النص الكامل للمذكرة المرفوعة من طرف احزاب مغربية معارضة الى رئيس الحكومة المغربية
الاتحاد الاشتراكي / حزب الاستقلال / الاصالة والمعاصرة / الاتحاد الدستوري .
دخلت بلادنا منذ العشرية الآخيرة من القرن الماضي، حقبة تاريخية جديدة تمثلت إحدى أبرز معالمها الكبرى في تلاحق مشاريع ومبادرات وديناميات إصلاحية همت مختلف مناحي حياة المغرب والمغاربة وتكثفت فيها كل معاني ودلالات التحول النوعي.
وبفضل اكتساب تلك المشاريع والديناميات لقوة دفع ذاتي زادت من تعزيزها وتعضيدها توالي تحولات متسارعة، داخلية وخارجية، أفضت، خصوصا بعد التحولات الحاصلة في المحيط الإقليمي والجهوي المتقلب، إلى نضج الشروط التي مكنت بلادنا في حالة من التفرد والاستثناء، من استقبال انعطافة تاريخية بالغة الأهمية دشنها خطاب جلالة الملك في تاسع مارس باعتباره خطابا مجسدا لتفاعل وتجاوب الملك مع نبض المجتمع وتطلعه العارم نحو إقرار العدالة والكرامة والديمقراطية، وتعززت بعده، بمصادقة الشعب المغربي على دستور فاتح يوليوز 2011.
وكنتيجة لهذا المسار التاريخي الحافل، انفتحت أمام أمتنا آفاق جديدة واعدة وغير مسبوقة للرقي والتقدم على طريق توطيد وإثراء النموذج المغربي في البناء الديمقراطي الحداثي والتنموي وتحصين المكتسبات وارتياد جيل جديد من الإصلاحات السياسية والمؤسساتية، على قاعدة التفعيل والتأويل الديمقراطيين الواسعين للوثيقة الدستورية.
وضمن هذا الأفق، فإن أحزاب المعارضة، المدركة لما للاستحقاقات التي تتهيأ بلادنا للدخول فيها من أهمية استراتيجية مؤسسة، بالنظر للتجديد والإصلاح العميق الذي تعد به، وبالنظر كذلك لدقة وحساسية الظروف الإقليمية والدولية التي تحيط بها، فإنها تشدد على أهمية وضرورة الانخراط الجماعي الواعي والمسؤول، من أجل إنضاج كافة شروط تدشين إصلاح سياسي ومؤسساتي عميق، تطبيقا لنص وروح دستور فاتح يوليوز، إصلاح كفيل بجعل الاستحقاقات القادمة، بمختلف حلقاتها، محطة أساسية لتكريس التطبيع مع قواعد وقيم الديمقراطية وتوطيد البناء الديمقراطي وإثرائه.
غير أن أحزاب المعارضة، ومن منطلق ما عاينته بعد مرور ثلاث سنوات على المصادقة على الدستور الجديد، وسنتين ونصف من تجربة الحكومة الحالية، من حالات التلكؤ والضبابية والغموض التي اكتنفت وتكتنف تعاطي الحكومة مع تنزيل مضامين الدستور في شتى أبعاده، ومنها البعد المرتبط باستكمال المسلسل الانتخابي، باعتباره مسلسل يروم إعادة بناء مؤسسات مفصلية في بنية الدولة وحياة المجتمع، تسجل، بكل أسف الملاحظات والمؤاخذات التالية:
1. التدبير الحكومي المرتجل لأسئلة الاستحقاقات الانتخابية كتجل من ضمن تجليات تدبير مرتبك للإمكان الدستوري وعجز في استثمار الآفاق الواعدة التي فتحها الدستور لتوطيد البناء الديمقراطي.
2. التأخر في الإعلان على الأجندة الانتخابية وما يرتقب أن يترتب عنه من تبعات سلبية، إن على مستوى نطاق وطبيعة المشاورات السياسية الجارية أو على مستوى جودة الإنتاج التشريعي والمشاركة السياسية، فضلا عما ترتب عن هذا التأخير من فرملـة وتعطيل للديناميات الديمقراطية التي عبدها الدستور الجديد.
3. تسميم الحياة السياسية وتعكير مناخ الثقة من خلال الخرجات والممارسات غير المحسوبة لرئيس الحكومة والإصرار غير المبرر من قبل الحزب القائد للفريق الحكومي على الاستمرار في ترويج خطاب المظلومية والحرص على نهج حملة استباقية للتشكيك في سلامة الانتخابات وهو ما يلحق ضررا فادحا برصيد المكتسبات التي حققتها بلادنا وبمصداقية مؤسساتها في الداخل والخارج.
