لا يمكن للاجتهاد أن يكون نافعا ولا مفيدا، فالذي عرفناه وعهدناه وخبرناه في مواقف العديد من القوى السياسية الوطنية فيما يتعلق بالعملية الانتخابية أنها كانت تلح في المطالبة بتكوين لجنة وطنية مستقلة للإشراف على الانتخابات، وهذه صيغة ملائمة ومفيدة وعملية لتجربة مغربية تشكو العديد من الإكراهات والتشوهات.
لم يعد أحد يصدق أن وزارة الداخلية ستشرف بما يلزم من منسوب نزاهة عالي على العملية الانتخابية وإن توفرنا على أحسن وأجود القوانين الانتخابية في العالم، لأن الإشكالية لا ترتبط فقط بوجود قوانين جيدة، بل إنها مسألة سلوك وثقافة سياسية يجب أن تكون راسخة بكل تلقائية، وهذا غير متوفر في حده الأدنى – مع كامل الأسف – ثم إن الجهة التي سخرت للإساءة للإنتخابات منذ عهود لا يمكنها أن تتحول دون أن تتغير البنية التي تنتمي إليها هذه الجهة إلى حاضنة لانتخابات خالية من العيوب والتشوهات.
ثم إن ابتكار تعبير جديد يتحدث عن التفريق بين الإشراف السياسي والإشراف التنظيمي يعكس وجود حالة عجز ويكشف التفطن إلى حالة الورطة في التشبث بموقف الأمس الذي لم يكن يرى لضرورة إحداث اللجنة الوطنية للإشراف على الإنتخابات بديلاَ، وأمام الرغبة في إيجاد مخرج لهذه الورطة يتم اليوم الحديث عن صيغتين للإشراف السياسي والتنظيمي.
والحقيقة إن الحديث بهاتين الصيغتين يعني أن لا شيء سيتغير فيما يتعلق بالانتخابات، لأنه في نهاية المطاف ستبقى وزارة الداخلية هي الجهة المشرفة عمليا على الانتخابات، وأن الإشراف السياسي عليها سيقتصر على المشاورات السياسية.
ثم إن الحديث عن صيغتين للإشراف على الانتخابات وخضوع كل إشراف لجهة معينة يعني أن الحكومة نفسها تكشف للرأي العام الوطني عن وجود تفكك خطير داخلها ويعلن رئيس الحكومة بعظمة لسانه عن تشرذم وانعدام الثقة في وزرائه، وهذا عنوان من عناوين حكومة مغربية بخصوصية مغربية، والله غالب.
*** بقلم // عبد الله البقالي ***