بقلم: د. إبراهيم أبراش

الفلسطينيون يتطلعون للملك محمد السادس، بعد أن أعاد للمغرب دوره الريادي في العالمين العربي والإسلامي، أن يساعد الفلسطينيين على إعادة القضية الفلسطينية لموضع الاهتمام والصدارة، عربيا وإسلاميا ودوليا.

 عن ميدل ايست أونلاين

2014-07-25

في مبادرة كريمة من صاحب الجلالة ملك المغرب محمد السادس، سارعت المملكة المغربية مع بدء العدوان الصهيوني على قطاع غزة بتقديم 5 مليون دولار لدعم أهلنا في القطاع، مع استعداد المغرب لعلاج مصابي العدوان الإسرائيلي. ليست هذه المرة الأولى التي يسارع المغرب لتقديم يد العون للشعب الفلسطيني وخصوصا لأهلنا في قطاع غزة، فأخذ على مسؤوليته بناء مطار غزة وتجهيزه، والذي كان من أهم انجازات السلطة الفلسطينية، واستضاف ودَرَب المئات من كوادر وموظفي السلطة من كل التخصصات، وكان دائم الالتزام بما عليه من استحقاقات للسلطة، وقدم خلال حرب 2008 – 2009 خمسة ملايين دولار وتكفل ببناء ما تهدم من مستشفى القدس، كما أرسل مستشفى ميداني كامل للقطاع، استمر بالعمل لأشهر طويلة، بالإضافة إلى استقباله لعشرات جرحى الحرب للعلاج في مستشفيات المملكة. وبعد عدوان 2012 تبرع بخمسة ملايين دولار لجامعة الأزهر. قبل ذلك ومنذ انطلاق الثورة الفلسطينية في ستينيات القرن الماضي لم يُقصر المغرب في تقديم يد العون للفلسطينيين، سواء مساعدات مالية أو غذائية أو سياسية.

بفضل ما تمتع به الملك الراحل الحسن الثاني من شخصية قيادية وكارزماتية تحظى بالاحترام والتقدير على المستويات العربية والإسلامية والدولية، عملت المملكة المغربية على إقناع العرب بالاعتراف بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني عام 1974، ومن المغرب خرجت فرق عسكرية لتقاتل إلى جانب الجيشين المصري والسوري في حرب أكتوبر 1973، كما التحق المئات من المغاربة للقاتل في صفوف الثورة الفلسطينية، كما احتضن المغرب لجنة القدس وبيت مال القدس، كما أن المغرب وفر لكل فلسطيني يعيش فيه أو يصل له التعليم والعمل والخدمات الصحية مثله مثل المواطن المغربي.

إن أردنا أن نتحدث عن المغرب شعبا وحكومة وملكا، وما قدمه من مساعدات ودعم للقضية الفلسطينية، فلن تكفينا مقالة أو حتى كتابا، والفلسطينيون يكنون كل احترام وتقدير للمملكة المغربية ولأحزابها ومثقفيها الذين كانوا وما زالوا يعتبرون القضية الفلسطينية قضيتهم الوطنية. ويكفي أن نذكر للمغرب أن المغفور له الحسن الثاني كان الزعيم العربي الوحيد الذي تجرأ بكل شجاعة ليستقبل الراحل أبو عمار بعد حرب الخليج الثانية مباشرة، حيث مارست كل الأنظمة العربية حصارا على أبو عمار والمنظمة.

تفهمنا بعد رحيل الملك الحسن الثاني وتولي الملك محمد السادس العرش عام 1999، أن ينكفئ المغرب داخليا ليتفرغ الملك الجديد للشؤون الداخلية واستكمال ما بدأه والده من نهضة بناء ديمقراطي واقتصادي، ومواجهة تداعيات مشكلة الصحراء. كان الانكفاء على الداخل مفهوما ومبررا آنذاك وخصوصا أن الملك الجديد كان شابا، ولم يؤسس علاقات شخصية مع قادة ودول العالم.

في زمن قياسي تمكن الملك محمد السادس من قيادة مسيرة البناء والتشييد بجدارة. فرسخ تجربة ديمقراطية، بكيمياء فيها من الإبداع ما يستحق أن تُدَرس في جامعات العالم وأن تُستَلهَم من المجتمعات الأخرى، وأنجز ملف المصالحة الوطنية الداخلية وصفى مخلفات مرحلة الحديد والدم والمعاناة التي وتَّرت العلاقة بين النظام والمعارضة طوال سنوات الستينيات والسبعينيات، وأنجز تقدما مهما في مجال حقوق الإنسان، بالإضافة إلى الانجازات الاقتصادية والتعليمية والصحية الخ. والاهم من ذلك تمكن الملك بحنكته وعقلانيته، وعقلانية ووعي القوى السياسية بما فيها المعارضة، والتفاف الشعب من حوله، أن يُجنب المغرب تداعيات فوضى “الربيع العربي”، فحافظ على وحدة واستقرار المغرب، مع إدخال تعديلات دستورية حظيت برضا الشعب.

