باحثون وأساتذة جامعيون: بنكيران فرَّطَ في صلاحياته الدستورية
موقع بلادْنا – الرباط
عن موقع بلادنا
24 ماي 2014
ناقَشَ باحثون وأساتذة جامعيون مكانة مؤسسة رئيس الحكومة في دستور 2011، ودورها في الحياة السياسية المغربية، وأجْمعوا على فكرة “تفريط رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران في ممارسة صلاحياته الدستورية الحصْرية” مُهمّشاً بذلك المكانة المتميّزة التي حظيَت بها مؤسسة رئاسة الحكومة في دستور 29 يوليوز 2011، واستحضروا وقائع تنازَل فيها بنكيران عن صلاحياته الواسعة لفائدة مؤسسات أخرى.
ومناسبة هذا النقاش الدستوري هو إختضان كلية العلوم القانونية والإقتصادية -أكَدال- في الرباط لندوة تقديم كتاب بعنوان “مؤسسة رئيس الحكومة في الدستور المغربي لسنة 2011″، للباحث الجامعي، أمين السعيد، مساء أمس الجمعة 23 ماي.
وتميّزت هذه الندوة بحضور مُكثّف للطلبة والباحثين– أبْهَرَ الأساتذة الجامعيين المشاركين في هذه الندوة ، وهم: الأستاذ أحمد بوجداد، رئيس مختبر القانون العام والعلوم السياسية، الأستاذ حسن طارق، الأستاذ أحمد مفيد، الأستاذ عبد الرحيم المصلوحي و الأستاذ عبد الرحيم المنار اسليمي.
طارق: الحكومة تنازلت عن صلاحيتها وفكرة البرْلَمانية ماتَتْ
أكّد حسن طارق، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بكلية الحقوق في سطات، على أن جوهر الإصلاح كان هو تقوية صلاحيات السلطة التنفيذية، مُشيراً إلى أن هذا السّقْف “السياسي” فرضته حركة 20 فبراير وأيضاً خطاب 9 مارس، الذي أعلن فيه الملك عن مبادرة إحداث إصلاح دستوري شامل.
وتابع طارق قائلاً بأن دستور 2011 قام بتقوية صلاحيات الحكومة من دون أن يُنقِصَ من سلطات المؤسّسة الملكية، لنكون بالتالي أمام نظام جديد قَطَع مع الملكية التنفيذية وَوَضَع المغرب على سكّة التحوّل البرلماني، مؤكداً بالتالي على عدم وُجود نظام برلماني في التجربة الدستورية المغربية الحالية.
وأرْدف طارق موضحاً بأن “فكرة البرلمانية ماتَتْ”، مُنوّهاً إلى أن “العلاقة بين البرلمان والحكومة تُفرز لنا نظاماً برلمانياً، لكن العلاقة بين الملك وباقي المؤسسات تُطابق معايير النظام الرئاسي.
وانتقد طارق بعض تصريحات بنكيران وبالخصوص التي يقول فيها رئيس الحكومة: “إن الملك هو الذي له حق إقالتي”، علماً أن الدستور الحالي لا ينص على حقّ إقالة الملك لرئيس الحكومة المُعيّن بناء على نتائج الانتخابات التشريعية.
وأشار طارق أيضاً إلى التنازلات الكبيرة التي قدّمها رئيس الحكومة لمؤسسات أخرى، سيما بمناسبة إعداد القانون التنظيمي رقم 02-12 المتعلق بالتعيين في المناصب العليا، حيث فَوّتَت فيه الحكومة صلاحياتها الحصرية للملك، وَوسّعت مجال الإشراف الإستراتيجي، يقول حسن طارق.
مُفيد: نمط الإقتراع الحالي يُضعف مؤسسة رئيس الحكومة
اِنتقد أحمد مفيد، أستاذ القانون الدستوري وحقوق الإنسان، بكلية الحقوق بفاس، نمط الإقتراع المعمول به في انتخاب اعضاء مجلس النواب، مؤكداً على أن الاقتراع النسبي المقْرُون بأكبر البَقَايا ” PLUS GRAND RESTE” لا يُمْكنه أن يُفرز حكومة منسجمة وُمريحة لرئيسها ، وإنما يُشتّت أصوات الناخبين ويُبلْقِن المشهد السياسي.
ولتجاوز هذا الإشكال، دعا مفيد إلى اعتماد أسلوب التمثيل النسبي المقرون بأكبر المعدّلات، موضّحاً بأن هذا النمط من الاقتراع من شانه أن يُفرز حكومة منسجمة لا يتعدى عدد الأحزاب المُمثلة فيها حزبين على الأكثر.
وأشار مفيذ كذلك إلى أن مستوى الممارسة السياسية الراهنة لا يرقى إلى مستوى الوثيقة الدستورية المتقدمة على مستوى الصياغة والمضمون بالرغم من الملاحظات الكثيرة التي يُمكن أن يُبديها الباحث بشأن بعض أبواب وفصول الدستور، مؤكّداً على أن الإشكال اليوم لا يوجد في النص الدستوري وإنما في الممارسة السياسة، حيث الملك لوحده حريصٌ على التطبيق الديمقراطي للدستور عكس باقي المؤسسات.
كما أعاب مفيد على الحكومة عدم عقدها لجلستها السنوية رغم مرور ثلاث سنوات من توليها مسؤولية تذبير الشأن العام، مؤكداً على أن رئيس الحكومة هو الذي يتحمّل مسؤولية تأخره في عقده لجلسةٍ منصوصٌ عليها في الدستور.