إن أحزاب المعارضة:
– انطلاقا من إدراكها المشترك للمسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقها، وسعيا منها لتفعيل الأدوار والوظائف المنصوص عليها في الفصل العاشر من الدستور،
– واستشعارا منها لأهمية وضرورة تنسيق المواقف وتوحيد الرؤى لإنضاج شروط ربح التحديات والاستحقاقات المطروحة على جدول أعمال بلدنا،
– ومساهمة منها في إذكاء النقاش العمومي وفي إعادة طرح الأسئلة الجوهرية المرتبطة بأوراش الإصلاح السياسية والقانونية والمؤسساتية، وفي مقدمتها ورش الجهوية وما سيتبعه من أوراش مرتبطة بمجمل المنظومة القانونية المرتبطة بالجماعات الترابية،
– وإدراكا منها لمسؤولياتها الوطنية في ضمان شروط نجاح بلدنا في ربح رهانات وتحديات هذا المنعطف الهام في تاريخه المعاصر، فإنها إذ تذكر بمطلب الانتخبات النزيهة والحرة الذي ظل أحد المطالب المركزية لقوى الشعب المغربي المتطلعة إلى الديمقراطية، وشكل ركنا قويا ضمن مطالب الكتلة الوطنية والكتلة الديمقراطية، قبل أن يصبح عنوانا لتطلعات غالبية جماهير الشعب المغربي، فهي تجدد التعبير عن استعدادها المبدئي الثابت لإنجاح الاستحقاقات القادمة، من خلال الإسهام المسؤول في مختلف المشاورات حول الانتخابات المقبلة وكل الاستحقاقات المرتبطة بها، شريطة توفير كافة الضمانات المؤسساتية والقانونية لنزاهتها وشفافيتها، كل ذلك من أجل تعزيز شروط تنافس انتخابي ديمقراطي ضامن لتمثيلية سياسية عاكسة لإرادة الناخبين، وتوسيع دائرة المشاركة السياسية للمواطنين وللشباب والنساء على الخصوص، وكذا الإسهام في ورش إعادة هيكلة المشهد السياسي والحزبي وتأهيله في أفق انبثاق أقطاب سياسية متمايزة على مستوى مشاريعها وبرامجها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
وفي حال عدم تحقيق الشروط الأساسية لانجاح العملية الانتخابية، نحتفظ لهيئاتنا السياسية بحق اتخاذ جميع القررات التي نراها مناسبة، بمافيها قرار المقاطعة.
ولان أحزاب المعارضة تدرك أن الاستحقاقات الانتخابية المقبلة تختلف عن سابقاتها من حيث اندراجها في سياق عهد دستوري جديد وضمن دينامية للإصلاح العميق على الواجهات المؤسساتية والقانونية والسياسية تفعيلا لنص وروح الوثيقة الدستورية، فإنها:
– انطلاقا من قناعة الدفاع عن الديمقراطية ومن حلم سيادة الإرادة الشعبية الذي قدم المغاربة من أجل تحقيقه، جيلا بعد جيل، تضحيات جسيمة،
– وتعبيرا منها كذلك عن الوفاء المتجدد لتاريخ من النضال المجيد الذي خاضته القوى الوطنية والديمقراطية دفاعا عن الحريات السياسية وعن حق الشعب في أن يختار بحرية واستقلالية ممثليه،
فإنها تجدد رفضها للطريقة والمنهجية التي اعتمدتها الحكومة والقائمة على سياسة الأمر الواقع، وتشدد، بالمقابل، على ضرورة أن تتحمل الحكومة لأقصى درجات المسؤولية فيما يتعلق، أولا، بتنقية المناخ السياسي من أجواء التسميم والكف عن التشكيك المسبق في سلامة ونزاهة العمليات الانتخابية المرتقبة وفيما يتعلق، ثانيا، بتحيين وملائمة الترسانة القانونية والتنظيمية اعتمادا على نفس استراتيجي يستحضر أهمية إنضاج شروط إنجاح الإصلاحات المقبلة طبقا لنص وروح الدستور.
إن أحزاب المعارضة، إذ تحرص على التذكير بالضرورة القصوى لتغليب المصلحة الوطنية العليا على أي اعتبار حزبي أو سياسي ضيق، فهي تؤكد على أهمية الإقرار الجماعي بأن بلادنا قد نضجت إلى الحد الذي يسمح بالانتقال الحاسم من مرحلة التوافقات والتفاهمات الفوقية إلى إعمال منطق التطبيع الديمقراطي وتطبيق الشرعية القانونية.
