أبو الحسن الأشعري
- عن موقع وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية
وضع أبو الحسن الأشعري أصول المذهب الأشعري بعد أن تحول عن المذهب المعتزلي الذي كان قد تبناه منذ طفولته. لقب بـ”إمام أهل السنة والجماعة”، اعترافا بما قدمه للفكر العقدي السني القائم على التوفيق بين العقل والنقل..
نسب الأشعري ومولده
هو علي بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري وكنيته أبو حسن. ذكر المؤرخونأمثال ابن عساكر، وابن خلكان والإسفرايني والشهرستاني والبغدادي وغيرهم، أن أصله ينحدر من أصل جده الأكبر أبي موسى الأشعري، أحد الحكمين في موقعة صفين، ويعود نسبه إلى أسرة عربية نبيلة من اليمن، فقيه مسلم.
ولد سنة مائتين وستين هجرية على أرجح الروايتين، وقيل سنة مائتين وسبعين هجرية، في البصرة في العراق، ودرس فيها، ثم تابع دراسته في بغداد. قال عنه ابن عساكر في كتابه “تبيين كذب المفتري”: “وهو بصري، سكن بغداد إلى أن توفي بها سنة ثلاثمائة وأربع وعشرين هجرية، على الأرجح، وكان يجلس أيام الجمعات في حلقة أبي إسحاق المروزي الفقيه من جامع المنصور”.
طلبه للعلم وآثاره
تتلمذ على يد أستاذه أبي علي الجبائي (ت 303هـ)، شيخ المعتزلة.. وقد نبغ الأشعري في علوم المعتزلة، واشتهر بقوة الجدال والمناظرة والعمق الفكري بجانب محافظته على النقل..
وبجانب براعة الأشعري في علم الكلام كان أيضا فقيها وعالما ومحدثا، يميل كثيرا إلى حياة الزهد والبساطة، بل كان متصوفا في أغلب سلوكه..
ألف أبو الحسن الأشعري عدة مؤلفات ناهض من خلالها الفكر الاعتزالي، ودافع عن فكره ومعتقداته، ومن أشهر آثاره:”العمد” الذي ألفه سنة (320هـ) “مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين”، و”الردّ على المجسِّمة”، و”استحسان الخوض في علم الكلام”، و”الإبانة عن أصول الديانة”، و”مقالات الملحدين”، و”اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع”. ويقال إنه وضع تسعة وتسعين مؤلفاً دينياً .
الأشعري المعتزلي
كان الأشعري في بداية أمره معتزليا دافع عن آرائهم، ونافح عن قناعتهم. وناصر التأويل العقلي وناظر في الفكر الإعتزالي، وقد ظل على هذه الحال إلى أن وصل سن الأربعين ثم انقلب على المعتزلة، وشنّ عليهم حملةً شعواء، مؤكّداً ضرورة التمسك بأهذاب كتاب الله وسنَّة رسوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ وما رُوي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث.
من الإعتزال إلى الأشعرية
لقد اعترف هو بنفسه أمام الملأ وأشهد الناس عليه من كونه تبرأ من الاعتزال وانخلع من جميع ما كان يعتقده من قبل، ثم انخلع من ثوب كان عليه، ورمى بكل الكتب التي كان قد كتبها في الفكر الاعتزالي بعد أن طعن فيها، مما يدل من جهة أخرى على أن الأشعري كان قد ألف على مذهبهم مجموعة من الكتب.
وهذا التحول أو الانفصال له أكثر من دلالة معرفية في سياق تطور الفكر الإعتزالي وعلاقته بالجانب السياسي لدولة الخلافة العباسية.. يقول د. الأهواني في تحقيقه لكتاب “مقالات الإسلاميين” للأشعري: “إن أخطر مسألة في حياة الأشعري انفصاله عن شيخه الجبائي، وانعزاله وتحوله عن المعتزلة، وخروجه بمذهب جديد، قدرت له السيادة في شطر كبير من العالم الإسلامي”.
أما الأسباب التي أدت بالأشعري إلى التحول من الإعتزال إلى الإعتدال السني القائم على التوفيق بين العقل والنقل، فهي وإن تعددت الروايات فيها وتباينت آراؤها ومضامينها ومصادرها من حيث الصحة والضعف فإنها تبقى مجرد أسباب “مباشرة” لا غير، على أن يبقى السبب الرئيسي والحقيقي والهام هو ذلك السبب غير المباشر، والذي كان يختمر في ذهن الأشعري، ويتقوى يوما عن يوم كلما ازداد علما وفكرا وتدرج عبر مراحل فكرية من درجات الظن والشك والحيرة إلى درجة اليقين.. ولما جاء السبب المباشر، على اختلاف الروايات أعلن تحوله جهارا لينخلع من ثوب الإعتزال إلى الإعتدال السني..
