د.عدنان عويّد
هناك فرق شاسع بين الإنسان التاريخي والإنسان اللاتاريخي أو الميتافيزيائي. فالأول, إنسان عقلاني يؤمن بالعياني والملموس,
والنسبي والتاريخي الذي يتعرض للحركة والتطور والتبدل, والعقل لديه, هي معارفه التي اكتسبها عبر علاقته مع الطبيعة والمجتمع
تاريخياً, والتي ساهم نشاطه وكدحه في خلقها وتنميتها. لا يتكئ كثيراً على الماضي إلا فيما يخدم الحاضر , ويؤمن بأن سعادته في
حريته وعتقه من كل ما يكبل عالمه الإنساني, وفردوسه هو واقعه الذي يعشه فيه الآن, أو ما يحلم بإقامته مستقبلاً. ليس لديه رومز
أو طقوس يؤديها كي يشعر بتمايزه عن الآخر, وليس له انتماء ضيق يشعر أن خلاصه فيه. فرموزه هي ما يحققه من إبداع يفجر عبره
كوامن عوالم إنسانيته وكشف أسرار مجاهيلها التي توصله إلى جوهر إنسانيته. وانتماءاته هي وطنه وعالم الإنسان الرحب الذي
ليس له حدود إلا المحبة والعدل والسعادة للجميع. هو ينظر دائماً إلى الأعلى من خلال الحاضر, يبحث عن قوس قزح يجد في تعدد
ألوانه سر جمال هذه الحياة.
أما الإنسان اللاتاريخي أو الميتافيزيائي, فهو إنسان لاعقلاني , يرفض قبول العياني والملموس بأنه هو عالمه الذي ينتمي إليه, وهو
سر وجوده. هو إنسان لا تاريخي, وبالتالي هو يؤمن بالمطلق ويرفض النسبي المكبل بقوانين الحركة والتطور والتبدل. العقل لديه
ظاهرة فيزيائية تتحرك بقدرة من خارج التاريخ, يحمل هذا العقل معارفه المنجزة والعالمة من خارج التاريخ, بها يمارس نشاطه لكسب
الماضي والحوز على أسراره الأبدية. سعادته تكمن في استعادة الماضي حيث يكمن فردوسه الذي همه أن يعود إليه. تكثر لديه
الرومز والطقوس في حديثه ولباسه كي يشعر بتمايزه عن الآخر الذي غالباً ما يرفضه ويعمل على إقصائه. ولا يرى كل ما حوله إلا
من خلال أيديولوجيته الماضوية المفوّته تاريخياً, وأن هذه الرموز والطقوس والأيديولوجيا, هي التي تشكل بالوقت ذاته انتماءه
الوحيد, ,ذاهلاً عن حياته الدنيوية ومندمجاً في عالم الروح والقداسة. إنه ينظر إلى الأعلى من خلال الماضي, يبحث دائماً عن لون
رمادي يعتقد انه صالح لكل زمان ومكان.
*********
د. عدنان عويد …لنشرة المحرر
18 يوليوز 2014