكمات الإيجابية في قطاع التربية والتكوين، باعتباره ورشا مصيريا، يمتد لعدة عقود. ذلك أنه من غير المعقول أن تأتي أي حكومة جديدة بمخطط جديد، خلال كل خمس سنوات، متجاهلة البرامج السابقة علما أنها لن تستطيع تنفيذ مخططها بأكمله، نظرا لقصر مدة انتدابها”. إنها دعوة للاعتراف بثقافة التراكم الكمي والعددي، حسب خطاب الملك محمد السادس في غشت من السنة الماضية.
الآفة التي تعصف بالاستقرار تكمن في شيطنة هذا الطرف أو تكفير ذاك، أو إلغاء الكل بشكل متطرف ومتعصب. توجه لا يمكن أن يضمن استمرارية الاستقرار.
لنخلص إلى أن ما يعزز الاستقرار المغربي، هو المزيد من الديمقراطية والحرية المصحوبة بالمسؤولية، وجرعات متقدمة من المحاسبة والضرب على يد المفسدين، وتشجيع الأفكار المتباينة والإتيان بالمبتكر من المشاريع والتصورات المجتمعية والسياسية والتنموية في الميدان السياسي والعلمي، في جو لا تسوده الكراهية والإقصاء والحكم السيئ على النوايا.