والأسباب التي تتحدث عن تحول الأشعري من الاعتزال إلى مذهب أهل السنة، تنحصر في أكثر من رواية. ولعل أرجحها رواية ابن عساكر، كما نقلها الأهواني: “إن الأشعري تحير في المسائل التي لم يجد لها جوابا شافيا عند المعتزلة، فسأل الله أن يهديه إلى الطريق المستقيم ثم نام، فرأى الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام فقال له: عليك بسنتي، فلما استيقظ، رجع إلى الكتاب والسنة”
مرحلة تأسيس المذهب
لقد أسس الأشعري مذهبه أولا: على منهج “الاستقراء”، ثانيا على “التصنيف”، ثالثا على “الإستنتاج”، رابعا على “الحكم” خامسا على “الرد على الخصوم”، سادسا وأخيرا “تقرير مذهبه”.
فبخصوص منهج الإستقراء، نجد أن الأشعري قبل إخراج مذهبه للناس، قد استحضر كل مقولات الفرق الإسلامية في صدر الإسلام، واستقرأ كل ما عرض عن هذه الفرق من شبهات، مبتدئا في استقرائه بشبهة “الإمامة” وما قيل في شأنها من يوم وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم مرورا بعهد الخلفاء الراشدين، إلى قيام الفتنة الكبرى بعد مقتل عثمان، وحرب علي ومعاوية، ثم مسألة التحكيم” وما نتج عنها من مقولات الخوارج والشيعة والمرجئة والجبرية..
وأما منهجه في تصنيف الفرق، فإنه تابع لطريقة استقرائه المذكورة مع اعتماده على المنهجية التاريخية في سرد مقولات الفرق وأصحابها وعلاقة ذلك بالظروف التاريخية العامة، كما اعتمد في نفس الوقت على “المنهجية المذهبية” في تحليل آراء وتوجهات أرباب الشبهات والمقولات.. ثم يقسم الفرق الإسلامية إلى عشرة أصناف.
أما من حيث “الاستنتاج” فنجد أن الأشعري يقف عند كل مقولة، وما يعني أصحابها بمقولاتهم تلك، ثم يستشهد بذكر آرائهم في كل مسألة، مع ذكر بعض الخلاف داخل هذه الفرقة أو تلك، في بعض المسائل المتفرعة عن المقولة الرئيسية ثم يتفرع بعد ذلك إلى “المعتزلة”، ويخصص لهم الحيز الأكبر من كتابه المذكور (مقولات الإسلاميين) باعتبارها الفرقة التي شاركت كل الفرق للردود عليها.
وقد أورد أصول المعتزلة الخمسة بالتفصيل ثم تفرغ بعد ذلك للرد عليهم في المسائل المشهورة التي خالفهم فيها، وهي الصفات، والقدر، والسمعيات، وعدم تكفير العاصي..
ويقول الأشعري في تقرير مذهبه الذي يعتبره مذهب أهل السنة والجماعة.. “فهذه جملة ما يأمر به أهل السنة والجماعة ويستعملونه ويرونه، ونحن بقولهم نقول وإليه نذهب، وجملة ذلك: الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله، وما جاء من عند الله وما رواه الثقات عن رسول الله، لا يردون أهل (السنة)..”
ثم ينتقل إلى بيان موقفه العقدي من “مسألة الصفات”، فيقول: “… وأن أسماء الله لا يقال: إنها غير الله. كما قال المعتزلة والخوارج، وأقروا (أهل السنة) بأن لله علما، كما قال: “أنزله بعلمه”، وكما قال: “وما تحمل كل أنثى، ولا تضع إلا بعلمه”، و”أثبتوا (أهل السنة) السمع والبصر، ولم ينفوا ذلك عن الله كما نفته المعتزلة، وأثبتوا لله القوة كما قال :”أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة” وقالوا إنه لا يكون في الأرض من خير و شر إلا ما شاء الله وأن الأشياء تكون بمشيئة الله كما قال عز وجل: “وما تشاؤون إلا أن يشاء الله”، وكما قال المسلمون: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لا يكون، وقالوا (أهل السنة) إن أحدا لا يستطيع أن يفعل شيئا قبل أن يفعله: أي الله..