ومن المهم، في هذا الإطار، أن تنتبه الحكومة إلى أن المطروح اليوم على جدول أعمال المشاورات السياسية ليس مجرد قضايا تقنية أو تعديلات جزئية للإطار القانوني وإنما قضايا وإشكاليات سياسية بامتياز ومجمل المنظومة القانونية المرتبطة بالاستحقاقات الانتخابية، ولذلك وجب على الحكومة اعتماد وتوسيع دائرة التشاور، الحقيقي وليس الشكلي، مع الفاعلين المعنيين بالتباري السياسي والانتخابي، كل ذلك ضمن مدى زمني معقول غير خاضع لإكراهات اللحظة الأخيرة.
لقد سبق لأحزاب المعارضة وغيرها أن عبرت، في مناسبات مختلفة، عن خشيتها من التداعيات السلبية التي ستترتب حتما عن المقاربة أحادية الجانب التي تعتمدها الحكومة بشأن ورش يفترض معالجته وتدبيره بروح توافقية ومقاربة تشاركية طبقا لنص وروح الوثيقة الدستورية وعملا بما راكمته الحكومات المتعاقبة منذ عهد حكومة التناوب التوافقي برئاسة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي ومرورا بحكومتي الأستاذين ادريس جطو وعباس الفاسي. وها قد تأكد ما كانت تخشاه هذه الأحزاب وما كانت تحذر منه عدد من التعبيرات السياسية والحقوقية والمدنية في المجتمع من خلال الحقيقة التي انكشفت بمناسبة إفصاح الحكومة عن تصورها لورش الجهوية كما عكستها المسودة التي عممتها بشأن مشروع القانون التنظيمي حول الجهة .
إن أحزاب المعارضة، وبعد دراستها المعمقة لمسودة مشروع القانون التنظيمي حول الجهة، خلصت إلى تسجيل ما يلي:
1. أن مسودة المشروع قد نصت على مقتضيات تقل عن الحد الأدنى المنصوص على ضرورة تضمينه بصفة خاصة في قانون تنظيمي بمقتضى الفصل 146 نفسه.
2. لا تتضمن مسودة المشروع ديباجة أو بيانا للأسباب يحدد الخيارات الأساسية لمشروع القانون التنظيمي و لا دواعي اعتماد هذه الخيارات في علاقة بمقتضيات الباب التاسع من الدستور بشكل خاص.
3. أن مسودة المشروع لا تضمن في عدد من مقتضياتها إعمالا فعليا لمبدأ التدبير الحر المنصوص عليه في الفصل 136 من الدستور و تحمل عدد من مقتضيات مسودة المشروع توسيعا لمجال المراقبة الإدارية المنصوص عليها في الفصل 145 من الدستور على حساب مبدأ التدبير الحر
4. إن مسودة المشروع تقدم، في سياقات مختلفة، نسقا من العلاقة بين مؤسسة رئيس الجهة وسلطة الوصاية يختل فيها التوازن بشكل فادح لصالح الأخيرة، و هو ما يتضح بشكل خاص من خلال معاينة التفاوت في صلاحيات رئيس المجلس الجهوي ووالي الجهة لصالح هذا الأخير في المجالات المتعلقة باتخاذ القرار الجهوي. وهكذا فإن إبقاء مسودة مشروع القانون التنظيمي على صيغته الحالية لن يمكن بلادنا من الانتقال إلى مغرب الجهات
5. إن مسودة المشروع لا تتضمن آليات كافية للتمييز الإيجابي للرفع من التمثيلية السياسية للنساء لتحقيق المبادئ و الأهداف ذات القيمة الدستورية المنصوص عليها في الفصلين 19 و30 من الدستور. علاوة على ضعف إطار الاعتبار الأفقي لمقاربة النوع الاجتماعي في مسودة المشروع بدءا من لغته غير المجندرة ووصولا إلى آليات السياسات العمومية كالتخطيط و الميزانية.
6. أن مسودة المشروع انبنت على منطق تقييدي في إعمال الفصلين 139 و13 من الدستور.
7. أن مسودة المشروع لم تستثمر بالشكل الكافي والملائم عددا من الاقتراحات والتوصيات الوجيهة للجنة الاستشارية حول الجهوية.
