وقف الرأي العام بمختلف مكوناته وقفة إنسان واحد، معبرا عن تعازيه لخالد عليوة في فقدان والدته السيدة الفاضلة زبيدة بنت أحمد تغمدها الله برحمته. وكانت الرسالة الملكية أسمى تعبير عن المواساة في هذا المصاب الجلل. وخصصت جل اليوميات والأسبوعيات صفحاتها الأولى وحيزا مهما للحدث. كما توافدت على منزل المرحومة، في ديور الجامع بالرباط، شخصيات رسمية حكومية وقيادات الاحزاب الوطنية من المعارضة والأغلبية، ومسؤولون عن مؤسسات دستورية وعمومية، وممثلو جمعيات حقوقية وإنسانية ومدافعة عن المال العام والمجلس الوطني لحقوق الانسان ومنظمات المجتمع المدني، ونقابات وفنانون وأدباء وصحفيون ورجال أعمال ومناضلون ومواطنون أتوا من كل حدب وصوب، علاوة على برقيات الشخصيات الأجنبية والدبلوماسيين .
هذا الإجماع الذي حصل في تلك الأيام الأربعة التي قضاها خالد عليوة، نصف طليق لتقبل التعازي، لأحسن دليل على قوة الرسالة التي رغب الجميع في بعثها بخصوص مبدأ الحرية وحمايته وتطويقه بالحرمة التامة.
إن الحرية، حرية المواطن المغربي من أي تعسف أو تطاول هي مبدأ قانوني وسياسي، وقبل هذا وذاك ثقافي وحضاري. فالأمة لم تصدّر به قانونها الأسمى، الدستور، كي يكون مجرد نص غير ملزم لمن وضعت فيهم أمانة تفعيله. إن الدستور مرجع تقاس به نوعية الدولة التي اختارها المغاربة لأنفسهم. والمغاربة اختاروا نمط دولة الحق والقانون، ودولة الحق والقانون لا تستقيم إلا بفصل السلط، وفصل السلط لا يستقيم بدوره إلا باستقلال القضاء.
إن وضع خالد عليوة رهن الاعتقال الاحتياطي لمدة تزيد عن 252 يوما، رغم كل الضمانات التي تتوفر فيه، يعني ضرب الحرية وانتفاء شروط المحاكمة العادلة وخرق حقوق الدفاع والاعتداء على مقتضيات الدستور، وعلى المواثيق الدولية وقانون المسطرة الجنائية و حتى الأعراف، وهذا وضع غير مقبول لا نرضاه لبلادنا . والقضاء ليس فوق الدولة كما قد يتخيله البعض ، بل إنه جزء منها. وللحكومة وكل مكوناتها مسؤولية جسيمة إذ تمادت في غض الطرف عن ذلك. فالأمر مخل بأسس دولة الحق والقانون.
نحن متشبثون بمبدأ المحاسبة ومقاضاة كل من يجب مقاضاته. وخالد عليوة، كمواطن، غيور على وطنه يعطي الدليل يوميا، ومنذ البداية، على احترامه لمتطلبات الحساب، حاضرا في كل المحطات باستثناء تلك التي أقصي منها عمدا والتي حرمته من حقه في الدفاع، فترتبت عنها متابعة ظالمة أمام قضاء الجنايات بدل المجلس الأعلى للحسابات كما تنص على ذلك القوانين المنظمة للمحاكم المالية.
عاد خالد عليوة الى السجن… نقل إليه من طرف نجله ياسين وكريمته ريم… وأخذ في حقيبته الصغيرة جزءا من حرية كل واحد منا. وترك كل واحد يفكر في مأساة العدالة التي مازالت تشكل حجرة عثرة أمام التماسك الاجتماعي، وتعرقل النمو الاقتصادي والانخراط في صرح الأمم الراقية . تلك الأمم التي لا تيسر المناخ الملائم للاستثمار فقط، ولكن تنمي في أبنائها حب الترعرع بها وتحفز غيرهم على قصدها للتمتع بلذة الحياة الآمنة بين ظهرانيها.
لقد عاد عليوة إلى السجن ، ليثبت أن الاعتقال الاحتياطي في حقه بلا مبرر أخلاقي، بالأحرى أن يكون قضائيا أو «أمنيا، »وليؤكد ما أكدته الأيام بأن هذا الإجراء عنوان على اعتقال الحرية والحق، والذي أدت محنته بالعديد من المتتبعين الى القول إن الجميع أصبح في حالة سراح مؤقت.
ورحم الله زبيدة بنت احمد عليوة.