بقلم /د.عدنان عويّد

أن تكون رجلاً بمفهوم (الرجولة), أي أن تكون صاحب مبدأ, ولكي تكون صاحب مبدأ, عليك أن تمتلك صفات وخصائص معينة, أهمها: أن تحترم نفسك, ويشعر الآخرون بك, ويلمسون ذلك عندك في حديثك وتصرفاتك. ولكي يستطيع الإنسان أن يحترم نفسه, عليه أن يتنازل أو يبتعد عن توافه الحياة وقشورها, ويتمسك بما هو جدير بهذه الحياة وقيمها, وذلك انطلاقا من الآية الكريمة: (أما الزبد فيذهب جفاء, وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض). وما يمكث في الأرض هو ما يساهم في إحيائها وإعمارها, أي كل ما يحمل أو يعبر عن جوهر وقيم الإنسانية, وأولها حب الوطن, والانتماء إليه والدفاع عنه وعدم التآمر عليه مع أعداء الداخل والخارج, أو الإستقواء بالغرباء لكسره وإذلاله. ومن يحب وطنه, قادر بالضرورة أن يحب الآخرين من أبناء وطنه مهما اختلف عنهم ومعهم في الموقع الطبقي أو الديني أو المذهبي أو الطائفي أو الانتماء السياسي. وبالتالي هذا يعني انه يحترم آراءهم ومبادءهم, ويقاتل ويضحي من أجلهم, ويبحث عن القواسم المشتركة التي تذيب خلافاته معهم, وتساهم في توحدهم, لا أن يخونهم ويقلل من شأنهم ومكانتهم ويعمل على إقصائهم, كونهم يختلفون عنه, أو يخالفونه في الرأي والمعتقد.
هكذا تكون الرجولة, وهكذا تكون المواطنة, وهكذا يكون حب الوطن والانتماء إليه.
أما غير ذلك فأنت لست أكثر من فرد على هامش وطنك, ليس لك حول ولا قوة. ومن يكون كذلك, سيكون سهل الانكسار, وسهل الانكسار يكون دائماً خائفاً وجباناً كونه لا يعرف نفسه ومواطنته وقيمته الإنسانية, وهو ذاته سيكون سهل الانقياد يحركه الآخرون كما يريدون, وغالباً ما يضحون به من أجل مصالحهم, كونه لا يساوي عندهم شروى نقير.
إن مثل هؤلاء الصغار داخل الوطن, لديهم القدرة أن يكونوا بيادق أو أحجار شطرنج بيد أعداء الوطن أيضا, حيث يجدون فيهم أداة طيعة لتحقيق مصالحهم في وطنهم,أي يتحولون إلى أدوات رخيصة في لعبة الأمم مقابل حفنة من الدولارات, أو طمع في منصب أو مكانة سياسية في بلدانهم, تحركهم إليها شهوة السلطة لديهم التي تعمي بصرهم وبصيرتهم كي ينالوها أذلاء على ظهر دبابة عدو.
ترى كم ظهر في عالمنا العربي في هذه السنوات العجاف من الخريف العربي من أحجار شطرنج, تبين أنها كانت في داخلها هشة ومنكسرة وضعيفة, وبالتالي ظهرت على حقيقتها عناصر تفتقد لكل سمات وخصائص الرجولة, وذلك عندما رضيت عن نفسها أن تكون أداة أو بيادق بيد أعداء الوطن من أجل الحصول على الغنيمة بشقيها المادي والمعنوي.
تصوروا كم هؤلاء البيادق رخيصين عندما يترجون أعداء وطنهم أن يضربوا بلدهم ويحتلوه كي يقضوا على نظام سياسي يدعون انه عدو لهم؟!. وكم هؤلاء الرجال رخيصين وصغار ويفتقدون إلى الرجولة عندما تموِل ما يسمونه ثورتهم ضد الظلم والاستبداد من قوى خارجية هي من تمارس الظلم والاستبداد على شعوبها وشعوب العالم؟!.
نعم إن مثل هؤلاء الرجال ليسوا رجالاً, بل بيادق أو أحجار شطرنج على ساحة لعبة الأمم

د.عدنان عويّد

لنشرة المحرر / 15 يوليوز 2014

‫شاهد أيضًا‬

باب ما جاء في أن بوحمارة كان عميلا لفرنسا الإستعمارية..* لحسن العسبي

يحتاج التاريخ دوما لإعادة تحيين، كونه مادة لإنتاج المعنى انطلاقا من “الواقعة التاريخ…