بقلم /د.عدنان عويّد
لكل ظاهرة في هذا الحياة تحولات في بنية سيروتها وصيرورتها التاريخيتين. وهذه التحولات دائماً تكون نحو الأمام بفعل قوانين التطور النوعي والكيفي معاً, وبفعل التبدلات التي تصيب هذه الظواهر بشقيها الإنساني والطبيعي معاً. وأن هذه التحولات, وبخاصة في عالم الإنسان, لا يمكنها أن تسير بخط مستقيم بسبب وجود محددات ومعوقات تحول دون سيرها هذا. فحياة الإنسان أو المجتمعات لا تتحرك وفق قوانين ثابتة صالحة لكل زمان ومكان كما يريدها البعض ممن أغلق نوافذ وأبواب التاريخ عليه, وظن نفسه قادراً أن يعش كخلية نحل تعيد إنتاج ذاتها في سيرورة وصيرورة فوق التاريخ. فالإنسان في طبيعته يتكون من حرية وضرورة, وهو مركب حاجات مادية وروحيّة لا ينضب معينها, وهذا ما يمنحح الإنسان القدرة على التجدد والتطور والتحدي لكل ما يعيق حركته نحو الأمام. إن هذه القدرة بكل مكوناتها, هي من يحقق حالات التطور والتقدم الحضاري عبر التاريخ.
إن الإنسان في كل مرة عبر مسيرته التاريخية يعيد خلق أو ولادة ذاته من جديد, ولكن بشكل ونوع أكثر تطوراً, فهو يتعرض هنا لحالات كثيرة من المخاضات والولادات, وفي كل مرة يعاني ويضحي الكثير من جهده ودمه وماله من أجل الوصل إلى كماله الإنساني المادي والروحي.
إذاً إن الحضارة الإنسانية بكل مستوياتها هي نتاج حالات مخاضات وولادات دائمة أو مستمرة.
والأسئلة الإشكالية هنا هو:
هل أمتنا العربية تمر اليوم فعلاً بحالة مخاض عسيرة تجلت فيها كل هذه المعاناة التي نعيشها؟. وهل بدأ الشعب العربي يدرك, أن كل الأيديولوجيات المفوته تاريخياً وعلى رأسها الأيديولوجية الدينية السلفية صاحبة شعارات, بل قوانين: إن النقل أهم من العقل. وإن الأسلاف لم يتركوا شيئاً للأحلاف, وعلى رأس هذه الشعارات أو القوانين أو الأحكام الشرعية يعاسيبها (ذكور النحل) ومن يأتمرون بأمرهم من اليعاسيب الحكام أيضاً الذين من مئات السنين وهم يلقحونا بهذا الفكر الإمتثالي الذي أوقف حركة التاريخ عندنا, وحول عالمنا وتاريخنا منذ القرن الثالث للهجرة حتى اليوم إلى عالم شبيه بخلية نحل, نعيد فيه في كل مرة إنتاج تخلفنا وقهرنا واستلابنا المادي والروحي بإسم الدين ويعاسيبه ؟.
نعم هذه هي الأسئلة المشروعة التي تطرح نفسها علينا اليوم, وما تولده هذه الأسئلة, أو تفيض به من أسئلة أخرى كثيرة تتعلق في آلية عمل, وحوامل اجتماعية, ووسائل وأدوات تستخدم اليوم من أجل تحقيق هذه الولادة.
إن هذه الأسئلة وما يتفرع عنها من أسئلة, هي برسم من يهمهم قضايا النهضة والتنوير العربية. مع تأكيدي أن هذه الأسئلة هي ذاتها التي طُرحت منذ بداية القرن التاسع عشر من قبل بعض المتنورين العرب الذين شكل عندهم تقدم هذه الأمة ونهضتها هاجساً إنسانياٍ وأخلاقياٍ .
نعم…. إنها أسئلة النهضة ذاتها التي لم تزل تعيد طرح نفسها حتى هذا التاريخ, وستظل تعيد طرح نفسها حتى تأتي الولادة (النهضة) من رحم هذا التاريخ الذي لم نستطع بعد أن نعرف أو نتعلم كيف نحقق هذه الولادة من رحمه بعد كل هذه المخاضات الكثيرة التي تعرضنا ونتعرض لها, كونها مخاضات لم تنجب لنا إلا يعاسيب لا يهمها إلا التلقيح من أجل التكاثر واللذة والسلطة والجاه فقط .
كاتب وباحث من سورية
لنشرة المحرر ..&& d;gd;: 2014