في وقت مبكر من اعتلائه العرش، أعلن جلالة الملك محمد السادس خلال أشغال القمة الأوروإفريقية الأولى بالقاهرة في أبريل 2000، عن إلغاء ديون المغرب المستحقة على الدول الإفريقية الأقل نموا وإعفاء منتوجاتها الواردة إلى المغرب من الرسوم الجمركية. كان ذلك مجرد إشارة البداية التي ستعلن فتح صفحة جديدة في نظرة المغرب إلى علاقاته الإفريقية، حتى إن الزيارات الملكية للسينغال وبوركينافاسو وغينيا الاستوائية والكامرون وبنين وغامبيا والنيجر …. تكاد تكون أكثر من زيارات للبلدان المغاربية أو بلدان الشرق الأوسط.
يتعلق الأمر بتوجه دبلوماسي استراتيجي يقول عنه سعد الدين العثماني وزير الشؤون الخارجية والتعاون في لقاء مع السفراء الأفارقة المعتمدين بالمغرب، أن إفريقيا «تشكل أولوية بالنسبة للسياسة الخارجية المغربية، وأن استراتيجية المغرب في القارة السمراء،تجسد الهوية المغربية في إفريقيا»، وفي الأساس البراغماتي لهذا التوجه ثمة فكرة بسيطة وهي تفيد بأن «تنمية المغرب مرتبطة ارتباطا وثيقا بتنمية إفريقا سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي» ولذلك اتجه التعاون نحو أربعة محاور أساسية تهم تكوين الأطر الإفريقية، والمساعدة التقنية، والتعاون الاقتصادي والمالي، والتعاون الإنساني.
بلغة الأرقام، قام جلالة الملك بـ 21 زيارة إلى 13 بلدا إفريقيا، وحسب الطيب الفاسي الفهري المستشار الملكي الحالي والوزير السابق في الشؤون الخارجية والتعاون، فإن عدد الاتفاقيات التي وقعت خلال 11 سنة الأخيرة يماثل ما وقع من اتفاقيات من 1956 إلى 1999
وفيما تبدو العلاقات المغربية الإفريقية ذات ملمح اقتصادي بالأساس، إلا أنها سياسية في العمق، إذ يبدو المغرب في طليعة الدول المشاركة في عمليات حفظ السلام وتحقيق الانتقال الديمقراطي ببعض الدول الإفريقية جنوب الصحراء،وفي أكثر من مرة، يتدخل المغرب للدفاع عن الشرعية كما حدث مؤخرا في غينيا بيساو، وفي تحركاته الدبلوماسية خلال رئاسته لمجلس الأمن الدولي من أجل الحفاظ على وحدة مالي وسلامة أراضيه من المجموعات الإرهابية..
على أن عمليات حفظ السلام تبقى الوجه الأبرز لنشاط المغرب في سبيل الأمن والاستقرار بعدد من البلدان الإفريقية. ففي الكوت ديفوار والكونغو تنتشر تجريدة مغربية تحت لواء الأمم المتحدة التي أناطت بها مهمة حفظ السلام بهذين البلدين بعد سنوات من التطاحن الدموي الداخلي.
وقبل شهر، ظهر توجه دبلوماسي أكثر عمقا في نظرة المغرب إلى إفريقيا، ففي رسالة إلى المشاركين في القمة العادية لرؤساء دول وحكومات منظمة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، سيعرض جلالة الملك تصورا جديدا للتعاون بين الاتحاد المغاربي وإفريقيا يقوم على فكرة التنسيق الجماعي من أجل مواجهة التحديات الجديدة الناتحة عن انتشار الجريمة والمجموعات الإرهابية
ينطلق جلالته في تحليل الوضع الإقليمي من ملاحظة لافتة «إذا كانت بلدان الاتحاد المغاربي الخمسة، رغم كل الصعوبات والعراقيل التي تواجهها، قد تمكنت من تطوير الحوار مع دول غرب البحر المتوسط الخمس، وذلك منذ مدة ليست بالوجيزة، وكذلك مع الاتحاد الأوربي، فلماذا تتردد لفتح نفس الحوار مع دول الجوار الأقرب إليها في الجنوب، وهي التي تشاركها نفس التحديات والتهديدات؟» إنه تساؤل استنكاري ، تتبعه حقيقة استراتيجية، وهي أن الأزمة الحادة التي هزت دولة مالي، يقول جلالة الملك « لدليل واضح على عدم جدوى المقاربات الجزئية والانتقائية، أو الردود المجزأة لمواجهة واقع معقد ومتعدد الأبعاد، واقع يشكل خطرا على المنطقة برمتها.».
في الخلاصات والدروس، تبين هذه الأزمة «عن وجوب اعتماد استراتيجية شاملة تعتمد على العمل الجماعي الذي ما فتئ المغرب ينادي به منذ سنوات عديدة.» فنظرا لموقعها على خط تنشط فيه حركات تتخطى الحدود الدولية لتهريب الأسلحة والمخدرات والأموال غير المشروعة والهجرة السرية، يضيف جلالته « تحولت منطقة شمال مالي إلى منطقة “خارج القانون” ، وقبلة لعديد من الجماعات الإرهابية المستقلة المشكلة من عناصر تنتمي لجنسيات مختلفة تسعى إلى تحقيق أهداف وغايات تتجاوز بكثير الأراضي المالية» والهجوم العسكري الكبير الذي شن على جنوب مالي في العاشر من يناير المنصرم« لم يشكل خطرا فعليا على دولة مالي فحسب، مهددا بانهيار كيانها، بل مثل أيضا خطرا حقيقيا على دول الجوار والمنطقة بأكملها».
فبعد التعاون الاقتصادي والدعم السياسي، تدعو المقاربة الجديدة إلى تعاون إفريقي في مواجهة الجريمة المنظمة والتصدي للمجموعات الإرهابية التي تهدد سيادة واستقرار أكثر من بلد إفريقي سواء في غينيا أو نيجيريا أو مالي … وباختصار، إذا كان الإتحاد المغاربي مجمدا بسبب الجزائر، فإن إفريقيا تتيح إمكانات واعدة للنمو الاقتصادي في مواجهة الخصاص الاجتماعي والتعاون الأمني في مواجهة الخطر الإرهابي.