مصطفى المتوكل / تارودانت
الخميس 24 يوليوز 2014
الموافق 26 رمصان 1435
يقول تعالى : ((أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ))
وقال تعالى {يا داود إنا جعلناك خليفةً في الارض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى}
وكان من دعائه عليه الصلاة والسلام: (اللهم اني اعوذ بك من منكرات الاخلاق والاعمال والاهواء)..فكأن الهوى يهدي الى الضلال والعياذ بالله
وقال الحسن البصري: لا تجالسوا اصحاب الاهواء ولا تجادلوهم ولا تسمعوا منهم. لأن اهواءهم ضالة ضائعة,
… “أن اتباع الهوى في اللغة هو السير وراء ما تهوى النفس وما تشتهي و ما تحب …و في الاصطلاح الشرعي السير وراء ما تهوى النفس وتشتهي بالنزول الى حكم العاطفة من غير تحكيم العقل أو الرجوع إلى شرع أو تقدير لعاقبة..”
…ولقد فسر الاية اعلاه بعض المفسرين ب ( ارايت ) يامحمد (من اتخذ الهه ) شهوته التي يهواها وذلك ان الرجل من المشركين كان يعبد الحجر فاذا راى احسن منه رمى به واخذ اخر يعبده فكان معبوده والهه ما يتخير لنفسه
..ويقول الامام الماوردي مفرقا بين الهوى والشهوة…: فرق ما بين الهوى والشهوة ..ان الهوى مختص بالآراء والمعتقدات, والشهوة مختصة بنيل المستلذات. فصارت الشهوة من نتائج الهوى, والهوى اصل وهو اعم. ..
..فيقصد بالهوى ويفهم منه في سياقاته اما ما تميل اليه النفس او تشتهيه او تحبه و تعشقه …وقد تتباين درجاته بطبيعة تاسيسه ووقوعه وتحققه … فقد يكون منبعه ايمان عقلي يرتقي به الادراك الى رتبه الهوى … او ينشا بمحبة تلقائية تتوج بايمان عقلي … او يكون كما يقال ميل وعشق غير مبرر لابالعقل ولا بالادراك …
وعند تحديد مجالات تلبسه بالنفس فسنجده يمتد الى اغلب مجالات الحياة الانسانية في الحقل الديني والمذهبي والايديولوجي والسياسي والهوايات والمجالات العاطفية ….
ولقد ابرز التعبير القرآني بدقة رائعة في توصيف الحالة بشكل علمي ونفسي بربطه بين ميل العقل والنفس خارج الضوابط العقلانية والنفسية الناضجة المدركة والمتحكم فيها ..نحو اشياء او قضايا او افكار ومعتقدات تتسم بالضلال.. فشبهها كمن عطلت وسائل احساسه وادراكه من بصر وسمع ووعي ..فيكون هوى قراره مزاجيا …يستصدر منه احكاما وقناعات زائفة.. مما يسيئ الى المالات والوقائع وينتج انحرافات ومظالم تتجاوز الفرد الى الاخرين …
ان الهوى قد ينصرف الى الخير والاصلاح ان صادف الهوى الحق…وقد ينصرف الى الشر والافساد ان صادف الميل الفساد …
…وبتاملنا لواقعنا العام والخاص سنجد ان حياتنا ممتلئة قصدا بالاهواء والنزوات التي يتشبع بها بعض الناس منفردين او كمؤطرين ومسؤولين عن تدبير الشؤون العامة تعلق الامر بامور الدول ومؤسساتها .. او هيئات المجتمع المدني …فيلزم الناس بالخضوع لهوى ونزوات من يدبر امورهم ويسيرها ويسوسها ..بل ويفرض عليهم بقوة امتلاك السلطة واليات التحكم السير على نهج الاهواء التي قد تتعارض مع العقل والمنطق والشرائع والمذاهب الموضوعية …ولنا ان نستفيد من العديد من الدروس والعبر في سياسات العديد من الحكام والزعماء في العديد من الدول عربا وغير عرب شرقا وغربا شمالا وجنوبا بل وعبر التاريخ ..من فرعون وهامان الى هولاكو الى نيرون ثم هتلر و اشباههم …فيلزم الناس بفرح فرد ولو كان فرحه هو قمة الامهم وعذابهم ارضاء له وخوفا منه …ويحزنزن لحزن البعض ولو كان مبعث حزنه هو سبب فرحهم …والاخطر اخلاقيا ان تنقلب المعطيات والاحكام بين عشية وضحاها وفي غالب الاحيان دون مبررات موضوعية وعقلية وشرعية فيصبح الحلال حراما والمؤمن كافرا والعكس صحيح ويصبح من كان عدوا وخصما بالامس القريب او البعيد بالصديق والحليف في ترجيح واعمال للاهواء في التعامل مع الوقائع والمعطيات والتحولات بعيدا عن الحكمة والتبصر …
