بقلم /عبد الحميد جماهري
ينقص العدل والإحسان اختيار شرعية العمل السياسي لكي تستطيع أن ترسمل ما بنته في المسيرة التي قطعتها، ويمكنها ذلك من أن تستثمره في العمل الوطني، وفي الاشعاع السياسي الذي دخلته، إلى حد الساعة من زاوية ضيقة وتحت نيران التردد.
فقد كان الخروج الكبير لهذه الجماعة، بشهادة كل من تابع مسيرة الرباط المناصرة لغزة، رأسمالا بشريا وسياسيا، يجب أن تحوله الجماعة من رأسمال ذاتي، وفي الحساب الخاص للجماعة، إلى رأسمال وطني، يعمل من أجل الرفع من حضور البلاد، بكل مؤسساتها في المشهد الإقليمي، العربي والإسلامي وفي المشهد الدولي.
لقد نجح المغرب برمته، بكل أطيافه وتلاوينه ومشاربه وتوجهاته في أن ينظم أكبر مسيرة عالمية في التضامن مع غزة ومع الشعب الفلسطيني في القطاع، ولا يمكن أن يغفل أي كان أن الجماعة حضرت بقوة كبيرة، وأن جزءا مهما من الحضور توصلت إلى تعبئتهم،
وما يقوله المتتبعون ورجال السياسة والإعلاميون في السر أصبح لا بد من قوله في العلن واستخلاص ما يجب استخلاصه منه.
فالجماعة مكنت الحقل السياسي من حيوية لا يمكن أن تغفلها العين .. ولا السياسة ولا الديبلوماسية. وهي، في منطق التحليل هذا، جزء من الذين توجهت إليهم رسائل الشكر التي أرسلتها القوى الفلسطينية، الوطنية التقدمية الديموقراطية أو التي تشتغل تحت المرجعية الدينية.
لم يكن خافيا أن الجماعة، في خروجها الأهم، في قضية كبرى بعد وفاة زعيمها، أرادت أن تثبت بأنها مازالت قوية، ولم تتأثر بهذه الوفاة، كما أن غياب نادية ياسين لم يؤثر في تواجدها وتماسك أعضائها، أو في سقف تواجدها على الساحة الوطنية.
وهي رسالة تفترض السؤال التالي: هل يعتقد أحد في المغرب بأن هذه الجماعة ستنتهي ذات يوم إلى زوال، وبالتالي يجب انتظار فعل الزمن وتقلباته، أم أن حقيقة الأمر هي أنها ستبقى، كأكبر مكون سياسي يعمل خارج الإطارالسياسي المتعارف عليه إلى حين من الدهر، وأن منطق السلاسة السياسية يقتضي التعامل معها كمعطى؟
الجواب بين والشك بين.
والجماعة مطالبة بدورها أن تقطع نصف الطريق من السؤال ذاته وتجيب: هل تعتقد، في أي وهم تبشيري كان أن الدولة ومؤسساتها القوية يمكن أن تنهار في لحظة شعار وتتلف في الزمان ويحين وقت «لكع بن لكع»؟
أبدا، ولا يمكن أن يرجي خير من أي تفكير مثل هذا.
حقيقة الوضع أن العرض السياسي للجماعة يجب أن ينهي البداية التي دشنتها، أي العمل من داخل الدائرة السياسية بعيدا عن السياسة التبشيرية.
وقد قدمت، في الندوة الصحافية التي عقدتها في بداية الشهر الجاري، قراءة سياسية لثلاث لحظات من التاريخ الحديث جدا للمغرب: التناوب، العهد الجديد والربيع المغربي.
والإحالة على الربيع المغربي لا بد أن تستدرجنا إلى شيء أساسي، هو أن الجماعة نفسها انضوت تحت السقف السياسي الذي اجترحه شباب 20 فبراير، ولم تستطع أن ترفع سيوفها أعلى لكي تثقبه. وهو ما يعني أن في إمكانها أن تطوع عقلها السياسي بما يفصله عن عقلها التبشيري الرسولي الذي أطر جزءا من حياة شيخها الراحل عبد السلام ياسين.
كما أن الإحالة على العهد الجديد، تذكرنا بأنه تم تدبير إشكالية الجماعة، من زاوية غير زاوية التوتر والقطيعة مباشرة بعد بداية العهد الجديد، والدليل في ذلك هو رفع الحصار على الشيخ ياسين ضمن رزمة أو باكيج سياسي ميز العهد الجديد، تضمن أيضا عودة السرفاتي وعائلة المهدي بنبركة والانخراط في مسلسل أسرع من المصالحة الوطنية.
لا يمكن للحقل السياسي المغربي أن يظل حقلا يتحرك غير مكتمل، أي بدينامية منقوصة، لأن ذلك يجعله في كل لحظة من اللحظات يعيد تعريف وترتيب قواعد اللعبة السياسية في البلاد.
ويجب أن تتضح التشكيلات والتقاطبات، بالشكل الذي يمكن من دخول مرحلة جديدة. ويمكن للجماعة أن تقرأ تاريخ الاتحاد، الذي كان وراء التناوب، وتقرأ أيضا الصراع حول الشرعية الوطنية وشرعية التحرير، كما تطرح هي اليوم، إن ضمنا أو صراحة، صراع الشرعية الإمامية، بدون الحديث عنها، وتخرج بالخلاصة التي تجعل التناوب لحظة تفكيك النقاش حول هذه الشرعيات، ومآلاتها التي تنتهي، بفعل التطور التاريخي وبدون السقوط في تكرار التجربة، إلى لحظة مصالحة، تتأسس على برنامج سياسي للانتقال أو التطور أو الإنقاذ، وحسب اللحطة التي نحن بصددها.
يجمع الكثير من الباحثين أن قراءة العدل والاحسان تتميز بأنها «محلية»، أي أن امتداداتها الفوق وطنية لا ترقى إلى ما تعرفه حركات الامتداد الإخواني، وأنها محكومة بالشروط المحلية في تفاعلها مع المحيط السياسي لها. وهي نقطة لا يمكن أن تغفلها الدولة أو المكونات السياسية الوطنية.
………….
عن جريدة الاتحاد الاشتراكي
24 يوليوز 2014