بقلم مصطفى خُلال

لم يعد ممكنا أن ننتظر دعما من المجتمع الدولي لقضية الفلسطينيين مثلما كانت عليه الأمور في السبعينات وما تلاها من عقود حتى نهاية الثمانينات. فمنذ حرب الخليج الأولى في العام 1991، وقع تحول كبير في المسار الطويل الذي قطعته القضية الفلسطينية .تحول مَسَ جميع أشكال المساندة لتنظيمات متعددة التوجهات بل ولأنظمة بكاملها، معظمها كانت إلى جانب حق الفلسطينيين في إنشاء دولتهم كحق شرعي لهم لم يكسبوه كحق تاريخي، بل كحق فرضته مقاومتهم حين كانت مقاومة موحدة بالرغم من تعدد تنظيماتها.
ومنذ أن أصابت الفلسطينيين آفة شروخ الانقسام والتشرذم، ومنذ سقوط بغداد خفتت أصوات المساندة ولم يعد لبعضها من صوت سوى صوت الدعم المبدئي.. لا يتجاوزه إلا قليلا. ولقد تتبع العالم كله أربع عمليات عسكرية قوية خلال ثماني سنوات فقط، دون أن يتحرك هذا العالم، تم فيها تقتيل العشرات والمئات من أطفال وشباب ونساء وشيوخ وصبايا، بالإضافة إلى المصابين والجرحى بالآلاف. ولم يكن للفلسطينيين في مواجهة جُبْنِ جيش منظم ومسلح أحسن ما يكون التسلح سوى بضعة صواريخ مصنوعة صناعة بدائية. إنه جبن لأنه يطلق الرصاص والقنابل على المنازل والبيوت التي لا يقطنها غير مدنيين. وهو جبن لا يضاهيه سوى جبن الذين لا يكفيهم حصار الإسرائيليين لما تبقى من أرض الفلسطينيين، كي ينضافوا هم الآخرين إلى ممارسة ذات الحصار.
وهي تعتدي في العام 2006 عبر ما سمته إسرائيل «أمطار الصيف»، تلاه ما سماه عساكرها في عامي 2009و2008 «الرصاص المذاب»، ثم «عامود السحاب» في 2012 ، ثم ما أطلق عليه جيشها اليوم «الجرف الصامد»، تبين إسرائيل للعالم أنها تحارب جيشا عرمرما قويا مهابا، والحال أن كل ما يتوفر عليه الفلسطينيون هو مجموعات مقاومة يتحكم في كل ما يحيط بحياتهم حتى في القليل الأقل مما تركوه لهم من وطنهم: 22 في المائة من مجموع أراضيهم التي كانت تشكل وطنهم حتى العام 1946.
يعرف بعض من المثقفين اليهود، المدعمين لخيار السلم، أن الإيديولوجية الصهيونية حرصت أول ما حرصت عليه، على تشويه الوعي اليهودي وتحريف جوهر ديانته. وكان من نتائج هذا التحريف أشكال وأشكال من التحريف والصنمية اللذين لحقا الهوية اليهودية . وهو التشويه الذي عاش ويعيش ضحية له كل يهودي لا يتبنى الفكر الصهيوني ، هذا الفكر الذي يبقى من بين أهم مقوماته توجهه العنصري الواضح، والذي يلتقي في ممارساته مع الممارسة النازية في وجوهها الأكثر بربرية. هذا ما تثبته الأدبيات اليهودية وغير اليهودية: ستة ملايين من اليهود الأوروبيين أبادهم النظام النازي بناء على رؤية غريبة تقول بنقاوة الجنس الآري المهدد ــ طبقا لهذه الرؤية التراجيدية ــ بأن يتلطخ بالدم السامي. هذه النظرة النازية هي ما سقطت فيه الصهيونية بممارساتها ضد الفلسطينيين منذ أن شرعت تغتصب أرضهم، فلا تكتفي بطردهم منها بقوة السلاح والغلبة العسكرية منذ العام 1946 إلى اليوم، بل لا تتردد في إبادتهم إلى درجة تحطيم أشجار الزيتون التي اشتهرت بها فلسطين على مر التاريخ. وحين يُسْاَل العسكري الصهيوني : لماذا تحطمون وتحرقون حتى شجر الزيتون ؟ لا يخجل من الإجابة بهذه الجملة المقيتة: «..لأنه خلف شجرة الزيتون يختبئ إرهابي..»!!.ومنذ أن كتب غلوكزمان هذه الجملة في جريدة لانفورماسيون، الناطقة بلسان «اتحاد يهود فرنسا من أجل السلم» لم يشمئز منها المناهضون للصهيونية من غير اليهود فقط ، بل إن مفكرين وناشطين يهودا أصبحوا يعوضون كلمة SHOAH بعبارة إبادة ما دام أن نفس الممارسة يروح ضحيتها الشعب الفلسطيني.
غير أن التشويه الذي ألحقه الفكر الصهيوني باليهودية لم يتوقف عند حد الفكر والإيديولوجيا، إذ طال كل شيء بما في ذلك معاني الحرب والمقاومة والسلم والإعلام والثقافة والفكر الإنساني عموما. لذا فإن الدعم الذي تنعم به إسرائيل داخل الأراضي التي تحكم سكانها الإسرائيليين، مثل الدعم الذي تُحظى به بصراحة معلنة في دول الغرب، والدعم المتخفي الذي تَفِيدُهَا به أنظمة كان من المفروض أن تكون إلى جانب القضية الفلسطينية ، هو واحد من نتائج هذا التشويه وليس فقط نتيجة لقوة إسرائيل العسكرية . وأما السلطة الفكرية والإعلامية التي أضحت لهذا التشويه الصهيوني، فإنما تترجمها أشكال القوة الأخرى التي هي لإسرائيل سواء في المال أو في الهيمنة على المؤسسات المالية الكبرى التي تحكم العالم، أو في الأسلحة وأنواعها المتطورة، أنواع تشمل حتى أسلحة الدمار الشامل (المحرمة دوليا).

…………..

22 يوليوز 2014

‫شاهد أيضًا‬

باب ما جاء في أن بوحمارة كان عميلا لفرنسا الإستعمارية..* لحسن العسبي

يحتاج التاريخ دوما لإعادة تحيين، كونه مادة لإنتاج المعنى انطلاقا من “الواقعة التاريخ…