جامعة فاس ترفض ‘إكراهها’ على الإسلام السياسي! |
الجامعة المغربية تفخر بأنها ‘واحدة من آخر معاقل اليسار’ الراديكالي في المملكة وتشكو من مساعي طلبة حزب العدالة لاكتساحها عنوة. |
عن ميدل ايست أونلاين |
29 ماي 2014
فاس (المغرب) – يصف طالب في جامعة مدينة فاس وسط المغرب بفخر هذه الجامعة بأنها “واحدة من آخر معاقل اليسار” الراديكالي لكنها تواجه في الوقت نفسه اكتساحا للإسلاميين، كان آخر مظاهره وفاة طالب في العشرينات بعد مواجهات دامية.
وتحت أروقة جامعة “ظهر المهراز”، وعند بوابتها بالضبط حيث وقف عشرات الطلاب في طابور من أجل دخول المطعم الجامعي، تحلقت مجموعة من الطلبة المناضلين تحت شمس صباحية حارقة، فيما يسمى بـ”الحلقة الطلابية” لمناقشة أحد المواضيع.
ويتعالى صوت أحد الطلبة بينهم ويقول “جامعتنا معقل لليسار الماركسي اللينيني، ومن هنا دافعنا دائما عن مصالح الشعب..”.
وتعتبر جامعة “ظهر المهراز” أقدم جامعة في المغرب بعد جامعة “محمد الخامس” في العاصمة الرباط، حيث تم تشييدها على أنقاض ثكنة عسكرية قديمة يعود تاريخها إلى الحماية الفرنسية، وتبرز للزائر من بعيد، أسطح أجنحتها المغلفة بالقرميد الأحمر.
ورغم أن هذه الجامعة كمجموعة من المؤسسات الجامعية المغربية الأخرى، عرفت منذ بداية التسعينات اجتياحا للحركة الإسلامية، لكن تأثير “القاعديين” وهي تسمية يحملها الفصيل اليساري الراديكالي، بقي على حاله في “ظهر المهراز”.
ويقول المعطي منجب المؤرخ المغربي ان “التقليد اليساري الخاص بهذه الجامعة ليس وليد اليوم (…) فقد كانت من بين الجامعات القليلة التي قاومت المد الإسلامي”، مؤكدا طبيعة “التضامن الاجتماعي” السائد بين الطلبة.
ويعطي منجب المثال بالطلبة الذين لا يملكون ثمن شراء تذكرة دخول المطعم الجامعي حيث “يكفي ان يحرك الطالب المفاتيح في يده، ليقوم رفاقه بتزويده بتذكرة تمكنه من وجبة طعام”.
لكن روح التضامن بين الطلبة داخل جامعة “ظهر المهراز”، غابت في 24 نيسان/أبريل، حين اندلعت اشتباكات عنيفة بالسيوف والسكاكين ما بين الفصيلين الإسلامي واليساري، ما أسفر عن مقتل شاب في العشرينات.
ووفق بيان صادر عن السلطات المحلية لمدينة فاس، فإن الشاب عبد الرحيم الحسناوي (21 سنة) فارق الحياة في المستشفى متأثرا بجراحه.
ووفق البيان نفسه فإن “المركب الجامعي ظهر المهراز، بمدينة فاس، شهد مناوشات، تطورت فيما بعد إلى مواجهات بين طلبة كل من فصيلي التجديد الطلابي والنهج الديمقراطي القاعدي، استعملت فيها الأسلحة البيضاء”.
ووقعت الاشتباكات بعدما حاول طلبة ينتمون لفصيل “النهج الديمقراطي-البرنامج المرحلي”، منع ندوة بالقوة، بعنوان ‘الإسلاميون واليسار والديمقراطية’، دعت إليها “منظمة التجديد الطلابي” الإسلامية، وكان من بين المتدخلين فيها قيادي حالي في حزب العدالة والتنمية، اتهم سابقا بقتل أحد الطلبة اليساريين في التسعينات.