8. تؤكد مسودة المشروع بشكل ممنهج على تقيد الجهة بالقوانين الجاري بها العمل والحال أن المشروع محصور في تنظيم المؤسسة الجهوية دون مواكبة ذلك بمشاريع إصلاح المنظومة القانونية المواكبة له.
وبالإضافة إلى الملاحظات الجزئية الواردة أعلاه، تسجل أحزاب المعارضة على أن العرض الذي تقدمه الحكومة ليس فيه ما يؤشر على أننا إزاء خيار جهوي يقدم مدخلا مناسبا لتحرير الطاقات ورد الاعتبار للنخب المحلية، وتقديم نموذج جديد للتنمية مبني على محددات القرب والتشخيص الدقيق لحاجات كل مجال ترابي على حدة.
إن هذا العرض، من منظور أحزاب المعارضة، لا يقيم الاعتبار المطلوب لما يمنحه الإطار الجهوي من إمكانات المحافظة على الخصوصيات الثقافية والتراث اللامادي المحلي، في إطار تقطيع ترابي ينظر إلى المجال بمقاربة أحواض الحياة وكفضاء للحقوق والحريات.
وبصرف النظر عن كون المسودة، في المقتضيات المتعلقة بالديمقراطية التشاركية، تتضمن سقفا منخفضا قياسا بمقتضيات القانون الدستوري للجماعات الترابية وخاصة الفصول المنصوص عليها في الباب التاسع من الدستور، وفي الفصلين 12 و13، وبالمبادئ والأهداف ذات القيمة الدستورية خاصة منها المنصوص عليها في الفصلين 19 و30 من الدستور، فضلا عن عدم استثمار المسودة، بالشكل المطلوب، لمكونات القانون الدولي لحقوق الإنسان في مجال حق المشاركة في الحياة العامة، كما هو منصوص عليه في المادة 25 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وكما تم التعليق عليه من طرف لجنة حقوق الإنسان في الملاحظة العامة رقم 25.
بالإضافة لما سبق، فإن مسودة المشروع لم تستلهم ما تبلور إبان وأثناء انطلاق الحوار المجتمعي حول الجهوية والذي توج بتقديم الإطارات الحزبية والمدنية والحقوقية لمذكراتها وتصوراتها بما تضمنته من قناعات متقاطعة مشتركة عنوانها البارز الطموح الجماعي نحو إقرار نموذج جهوي يعيد صياغة بنية ونسق العلاقات بين الحكومة المركزية والجهات في اتجاه رفع قيود الوصاية وتحرير الطاقات ورد الاعتبار للنخب المحلية، كل ذلك في إطار مغرب غني بتعدد وتنوع روافده ومكوناته، قائم على مبادئ الوحدة والتضامن والتوازن والمساواة.
بناءا على جميع العناصر المشار إليها في هذه المذكرة، فان أحزاب المعارضة تعتبر أن العرض الحكومي المضمن في مسودة مشروع القانون التنظيمي حول الجهة يمثل ردة ديمقراطية بامتياز وخطوة إلى الوراء.
ومن ثم تعلن رفضها للمشروع في صيغته الحالية وتدعو الحكومة إلى إعادة صياغة جديدة لمشروع القانون التنظيمي بما يحقق إعمالا فعليا لديمقراطية الجماعات الترابية بما فيها مقترحات ” المشترك ” في المذكرات التي قدمتها أحزاب المعارضة للجنة الاستشارية للجهوية، وعلى ضوء، كذلك، الاقتراحات والتوصيات التي سترد عليكم من طرف أحزابنا.
هذا وتعتبر أحزاب المعارضة، في الأخير، أن الانتقال إلى نظام متقدم لمغرب الجهات، وتعزيز مقوماتها السياسية، خاصة في حال أجرأة المبادرة المغربية للحكم الذاتي، أو اتخاذ خيار مراجعة قواعد تأليف مجلس المستشارين، يقتضي مراجعة دستورية، تقترح أحزاب المعارضة أن تتم باستعمال الإمكانيات المتاحة في الفصل 173 من الدستور وبالمسطرة المنصوص عليها في الفصل 174 من الدستور.
حرر بالرباط يوم الاربعاء 18 رمضان المبارك 1435
الموافق ل16 يوليوز 2014
الاحزاب وتوقيع الامناء العامين
حزب الاستقلال / حميد شباط حزب الأصالة والمعاصرة /مصطفى الباكوري
حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية / ادريس لشكر حزب الاتحاد الدستوري/ محمد الابيض