‘داعش’ تحرق الحسينيات وتفجر الأضرحة الصوفية، ممارسات تتنافى مع قيم الدين الإسلامي، وتبرز بشاعة الفكر الدموي لهذه التنظيمات المتشددة.

 

عن  صحيفة العرب  [نُشر في 06/07/2014، العدد: 9611،

 

بغداد – نشر تنظيم “الدولة الاسلامية” الجهادي المتطرف صورا أظهرت عمليات هدم وتفجير لمجموعة من المراقد والأضرحة السنية ودور العبادة الشيعية في محافظة نينوى العراقية قامت بها عناصره.

وبث التنظيم في حسابه على موقع “تويتر” للتواصل الاجتماعي تقريرا مصورا تحت اسم “تقرير عن هدم الأضرحة والأوثان في ولاية نينوى”. ومن أبرز الأضرحة التي تم نسفها، بحسب ما ظهر في الصور، ضريح الشيخ فتحي وقبر البنت ومزار وقبر شيخ الطريقة الصوفية أحمد الرفاعي. وقد هدمت هذه المراقد بواسطة الجرافات.

في موازاة ذلك، أظهرت الصور تفخيخ مساجد شيعية وتفجيرها في الموصل (350 كلم شمال بغداد) وتلعفر (380 كلم شمال بغداد)، وبينها حسينيات جواد وقدو في تلعفر وحسينية القبة وسط الموصل.

ويدّعي عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية”، الذي أعلن “قيام الخلافة”، أن الإسلام يؤكد على هدم الأضرحة “حتى تسوّى بالأرض”، ويعتقدون كذلك أن القباب التي على القبور يجب هدمها كلها لأنها “أسست على معصية الرسول”. ويعارض هؤلاء أيضا بناء الحسينيات الشيعية.

وقوبلت هذه العمليات باستياء عارم بين أبناء سكان الموصل، حيث اعتبروها طمسا لحضارة مدينتهم. وقال أحمد محمود (51 عاما): “نشعر بالحزن الشديد لهدم هذه الأضرحة، لقد توارثنا هذا الشيء أبا عن جد وتعتبر من معالم المدينة ومشاهدها ونحن نعتز بها”.

هذا الاعتداء على الأضرحة والتماثيل ليس أمرا مستجدّا، بل سجّل في مختلف البلدان والمناطق التي مرّ منها الجهاديون على غرار أفغانستان ومالي وسوريا حيث مازالت آثار الهدم والتشويه شاهدا قويا على سلوك التنظيمات الجهادية تجاه الآثار والتراث بكل تنوعه الفني والديني والطائفي وبغض النظر عن قيمته المادية والتاريخية.

وقال مواطنون من الموصل إن “داعش” تشوه ثورة العشائر ضد الحكومة الطائفية المدعومة من إيران، وأن أساليبها في القتل على الهوية والذبح وهدم دور العبادة تخدم المالكي أكثر ما تعارضه، وليس مستبعدا أن تكون موجهة من إيران، كما ذكرت ذلك تقارير مختلفة.

وأشار هؤلاء إلى أن الاعتداء على دور العبادة والمزارات تكرر كثيرا في الحرب الطائفية خلال (2005 و2006) وكانت ميليشيات شيعية مثل منظمة بدر وجيش المهدي فضلا عن “القاعدة” أكثر من لجا إلى هذا الأسلوب الغريب عن المجتمع العراقي المتعدد الأعراق والطوائف.

يشار إلى أن تغطية خاصة يوليها الإعلام لداعش ضخمت من دورها في ثورة العشائر، خاصة أن تقارير مختلفة تقول إن أعداد مقاتليها في العراق بالمئات وأن غالبية المسلحين الذين سيطروا على المحافظات الغربية والشمالية هم من ثوار العشائر.

وفي سوريا كما في العراق شنّت “الدولة الإسلامية” هجوما عنيفا على الأضرحة ومقامات أهل البيت والتماثيل التاريخية، مثلما انتهكت حرمة الكنائس ورفعت رايتها على كنائس مدينة الرقّة ودمّرت محتوياتها وأفرغتها من رهبانها وراهباتها.

وهذه الممارسات التخريبية، ليست جديدة على التنظيمات الجهادية المنضوية تحت لواء القاعدة والتي تشاركها الأيديولوجيا.

ويشير تقرير لمركز العربية للدراسات إلى أن التيار الجهادي، بمختلف عناصره وتنظيماته، دأب على وضع الآثار ضمن قائمة خصومه، ففي مارس/ آذار عام 2001 قامت حركة طالبان الأفغانية بتدمير تماثيل بوذا في باميان باستخدام الديناميت بذريعة مخالفتها للشريعة الإسلامية وهي نفس الحجة التي تعتمدها كل الحركات الجهادية في العالم لاستهداف الآثار والتراث المادي في المناطق التي تسيطر عليها، وهي الحجة التي نسف بموجبها تمثال آشوري يبلغ عمره ثلاثة آلاف سنة الشهر الماضي في محافظة الرقة السورية على يد عناصر من تنظيم “داعش”.

وفي مالي لم تسلم تمبكتو -المصنفة ضمن التراث العالمي للبشرية من قبل منظمة اليونسكو- بوابة الصحراء والعاصمة الإسلامية الأشهر في أفريقيا من معاول الجهاديين. ويرصد تقرير مركز العربية للدراسات مجموعة من الاعتداءات التي طالت آثار تمبكتو ومعالمها، من ذلك إقدام حركة أنصار الدين الجهادية، في حزيران / يونيو 2012 على تدمير سبعة أضرحة ودور عبادة إسلامية في المدينة التاريخية. كما قاموا بإضرام النار في مكتبة مخطوطات قديمة في المدينة أثناء فرارهم منها قبل دخول القوات الفرنسية والمالية. وقام عناصر جماعة أنصار الدين بهدم العشرات من المدافن والمراقد والأضرحة في شمال مالي.

‫شاهد أيضًا‬

الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس يناقض أفكاره الخاصة عندما يتعلق الأمر بأحداث غزة * آصف بيات

(*) المقال منقول عن : مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية ألقى أحد الفلاسفة الأكثر…