ولكن، وبعد أن أصبح المغرب من أكثر الدول العربية استقرارا، ونأى بنفسه عن الصراعات والخلافات التي تشهدها الدول العربية والإسلامية، سواء كانت علاقات داخلية أو بينية – باستثناء مشكلة الصحراء التي نتمنى أن يتم التفاهم حولها مع الشقيقة الجزائر قريبا – وفي ظل تمتع المغرب بمكانة محترمة بين دول العالم، وعلاقاته المتوازنة مع كل الدول الكبرى، بعد كل ذلك، فإن الشعب الفلسطيني يتطلع لأن يلعب المغرب دورا يتجاوز مجرد تقديم الدعم المالي، الفلسطينيون يتطلعون للملك محمد السادس، بعد أن أعاد للمغرب دوره الريادي في العالمين العربي والإسلامي، أن يساعد الفلسطينيين على إعادة القضية الفلسطينية لموضع الاهتمام والصدارة، عربيا وإسلاميا ودوليا.

نعم نتطلع بأمل للمغرب أن يوظف مكانته المحترمة في العالم وعلاقاته الجيدة مع جميع دول العالم، ومع جميع القوى السياسية الفلسطينية، لتحريك ملف القضية الفلسطينية في جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وفي المنظمات الدولية، حيث لن يثير تحركه في هذا الميدان حساسية عند أي أحد، فهو ليس طرفا في الصراعات والمحاور العربية والإسلامية، وليست له مصالح خاصة في فلسطين.

في هذا السياق يتطلع الفلسطينيون للمغرب لتحريك جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ليكون لهما دورا في المفاوضات حول هدنة تضع حدا نهائيا للعدوان على قطاع غزة، ولتحرير مفاوضات الهدنة والمصالحة من صراع المحاور والأجندات الخاصة، وخصوصا أن الهدنة لن تكون مجرد وقف لإطلاق النار بل ستشكل منعطفا مصيريا في مستقبل القضية الفلسطينية ومستقبل الدولة الفلسطينية، أيضا نتمنى أن يواصل المغرب، وعلى رأسه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، جهوده في تفعيل ملف المصالحة الفلسطينية سريعا لاعتقادنا أن علاقة قوية تربط ما بين المصالحة والعدوان على غزة والهدنة المأمولة، وخصوصا أن للمغرب تجربة في مجال المصالحة المجتمعية والسياسية، وتربط الأحزاب المغربية علاقات جيدة مع كل القوى والأحزاب الفلسطينية، كما للمغرب علاقة متوازنة مع كل دول العالم وخصوصا الولايات المتحدة الاميركية والدول الأوروبية والدول الخليجية.

شكرا للشعب المغربي وشكرا لصاحب الجلالة ملك المغرب على مد يد المساعدة المالية والإنسانية لمساعدة الفلسطينيين لمواجهة تداعيات العدوان الإسرائيلي، ولكن إن لم تتوقف هذه الهجمة العدوانية الإسرائيلية على فلسطين وخصوصا قطاع غزة بهدنة مشرفة للفلسطينيين، فستتوقف هذه الجولة من العدوان الإسرائيلي بعد أيام أو أسابيع، وسيعود الفلسطينيون لمواجهة الاحتلال والانقسام في ظل ظروف اكثر مأساوية. لذا يتمنى الفلسطينيين أن يستبق المغرب الأمر، الآن وبسرعة، ليقوم بدور أكبر واهم من المساعدات المالية. ملوك المغرب عبر التاريخ كانوا مناصرين للحق والعدل ومستجيبين للمستغيث، ومحمد السادس سليل ملوك المغرب وحفيد محمد الخامس وأبن الحسن الثاني.

د. إبراهيم أبراش

أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر – غزة

‫شاهد أيضًا‬

الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس يناقض أفكاره الخاصة عندما يتعلق الأمر بأحداث غزة * آصف بيات

(*) المقال منقول عن : مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية ألقى أحد الفلاسفة الأكثر…