ومنظمة التجديد الطلابي فصيل إسلامي، يعتبر نفسه “منحازا للمشروع الإصلاحي الرسالي لـ’حركة التوحيد والإصلاح'”، التي تعتبر الذراع الدعوي لحزب العدالة والتنمية الإسلامي، الذي يقود التحالف الحكومي الحالي.
أما النهج الديمقراطي القاعدي، فهو فصيل يساري راديكالي يؤمن بالصراع الطبقي و”قيادة الطبقة العاملة للثورة الديمقراطية الشعبية”.
وندد الطلبة “القاعديين” بما وصفوه “استفزازا وإنزالا” للإسلاميين في الجامعة.
ويقول محمد الوافي ان الضحية “لم يكن يدرس في جامعتنا، فقد جاء مع طلبة آخرين من مدينة مكناس (على بعد خمسين كيلومترا من فاس)، وذلك بهدف استفزازنا”.
ويضيف الوافي “لقد كان إنزالا مسلحا بغرض الهجوم علينا، ولم يكن القاعديون وحدهم من بادر بالهجوم”.
وكان من بين أبرز الوجود المدعوة الى محاضرة ذلك اليوم، التي انقلبت الى عنف وضحايا، عبد العالي حامي الدين، القيادي الحالي في حزب العدالة والتنمية الإسلامي.
وارتبط اسم عبد العالي حامي الدين الذي درس في الجامعة نفسها، بالتورط في مقتل طالب من الفصيل اليساري الراديكالي في التسعينات (1993)، يدعى محمد آين الجيد، حيث اعتقل حامي الدين حينها وقضى سنتين في السجن.
لكن مع اطلاق العاهل المغربي الملك محمد السادس لهيئة الإنصاف والمصالحة بداية 2004، بغرض المصالحة الوطنية، برأت هذه الهيئة القيادي الإسلامي بموجب “مقرر قضائي”، وعوضته لقاء السنتين اللتين قضاهما في السجن.
ورغم هذه التبرئة عادت فجأة، عائلة الشاب آيت الجيد، بعد عشرين سنة، لتوجه التهمة من جديد لهذا القيادي الإسلامي، الذي صار حزبه يقود التحالف الحكومي لأول مرة في تاريخه.
وبخصوص ما جرى في جامعة فاس، ينفي رشيد العدلوني رئيس الطلبة المنتمين لحزب العدالة والتنمية، أي استفزاز من طرفهم.
ويشرح العدلوني “قررنا تنظيم مؤتمر بوجود رمز من اليسار هو حسن طارق (عن حزب الاتحاد الاشتراكي المعارض)، ورمز آخر يمثل الإسلاميين هو عبد العالي حامي الدين”، مضيفا، “لكن تلقينا هجوما إرهابيا منظما (…) من قبل ‘عصابة’ ترغب في خدمة أعداء الديمقراطية”.
واعتقلت مصالح أمن مدينة فاس بعد اندلاع المواجهات، ثمانية طلبة قالت إنها تشتبه في تورطهم في أعمال العنف التي حصلت، وأحالتهم على النيابة العامة من أجل تقديمهم أمام قاضي التحقيق، ثم محاكمتهم فيما بعد.
في المقابل جرت مراسم تشييع جثمان الطالب عبد الرحيم الحسناوي، في مسقط رأسه قرب مدينة الرشيدية جنوب شرق المغرب، بحضور عبدالإله بن كيران، رئيس الحكومة المغربية.
وعقب تلك الأحداث، قال وزير الداخلية المغربي إن السلطات الأمنية المغربية منذ انطلاق الموسم الدراسي الجامعي خريف 2013، أوقفت أكثر من 120 طالبا بسبب “أحداث العنف”.
وفي هذا الصدد، كما شرح الوزير “تم إصدار قرار مشترك مع وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، عبر منشور يسمح للسلطات المحلية بالدخول الى الجامعات والأحياء الجامعية إذا كان هناك تهديد للأمن أو للنظام العام، وذلك بهدف حماية الأرواح والأشخاص والممتلكات”.