مصطفى المتوكل / تارودانت
26 يونيو 2014
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .. “من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في ان يدع طعامه وشرابه “
“كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ “(البقرة)
فمهمة الصوم كما توضح ذلك الاية الكريمة تتحدد فيما يتحقق من نتائج تربوية تؤدي الى تغير في سلوك وطباع الصائم وتبعده وتقيه من كل اشكال الانحراف الاخلاقي والسياسي والمادي والاجتماعيى …ذلك ان التقوى ماخوذة من الوقاية وما يحمي به الانسان نفسه …وهي ان تجعل بينك وبين ما حرم الله حجابا وحاجزا …فالصوم معتبر ومعتمد في جميع الأديان السماوية والوضعية ، وحتى في الوثنيات بانه يكون ..اما بالامتناع عن اكل بعض الاطعمة في بعض الايام او بالامتناع عن بعض العادات والافعال او صيام شهر رمضان كما هو الحال عندنا ..
.….فالصوم لغة الامساك عن الشيئ وشرعا الامساك عن الاكل والشرب وسائر المفطرات مع النية من طلوع الفجر الى غروب الشمس … انه امتناع وانضباط واتزان وتحكم في النفس وتمرين للارادة …فالعدالة الدنيوية المادية لاتتحقق الابصوم الانسان عن الظلم والمكر والخذاع …والتطور البشري والبناء الديموقراطي لايكتمل الا بالصوم عن التزوير وعن شراء الذمم وعن التحايل السياسي وعن حماية كل مظاهر الفساد ….
ان الصوم الذي نحن مقبلين عليه كمسلمين ليس القصد منه في جوهره التعبد فقط او الامتناع عن الشهوات لساعات معلومة شرعا .. بل بنقل وتنزيل فلسفته الروحية الى واقعنا المادي في جميع تجلياته ومستوياته .. فان لم تمنعنا صلاتنا عن الفحشاء والمنكر فكاننا لم نصل .. وان لم يمنعنا الصيام عن الظلم ليس فقط في شهر رمضان بل في كل اشهر السنة و على امتداد العمر فكاننا لم نصم.. وقد يصدق علينا قوله صلى الله عليه وسلم “رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش… ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر و الحمى)
… انه لقبول العمل من الانسان شروط جلية تبدا من حسن النية الى العمل الصالح المشبع بالقصد الجميل الخالي من الانتهازية والمنافع الشخصية .. وبالصوم عن كل الخطايا.. و عن كل مالا تقبله النفس الراشدة المتزنة من الآثام والمعاصي .. وعن كل انواع واشكال المخالفة لعرف وشرع وعقيدة صالحين …
و لقد شرح سيدنا علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- فلسفة الصيام بانها ..(صوم القلب خير من صيام اللسان، وصوم اللسان خير من صيام البطن).
…فلو صامت الحكومات عن رفع الاسعار والاجهاز على حقوق الناس والتضييق على حرياتهم … ولو صام اهل الحل والعقد عن التجبر والعجرفة والتسلط …ولوصام الاحتكاريون والجشعون والمرابون عن اكل اموال الناس بالباطل … ولو ان الدول التي تسمي نفسها عظمى صامت عن التطاول على غيرها من الدول بعدم انتهاك حرماتها والمساس باستقلالية قراراتها …ولو صام كل متشدد ومتطرف ايا كان مذهبه ومعتقده عن ترهيب الناس وترويعهم …ولو .. لكنا في بيئة سليمة لاشك انها ستحقق التوازن والتعاون والتضامن والتكامل والتكافل والاحترام المتبادل ووحدة المصير عند الجميع …ولاصبحنا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا … ولكنا بالفعل بمنطق القران ” خير امة اخرجت للناس “و”ان اكرمكم عند الله اتقاكم ” و” المسلم من سلم المسلمون -الناس – من لسانه ويده “
…أن الإنسان بطبيعة الحال تحكمه وتوجهه عاداته ان تمادى في الخلط بين الصالح منها والفاسد … فيصبح الممنوع والمحظور شرعا وعقلا وحقوقيا امرا طبيعيا وسلوكا مستساغا بل و يتواطا العديد على غض الطرف عنه ويجتهدون في ايجاد المبررات الواهية للقبول به كالرشوة والمحسوبية والريع واستغلال النفوذ و….
… فكما ان كل من يعاني من السمنة فهو في حاجة الى الحمية بعدم الاسراف في الاكل وضرورة تنظيمه .. وهذا ميسر في هذا الشهر لان الامتناع عن الاكل واجب وجزء اساسي في ركن الصيام ..فاننا نحتاج الى حمية نقوي ونحصن بها انفسنا وافكارنا وابداننا وقراراتنا لمواجهة كل انواع الظلم والاستبداد بدءا بذواتنا ومؤسساتنا وسياساتنا …
…وإذا كان الصيام جُنَّة اي ساترا من النار – كما في ورد في حديث رواه أبو هريرة (ض)- قال: قال رسول الله – صَلَّى الله عليه وسلم -: ((قال الله – عز وجل – كُلّ عمل ابن آدم له، إلاَّ الصَّومَ، فإنَّه لي، وأنا أجزي به، والصيام جُنَّة، فإذا كان يوم صيام أحدكم، فلا يَرْفُث، ولا يصخب، فإن سَابه أحد أو قاتَلَه، فلْيَقل إنِّي صائم، إني صائم، والذي نفس محمد بيده، لَخَلُوفُ فم الصَّائم أطيب عند الله مِن ريحِ المِسْك، للصَّائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه))؛ رواه البخاري-…فان فلسفته في شقها النفسي والمادي والعملي ستكون ساترا من كل المظالم والشرور والاثام في كل مجالات الفعل الانساني السلبية والمشينة …قال تعالى ..” اني نذرت للرحمن صوما ” اي صمتا وامتناعا عن الكلام ..وقال (ص) ..” من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيرا او ليصمت “
فصمت البعض من المسؤولين عن تحقير الناس واستفزازهم واعلان القرارات المجحفة خير لهم من الامتناع عن الطعام والشراب… ذلك ان الافعال والاقوال يقاس صلاحها بصلاح احوال الناس وظروف ومستوى عيشهم …والعبرة بنتائج وانعكاسات سياسات الحكومات في هذا الشهر الفضيل وغيره من ايام السنة لا بالكلام المنمق المفرط في تزييف الحقائق وقلبها وتجميل الواقع المتردي … فالجوع لايذهبه الحديث عن الطعام .. كما البرد لا يحد منه وصف النار .. انه لابد للحكام ان يضبطوا امورهم بمعايير وجوهر الصيام الذي يفترض شرعا انه يهذب الطباع ويربي على التراحم وفعل الخير ودحر الظلم وانصاف الناس …
…ف (( ياباغي الخير أقبل، وياباغي الشر أقصر))،كما قال رسول الله (ص)