ان امراض الهوى قد تمتد وتنتقل من المشبعين بها الى الاسوياء اذا ما خالط بعضهم بعضا نفاقا او اقتناعا او تقليدا خاصة ان كانوا غير محصنين وغير مدركين لحقائق الاشياء …فيمتد شر الهوى من الفرد ليشكل لنفسه تنظيمات واليات وسياسات تجند ضعاف النفوس ومنعدمي الضمير والجبناء ليحرفوا الامور والطرق ويسوقوا الناس الى ضلال جماعي قد يفرز مجتمعا منحرفا وظالما ومستبدا وغير متخلق …حيث تكون كل الوسائل مباحة وخاصة منها اللئيمة والمحرمة عقلا وقانونا وشرعا …فما يحدث مثلا في فلسطين منذ الانتداب البريطاني والى اليوم من خروقات وتجاوزات وانتهاكات .. ومن تواطؤ العديد من دول العالم وخاصة منهم التي تدعي وتتبجح بريادة الديموقراطية وحقوق الانسان لخير دليل على ان هوى الصهاينة والامبرياليين والفاشستيين والاستعماريين متجانسة تبرر سرقة ارض شعب وتشريده وتبرر جرائم الابادة الجماعية للمواطنين كانوا اجنة في بطون امهاتهم او كانوا عجزة ومرضى …وهم في قرارة انفسهم يقلبون المعادلة والقناعة عندما يتعرضون الى اساءة فقط لفظية حسب زعمهم فيقيمون الدنيا باعتبار ذلك يدخل في اطار معادات السامية ليبنوا باتهامهم ذلك احكاما وقرارات ولم لا حروبا اقتصادية وحتى دموية بالتصفيات المباشرة وغير المباشرة …
فان بالغنا في ملازمة اصحاب الاهواء المنحطة والبئيسة وصادقناهم وعاشرناهم ونافقناهم فان ذلك سيؤثر على مواقفنا التي ستميل الى القبول بالامر الواقع والاستئناس به وغض الطرف عنه.. وان احسنا في نظرنا ندين ونستنكر بلفظ العتاب السياسي الفضفاض الذي لايقدم ولايؤخر ولا يفسد ودا ولا يقيم عداوة …وفي مثل هذا أثر عن الحسن وابن سيرين قولهما :….( ولا تجالسوا أصحاب الأهواء ولا تجادلوهم ، ولا تسمعوا منهم ) ...ليس هروبا منهم بل لانهم المستفيدون ان جالسناهم او ناقشناهم او استمعنا اليهم .. لان في كل ذلك مضيعة لاوقاتنا وفي هذا ربح لهم …وخاصة ان كان مجالسوهم غير مدركين لحقيقة نوياهم وميولاتهم …اما ان كان المتفرجون لايفهمون خبايا الامور وخلفياتها فسيضلون ويضلون معهم الناس ويكسروا معنوياتهم ويحطموا ثقتهم في كل شيئ وان كان جميلا ..
…ويتفق اهل العلم على ان من اسباب الانسياق مع الهوى والاهواء هو التخلف والجهل بالحقائق وبالنتائج مما يوقع الناس في المحظور ومما يسيئ اليهم والى احوالهم …يقول تعالى { وإن كثيراً ليضلون بأهوائهم بغير علم } …الانعام
أن اي عمل او اية سياسة إن تشبع البعض من اهلها بالأهواء ، فإنهم يتفننون ويبدعون في اثارة الفتن وتكريس التشتت فيكيدون ويفترون ويستهزئ بعضهم من بعض وعلى بعض مما يسدي للخصوم او الاعداء خدمات مجانية لوا انفقوا عليها خزائنهم ليحققوها لعجزوا او لفشلوا فشلا جزئيا او كليا .. فتتحول الوحدة بعد الهوى الهدام الى فرقة وعصبية وكراهية وتجاذب وتمزق وضياع مصلحة الجميع والمصلحة العامة …ذلك ان الحق لايقوم الا اذا تعاون الناس عليه وحموه ورعوه .. اما الباطل فينتشر ويفرض نفسه لانه يعتمد على حالات ضعف الانفس وميلها الى الانتهازية والوصولية والسعي نحو الامتيازات والمنافع … فما هزمت الامم وما انهارت الحضارات الا بالهواء التي من اولى مرتكزاتها الطلم بكل اشكاله وانواعه بما في ذلك بطبيعة الحال التضليل …
فهل ستتعظ شعوبنا ونخبها وقياداتها وحكامها مما سجله ووثقة التاريخ في هذا المجال ام ان احوالهم كما وصفتهم الاية الكريمة … “أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ” الفرقان … فالعاقل من اتعظ بغيره .. والكيس من دان نفسه وحاسبها وقوم اعوجاجها ووظفها من اجل البناء والمحبة والعمل الصالح ونشر المعرفة وتطهيرها من الغل والحقد والهوى ..والا لاصبحت سياسة كل فرد تجاه غيره او كل جماعة تجاه اخرى ولسان حالهم … انا وبعدي الطوفان …ووصف الجاحظ اصحاب الاهواء المتسمون بالانتهازية ب…: “ظواهر نظيفة وبواطن سخيفة يتباهون بمهنتهم ويتنافسون بالظهور بمظهر الأسياد”
نسال الله في هذا الشهر الفضيل ان يطهرنا ويطهر امتنا وشعوبنا من المحيط الى الخليج من الاهواء والضلالات وان يستفيق المتقاتلون في ليبيا وتونس وسوريا والعراق و… من غيهم وترفع عن قلوبهم واعينهم الغشاوة فينقدوا بلدانهم من الخراب بسبب تعصبهم لاهوائهم ويبعدوا عنا شرورهم واثامهم .. وان يجنبنا في بلدنا هذا وغيره من البلدان نيران الاعداء والنيران الصديقة … فمشاكل شعوبنا وهمومهم وانتظاراتهم اكبر من حماقات الذين يثيرون الفتن والاحقاد ..والله المستعان