وأبْرَز مفيذ كذلك البُطء الشديد للحكومة في تنزيل مضامين الدستور، حيث اكّد على أن الدستور ينص على 25 في المائة مما هو كائن، بينما 75 في المائة متروكة للقوانين التنظيمية والعادية.
المصلوحي: من هو رئيس الوزراء؟
اِتفق عبد الرحيم المصلوحي ، أستاذ القانون العام و والعلوم السياسية، بكلية الحقوق أكًدال، مع وِجهة نظر أحمذ مفيذ حوْل نمط الإقتراع المعمُول به في انتخاب أعضاء مجلس النواب، حيث شَدّد المصلوحي على أن نمط الإقتراع الحالي يطرح مُعضلة حقيقية، ولا يُمكِننا تنزيل الوثيقة الدستورية بنمط الإقتراع الحالي، الذي يُبلقِن المشهد السياسي ويُضْعِف رئيس الحكومة. إلا ان المصلوحي اختلف مع مفيذ في طبيعة نمط الاقتراع الذي من شأنه أن يتجاوز الإشكالات الحاصلة الآن ، ودعا إلى تجريب نمط “الاقتراع المختلط”، الذي يُعطي رئاسة الحكومة للحزب الذي حصل على أكبر عدد من الأصوات.
وَوَضّح المصلوحي هذه الفكرة بقوله ” نأخذ في البداية الاقتراح اللاّئحي، وفي مرحلة ثانية نُطبق نظام المكافأة بالمقاعد للحزب الذي تزعّم النتائج كي يحصل على الأغلبية، ويقدم برنامجاً واحداً عوض هذا الاختلاط الحاصل حالياً في الحكومة المغربية”.
وشبّه المصلوحي النظام السياسي المغربي الحالي بـ “النظام الأوريالي” الذي سادَ في فرنسا مع لويس فيليب الأول آخر ملوك فرنسا سنة 1830، حيث أفرز سلطتين متقاربتين هما الملكية والبرلمان، فحلّ البرلمان من طرف الملك غير مُقيَّد إلا بالتشاور مع رئيس الحكومة، والمسؤولية المزدوجة للحكومة أمام البرلمان، فحل البرلمان يُفضي إلى حل الحكومة، والذهاب إلى انتخابات تشريعية جديدة.
وطرح المصلوحي تساؤلاً قال فيه : من هو رئيس الوزراء؟ ليُجيب قائلاً فإن رئاسة الوزراء مشتركة بين الملك ورئيس الحكومة، “فالملك يُعيّن اعضاء الحكومة ويُعفيهم باقتراح من رئيس الحكومة…، ورئيس الحكومة يقترح على الملك تعيين أو إعفاء عضو من أعضاء الحكومة أو أكثر..”.
اسليمي: هناك دستور جديد يُكتَب، وبروفايل بنكيرانْ هو الأصْلَحْ
نَبّهَ عبد الرحيم منار اسليمي، رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل الساسيات، إلى أن فكرة البرلمانية ماتَتْ، وقواعد النظام الرئاسي مازال موجودة، مؤكداً على أن البرلمان يدور في فراغ، ورئيس الحكومة لا يُمارس صلاحياته.
وأكّد اسليمي على أن اليوم لدينا دستور بدون أعمال تحضيرية، وبالتالي فكل ما يقوله الباحثون فهو مشروع، ما دُمْنا لا نتوفر على الأعمال التحضيرية التي توثّق لمراحل صياغة وكتابة الدستور الحالي، وبالتالي فنحن إزاء دستور جديد يُكْتَب.
وأضاف أستاذ القانون الدستوري و العلوم السياسية قائلاً: “إن مَن ما ساهموا في صياغته الدستور الحالي كانوا متأثرين ومنفعلين بأحداث الشارع ، فأرادوا أن يأتي الدستور جامعاً لكل شيء، وهو ما ادّى إلى إنتاج دستور يُعاني خَللاً في التوازن بين مجموعة من بنوده”.
وفي السياق ذاته، انتقد اسليمي اهتمام الأحزاب برئاسة الحكومة أكثر من اهتمامها بإفراز قيادات قادرة على تحمّل هذه المسؤولية، مما أفرز صراعات داخلية.
وفي قراءته للسلوك السياسي لرئيس الحكومة الحالي، قال اسليمي: “إن بنكيران أحياناً يكون رئيس حكومة، واحياناً زعيم حزبي، وأحياناً أخرى زعيم جماهير”، لكن بنكيران – بحسب تعبير اسليمي- يبقى هو البروفايْل الأصْلحْ في الفترة الراهنة.
السعيد: بنكيران لم يستطع المُرافعة على صلاحياته الدستورية
من جهته اعتبر أمين السعيد، صاحب مؤَّلّف ” مؤسسة رئيس الحكومة في الدستور المغربي لسنة 2011″، إن بنكيران لم يستطع المرافعة على صلاحياته الدستورية، كما لم يستطع الحفاظ على موازين القوى التي أفرزتها تحركات الشارع المغربي، وموجة “الربيع العربي”، والتي ساهمت في تبوُّء حزب العدالة والتنمية صدارة نتائج اقتراع 25 نونبر 2011.
ووافقَ السعيد، قول حسن طارق بموت فكرة البرلمانية، وأكّد على أن بنكيران فرّط في المكتسبات الدستورية التي جاءت في الوثيقة الدستورية الحالية، لنكون بالتالي قريبين من العودة إلى دستور 1996.
سعيد تمام