ثم يواصل الأشعري تقرير عقيدته على غرار أهل السنة والجماعة بخصوص قضية “القدر” وما يتعلق بها من وعد ووعيد وخير وشر وصلاح وإصلاح، فيقول: “.. وأن سيئات العباد يخلقها الله، وكذلك أعمالهم، وأن الله وفق المؤمنين لطاعته، وخذل الكافرين، ولطف بالمؤمنين وأصلحهم وهداهم ولم يلطف بالكافرين، ولو أراد لفعل ولكنه طبع على قلوبهم، وأن الخير والشر بقضاء الله وقدره”.
وهذا رد صريح على المعتزلة حين ينسبون الفعل للعبد. وبخصوص رده على من يقول بخلق القرآن، نجده يصرح معتقدا على غرار أهل السنة فيقول: “..ويقولون “أهل السنة- أن كلام الله غير مخلوق..” ثم يرد الأشعري على من يقول بعدم رؤية الله يوم القيامة، فيقول: “ويقولون “أي أهل السنة- إن الله يرى بالأبصار يوم القيامة، كما يرى القمر ليلة البدر، يراه المؤمنون، ولا يراه الكافرون لأنهم عن الله محجوبون..” ويرد على من يكفر صاحب الكبيرة كالخوارج فيقول: “ولا يكفر أهل السنة أحدا بذنب يرتكبه.. والإسلام عندهم “أهل السنة- غير الإيمان”. وهذا القول خلاف المرجئة الذين يقولون: يكفي أن يكون الإنسان مؤمنا، ولو بلا قيامه بالأعمال المتمثلة في أركان الإسلام، بينما نرى الأشعري هنا يقرر أن الإسلام إيمان وعمل وسلوك…
ثم يختم الأشعري مذهبه العقدي بقوله: “فهذه جملة ما يأمر به أهل السنة ويستعملونه ويرونه، ونحن الأشعري نقول ما ذكرنا من قولهم، وإليه نذهب، وما توفيقنا إلا بالله، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وبه نستعين، وعليه نتوكل، وإليه المصير..
وهكذا ظل أبو الحسن الأشعري يدافع عن السنة ضد خصومه إلى أن توفى في بغداد ودفن فيها سنة ثلاثمائة وأربع وعشرين هجرية على أرجح الروايات.
أقوال العلماء فيه
لقب “إمام أهل السنة والجماعة”، اعترافا بما قدمه للفكر العقدي السني القائم على التوفيق بين العقل والنقل..
قال عنه ابن عساكر: “… إنه المتكلم صاحب الكتب والتصانيف في الرد على الملحدة وغيرهم من المعتزلة الجهمية والخوارج وسائر أصناف المبتدعة”
وقال عنه ابن خلدون: “… ولما ظهرت بدع القول بنفي الصفات الواردة في القرآن، والقول بخلق القرآن وغيرهما مما يخالف أئمة السلف الذين شرد الكثير منهم حتى أصبح الأمر فتنة، انتهض أهل السنة بالأدلة العقلية على هذه العقائد، دفعا لتلك البدع، وقام بذلك الشيخ أبو الحسن الأشعري إمام المتكلمين، فتوسط بين الطرق.. ورد على المبتدعة في ذلك كله، وجادلهم فيما مهدوه لهذه البدع..”
كما يلخص لنا د. احمد فؤاد الأّهواني موقف العلماء والصوفية من الأشعري، فيقول: “كان الأشعري سببا في جمع كلمة المسلمين بعد تفرق وصراع وحروب.. ولما انتشرت طريقته، وذاع صيته، انتسبه كل مذهب إلى مذهبه فزعم الشافعية أنه كان على مذهب الشافعية وجزم بعضهم أنه مالكي ونص جماعة على أنه نشأ على مذهب أبي حنيفة… كما اصطنع الصوفية في القرن الرابع والخامس والسادس مذهبه في الكلام ودافعوا عنه في محنته التي سب فيها على المنابر”.
وقال فيه الصوفي عبد الكريم بن هوزان القشيري: “اتفق أصحاب الحديث على أن أبا الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، كان إماما من أئمة أصحاب الحديث، تكلم في أصول الديانات على طريقة أهل السنة ورد أهل الزيغ والمبتدعة، وكان على المعتزلة والروافض المبتدعين من أهل القبلة والخارجين عن الملة سيفا مسلولا..”
*************